التصرف في أراضي الدولة منوط بالهيئة العامة للأراضي
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
اناط قانون أراضي وعقارات الدولة بالهيئة العامة للأراضي مسألة الإدارة والإشراف والرقابة على أراضي وعقارات الدولة، لكن تصرف الهيئة العامة محكوم بالقوانين واللوائح ذات الصلة، فهي في تصرفاتها تخضع لرقابة القضاء عن طريق الدعاوى التي يتم رفعها أمام القضاء من قبل المتضررين من تلك التصرفات التي تباشرها هيئة الأراضي، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27-2-2013م في الطعن رقم (47510)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((اما ما ورد في السبب الثاني من قول الطاعن أن الحكم الاستئنافي قد اهدر حق اللجوء إلى القضاء، فلا صحة لذلك ، لأن اسناد الأمر للجهة المالكة وهي الدولة ممثلة بالهيئة العامة للمساحة إنما هو من قبيل تخويلها صلاحية التصرف في حدود ما اجاز لها القانون لمن يرجع إليها، وان أية منازعة أو تصرف بخلاف القانون أو الشرع لا يحول دون لجوء الأشخاص إلى القضاء))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : التمثيل القانوني للهيئة العامة للأراضي:
الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني هي الممثل القانوني في أي تصرف أو نزاع أو خلاف يقع بشأن أراضي وعقارات الدولة أو الأراضي العامة التي ينتفع بها المواطنون انتفاعاً عاما (الملكية العامة)، لان الهيئة هي الجهة التي اناط بها القانون حماية أراضي الدولة والأراضي العامة والدفاع عنها، ولان الهيئة هي الجهة التي تتوفر لديها كافة الخرائط والمستندات والبيانات والمعلومات اللازمة عن أراضي وعقارات الدولة .
وقد تم إنشاء الهيئة العامة للاراضي والمساحة والتخطيط العمراني بموجب القرار الجمهوري رقم (35) لسنة 2006م ونص هذا القرار على أن تتمتع الهيئة بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة لممارسة نشاطها وأن يكون مركزها الرئيسي أمانة العاصمة (صنعاء) على أن يتم انشاء مكاتب للهيئة في محافظات الجمهورية وفروع بالمديريات بقرار من رئيس الهيئة بعد موافقة مجلس الإدارة وتخضع مالياً وادارياً وتنفيذياً للمركز الرئيسي للهيئة .
وحدد القرار أهداف الهيئة بالأتي :-
- تحقيق الاستفادة القصوى من اراضي وعقارات الدولة واستغلالها الاستغلال الامثل وتحديد وظائفها وأولويات التصرف فيها بما يخدم أغراض التنمية المختلفة .
- ايجاد بيئة مناسبة لجذب الاستثمارات المختلفة وتشجيعها وتقديم التسهيلات اللازمة لاقامتها.
- إنشاء قاعدة اساسية علمية فنية لكافة الاعمال المساحية والتصوير الجوي واعداد الخرائط للجمهورية بكافة أنواعها ومقاييسها.
- رفع كفاءة ادارة الأراضي العامة والخاصة واراضي الأوقاف من خلال تحديد وظائفها وتخطيطها على أسس علمية متطورة بما يخدم اغراض التنمية المختلفة ويسهل حسن اداراتها من الجهات والافراد ذوي الولاية عليها وبما لا يخل باحكام القوانين والنظم النافذة.
- انشاء وادامة قاعدة نظام المعلومات الجغرافي الوطني.
- تثبيت حقوق الملكيات العقارية العامة والخاصة والموقوفة والمحافظة عليها وتقدير القيم على أسس علمية وعملية وتنظيم انتقالها وتداولها بين المتعاملين بالثروة العقارية والحد من المنازعات العقارية .
- الاسهام في تدعيم استقرار الامن الاقتصادي والاجتماعي.
- تنمية مناطق الجمهورية عمرانياً والنهوض بها على أسس علمية تضمن توزيع المشروعات العمرانية وتخطيط مواقع جديدة لامتصاص الزيادة السكانية في المدن المزدحمة والحد من الهجرة الداخلية غير المنظمة وتحديد اتجاهات مواقع النمو العمراني في اطار السياسة العامة للدولة.
ونص القرار المشار إليه على ان يشكل مجلس لادارة للهيئة مكون من رئيس الهيئة رئيسا و نائب رئيس الهيئة نائبا للرئيس وعضوية كل من وكلاء القطاعات بالهيئة ومدير عام الشئون القانونية بالهيئة وممثل عن وزارة الاشغال العامة والطرق يسميه الوزير وممثل عن الهيئة العامة للاستثمار.
وأعتبر القرار مجلس ادارة الهيئة بأنه السلطة العليا المهيمنة على شئون الهيئة وتصريف امورها واقتراح السياسة االعامة لتسيير عملها والسعي لتحقيق اغراضها وفقا للقوانين والقرارات واللوائح النافذة .
وحدد القرار إختصاصات وصلاحيات مجلس ادارة الهيئة باصدار القرارات واللوائح الداخلية والقرارات المتعلقة بالشئون المالية والادارية والفنية للهيئة ، ووضع الخطط والبرامج لتسيير اعمال الهيئة ، واقرار اللوائح المتعلقة بتعيين موظفي الهيئة وترقيتهم ونقلهم وفصلهم ومكافأتهم وفقا للقوانين والقرارات النافذة والموافقة على مشروع الموازنة السنوية للهيئة ..بالاضافة الى النظر في كل ما يرى الوزير او رئيس مجلس الادارة عرضه من مسائل تدخل في اختصاصات الهيئة، وكذا النظر في التقارير الدورية التي تقدم عن سير العمل بالهيئة ومركزها المالي.
وقضى القرار بان يكون للهيئة رئيساً يصدر بتعيينه قرار جمهوري ويحدد درجته و يتولى ادارتها وتصريف شئون الهيئة وتنفيذ الاستراتيجيات والسياسات الخاصة بها .
كما حدد القرار موارد الهيئة ونظامها المالي على ان تتكون من ما تخصصه الدولة من اعتمادات مالية سنوية للهيئة وما تقدمه من دعم للهيئة لتنفيذ مهامها واختصاصاتها ،وكذا الموادر المالية المحصلة من انشطة الهيئة مقابل ما تقدمه من خدمات في مجالات الأراضي والعقارات والمساحة والتسجيل العقاري والعائدات الأخرى وفقا لماهو محدد في القوانيين واللوائح النافذة , بالاضافة الى القروض والتسهيلات الائتمانية التي تعقد لصالح الهيئةو المساعدات والتبرعات والهبات التي تحصل عليها الهيئة بما لايخالف القوانين واللوائح النافذة.
ونص القرار على أن يكون للهيئة موازنة خاصة يتم اعدادها وفقاً للقواعد المعمول بها في اعداد موازنات الهيئات وتبدأ السنة المالية للهيئة ببداية السنة المالية للدولة وتنتهي بانتهائها .. وقضى بأن أمول الهيئة وأصولها وممتلكاتها تعتبر اموالاً عامة تسري عليها الاحكام والقواعد العامة المتعلقة بالاموال العامة , وأن تخضع الهيئة للرقابة والتفتيش المالي والمحاسبي من قبل وزارة المالية والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة .
وأعفى القرار الهيئة من تقديم الضمانات والكفالات المختلفة للوزارات والهيئات والمؤسسات والمصالح الحكومية بالنسبة للمناقصات التي تشترك فيها او العقود التي تبرمها .. ومنحها صلاحية التعاقد وإجراء جميع التصرفات والأعمال التي من شأنها تحقيق الغرض الذي انشئت من أجله وبما لايخالف القوانين واللوائح النافذة .
كما قضى القرار بأن تؤول الى الهيئة المنشأة بموجب أحكام هذا القرار الأصول والممتلكات والموجودات العينية والنقدية التي كانت تتبع مصلحة المساحة والسجل العقاري ومصلحة اراضي وعقارات الدولة وقطاع التخطيط الحضري بوزارة الاشغال العامة والطرق ..بالاضافة الى نقل كل الحقوق والالتزامات التي لهذه الجهات او عليها ، و نقل موظفيها الى الهيئة المنشأة بأحكام هذا القرار بكافة مستحقاتهم المالية والوظيفية وفقاً للتشريعات النافذة.
وحدد القرر البناء التنظيمي للهيئة بأن يتكون من قطاعات ( الاراضي-المساحة - التخطيط العمراني - السجل العقاري) , ويرأس كل قطاع منها وكيل يصدر بتعيينه قرار جمهوري بناء على ترشيح رئيس الهيئة وعرض الوزير وموافقة رئيس الوزراء .
ونص القرار بأن تحدد اللائحة التنظيمية للهيئة الهيكل التنظيمي لها (القطاعات والإدارات العامة والتقسيمات الداخلية لها وتحديد مهامها واختصاصاتها) , ويصدر باللائحة قرار جمهوري بناء على عرض رئيس الهيئة واعتماد الوزير وبعد موافقة مجلس الوزراء .
وأعتبر القرار الهيئة بأنها الجهة الوحيدة المسئولة عن التصوير الجوي وإعداد الخرائط وحظر على أي جهة خاصة أو عامة القيام بذلك دون الحصول على تصريح كتابي من الهيئة .. كما منح الهيئة صلاحية التصرف في اراضي وعقارات الدولة وبحيث لايجوز لأي جهة اخرى اجراء التصرف بأراضي أو عقارات خصصت لها لغرض ممارسة انشطتها دون الرجوع الى الهيئة إلا بموجب قرار من مجلس الوزراء يفوضها بذلك , وعند انتفاء الغرض او توقف النشاط فعلى أي جهاز او مرفق حكومي تسليم ما بحوزته من اراضي وعقارات الى الهيئة وفقاً لأحكام القوانين النافذة .
ومن خلال ماتقدم يظهر ان الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني هي الجهة المسئولة والمعنية عن الإدارة والإشراف على أراضي وعقارات الدولة والمحافظة عليها، وان الاختصاص المنوط بها لايسلب السلطة القضائية ولايتها في نظر الدعاوى التي قد يرفعها الأفراد المتعاملين معها اذا اخلت الهيئة بالتزاماتها القانونية أو العقدية.
الوجه الثاني : الملكية العامة وملكية الدولة وتوصية للجهة المعنية بالدولة :
هناك فرق دقيق وحساس بين ملكية الدولة والملكية العامة، فملكية الدولة قابلة للتصرف فيها بيعا وشراء وغيره، أما الملكية العامة فهي ملكية الامة فلاتجوز فيها التصرفات الناقلة لملكيتها واخراجها من ملكية الامة إلى ملكية الأفراد وانما تقوم الدولة عن طريق الهيئة العامة للأراضي بادارتها وتنظيمها بما يكفل النفع المشترك لكل افراد الامة،والظاهر أن نصوص الدستور اليمني لم تتناول ملكية الدولة وإنما اهتمت بتناول الملكية العامة لاهميتها ، فالدستور استعمل بوعي بالغ مصطلح الملكية العامة ولم يستعمل مصطلح (ملكية الدولة)، حيث نصت المادة (19) من الدستور على ان (للأموال والممتلكات العامة حرمة وعلى الدولة وجميع افراد المجتمع صيانتها وحمايتها)، فالمقصود بالملكية العامة هنا ملكية المجتمع كله، فالشعب هو المالك الحقيقي للأموال والممتلكات العامة ، اما المقصود بملكية الدولة كشخصية اعتبارية فهي حقها في تملك المال والاستفراد به والتصرف فيه بإعتبارها مالكة للمال أو الأموال، في حين ان الدولة لاتكون مالكة (للأموال والممتلكات العامة) وإنما تكون نائبة عن المجتمع في ادارة املاكه العامة أي أن دور الدولة في هذه الحالة هو ادارة وتنظيم وإستغلال واستثمار هذه الاموال بما يعود بالنفع المشترك على كل افراد الامة (النظرية العامة للملكية العامة، أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين،ص35 ) ، وهذا هو الفارق الجوهري والحساس بين (ممتلكات الدولة) و (الممتلكات العامة) اما قانون أراضي وعقارات الدولة فانه لم يفرق بين الملكيتين حسبما هو ظاهر في المادتين(5و6)من ذلك القانون ، ولا ريب ان هناك فرق بين ملكية الدولة والملكية العامة ، فالأراضي المخصصة لوزارات ومصالح الدولة واجهزتها تكون ملكاً للدولة في حين تكون الأراضي الأخرى كالمراهق العامة والأراضي الصحراوية ...الخ من الممتلكات العامة (النظرية العامة للملكية العامة، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، صـ241)، ومن خلال مطالعة المادتين 5و6من قانون أراضي وعقارات الدولة نجد انها قد خلطت بين ممتلكات الدولة والممتلكات العامة وجعلت حكمهما واحدا،ولذلك فإننا نوصي الجهة المعنية بإعادة النظر في هذه المسالة المهمة واعادة صياغة المادتين المشار اليهما لبيان اراضي وعقارات الدولة والممتلكات العامة كلا على حدة.
الوجه الثالث : مدى جواز التصرف في الممتلكات العامة وممتلكات الدولة في الفقه الإسلامي :
الفقه الاسلامي يفرق بين ملكية الدولة وبين الملكية العامة (بيت مال المسلمين) ، فقد اتفق الفقه الإسلامي على انه يجوز للدولة أن تتصرف في املاكها تصرف المالك،اما بالنسبة للاملاك العامة فان الدولة تكون في هذه الحالة نائب عن الأمة في ادارة الأملاك العامة وحسن ادارتها وتنظيمها واستثمارها واستغلالها وتنظيم الانتفاع المشترك بها من قبل كل افراد الامة بما يعود بالنفع العام على كل افراد الامة، وبناءً على ذلك لا يجوز للدولة مباشرة التصرفات الناقلة للأملاك العامة الى الغير، لان ذلك التصرف ليس من تصرفات الإدارة، لانه يخرج المال من مالكه فلا يجوز للولي او النائب كالدولة مباشرة هذه التصرفات، لأن الدولة في ذلك مثل الولي على أموال القاصرين ومثل الدولة في ذلك مثل الولي على الوقف او ناظر الوقف، وبناءً على ذلك فلا يجوز للدولة في الفقه الاسلامي ان تتصرف بالبيع او الهبة او غيرها من التصرفات الناقلة للملكية بالنسبة للممتلكات العامة، ولكن يجوز لها ان تقوم بتأجير او استغلال او استثمار الممتلكات العامة بما يعود بالنفع على الأمة،وقد أخذت القوانين الوضعية بما ذهب إليه الفقه الاسلامي في التفرقة بين املاك الدولة والممتلكات العامة وفي مقدمة هذه القوانين القانون الفرنسي الذي استعمل مصطلحين فارقين بين الملكيتين (الدومين العام والدومين الخاص) .
الوجه الرابع : صفة الهيئة العامة للأراضي في الإدارة والإشراف على أراضي الدولة:
تتولى الهيئة الإدارة والإشراف والمحافظة على أراضي وعقارات الدولة، ولذلك فهذه الولاية تنظيمية،فسلطة الهيئة وفقا للقانون وبصرف النظر عن مصطلح الممتلكات العامة وممتلكات الدولة، فولاية هيئة الاراضي على أراضي وعقارات الدولة ليست باعتبارها مالكاً لأراضي وعقارات الدولة وإنما على أساس انها تتولى الإدارة والتنظيم لأراضي وعقارات الدولة والممتلكات العامة وحمايتها والدفاع عنها، فسلطة الهيئة هي سلطة المدير وليست سلطة المالك ، فقرار إنشاء الهيئة العامة للأراضي حدد بوضوح وظيفة الهيئة واهدافها وهي حصرً أراضي الدولة وحمايتها والمحافظة عليها، كما يظهر ذلك من النصوص القانونية في قانون اراضي وعقارات الدولة التي اناطت التصرف الناقل لملكية اراضي الدولة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وبما ان ولاية الهيئة العامة للأراضي هي ولاية تنظيمية او ادارية فان ذلك يعنى ان يتجه اهتمام الهيئة إلى تغليب الجانب التنظيمي بما يوفر الضمانات والإجراءات الحمائية لأراضي وعقارات الدولة والممتلكات العامة، والله اعلم.