قيد الاستئناف في جلسة النطق بالحكم الجزائي

 

قيد الاستئناف في جلسة النطق بالحكم الجزائي

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

نظم قانون الإجراءات الجزائية قيد استئناف  الحكم وإجراءاتها، وذلك في المواد( 421و422و423 )، حيث يتم تقديم تقرير الاستئناف وقيده  خارج جلسة النطق بالحكم  لدى دائرة كتاب المحكمة المختصة، حسبما هو مقرر في المواد المشار إليها ، لكن في حالات كثيرة يصرح المحكوم عليه بعد النطق بالحكم مباشرة وفي جلسة النطق بالحكم برغبته في الطعن بالحكم، حيث يطلب من المحكمة ذلك بعد النطق بالحكم مباشرة سيما ان قانون الإجراءات الجزائية قد أوجب على القاضي تنبيه المحكوم عليه بحقه في إستئناف الحكم، حيث يتم في هذه الحالة قيد إستئناف الحكم في محضر جلسة النطق بالحكم او في ذيل الحكم الابتدائي المستأنف فيه، فعندئذ تتحقق الغاية والحكمة التي ابتغاها القانون من تنبيه المحكوم عليه بحقه في الطعن بالحكم، وتتحقق أيضا الحكمة من قيد تقرير الاستئناف ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31-12-2012م في الطعن رقم (46902)، حيث سبق ذلك الحكم الاستئنافي الذي قضى برفض الاستئناف (لأنه تبين أنه تم النطق بالحكم بتاريخ.... ولم يقدم المستأنفان عريضة استئنافهما إلا بتاريخ....، ولا يوجد في ملف القضية ما يدل على أن المستأنفين قد طلبا حق التقرير بالاستئناف أمام المحكمة التي اصدرت الحكم أو أمام محكمة الاستئناف وفقاً للمادة (421) إجراءات، وحيث أنه من المعلوم قانوناً أن الطريق الوحيد الذي حدده القانون لتعبير المحكوم عليه عن حقه في إستئناف الحكم هو التقرير بالاستئناف وفقا للقانون )، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي قضت الدائرة الجزائية بنقض الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((اما من حيث الموضوع فأنه لما كان الطاعنان قد نعيا على الحكم الاستئنافي بالبطلان ومخالفة القانون، لأنه رفض  عريضة استئنافهما بذريعة عدم تقديمهما التقرير بالاستئناف، مع أنه من الثابت أن الطاعنين قررا  استئناف الحكم الابتدائي  في جلسة النطق بالحكم عقب النطق بالحكم الابتدائي مباشرة ، كما هو ثابت في محضر النطق بالحكم الابتدائي وذيل الحكم الابتدائي ، والدائرة: تجد أن هذا النعي وارد وفي محله، حيث تبين للدائرة من خلال الرجوع إلى ملف القضية أن الطاعنين بالنقض كانا قد قيدا طعنهما بالاستئناف عقب النطق بالحكم الابتدائي حسبما هو ثابت بتوقيع وختم رئيس المحكمة الابتدائية نهاية الحكم الابتدائي، الأمر الذي يظهر من خلاله أن ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف في حيثياتها ومنطوق حكمها قد جاء مخالفاً للثابت في الأوراق وبني على حيثيات غير صحيحة مما يتعين نقضه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: تقرير الاستئناف في قانون الإجراءات:

من خلال مطالعة أسباب الحكم الاستئنافي نجد أنه كان متمسكاً بإجراءات التقرير بالاستئناف المحددة في المواد (421 و422 و423) من قانون الإجراءات الجزائية بإعتبار ذلك هو الطريقة القانونية المقررة في القانون للتقرير بالاستئناف، حيث نصت المادة (421) على أن (يكون الاستئناف بتقرير في دائرة كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم أو محكمة استئناف المحافظة المختصة ولا يقبل إلا إذا قدم خلال خمسة عشر يوما من تاريخ النطق بالحكم المستأنف. وإذا كان استئناف المتهم الفار جائزا يسري الميعاد بالنسبة له من تاريخ تسليم نفسه أو من تاريخ القبض عليه. ومع ذلك فميعاد الاستئناف بالنسبة للنائب العام أربعين يوما من وقت صدور الحكم)، وكذا نصت المادة (422)  إجراءات على أن (يوقع المستأنف بنفسه أو بوكيل خاص على تقرير الاستئناف ويحدد الكاتب المختص تاريخ الجلسة التي ينظر فيها وتعلن النيابة العامة باقي الخصوم بموعدها)، في حين نصت المادة (423) على أن (يرسل ملف الدعوى إلى محكمة استئناف المحافظة الكائنة في دائرتها المحكمة التي أصدرت الحكم قبل ميعاد الجلسة المحددة لنظره بعشرة أيام على الأقل وعلى النيابة العامة إذا كان المتهم محبوسا نقله في الوقت المناسب إلى السجن بالجهة الموجودة بها المحكمة الإستئنافية، وينظر الاستئناف في هذه الحالة على وجه السرعة).

وبناءً على ما ورد في هذه النصوص فإن التقرير بالاستئناف وقيده ورفعه أمام محكمة الاستئناف بغير الإجراءات المحددة في النصوص القانونية السابق ذكرها المذكورة  لا يكون تقريراً بالاستئناف ولا يحقق الأثر المترتب على التقرير بالاستئناف، هذا بحسب وجهة نظر الحكم الاستئنافي الذي نقضه حكم المحكمة العليا محل تعليقنا.

اما حكم  المحكمة العليا محل تعليقنا فقد قضى بأن تصريح المحكوم عليه في جلسة النطق بالحكم بأنه مستأنف للحكم أو مقيد لاستئنافه وإثبات ذلك في محضر جلسة النطق بالحكم أو إثبات طلب الاستئناف في ذيل الحكم الابتدائي كل ذلك يعد بمثابة تقرير الاستئناف، لأن الغاية والحكمة من قيد الاستئناف قد تحققت في هذه الحالة ، لأن المحكوم عليه قد عبر صراحة وقرر استئناف الحكم بعد النطق به وتم إثبات تصريح المحكوم عليه ورغبته في محضر جلسة النطق بالحكم أو في ذيل الحكم الابتدائي ذاته، فذلك ابلغ في دلالته وثبوته من التقرير بالاستئناف المقرر في المواد (421 و422 و423) إجراءات السابق ذكرها، وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم محل تعليقنا  بأن تصريح المحكوم عليه بعد النطق بالحكم الابتدائي مباشرة وفي جلسة النطق بالحكم برغبته في استئناف الحكم وكتابة تعبير المحكوم عليه في محضر جلسة النطق بالحكم أو في ذيل الحكم الابتدائي يعد تقريراً بالاستئناف بل أنه ابلغ في دلالته من إجراءات التقرير بالاستئناف المحددة في الثلاث المواد السابق ذكرها.

الوجه الثاني: ماهية التقرير بالاستئناف ومدته وإجراءاته:

التقرير بالاستئناف هو عبارة عن تعبير عن ارادة المستأنف برغبه في استئناف الحكم الابتدائي وقد اشترط قانون الإجراءات الجزائية ان يكون التقرير مكتوب وان يتم التوقيع عليه من قبل المستأنف نفسه أو وكيل المستأنف حسبما نصت عليه المادة (422) وفي هذا السياق نصت المادة (421) إجراءات على ان: (يكون الاستئناف بتقرير في دائرة كتاب المحكمة التي اصدرت الحكم أو محكمة استئناف المحافظة المختصة ولا يقبل إلا إذا قدم خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ النطق بالحكم).

الوجه الثالث: الغاية من التقرير بالاستئناف:

تتمثل هذه الغاية في أن ميعاد الاستئناف في الحكم الجزائي يكون من تاريخ النطق بالحكم وفي الغالب لا يتم تحرير الحكم الجزائي وتوقيعه وتسليمه إلى الخصوم إلا بعد مضي المدة المقررة للاستئناف وهي قليلة (15) يوماً لذلك يتعذر على المحكوم عليه ان يقدم عريضة الاستئناف في هذا الميعاد القصير المقرر قانوناً ولذلك قرر القانون وسيلة التقرير بالاستئناف حيث يقوم الراغب في الاستئناف بتقديم إلى المحكمة خلال ميعاد الطعن بالاستئناف على ان يعد لاحقاً عريضة الاستئناف المتضمنة أسباب الاستئناف حيث يقدمها المستأنف لاحقاً بعد استلامه لنسخة من الحكم المطعون فيه بالاستئناف.  وعلى هذا الأساس فإذا كان المستأنف قد حصل على نسخة الحكم المطعون فيه خلال المدة المقررة للطعن بالاستئناف وتمكن من اعداد عريضة الاستئناف وتقديمها في الميعاد المقرر قانوناً لتقديم الاستئناف فان الاستئناف يكون مقبولاً شكلاً في هذه الحالة.

وكذا تتمثل الحكمة من تقديم المحكوم عليه لتقرير الاستئناف في امرين :

 الامرالأول :تعبير المحكوم عليه الصريح عن حقه وقراره أو تقريره إستئناف الحكم،لان الاستئناف حق ينبغي على المحكوم عليه مباشرته خلال المدة المقررة قانونا حتى لا تطول إجراءات التقاضي.

الأمر الثاني :إثبات نسبة تعبير المحكوم عليه عن حقه في الاستئناف إليه اي إلى المحكوم عليه عن طريق وثائق ثبوتية تدل بما لايدع مجالا للشك بأن المحكوم عليه قد افصح عن رغبته بإستئناف الحكم وقام بالتوقيع  على ذلك للتدليل على نسبة التعبير له.

 الوجه الرابع: الصفة في تقديم التقرير بالاستئناف:

اشترطت المادة (422) إجراءات ان يقوم المستأنف بنفسه أو بوكيل خاص بالتوقيع على مذكرة التقرير بالاستئناف، وهذا النص صريح في وجوب توفر الصفة في من يقوم بالتقرير على مذكرة التقرير بالاستئناف، وهذا النص صريح في وجوب توفر الصفة في من يقوم بالتقرير بالاستئناف، فلا يكون التقرير مقبولاً ولا يترتب اثره في ميعاد الاستئناف إلا إذا قام بالتوقيع عليه المستأنف نفسه أو وكيله الذي يوكله بذلك أو بالترافع عنه في مرحلة الاستئناف، وقد استقر قضاء المحكمة العليا في اليمن على انه يجب على الطاعن الحصول على الشهادة السلبية قبل انقضاء الميعاد المقرر قانوناً لتقديم عريضة الطعن، كما استقر قضاء المحكمة العليا على ان التقرير بالطعن والحصول على الشهادة السلبية ينبغي ان يتم في اثناء الميعاد المقرر لتقديم عريضة الطعن فإذا قام الطاعن بتقديم التقرير والحصول على الشهادة السلبية في الميعاد فيجوز له ان يقدم عريضة الطعن ولو بعد انقضاء الميعاد.

 الوجه الخامس: طلب المحكوم عليه استئناف الحكم الابتدائي في جلسة النطق بالحكم  يكون تقريراً بالاستئناف:

قضى الحكم محل تعليقنا بأن طلب المحكوم عليه استئناف الحكم الابتدائي في جلسة النطق بالحكم وإثبات ذلك في محضر جلسة النطق أو في ذيل الحكم الابتدائي يكون بمثابة تقريراً بالاستئناف يغني عن التقرير بالاستئناف المقرر في المواد (421 و422 و423) إجراءات السابق ذكرها، لأن المادة (373) إجراءات قد نصت على أنه (إذا كان الحكم من الأحكام الجائز استئنافها فيجب على القاضي إبلاغ المتهم بأن له الحق في الاستئناف وان يوقفه على المدة التي يجوز له خلالها ذلك)، حيث يفهم من هذا النص أنه قد أوجب على القاضي بعد النطق بالحكم مباشرة أن يبلغ المتهم بأن له الحق في استئناف الحكم حتى يتمكن المتهم من استعمال حقه في إستئناف الحكم، ومؤدى ذلك أنه يجوز أن يعلن المحكوم عليه عن رغبته أو قراره استئناف الحكم بعد النطق به، وذلك في محضر النطق الحكم  أو ذيل الحكم الابتدائي، وان ذلك يغني عن التقرير بالاستئناف المقرر في المواد (421و422و423). إجراءات السابق ذكرها، والله اعلم.