متى تكون المعاينة واجبة؟

 متى تكون المعاينة واجبة؟

 أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

المعاينة دليل من أدلة الإثبات له طبيعته الخاصة التي تجعله في بعض الحالات الدليل الفيصل في النزاع مما يجعل المحكمة ملزمة بإجراء المعاينة وتطبيق المستندات على الواقع للوقوف على الحقيقة كما هي في الواقع، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-4-2013م في الطعن رقم (47306)، وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((فقد تبين للدائرة أن الطاعنين قد تقدموا بثلاثة مستندات وطلبوا تطبيقها وقررت الشعبة بناءً على طلب الطاعنين  الزامهم بتحديد المدعى به تحديداً دقيقاً ليتسنى للشعبة مطابقة ذلك عند المعاينة، ولما كان لجوء الطاعنين إلى طلب المعاينة كوسيلة من وسائل الإثبات الشرعية يعد منهم دفاعاً جوهريا قررت الشعبة تحقيقه وسارت في سبيل ذلك بقرارها السالف ذكره  الا ان هيئة الشعبة الخلف لم تنفذ  قرار الهيئة السلف بل أن الهيئة الخلف سببت حكمها بعدم تقديم أي جديد أمامها دون مناقشة أدلة المستأنفين الطاعنين حالياً التي طلبوا منها إجراء المعاينة وتطبيق مستنداتهم مما يعيب حكمها بالقصور في التسبيب مما يتعين معه نقض الحكم)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية المعاينة :

يقصد المعاينة في المسائل المدنية إنتقال المحكمة لمعاينة الشيء المتنازع عليه، وانتقال المحكمة للمعاينة قد يكون من تلقاء نفسها وقد يكون بناء على طلب كلا الخصمين او احداهما. والمعاينة من اهم الادلة في المسائل المادية، لكونها لها اثر مباشر في حسم النزاع لا يمكن الاستغناء عنه، لأن المعاينة دليل ينصب على المسائل الملموسة او الحسية والمعاينة تعني الكشف أيضا. 

وتتحقق المعاينة عن طريق الانتقال الى محل النزاع او المكان الذي يوجد فيه  الشئ المطلوب معاينته سواء اكان من الاموال بنوعيها المنقولة وغير المنقولة او كان من الاشخاص كان تنتقل المحكمة لمعاينة الشخص المطلوب الحجر عليه، وقد شدد القانون على وجوب ان تتم معاينة الشخص مع كامل الحيطة والحذر اللازمين لضمان احترامه والابتعاد عن كل ما قد يسيء الى كرامته وضمان حريته الشخصية وعدم التدخل في شؤونه الخاصة او العائلية او العمل على توجيه اللوم او الانتقاد إليه، (شرح قانون البينات الأردني، د. آدم وهيب النداوي، ص221،).

ويقصد بالمعاينة:" في المسائل الجزائية مناظرة وفحص المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة بما يحويه من أشياء وأشخاص بهدف التعرف على كل أو بعض الحقائق الجوهرية التي يستهدفها التحقيق الجنائي، واكتشاف ورفع ما يخلفه الجناة من آثار جنائية" كما يمكن اعتبارها بأنها:" ذلك الفحص الدقيق والمتأني لمكان الحادث وما يتصل به من أشياء وأشخاص، يجريه المحقق أو أحد مساعديه بقصد جمع الأدلة واثبات حالة كل من مكان الجريمة، وشخص المتهم، والمجني عليه، والأشياء التي لها  علاقة بالجريمة التي وقعت ". 

والجدير بالذكر أن المعاينة تتم بأية حاسة من الحواس سواء كانت اللمس أو السمع، البصر الشم والتذوق، في حين يكون موضوع إثباتها الآثار المادية المتخلفة عن الجريمة، أو إثبات حالة الأشياء، أو الأشخاص، أو الأماكن التي لها علاقة  بالجريمة، وكذلك إثبات الوسيلة أو الأداة المستعملة في الجريمة. 

 وقد أشارت الى معنى المعاينة  المادة  (160) من قانون الاثبات اليمني  التي نصت على أنه( للمحكمة أو من تنتدبه من قضاتها أو من قضاة المحاكم الأخرى أن تجري معاينة بان تنظر في الأشياء التي تفيد في إثبات الدعوى ، وتطلع عليها وتفحصها لكي تصل إلى الحقيقة في شانها ويجوز لها أن تستعين بخبير (عدل) أو اكثر أثناء قيامها بالمعاينة) .

الوجه الثاني : الطبيعة الخاصة للمعاينة :

لاريب أن للمعاينة طبيعتها الخاصة  فهي دليل من أدلة الإثبات، ولكن المعاينة  تتم عن طريق هيئة الحكم نفسها، ومن هذه الوجهة فالمعاينة دليل إثبات وفي الوقت ذاته فهي إجراء قضائي لايقوم به الا القاضي، علاوة على أن المعاينة تتعلق وتتداخل بادلة الإثبات الاخري  مثل  تداخلها مع أعمال الخبرة  وتطبيق المستندات والمحررات وغير ذلك من وسائل الإثبات الأخرى. 

الوجه الثالث : المعاينة إجراء جوازي بالنسبة لمحكمة الموضوع :

 قيام محكمة الموضوع بالمعاينة أمر جوازي، وذلك ظاهر من سياق  المادة  (160) من قانون الاثبات اليمني  التي نصت على أنه( للمحكمة أو من تنتدبه من قضاتها أو من قضاة المحاكم الأخرى أن تجري معاينة بان تنظر في الأشياء التي تفيد في إثبات الدعوى)، فهذا النص يفيد الجواز وليس الوجوب، ولذلك لا يلزم محكمة الموضوع الاستجابة لطلب الخصم بإجراء المعاينة، ومع ذلك فهناك حالات يكون فيها طلب إجراء المعاينة دفاعا جوهريا يتحتم على المحكمة الاستجابة له وإجراء المعاينة حسبما سيأتي بيانه.

 وفي هذا السياق نصت (125) اثبات عراقي على أنه : (للمحكمة من تلقاء نفسها او بناء على طلب احد الخصوم ان تقرر الانتقال لمعاينة المتنازع فيه او تندب لذلك احد قضاتها لمعاينة او احضاره لديها في جلسة تعينها، لذلك متى رأت في هذا مصلحة لتحقيق العدالة). 

الوجه الرابع : حالات وجوب اجراء المعاينة :

سبق القول ان الأصل ان إجراء المعاينة بالنسبة للمحكمة أمر جوازي وان المحكمة ليست ملزمة بالاستجابة لطلب الخصم بإجراء المعاينة، لأن المحكمة قد تجد الأدلة المقدمة من الخصوم كافية في بيان وتشخيص النزاع وتحديد معالمه، وان الأمر لايحتاج إلى معاينة، لأن المعاينة إجراء قضائي يرجع إلى القاضي نفسه فهو الذي يقدر ماذا اذا كان النزاع بالنسبة له واضح ام  غير واضح. 

بيد أن هناك حالات يكون فيها إجراء المعاينة واجواجباً وذلك  في الحالات التي يكون فيها  طلب إجراء المعاينة من اوجه الدفاع الجوهرية التي يترتب عليها تغيير وجه الرأى والحكم في القضية كان يكون الخلاف في أساسه وجوهره متعلقا بحدود الأرض محل النزاع أو مسميات الحدود أو يكون يكون النزاع متعلقا بإحداثات في الأرض النزاع الحفر فيها أو البناء عليها أو يكون الخلاف  بشأن تطبيق مستندات الملكية أو المعاينة للتأكد من الحائز الفعلي مظاهر حيازته، و كذا تكون المعاينة واجبة في القضايا الجنائية  الخلاف بشأن اتجاهات الرماية.... إلخ. 

الوجه الخامس : للمحكمة إجراء المعاينة بناء على طلب الخصوم أو من غير طلب:

 الأصل ان المعاينة إجراء جوازي  بالنسبة للمحكمة حسبما سبق بيانه، ولذلك فإن المحكمة قد تقرر إجراء المعاينة من غير طلب من الخصوم أو بناء على طلبهم حسبما ورد في المادة (162) إثبات يمني التي نصت على أنه :  ( يدعى الخصوم للحضور أثناء المعاينة  ويجوز الانتقال إلى المكان الذي  يوجد به الشيء أو الأثر المراد معاينته بطلب الخصم أو من تلقاء نفس المحكمة مع تحقيق المصلحة ويكون على الخصم الذي تعينه المحكمة دفع ما تقدره المحكمة أمانة (عدال) لانتقال الخبراء وأجورهم) .

فطلب الانتقال الى محل النزاع لمعاينته هو من الرخص القانونية لمحكمة الموضوع فلا عليها ان تستجيب الى ذلك متى وجدت في اوراق الدعوى ما يكفي لاقتناعها بالفصل فيها)( نقض مدني في 25/2/1960، مجموعة المكتب الفني س11 ص184؛ ابراهيم المشاهدي، نافذه على القانون و القضاء، شركة السندباد للطباعة و النشر، بغداد، 2002، ص52)

الوجه السادس : عدول المحكمة عن قرارها بإجراء المعاينة :

بعد ان تقرر المحكمة اجراء المعاينة وقبل ان تنتقل للمعاينة يجوز لها العدول عن قرارها هذا بشرط ان تعلل اسباب عدولها عن اجراء تلك المعاينة في محضر الجلسة ذاتها التي قررت فيها الرجوع عن قرارها كان تجد في محاضر جلسات المرافعة او ان موضوع الدعوى وظروفها ما يغنيها عن اجراء تلك المعاينة او ان المعاينة غير منتجة في الدعوى وليست متعلقة بها، وعلى اية حال متى ما قررت المحكمة العدول عن قرارها، فيجب ان يكون قرارها هذا مسبباً،  فإذا يجوز للقاضي القاضي الخيار في العدول عن قراره اذا راى ذلك بشرط ان يبين اسباب العدول فهو غير ملزم بعدم العدول عن قراره، ويجب على المحكمة عندما تقرر اجراء المعاينة في جلسة المرافعة، فعليها ان تجري المعاينة في مدة اقصاها اسبوعان من تاريخ قرارها هذا الا اذا استجدت ظروف حالت دون ذلك تعتبر اسبابا مشروعة حتى بالنسبة لمحكمة الموضوع وهذه الظروف او الموانع كثيرة لا حصر لها وانما تقدر حسب الظروف الموضوعية لكل دعوى وحسب ظروف المحكمة هذا وفقا لقانون الإثبات العراقي اما قانون الإثبات اليمني فلم ينص على ذلك .( الاثبات في المواد المدنية و التجارية، استاذنا المرحوم الدكتور احمد ابو الوفاء الدار الجامعة للطباعة و النشر، ص50 ). 

الوجه السابع : كيفية إجراء المعاينة :

لا يشترط ان تنتقل المحكمة بكامل هيئاتها اذا كانت مشكلة من هيئة مثل محكمة الاستئناف وانما يجوز لها ان ترسل او تنتدب او تخول او تعطي صلاحية الكشف الى تحد قضاتها أو غيرهم من القضاة للانتقال الى المحل المطلوب معاينته، كما يجوز لها ان تأمر في جلسة المرافعة المحددة مكانا وزمانا باحضاره امامها اذا كان ذلك ممكنا بعد تعيين موعدا لذلك تحدده في جلسة المرافعة مستندة في رأيها هذا الى امكانية جلب الشيء اذا لم يصعب جلبه ولم يحتاج الى تكاليف صرفية كثيرة. 

فقرار محكمة الموضوع بالانتقال الى المكان المتنازع فيه لمعاينته كان يكون عقارا او منقولا او شخصا طبيعيا حيث تتم هذه المعاينة من القاضي نفسه بمعرفته او قد يتعين بمعرفته خبيرا اذا كانت المعاينة تحتاج الى خبرة فنية خاصة كالاستعانة بخبير مساح لتثبيت حدود العقار او لمسح ارض وتحديد مساحتها وغير ذلك من الامور التي تحتاج الى خبرة خاصة كمعرفة متانة بناء وتقدير الاضرار الحاصلة فيه. 

 (ان انتقال المحكمة بكاملها الى محل النزاع عوض عن انابة قضاتها لا يعد من اسباب النقض، لان الغرض من انابه القاضي تسهيل مهمة التحقيق و الاقتصاد في النفقات فلا يخل اشتراك باقي قضاة المحكمة في جوهر التحقيق و لا يؤدي الى القول بان المحكمة اطلعت على الواقع و لا يجوز لها ان تقضي بعلمها ما دام مستند الحكم هو البينات التي يتضمنها محضر التحقيق) نقض سوري رقم 64 في 1، 4، 1950. 

 وقد نصت المادة (308 ) من قانون المحاكمات المدنية اللبناني على أنه :(اذا تعلق النزاع بمال منقول و كان نقله ممكنا فللمحكمة ان تقرر جلبه امامها ما لم تر انه من الاجدى للتحقيق معاينته في مكانه).

بيد أن المعاينة لكي تنتج اثرها القانوني يلزم ان يراعى فيها الاجراءات القانونية المطلوبة مثل وجوب قيام القاضي بمعاينة محل النزاع بنفسه، او من ينوب عنه، لانه لا يجوز له الاستناد الى معاينة تمت في دعوى اخرى سابقة او الكشف الذي قامت به دائرة اخرى غير مخولة بذلك قانونا مثل دائرة التسجيل العقاري(9). ولما كانت المعاينة من ادلة الاثبات غير الملزمة المباشرة مع امتلاك القاضي (قاضي الموضوع) سلطة في تقدير الدليل الناتج عن المعاينة، فالقاضي حر في مدى الاخذ بما حصل عليه من علم نتيجة المعاينة ولكنه ملزم في حالة الاخذ به تسبيب قرار الحكم كما هو الحال في أي دليل مقنع غير ملزم، بالاضافة الى ان عدم تسبيب الحكم يؤدي الى نقضه تمييزاً لوجود خطأ في الاسناد( التعليق على مواد قانون الاثبات، د. محمد الصوري، ج3، ص1231).

 الوجه الثامن : التقرير المتضمن إجراءات المعاينة :

بعد إن تفرغ المحكمة من إجراء المعاينة فيجب عليها ان تعد تقريرا وافيا يتضمن ملاحظات المحكمة التي اجرت المعاينة ومشاهداتها والاوصاف بصورة تامة وحقيقية من دون ان تبين رأيها الخاص عن تلك المعاينة، ويحق لكل ذي علاقة ان يطلب نسخة مصدقة منه ويحق لكل من الخصمين بيان ملاحظاته بشأن تلك المعاينة وقد تقوم المحكم بتوجه بعض الأسئلة إلى الخبير وكذا يجوز للخصوم توجيه بعض الأسئلة إلى الخبير  عن طريق المحكمة لتوضيح ما لديهم او لتكملة النقص ان وجد. ( دور الحاكم المدني في الاثبات،د. ادم وهيب النداوي، ص460). 

وفي هذا الشأن نصت المادة (164) إثبات يمني على أن( تثبت المحكمة ما عاينته وتراءى لها من المعاينة في محضر يوقعه الحاضرون من الخبراء والخصوم ورئيس المحكمة والكاتب ، ويجب أن يبين في المحضر يوم وساعة ومكان إجراء المعاينة ووصف الشيء أو الأثر الذي جرى معاينته (نظره) وتحديده بحسب الحال).

 وفي السياق ذاته نصت المادة (127) اثبات عراقي على أنه : ( تنظم المحكمة محضرا بالمعاينة تبين فيه جميع ملاحظاتها من دون ان تثبت فيه انطباعها عن المعاينة او رايها الخاص، و لكل من ذوي العلاقة ان يحصل على صورة مصدقة منه)

بيد ان تقرير المعاينة غير ملزم لمحكمة الموضوع  فلها سلطة تقديرية تخولها ان تتخذ من تقرير (محضر المعاينة) سببا لحكمها، اذ يجوز لها ان تعتبر تقرير المعاينة دليلا يكمله دليل اخر كأن تقرر توجيه اليمين الى احد الطرفين.

 الوجه التاسع : مصاريف الإنتقال واجور الخبراء :

حرصا على نزاهة القضاء وإبعاده عن الشبهات، فقد نصت المادة(161)  إثبات يمني على أن :تصرف تكاليف انتقال المحكمة والقاضي المنتدب للمعاينة من خزينة المحكمة بأمر من رئيسها)، فلايجوز مطلقا تقاضي مصاريف المعاينة من الخصوم،  اما بشأن مصاريف واجور العدول المكلفين بمساعدة المحكمة عند المعاينة، فقد نصت المادة (163) إثبات على أنه :( يقدر اجر الخبير بناء على طلبه بأمر يصدر من المحكمة يكون نافذا على الخصم طالب الإثبات وينفذ فوراً مما دفعه الخصم طبقا للمادة السابقة فان بقي له شيء رجع به على الخصم )، وكذا نصت المادة(١٦٢ ) إثبات يمني على أنه ( ويكون على الخصم الذي تعينه المحكمة دفع ما تقدره المحكمة أمانة (عدال) الانتقال الخبراء واجورهم ). 

الوجه  العاشر : توقيع الخصوم على محضر المعاينة حسبما ورد في  قانون الإثبات: 

نصت المادة (164) إثبات يمني  على أن (تثبت المحكمة ما عاينته وتراءى لها من المعاينة في محضر يوقعه الحاضرون من الخصوم أو من يمثلهم والخبراء ومن رئيس المحكمة و الكاتب، ويجب أن يبين في المحضر يوم وساعة ومكان إجراء المعاينة ووصف الشيء أو الأثر الذي جرى معاينته (نظره) وتحديده بحسب الحال ، فإن أمتنع أحد الخصوم عن التوقيع أثبتت المحكمة ذلك و اكتفى بتوقيع الآخرين)، ومن خلال مطالعة هذه المادة نجد انها اشترطت توقيع الخصوم على محضر المعاينة فإن امتنعوا عن ذلك اثبت القاضي امتناعهم في المحضر ذاته . 

الوجه الحادي عشر : الغرض من توقيع الخصوم على محضر المعاينة: 

لا شك ان الغرض من توقيع الخصوم على محضر المعاينة هو إثبات حضور الخصوم عند إجراء المعاينة وإجراء المعاينة بحضورهم ومواجهتهم ومباشرتهم لحقوقهم في الإيضاح والإعتراض عند إجراء المعاينة لأهمية النتائج التي يتضمنها محضر المعاينة، وكذلك فإن الغرض من توقيع الخصوم على المحضر إثبات موافقة الخصوم على  الإجراءات التي تمت اثناء المعاينة. 

الوجه الثاني عشر : إمتناع الخصوم عن التوقيع على محضر المعاينة: 

بينت المادة (164) إثبات ما يجب على القاضي إتباعه إذا رفض الخصم أو الخصوم التوقيع على محضر المعاينة، إذ يجب على القاضي في هذه الحالة ان يثبت في المحضر أنه طلب من الخصم التوقيع إلا أن الخصم امتنع عن ذلك. 

الوجه الثالث عشر : جزاء عدم توقيع الخصم على محضر المعاينة: 

 يجب على محكمة الموضوع ان تطلب من الخصم التوقيع على المحضر  فإن لم يقم الخصم بالتوقيع على المحضر ولم تقم المحكمة إثبات تكليفها  للخصم بالتوقيع واثبات رفضه ذلك ،  فإن الحكم الذي يستند إلى محضر المعاينة الذي لم يتم  التوقيع عليه من قبل الخصوم يكون باطلاً اذا لم يذكر في المحضر أن المحكمة طلبت من الخصم ان يقوم بالتوقيع الا انه رفض ذلك  .

الوجه الرابع عشر : الخبير العدل في المعاينة ومهامه وشروطه: 

 سبق القول ان المعاينة تتداخل وتتزامن مع بعض أدلة الإثبات الأخرى ومن ذلك تداخلها مع أعمال الخبراء العدول، حيث تستعين المحكمة عند المعاينة الخبراء العدول، إذ يتم إجراء المعاينة من قبل المحكمة بحضور الخصوم وخبراء عدول مختارين من قبل اطراف الخصومة، والخبير العدل المختار في المعاينة في النزاعات العقارية  هو الذي ينطبق عليه مفهوم الخبير المحدد في قانون الإثبات الذي يقدم للقاضي رأيه الفني في المسائل الفنية كمسائل القياس والمساحة والابعاد والمسافات، ويشترط في الخبير العدل ان يكون عدلاً محافظاً على الشعائر الإسلامية، وان يكون مستقيماً لم يرتكب الكبائر ولا يصر على الصغائر.

الوجه  الخامس عشر : اوجه الإتفاق والإختلاف بين عدول المعاينة وشهود التروية: 

هناك أوجه شبه كثيرة منها اتفاقهما في غالبية الشروط الواجب توفرها فيهما،  كالعدالة واداء اليمين وتكليفهما من قبل المحكمة، إلا أن هناك فروق تميز خبراء المعاينة عن شهود المعاينة أو شهود التروية، واهم هذه الفروق ان الخبير تسري عليه أحكام الخبرة المحددة في قانون الإثبات بينما تسري على الشاهد شروط وأحكام الشهادة المحددة  أيضا في قانون الإثبات، فلكل من الخبير والشاهد احكامه الخاصة به، ومن ذلك ان شهادات شهود المعاينة تتناول وقائع معينة ليست ذات طابع فني ويكون شهود التروية  في الغالب من المجاورين للأرض محل النزاع  الذين تتوفر لديهم البيانات والمعلومات المطلوبة في المعاينة مثل اسم الأرض  وحدودها واسماء الأراضي المحادة لها أو المجاورة لها واسماء الملاك السابقين أو المتعاقبين للأرض محل النزاع والأراضي المجاورة لها وبيان أسباب النزاع بشأن الأرض بالإضافة إلى بيان الحائزين المتعاقبين عليها ومظاهر حيازتهم لها ومدة الحيازة وغير ذلك من البيانات المطلوبة للحيازة،  اما الخبراء العدول فإن اعمالهم تكون مسائل فنية كاسقاط الحدود والمساحات من واقع مستندات الأرض على الطبيعة وتحديد المساحات والمسافات وتحديد حدود الأراضي والعقارات وتطبيق مستندات الخصوم على الطبيعة بنظر القاضي . 

الوجه السادس عشر : المعاينة إجراء قضائي لا يقوم بها إلا القاضي: 

 المعاينة طريقة من طرق الإثبات يباشرها القاضي نفسه الذي ينظر القضية أو قاض آخر ينيبه القاضي المختص، كما ان المعاينة وإن كانت طريقة من طرق الإثبات إلا أنها طريقة تتعلق وترتبط بطرق الإثبات الأخرى مثل المحررات والمستندات السابق تقديمها إلى المحكمة من قبل الخصوم حيث يتم تطبيقها عند المعاينة، ولأن المعاينة تعتمد على التأكد من الأدلة السابق اثارتها أمام المحكمة فإن الأولى ان يباشرها القاضي بنفسه الذي ينظر النزاع، غير أنه يجوز للقاضي المختص ان ينيب غيره من القضاة، ومع ذلك فلا يجوز للقاضي ان ينيب الخبراء العدول أو الموظفين لإجراء المعاينة، وإن جاز للقاضي ان يستعين بالخبراء العدول والشهود اثناء معاينته حتى تحقق المعاينة الأغراض المرجوة منها وحتى يقف القاضي على الحقيقة على أرض الواقع، إلا أنه من المقرر قانوناً انه لايجوز ان ينفرد الخبير العدل  بإجراء المعاينة أو  تطبيق المستندات لان  ذلك إختصاص حصري معقود بالقاضي.

الوجه السابع عشر : وجوب تحديد اغراض المعاينة في قرار القاضي إجراء المعاينة: 

لأهمية المعاينة وخطورة نتائجها فأنه يجب على القاضي حينما يقرر إجراء المعاينة ان يحدد  في قراره اغراض المعاينة كتطبيق مستندات الطرفين اوتحديد الحدود الفاصلة محل النزاع أو مساحة الأرض المتنازع عليها أو إثبات الإستحداث في الأرض أو إثبات الحيازة وغير ذلك، حتى لا تنحرف المعاينة عن الأغراض المتوخاة منها. 

الوجه الثامن عشر: وجوب استماع المحكمة اثناء المعاينة لإيضاحات وإعتراضات الخصوم اثناء المعاينة: 

تستجد اثناء المعاينة اقوال وادلة يشاهدها ويسمعها القاضي نفسه يكون لها التأثير في قناعة القاضي وعقيدته، ومن خلال المعاينة يتولد لدى القاضي علم شخصي يؤثر في عقيدته، لذلك يجب على القاضي ان يمكن الخصوم اثناء المعاينة من إبداء ايضاحاتهم أو اعتراضاتهم على الأقوال والإجراءات التي تمت اثناء المعاينة، ولذلك فقد نصت المادة (170) إثبات على وجوب اجراء المعاينة بحضور الخصوم أو وكلائهم واشترطت المادة ذاتها ان يطلب القاضي من الخصوم التوقيع على محضر المعاينة، والله اعلم.