بصمة الخصم على محاضر جلسات المحاكمة
أ. د/ عبدالمؤمن
شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
توقيع
الخصم أو وضع بصمته على محضر جلسة المحاكمة يمنعه من الإدعاء أو الطعن في الاقوال
والإجراءات الواردة في المحضر طالما لم يتضمن المحضر اعتراض اوتحفظ الخصم على تلك
الأقوال والإجراءات، حسبما قضى الحكم
الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16-1-2013م
في الطعن رقم (47037)، وقد سبق هذا الحكم الحكم الاستئنافي الذي قضى بأنه: (تبين
للدائرة ان نعي الطاعن بأن الحكم الابتدائي قد أستند على محاضر جلسات المحاكمة التي تضمنت اخطاء وتحويرات في أقوال كاتب
البصيرة والشهود والخصوم، ولذلك فإن الحكم الابتدائي الذي اعتمد على محاضر جلسات
المحاكمة قد تضمن اخطاء كثيرة عددها الطاعن، وقد ناقشت الشعبة ماردده الطاعن المستأنف بانه قد بصم على جميع محاضر جلسات المحاكمة في المحكمة
الابتدائية، فبصمته حجة قانونية عليه)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي قضت
الدائرة المدنية برفض الطعن بالنقض وإقرار
الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((فما اثاره الطاعن
عبارة عن وقائع موضوعية تستقل بنظرها محكمة الموضوع لا تمتد إليها رقابة المحكمة
العليا، وقد بذلت محكمتا الموضوع جهداً ملموساً في تحقيق وقائع القضية وتبين لهما
عدم صحة دعوى الطاعن وقد اصابتا في قضاهما لما عللتا به حكميهما من أسباب سائغة
لها ما يسندها في الأوراق والقانون مما يستوجب معه رفض الطعن بالنقض موضوعاً
وإقرار الحكم المطعون فيه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في
الأوجه الأتية :
الوجه الاول: تعريف المحاضر ومعنى كتابتها واهميتها وحجيتها :
اولا : تعريف المحاضر :
المحاضر جمع محضر والمحضر من اسمه عبارة عن وثيقة مكتوبة تتضمن اثبات حضور الاشخاص المختصين وبيان اسمائهم وصفاتهم ويوم وساعة
حضورهم والاقوال التي قالوها والقرارات والإجراءات التي اتخذوها، وهناك محاضر عبارة عن وثائق مكتوبة لإثبات حالة معينة بنظر الموظف او
الموظفين المختصين مثل محضر اثبات حالة او ضبط مخالفة او محضر تفتيش او قبض او
حجز او اتلاف ....الخ .
ثانيا: معنى كتابة المحضر :
كتابة المحضر تعني تسجيل
وتدوين حضور الاشخاص المعنيين وبيان اسمائهم وصفاتهم ويوم ووقت
حضورهم والاقوال التي ادلوا بها والقرارات والإجراءات التي اتخذوها حيث تتم كتابة المحضر فور حضور المعنيين، وقد تكون كتابة المحضر يدوية كما انها قد تتم عن
طريق الطباعة في الحاسوب، وقد يصاحب كتابة المحضر تسجيل بالصوت
والصورة، ويتم التوقيع على المحضر لاحقا
بعد طباعته او بعد تنقيحه، ولاهمية تحرير المحضر بسرعة فان جهات كثيرة تستعمل
نماذج يتم اعدادها مسبقا حيث يتم تضمين
هذه النماذج كافة البيانات الواجب توفرها في المحضر بما في ذلك تاريخ ووقت المحضر واسماء الحاضرين وموضوع المحضر، ويترك فراغ في
المحضر للقرار او الإجراء المطلوب اتخاذه
حتى يتم تدوينه في المحضر بعد الاتفاق عليه عند الاجتماع مثلا .
رابعا : اهمية المحاضر والتوقيع عليها وحجيتها :
تكتسب المحاضر اهميتها البالغة من انها تثبت اقوال
الحاضرين والقرارات والاجراءات التي قاموا باتخاذها
حيث يتم التوقيع على المحاضر من قبل الحاضرين
جميعا حينما يكون عدد الحاضرين قليلا
وحينما يكون عدد الحاضرين كبيرا يتم التوقيع على كشف مستقل عن
المحضر يذكر في اعلاه على انه كشف
يتضمن اسماء وصفات الحاضرين في الاجتماع
مع تحديد يوم الاجتماع وتاريخه ومكانه ورقم المحضر، على انه
ينبغي في هذه الحالة ان يذكر في المحضر ان اسماء الحاضرين مثبتة في الكشف الملحق
بالمحضر وان هذا الكشف يعد جزءا لايتجزاء من المحضر, في حين يقوم رئيس الاجتماع
وامين السر او المقرر بالتوقيع على المحضر,
وعندما يكون عدد الحاضرين قليلا من ثلاثة
الى خمسة فانهم يقومون بالتوقيع في ادنى
المحضر – وهناك محاضر يتم التوقيع عليها في متن المحضر قرين اسماء الحاضرين
في الاجتماع في حين يتم التوقيع في
ذيل المحضر من قبل رئيس الاجتماع والمقرر, وعندما يتم التوقيع على المحاضر
فأنها عندئذ تكون حجة للأشخاص الذين قاموا بالتوقيع عليها وكذا تكون حجة عليهم، واذا كان الموقعون على المحاضر قد
حضروا بصفاتهم الوظيفية فان ماورد في المحضر يكون حجة على الجهة التي يمثلها
الموظف المختص الموقع على المحضر وملزما لها، كما يكون الموقعون على المحاضر مسئولون عن صحة وسلامة القرارات والاجراءات
المثبتة في المحضر ولايعفي من المسئولية الا المعترضون على القرارت او المتحفظون، ولذلك يمنح المجتمعون بدل جلسات مقابل المخاطر التي
يتعرضون عليها جراء توقيعهم على محاضر الجلسات
التي يوقعون على محاضرها – كما ان هذه
المحاضر تكون لها حجيتها القانونية في حدود
الصلاحيات القانونية المحددة للمشاركين فيها –
كما ان القانون قد يتدخل في حالات
كثيرة لتحديد حجية هذه المحاضر، فمثلا القانون ينص على ان محاضر التحقيق التي تجريها النيابة
العامة ومحاضر جلسات المحاكمة محررات رسمية
لها حجيتها القانونية الكاملة ولا يجوز
الطعن فيها الا بالطريق المحدد قانونا
.( مهارات الصياغة القانونية، ا. د. عبد
المؤمن شجاع الدين، ص87).
الوجه الثاني : محضر جلسة المحكمة :
هو محرر رسمي له حجيته القانونية وفقا للقانون، ويتم تحريره من قبل امين سر
الجلسة ويتضمن المحضر اسم المحكمة واسم القاضي الذي
ينظر في القضية واسم امين السر الذي
يقوم بكتابة المحضر وتاريخ انعقاد الجلسة
بالميلادي والهجري واسماء الخصوم (المدعى والمدعى
عليه) ورقم القضية, ويقوم امين السر او
الكاتب في المحضر بإثبات انعقاد الجلسة
وحضور الخصوم او غيابهم والاقوال التي قالوها اثناء الجلسة والمذكرات
التي قدموها بالإضافة الى القرارات والإجراءات التي اتخذتها المحكمة, ومن خلال
ذلك يظهر ايضا ان محضر الجلسة يتكون
من اربعة مكونات الجزء الاول : الديباجة
التي يتم فيها تدوين تاريخ انعقاد الجلسة واسم المحكمة واسم القاضي
وامين السر والقضية المنظورة ونوعها ورقمها
واسماء الخصوم المتداعين, والجزء الثاني : كتابة
حضور او غياب الخصوم والاقوال التي قالوها
في الجلسة والمذكرات التي قدموها والجزء
الثالث : قرارات المحكمة, والجزء الرابع : ذيل
المحضر الذي يشتمل على قفل المحضر وتحديد تاربخ الجلسة
القادمة وتوقيع القاضي وامين السر والخصوم
في بعض الحالات.
وأثناء انعقاد الجلسة يجلس امين السر على يسار القاضي
حيث يقوم بتدوين اثبات مايامره القاضي بكتابته وذلك في محضر الجلسة الذي تترتب عنه أثارا قانونية من حيث صحته
وقانونيته، ولخطورة ما يتم اثباته في المحضر،
فان مسؤولية امين السر لا تقل عن مسؤولية
القاضي إذ يتعين أن يكون امين السر على قدر من الثقافة القانونية والإلمام
بالقواعد الإجرائية ومعروف بالسلوك القويم حتى يتأتى له تحرير محضر الجلسة بشكل
سليم .
فمحضر الجلسة المعد من قبل امين السر له حجيته القانونية،
ولذلك ينبغي عند تحريره احترام الشروط المحددة في القانون، كما أن المحضر
يستعمل كوسيلة لترشيد الأحكام.، فمحضر الجلسة وثيقة مكتوبة يتضمن في ديباجته اسم
المحكمة ورقم القضية وتاريخ الجلسة وأسماء هيئة الحكم وامين السر. بالإضافة إلى البيانات
الأخرى التي اشترط القانون أن يتضمنها
محضر الجلسة وهي :
* اسم المحكمة التي تنظرالقضية.
* رقم القضية وتاريخ الجلسة ومكان انعقادها
* أسماء القضاة المشاركين بحضور النيابة العامة أو عدمه
وكذا اسم امين السر.
* حضور أطراف القضية أو دفاعهم أو غيابهم واعلانهم.
* بيان طبيعة النزاع.
* تسجيل المناداة على القضية وأطرافها
* تسجيل علنية الجلسة أو سريتها
* تسجيل دفوع الأطراف وموقف المحكمة منها
* تسجيل مآل القضية (تأخير –مداولة) أسباب التأخير
* تسجيل تلاوة التقرير من طرف الخبير وعدم معارضة
الأطراف.
* تسجيل تبادل المذكرات بين الأطراف
* تسجيل المرافعات الشفوية.
* تسجيل اقوال الشهود والمترجمين اذا حدث ذلك في الجلسة.
* تدوين القرارات والتكليفات والأوامر الصادرة من
المحكمة
* توقيع المحضر من فبل
رئيس الجلسة وكاتب الجلسة( امين السر).
و يجب ان يراعي امين السر عند كتابة محضر الجلسة الدقة وعدم الشطب أو المحو أو الإضافة بين
السطور لأن ذلك من شانه أن يثير الشك في
قانونية ومصداقية هذه المحاضر.
هذا ويجب على كاتب الجلسة أن يتقيد بتاريخ المحضر، حيث
اعتبرت محكمة النقض الفرنسية بأن إهمال هذا التاريخ يترتب عنه نقض الحكم
والإجراءات، بل واعتبرت أن تاريخ توقيع المحاضر من النظام العام، ومن تم يجب
الالتزام به وذهبت إلى ان في ذلك مساس بحقوق المحكوم عليه إذا لم يتمكن دفاعه من
الإطلاع على المحضر.
الوجه الثالث : المقصود بالبصمة أو التوقيع على المحضر أو المحرر:
لإثبات
نسبة المحضر لصاحب البصمة أو الموقعين عليها إثبات موافقته على ماورد في المحضر، فيجب
أن يقوم المعني الحاضر بوضع بصمته على المحضر أو التوقيع على المحرر، وجوب وضع البصمة
أو التوقيع على المحضر أو المحرر بصفة عامة، حيث نص القانون
على أن يتم التوقيع على المحضر أو المحرر بالإمضاء أو البصمة، وفي هذا المعنى نصت
المادة (103) إثبات على أن (يكون التوقيع على المحرر أما بالخط أو بالختم أو بصمة
الاصبع)، ومصطلح التوقيع مستفاد من الوقوعات أو الواقعات اي التصرفات التي يتضمنها
المحرر، كواقعة حضور جلسة محاكمة أو واقعة
البيع أو الهبة أو الإقرار وغير ذلك من الوقوعات أو الواقعات أو التصرفات،
فالتوقيع يكون بكتابة الشخص صاحب التوقيع لاسمه الرباعي على المحضر أو المحرر المتضمن الواقعة أو التصرف،
كما قد يتم التوقيع بالإمضاء: وهو عبارة عن علامة يضعها الشخص لنفسه بصفة مستديمة،
فيداوم على وضعها في ذيل المحاضر أو المحررات التي يكتبها أو تلك التي يكتبها
الغير، وهناك أشخاص يضعون لأنفسهم ختومات تتضمن توقيع الشخص أو امضائه أو اسمه ،
كما قد يقوم الشخص بوضع بصمته على المحضر
أو المحرر، وفي حالات كثيرة وزيادة في
التأكيد يتم الجمع بين كتابة الاسم الرباعي والامضاء والبصمة، والمقصود من
قيام الشخص بالتوقيع على المحضر أو البصمة أو الإمضاء عليه هو قبوله بالواقعة
الواردة في المحضر المحرر أو إقراره
بوقوعها وصحة صدورها منه او موافقته على
ماورد فيها ، لان الشخص لايقوم بالتوقيع على المحضر أو المحرر الا بعد إن يفهم ويدرك مضمون
المحرر، (الطعن في صحة أدلة الإثبات الكتابية، د. علي بلحيرش، ص9).
الوجه الرابع : حجية المحضر أو المحرر بخط الغير الذي يقوم الشخص بالبصمة أو التوقيع عليه:
نصت
المادة (104) إثبات على أنه (يعتبر المحرر
العرفي الموقع من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو خلفه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب
إليه من خط أو أمضاء أو ختم أو بصمة، فإذا لم يقيم المدعي البرهان على الخط حلف
المدعى عليه البت والقطع أما الوارث أو خلفه فإنه يحلف على نفي العلم)، فطالما أن
الشخص قد قام بالتوقيع على المحضر أو المحرر
ولم ينكر توقيعه، فإن المحرر يكون حجة عليه وعلى خلفه من بعده، لأن التوقيع مقرر
قانوناً وعرفاً للدلالة على موافقة صاحب التوقيع ورضاه وقبوله بما ورد في المحرر
وإنما ماورد فيه قد وقع فعلا وأنه صحيح وموافق للواقع ، وللتدليل على أنه مدرك
للآثار والتبعات والمسئوليات المترتبة على ما تضمنه المحرر، وأنه قد فهم مضمون
المحرر، فلاتنتفي حجية المحرر بالنسبة لصاحب التوقيع الا اذا انكر توقيعه، وللغير
ان يثبت صحة ذلك التوقيع، علما بأن محاضر جلسات المحاكمة هي محررات رسمية لايجوز الطعن
فيها الا بالطريقة المحددة قانونا، وإذا قام الخصم بالتوقيع أو البصمة عليها فان
ذلك دليل على موافقته ورضاه بما ورد فيها لايحق له بعد ذلك الإدعاء أو التشكيك
بسلامتها حسبما قضى الحكم محل تعليقنا (شرح قواعد الإثبات الموضوعية، د. خالد
السيد محمد موسى، ص117).
الوجه الخامس : حجية محضر جلسة المحاكمة:
تقدم القول بأن قانون المرافعات قد نص على أن يتم
تحرير محضر الجلسة في اثناء إنعقاد الجلسة وأنه ينبغي أن يتضمن محضر الجلسة إثبات
حضور القاضي والخصوم وأقوالهم وقرارات وإجراءات المحكمة في القضية، وأنه يتم
التوقيع على محضر جلسة المحاكمة من قبل أمين السر الذي تولى كتابة المحضر وكذا من
قبل القاضي، وعلى هذا الأساس وبحسب ما ورد في قانون الإثبات فإن محضر جلسة المحكمة
يعد محرراً رسمياً لأنه صادر من سلطة عامة مختصة ومن قبل موظفين عموميين مختصين، فلا
يجوز الطعن في محاضر جلسات المحاكمة الا بالطريق المقررة لذلك قانونا، علما بأن
قيام الخصم بالبصمة على محضر أو محاضر جلسات المحاكمة يمنعه من الطعن في تلك المحاضر،
لأن وجود بصمته عليها دليل على صحة ماورد فيها حسبما قضى الحكم محل تعليقنا .
الوجه السادس : إشكالية التوقيع عن طريق البصمة:
في الغالب
عند التوقيع على المحضر بطريق بصمة الخصم يتم اخذ بصمة إبهام الكف الأيسر، لأن
غالب الناس لايستعملون ايديهم اليسري بكثرة، لأن كثرة إستعمال
الإصبع يخدش بصمات الأصابع، فتصير غير واضحة أو يتعذر التعرف عليها، إضافة
إلى أن بصمات الأصابع تتاثر بنوع العمل أو النشاط الذي يباشره صاحب البصمة، فمثلا بصمات
الفلاحين والملحمين والحدادين والنجارين والذين يعملون في عد النقود باصابعهم
والمسبحين بالمسابح الخشنة وغيرهم، غالب هؤلاء لا تظهر بصماتهم أو لايتم التعرف
عليها، كما لايتم التعرف على غالب بصمات أصابع الناس بسبب عدم سلامة اسلوب اخذ
البصمة، مثل تثبيت وضع الإصبع عند اخذ البصمة، وعدم مسح الإصبع قبل اخذ البصمة لازالة
العرق أو الدهن الذي يحول دون اخذ البصمة بصورة كاملة وصحيحة، علاوة على أن بصمات
الإصبع تختلف عن بصمات الآخرين ب51مغايرا في حين تختلف بصمة الشفة عن بصمات شفاة الآخرين
ب600 مغايرا، اما بصمة العين فتختلف عن بصمات أعين الآخرين ب1300 مغايرا.( الطب الشرعي القضائي، د. جلال الجابري، ص76).
ولذلك فقد تحولت غالب دول العالم عن بصمة الأصابع إلى غيرها، حتي في اليمن فإن كثيرا من الشركات والمؤسسات قد تحولت عن بصمة الأصابع إلى ماهو اكثر دقة وسلامة منها، ولذلك نوصي الجهات المعنية بدراسة موضوع التحول من بصمة الإصبع إلى غيرها، والله اعلم.