مجرد طلب اليمين يجعلها حاسمة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
إذا طلب الخصم اليمين من خصمه على موضوع النزاع في مجلس القضاء فإن اليمين في هذه الحالة تكون حاسمة، فتترتب عليها الآثار الشرعية والقانونية لليمين الحاسمة فتحسم كل الادعاءات والطلبات والأدلة التي تناولتها اليمين، فلا يشترط ان يسميها الخصوم أو المحكمة بالحاسمة، لان قانون الإثبات هو الذي يطلق عليها هذا الاسم على اليمين ويقرر انها حاسمة ويرتب عليها الآثار ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-1-2012م في الطعن رقم (46967)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وبرجوع الدائرة إلى ما عللت به محكمة الاستئناف في حيثيات الحكم بقولها: أنه بالنسبة للاستئناف الفرعي فهو مرتبط بالاستئناف الأصلي مستندة إلى المادة (286) مرافعات، حيث قضت برفض الطعن وتأييد الحكم الابتدائي، لأن مجرد طلب أداء اليمين أمام محكمة الموضوع يجعلها حاسمة ومنهية لكامل النزاع، ومن ثم فإن المضي باليمين قد تم بالقنوع التام من الطرفين، ولدى التأمل لذلك كله تبين للدائرة موافقة الحكم الاستئنافي للشرع والقانون من حيث النتيجة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول: ماهية اليمين الحاسمة:
اليمين الحاسمة: هي اليمين التي يوجهها أحد المتخاصمين لخصمه أمام المحكمة ليحسم بها النزاع، ولا يلجأ إليها الخصم عادةً إلا عندما يفتقد إلى الدليل لإثبات دعواه. وسميت الحاسمة، لأنها تحسم النزاع وتنهي الخصومة المنظورة أمام القضاء.
فاليمين الحاسمة أحد أبرز وسائل الإثبات في قانون االإثبات وأقواها، وهي يمين توجه في النزاع بين الأطراف فتنهيه وتحسمه، ومن ذلك جاء مسماها بالحاسمة، ولانه يترتب على المضي بها أي منع الطعن في الحكم الذي يستند إليها، وتلزم القاضي بها فلايحق له رفض طلب توجيهها إضافة إلى انها تلزم القاضي الحكم بمقتضاها، فهي تجعل أحد الأطراف يحتكم إلى ضمير الخصم الآخر وذلك بإستشهاده بالله سبحانه وتعالى على صحة ما إستشهد عليه.
واليمين الحاسمة بمثابة عمل قانوني من جانب واحد يصطبغ بالطابع الديني فينتج بموجبه أثاره على الحكم. وهو عبارة عن ألية يلتجأ إليها أحد أطرف النزاع كأخر حل لإنهاء النزاع ، فيوجهها للطرف المقابل بأن يحلف بأن الحق محل النزاع يعود إليه، فإذا امتنع عن ادائها أداء اليمين حكم لطالب اليمين فإن أداها كسب القضية، ولمن وجهت إليه أن يردها على الخصم الذي وجهها وقد منعت بعض القوانين العربية غير القانون اليمني توجيه اليمين الحاسمة إلى الأقارب فروعا وأصولا على حد سواء بيد أنه اذا مضى القريب باليمين ترتب عليها أثرها الشرعي والقانوني .
اليمين الحاسمة تصرف قانوني من جانب واحد، فهي يمين يوجهها الخصم إلي خصمه يحتكم بها إلي ضميره لحسم النزاع ، فهي تصرف قانوني جوهره اتجاه إرادة الخصم الذي يوجه اليمين في أن يحتكم إلي ضمير خصمه بما يترتب علي ذلك من آثار قانونية، هذا الاحتكام إلي الضمير هو تصرف قانوني بإرادة منفردة إذ هو ينتج أثره بمجرد صدوره أي بمجرد طلب توجيه اليمين الحاسمة.
واليمين الحاسمة هي احدي تطبيقات اليمين عموماً لذا سنجد أن جوهرها استشهاد بالله واستنزال لعقابه إذا كذب من يؤدي اليمين ، وهنا يلتقي تعريف اليمين شرعاً واصطلاحا ، وهو ما يمكن معه القول بأن اليمين لغة هو إخبار عن أمر مع الاستشهاد بالله تعالي علي صدق الخبر ، فاليمين الحاسمة لا تعتبر عملاً مدنياً فحسب بل هو أيضاً عمل ديني ، فطالب اليمين يلجأ إلي ذمة خصمه والحالف عندما يؤدي اليمين إنما يستشهد بالله ويستنزل غضبه أن كان كاذبا في يمينه، نقض مدني – الطعن رقم 2938 لسنة 64 ق جلسة 8-12-1994 ، وكذا الطعن رقم 152 لسنة 54 ق جلسة 9-4-1990 .وكذا الطعن رقم 77 لسنة 74 ق جلسة 22-1-2007
، وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن : اليمين الحاسمة هي التي يوجهها الخصم إلي خصمه الآخر محتكماً إلي ذمته في أمر يعتبر مقطع النزاع فيما نشب الخلاف بينهم حوله ، وأعوز موجهها الدليل علي ثبوته، ويترتب علي حلفها أو النكول عنها ثبوته أو نفيه علي نحو ينحسم به النزاع حوله ويمتنع معه الجدل في حقيقته ، إذ يضحي الدليل المستمد من حلفها أو النكول عنها وحده دعامة كافية لحمل قضاء الحكم في شأنه حتى أنه لا يلزم تسبيب الحكم بأسباب أخرى غير اليمين. نقض مدني – الطعن رقم 1419 لسنة 58 ق جلسة 27-3-1989
فاليمين الحاسمة تصرف من جانب واحد وان كان من حق من وجهت له اليمين الحاسمة له الحق في الرجوع فيها إلي أن يقبل الخصم الذي وجهت إليه أن يحلف مما يعني أن اليمين الحاسمة ليست تصرف قانوني بإرادة منفردة بل تصرف قانوني مزدوج لا ينتج أثره إلا بقبول الخصم الذي وجهت إليه اليمين أن يحلف، وهذا التصور غير صحيح . فاليمين الحاسمة هي تصرف قانوني من جانب واحد، فقبول الخصم حلف اليمين الحاسمة ليس قبولاً الإيجاب، إذ أن من وجهت إليه اليمين لا يملك إلا أن يقبل حلف اليمين أو يرد اليمين علي من وجهها إليه.
أي أنه لا يملك إلا قبول الاحتكام إلي ضميره أو أن يحتكم هو لضمير الخصم الذي وجه اليمين ، ومن ثم لا يكون توجيه اليمين الحاسمة تصرفاً يحتاج إلي قبول،)الوسيط للسنهوري – طبعة نقابة المحامين 2006 تنقيح المستشار مدحت المراغي – الجزء الأول المجلد الثاني – ص 470). والواقع أن اليمين الحاسمة – ليست إلا تأكيداً لواقعة أمام القضاء في ظل ضمانة من الذمة أو العقيدة الدينية ، وهي بهذا الوصف ليست إلا علاجاً يحد من مساوئ نظام تقييد الدليل باعتبار هذا النظام ضرورة لا غنى عنها لتأمين استقرار المعاملات وإن كان تطبيقه في نطاق العمل قد يسفر عن نتائج تناقض العدالة، فادعاء من فاته تحصيل الدليل المقرر من جراء إهمال أو إسراف في الثقة قد يكون صحيحاً رغم انتفاء الدليل . ولو التزمت الأحكام العامة في القانون لترتب عليها إخفاقه ، لكن العدالة تقتضي الترخيص له بالاحتكام إلي ذمة خصمه.
والواقع أن حق الخصم في الاحتكام يقابله التزام الخصم الآخر بالاستجابة لتلك الدعوة وإلا أصبح هذا الحق مجرداً من الأثر والجدوى . فالخصم يلتزم بحكم القانون بالتخلي عن التقيد بقواعد القانون والاحتكام إلي العدالة . بيد أن حق الاحتكام إلي الذمة قد أثبته القانون للخصم الآخر أيضاً واحتفظ له به ، إذ جعل له أن يرد اليمين ويحتكم بذلك إلي ذمة من وجهها إليه
(مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني 3 ص 445 إلي447،).
وقد اعتنقت محكمة النقض المصرية من جانبها اعتنقت هذا الرأي وهي تؤكد علي آثار توجيه اليمين الحاسمة فقد قضت وهو قضاء مضطرد بأنه :
من المقرر في قضاء محكمة النقض – أن طلب توجيه اليمين الحاسمة هو احتكام لضمير الخصم لحسم النزاع كله أو في شق منه عندما يعوز من وجهه الدليل لإثبات دعواه ، فإن حلفها من وجت إليه فقد أثبتت إنكاره لصحة الادعاء ويتعين رفضه ، وإن نكل كان ذلك بمثابة إقرار منه بصحة الادعاء ووجب الحكم عليه بمقتضي هذا الإقرار). نقض مدني – جلسة 12-6-2002 الطعن رقم 1979 لسنة 71 ق).
فالقاعدة أن اليمين الحاسمة احتكام لضمير الخصم لحسم النزاع كله أو في شق منه عندما يعوز من وجهه الدليل لإثبات دعواه ، فإن حلفها من وجهت إليه فقد أثبتت إنكاره لصحة الادعاء ويتعين رفضه ، وإن نكل كان ذلك بمثابة إقرار منه بصحة الادعاء ووجب الحكم عليه بمقتضي هذا الإقرار.
الوجه الثاني : طلب الخصم اليمين الحاسمة من خصمه :
هو تعبير صريح من الخصم يعرب فيه عن رغبته في حسم الخلاف والاحتكام إلى ديانة وضمير خصمه، إذ يطلب منه اليمين على صحة مايدعيه الخصم أو عدم صحته بحسب الأحوال، ويجوز للخصم الذي يطلب اليمين أن يرجع عن طلبه مالم يقبلها الخصم الآخر، فإن قبلها فلايجوز له الرجوع عنها لتعلق حق الخصم القابل بها.
ولايلزم أن يسمي الخصم الطالب اليمين بالحاسمة ولايلزم أن يسميها الخصم الموجهة إليه أيضا بالحاسمة بل انه لا يلزم أن تسميها المحكمة بالحاسمة، لأن اليمين اذا تم طلبها اثناء النزاع وتعلقت بموضوع النزاع المنظور أمام القضاء فالقصد منها والغرض هو حسم النزاع المنظور، ولذلك فهي حاسمة سواء تمت تسميتها كذلك ام لا.، فقانون الإثبات المني قد نص على أن اليمين اذا طلبها احد الخصوم في مجلس القضاء عند نظر النزاع تكون حاسمة للنزاع.
وفي هذا المعنى نصت المادة (139) إثبات على أنه( للمدعي أن يوجه اليمين الحاسمة إلى المدعى عليه وللمدعى عليه أن يردها على المدعي ولا يجوز لمن وجه اليمين أو ردها أن يرجع في ذلك متى قبل خصمه الحلف) .
فقد أجاز القانون لكل من الخصمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه ليحسم بها النزاع، لكنه اشترط لذلك موافقة المحكمة التي تنظر النزاع، وقد أكدت محكمة النقض في العديد من قراراتها على أن «اليمين الحاسمة هي ملك للخصوم، إلا أن هذا لا يعني توجيه اليمين مباشرة من الخصم إلى خصمه، بل يجب أن توجه عن طريق المحكمة بطلب يقدم لها». (قرار نقض، غرفة ثانية 1195/1798 لعام 2000، الحسيني، مرجع سابق، القاعدة 5567، ص 2795).
وإذا كان القانون قد اشترط - لتوجيه اليمين الحاسمة - إذن المحكمة، إلا أن هذا لا يعني أن للمحكمة سلطة تقديرية في قبول توجيهها أو في رفضها. (قرار نقض، غرفة ثانية 592/1077 لعام 2000، الحسيني، مرجع سابق، القاعدة 5583، ص 2801).
ولكن بهذا الاشتراط يكون المشرع قد منح المحكمة حق ممارسة رقابتها على اليمين والتأكد من استيفائها للشرائط القانونية ، وبالتالي يمكن للمحكمة ألا تأذن بتوجيهها إذا كانت الواقعة المطلوب إثباتها غير منتجة في الدعوى، أو كانت مخالفة للنظام العام مثلاً. ولهذا ينحصر حق توجيه اليمين الحاسمة فقط بالخصوم في الدعوى ولا يتعداه لغيرهم، فليس للمحكمة أن توجهها إلى الخصوم من تلقاء نفسها، كما ليس لها أن تحرم الخصوم من هذا الحق.
كما تملك المحكمة حق تعديل صيغة اليمين التي يعرضها الخصم لتجعلها واضحة ومنسجمة بدقة على الواقعة المطلوب الحلف عليها، وفي هذا الشأن نصت المادة (140) إثبات يمني على أنه( يكون توجيه اليمين أوردها عن طريق المحكمة ولها أن تعدل صيغتها أو أن تمنع توجيهها طبقا لما هو منصوص عليه في المادة (137) من هذا القانون) .
ويمكن توجيه اليمين الحاسمة في أية حالة كانت عليها الدعوى ، حتى بعد قفل باب المرافعة، إذ يتعين على المحكمة حينئذٍ أن تعيد فتح باب المرافعة من جديد للنظر بشأنها، وتوجيهها إلى الخصم المعني بحلفها إذا توافرت شرائها، وعلى ذلك يمكن توجيه اليمين الحاسمة أمام محكمة الدرجة الأولى، أو أمام محكمة الدرجة الثانية (كمحكمة الاستئناف)، لكن لا يجوز توجيهها أمام المحكمة العليا أو محكمة النقض ما لم تكن تنظر في الطعن للمرة الثانية.
وإذا اجتمعت عدة مطالب في دعوى واحدة فإنه يكتفى بيمين واحدة بشأنها، وهذا ما يسمى بوحدة اليمين الحاسمة.
وقد ألزم القانون من يوجه هذه اليمين، أو يردها على خصمه أن يتقيد بطلبه، ومنعه من التراجع عنه متى صاغ اليمين وقبل بها من وجهت إليه.
فاليمين التي يوجهها الخصم إلي خصمه يحتكم بها إلي ضميره لحسم النزاع ، يضاف إليه أن اليمين الحاسمة وسيلة من وسائل الإثبات ، وهذا يعني أنه يجب أن يبدي طلبها بشكل واضح وصريح وجازم يصمم عليه
وكما يقال بشكل يقرع سمع المحكمة ، وإلا فإن المحكمة تكون في حل من الاستجابة له أو الرد عليه ، ونحن نفضل دائماً إضافة إلي إثباته بمحضر الجلسة تقديم مذكرة مكتوبة إلى المحكمة من قبل الخصم وذلك قبل حلف اليمين الحاسمة .
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض بأنه : إذا كان البين مما قدمه الطاعنون من مذكرات أمام محكمة الاستئناف أنهم لم يوجهوا فعلاً يميناً حاسماً إلي المطعون ضدها ، أو أنهم طلبوا من المحكمة استجوابه في أمر معين ، وإنما اقتصر طلبهم علي حضورها شخصياً للتحقق من وجودها
وأنها ما زالت علي قيد الحياة وتوطئة لتوجيه يمين حاسمة إليها واستجوابها وهو ما لا يعتبر طلباً صريحاً جازماً بالاستجواب أو باليمين حتي تلتزم محكمة الموضوع بالرد عليه ، فإن النعي علي الحكم المطعون فيه إخلاله بحق الدفاع والقصور يكون علي غير أساس.، كما قضت محكمة النقض بإن الطلب الذي تلتزم به محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يقرع سمع المحكمة ويشتمل على بيان ما يرمي إليه به) نقض 2/5/1955 مجموعة القواعد القانونية س6 ص935 ).
كما قضت محكمة النقض بان لعدول من الدفاع عن طلب أبداه دون إصرار عليه لا يستأهل من المحكمة رداً)نقض 28/2/1966 مجموعة القواعد القانونية س17 ص215).
الوجه الثالث: شروط اليمين الحاسمة:
يجب أن تتوافر في الوقائع التي تنصب عليها اليمين الحاسمة الشرائط القانونية الآتية :
(1) يجب أن تكون هذه الوقائع متعلقة بشخص من وجهت إليه اليمين، وإلا انصبت اليمين على مجرّد علمه بها ، فمن يوجه اليمين إنما يحتكم بذلك إلى ضمير خصمه، فيلزم أن تكون الواقعة متعلقة بشخص هذا الخصم، كأن يطلب المدين من الدائن مثلاً حلف اليمين الحاسمة على عدم استيفائه الدين موضوع الدعوى.
وفي هذا المعنى نصت المادة (137) إثبات يمني على أنه( : يجب أن تكون الواقعة المراد الحلف عليها متعلقة بشخص الحالف وإلاَّ انصبت على مجرد علمه بها، وللمحكمة أن تعدل من صيغة اليمين بحيث تنصب على الواقعة المراد إثباتها ، ولا يجوز توجيه اليمين على واقعة مخالفة للقانون وللنظام العام أو الآداب العامة ).
(2) يجب ألا تكون هذه الوقائع ممنوعة بالقانون أو مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة حسبما ورد في المادة( 137) السابق ذكرها ، فلا يجوز مثلاً توجيه اليمين لإثبات دين قمار، أو لإثبات أجور منزل يستغل لأعمال غير مشروعة.
(3) يجب أن تكون هذه الوقائع محددة بدقة ووضوح، فعلى الخصم الذي يوجه اليمين لخصمه أن يبين بدقة كل الوقائع التي يريد استحلافه عليها، ويذكر صيغة اليمين بعبارة واضحة وجلية، وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض إنه «يتعين على طالب اليمين أن يوجهها إلى خصمه في عبارة واضحة لا يشوبها لبس أو غموض ولا يحتملها تأويل حتى يكون خصمه على علم تام من الأمر المطلوب الحلف عليه». (قرار نقض، غرفة ثانية 419/773 لعام 1996، موسوعة القضاء المدني، محمد أديب الحسيني، الجزء الثالث، دار اليقظة العربية، الطبعة الأولى 2002، القاعدة 5569، ص 2796).
(4) يجب ألا تكون هذه الوقائع غير منتجة في الدعوى، أو من غير الجائز إثباتها باليمين، ويجب ألا يكون توجيه اليمين مقصوداً به مجرد الكيد بالخصم الآخر. وعلى ذلك إذا كان القانون يمنع من إثبات واقعة معينة باليمين - كما هو الحال بالنسبة إلى حجية الأحكام التي حازت قوة الشئ المقضي به - فإنه لا يجوز توجيه اليمين الحاسمة بشأنها، وهذا ما عنته محكمة النقض بقولها إنه «لا يجوز تحليف اليمين الحاسمة ضد القرينة القانونية القاطعة». (قرار نقض، غرفة ثانية 1303/1564 لعام 1996، الحسيني، مرجع سابق، القاعدة 5597، ص 2805).
وعلى ذلك يجب أن تكون اليمين منتجة وحاسمة في الدعوى، فلا يجوز توجيهها على سبيل الاستطراد أو التحفظ، كما لا يجوز تعليقها على أي شرط، وهذا ما استقر عليه الاجتهاد القضائي. (قرار نقض، غرفة ثالثة 1448/1274 لعام 1999، الحسيني، مرجع سابق، القاعدة 5657 ، ص 3507، وقرار نقض، غرفة ثالثة 881/1188 لعام 1995، القاعدة 5600، ص 2807).
الوجه الرابع: آثار توجيه اليمين الحاسمة:
يترتب على توجيه اليمين الحاسمة آثار قانونية هامة ومتعددة، منها ما يتعلق بالخصم الذي يوجهها، ومنها ما يتعلق بالخصم الموجهة إليه، وبيان ذلك كما يأتي :.
اولا : آثار توجيه اليمين الحاسمة لمن وجهها:
يتضمن توجيه اليمين الحاسمة تنازلاً ضمنياً من الخصم الذي يوجهها عن جميع الأدلة الأخرى التي سبق له تقديمها ، أو تلك التي لم يسبق له تقديمها في الدعوى، وذلك بالنسبة إلى الواقعة التي تنصب عليها اليمين وإذا ما تم حلف اليمين فإن هذا يعني أن الأمر انتهى وحُسم النزاع نهائياً، ومن ثم ليس لمن وجهها أن يعود من جديد إلى مخاصمة الحالف استناداً إلى أي دليل آخر؛ لأن توجيه اليمين الحاسمة يفيد ترك ما عداها من وسائل الإثبات بالنسبة إلى الواقعة التي انصبت عليها اليمين. (قرار نقض، غرفة ثانية 1209/1599 لعام 1999، الحسيني، مرجـع سابق، القاعدة 5580، ص 2800).
ولا يجوز لمن وَجّه اليمين الحاسمة أن يرجع عنها متى قبل خصمه أن يحلفها ، ولكن يمكن له ذلك إذا لم يعلن خصمه عن قبوله حلف اليمين، وفي هذا هذا الشأن قضت محكمة النقض إن «للطاعن العدول عن طلب تحليف اليمين الحاسمة قبل تصويرها وقبل أن يقبل الخصم حلفها أو يطلب تعديلها أو ردها على الخصم؛ لأنه قد يكون سبب العدول هو عثوره على مستند كان ضائعاً منه يثبت دعواه، ولا يمكن معاقبته برفض ما ادعاه بسبب أمر أباحه القانون». (قرار نقض، غرفة أولى 484/454 لعام 2000، الحسيني، مرجع سابق، القاعدة 5576، ص 2798).
كما لا يجوز لمن وَجّه اليمين الحاسمة أن يثبت كذب اليمين بعد أن أدّاها من وجهت إليه ، لكن يمكن له - إذا ثَبت كذب اليمين بحكم جزائي قطعي - أن يطالب بالتعويض عما أصابه منها من ضرر.
وفي هذا الشأن نصت المادة (142) إثبات يمني على أنه( تكفي اليمين الحاسمة لإثبات تخلص المدعى عليه من الدعوى ، ولا يجوز طلب إثبات الدعوى بالبينة بعدها كما لا يجوز للخصم أن يثبت كذب اليمين بعد أن يؤديها خصمه على انه إذا ثبت كذب اليمين بحكم قضائي كان للخصم الذي أصابه ضرر منها أن يطالب خصمه بالتعويض دون إخلال بما يكون له من حق الطعن على الحكم الذي صدر ضده بالطرق المبينة في قانون المرافعات).
ثانيا :آثار توجيه اليمين الحاسمة لمن وجهت إليه:
للخصم الذي توجه إليه اليمين الحاسمة أن يختار بين ثلاثة مواقف: فهو إما أن يحلفها ويربح النزاع ، وإما أن ينكل (أي يمتنع) عن حلفها ويخسر النزاع ، وإما أن يردها على خصمه، ولكن يشترط لرد اليمين الحاسمة أن تكون الواقعة التي تنصب عليها اليمين، مما يشترك فيها الخصمان، أما إذا كانت الواقعة شخصية لا يشترك فيها الخصمان بل يستقل بها شخص من وجهت إليه اليمين فقط، فلا يجوز حينئذٍ ردها، كذلك يَعد خاسراً للدعوى كل من رُدت عليه اليمين فنكل عن حلفها . وعلى ذلك فإن رد اليمين الحاسمة هو بمنزلة توجيه لها إلى من وجهها ابتداءً، ومتى قبلها من ردت عليه لا يملك الخصم الذي ردها أن يرجع عن ذلك ويبدي استعداده لحلف اليمين التي كانت قد وجهت إليه، كما لا يجوز لمن ردت عليه اليمين الحاسمة أن يردها على خصمه من جديد، إذ ليس أمامه إلا أن يحلفها ويربح الدعوى أو ينكل عن حلفها ويخسر الدعوى، وتجدر الإشارة إلى أن النكول عن اليمين الذي يقع خارج المحكمة لا يُعتد به قانوناً. (اليمين، د. محمد سامر القطان، ص4).
الوجه الخامس : الدفوع المترتبة علي اعتبار اليمين الحاسمة تصرف من جانب واحد:
انتهينا فيما سبق إلي أن اليمين الحاسمة هي تصرف قانوني من جانب واحد ، وتكييف اليمين الحاسمة علي هذا النحو ترتب مجموعة من الآثار المهمة نتعرض لها علي النحو التالي مع الإشارة إليها كدفوع
أولاً : فيما يتعلق بدفوع الأهلية
من النتائج المترتبة علي تكييف اليمين الحاسمة بأنها تصرف قانوني هو اشتراط الأهلية ، ويراعي أن الأهلية شرط فيمن طلب توجيه اليمين الحاسمة كما أنها شرط فيمن يطلب منه حلف اليمين الحاسمة، لأن كل خصم توجه إليه اليمين يجب أن يكون قادراً علي الخيار بين الحلف والرد والنكول . ورد اليمين كتوجيهها تشترط فيه أهلية التصرف والنكول كالإقرار لا يملكه إلا من ملك التصرف في الحق .
والمقصود بالأهلية بلوغ طالب اليمين والحالف سن الرشد متمتعا بقواه العقلية ، ولم يحجر عليه ، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية وسن الرشد هي إحدى وعشرون سنة ميلادية كاملة. لذا الصبي الذي لم يبلغ سن الرشد لا يجوز له توجيه اليمين الحاسمة، والمحجور عليه لجنون أو عته أو غفلة أو سفه لا يجوز له توجيه اليمين الحاسمة، وفي الحالتين السابقتين إذا لزم توجيه اليمين الحاسمة يوجهها النائب
والنائب قد يكون الولي وهو يملك توجيهها لأنه يملك التصرف ، أما الوصي والقيم وهما أيضاً من النواب فلا يجوز لهما توجيه اليمين الحاسمة إلا في الأعمال التي يملكانها وهي أعمال الإدارة ، أما في أعمال التصرف من أي منهما فيشترط إذن من المحكمة المختصة ، وقد قضت محكمة النقض بأنه :لا توجه اليمين الحاسمة إلا إلي الخصم الآخر الذي له حق المطالبة بالإثبات ويجب أن تتوافر في هذا الخصم أهلية التصرف في الحق الذي توجه إليه فيه اليمين وأن يملك التصرف في هذا الحق وقت حلف اليمين . ذلك أن كل خصم توجه إليه اليمين يجب أن يكون قادراً علي الخيار بين الحلف والرد والنكول . ورد اليمين كتوجيهها تشترط فيه أهلية التصرف والنكول كالإقرار لا يملكه إلا من الحق في التصرف.( نقض مدني – جلسة 27-12-1967 مج المكتب الفني سنة 18 ص 1851).
فيشترط في الخصم الذي يوجه اليمين الحاسمة أن يكون كامل أهلية التصرف، أي أن يكون قد بلغ سن الرشد وألا يكون محجوراً عليه ولا توجه اليمين الحاسمة من الصبي دون سن الرشد والمجنون والمعتوه و ذا الغفلة والسفيه إلا من خلال النائب عنهما قانوناً
ثانياً: فيما يتعلق بدفوع الإرادة:
ومن النتائج المترتبة علي تكييف اليمين الحاسمة بأنها تصرف قانوني هو اشتراط صحة الإرادة فيجب أن يكون توجيه اليمين الحاسمة غير مشوب بغلط أو تدليس أو إكراه
( الوسيط للسنهوري – طبعة نقابة المحامين 2006 تنقيح المستشار مدحت المراغي – الجزء الأول المجلد الثاني – ص 474(
والقاعدة العامة أن في بيان ماهية الغلط وآثاره كعيب من عيوب الإرادة يجوز بسببه طلب الإبطال فالغلط فهو وهم يصيب إرادة المتعاقد يحمله علي اعتقاد غير الواقع، وللغلط عدة أنواع هي
الغلط التلقائي أو البسيط وهو الذي لا يتسبب في قيامه أحد بل ينزلق إليه الشخص من تلقاء نفسه
الغلط المانع أو الحائل وهو يقع إما في ماهية العقد وإما في ذاتية المحل وإما في السبب
وفي جميع هذه الصور لا يوجد تطابق بين الإراديتين ، ولذلك يعتبر مانعاً أو حائلاً دون انعقاد العقد .
الغلط غير المؤثر :
وهو لا أثر له علي صحة العقد ولا يفسد الرضا ، مثل الغلط في صفة غير جوهرية في الشيء محل الالتزام .
الغلط المعيب للرضاء :
وهو يفسد الرضا ويستتبع قابلية العقد الإبطال بطلاناً نسبياً وفق ما يري الشخص الواقع في الغلط.
عيب الغلط في سياق اليمين:
يكون توجيه اليمين الحاسمة مشوباً بغلط في الواقع إذا أخفي الخصم الذي وجهت إليه اليمين عن الخصم الذي وجه اليمين مستنداً صالحاً لإثبات دعوى الخصم الثاني فيعتقد هذا عن غلط ألا سبيل أمامه إلا توجيه اليمين
إذ كان من الجائز لهذا الخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم محرر تحت يده إعمالاً للمادة 20 من قانون الإثبات، إذ يجوز للخصم فى الحالات الآتية أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أى محرر منتج فى الدعوى يكون تحت يده .
( أ ) إذا كان القانون يجيز مطالبته بتقديمه أو تسليمه
( ب ) إذا كان مشتركاً بينه وبين خصمه ، ويعتبر المحرر مشتركا على الأخص إذا كان المحرر لمصلحة الخصمين أو كان مثبتاً لالتزاماتهما وحقوقهما المتبادلة .
( ج ) إذا استند إليه خصمه فى أية مرحلة من مراحل الدعوى
وقد يكون الغلط في القانون كما إذا اعتقد الخصم الذي وجه إليه اليمين أن البينة ممنوعة قانوناً وليست معه كتابة تثبت ما يدعيه فوجه اليمين إلي خصمه ثم تبين بعد توجيه اليمين أن القانون يجيز البينة .
والقاعدة العامة في بيان ماهية التدليس وآثاره كعيب من عيوب الإرادة يجوز بسببه طلب الإبطال
فالتدليس فهو استعمال الحيلة بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يحمله علي التعاقد ، والتدليس ليس عيباً مستقلاً من عيوب الرضا
وإنما هو أثر لعيب أخر هو الغلط . ولذلك فإن التدليس لا يجعل العقد قابلاً للإبطال إلا للغلط الذي يولده في نفس المتعاقد الآخر ، وقد نظم القانون المدني التدليس كعيب مستقل عن عيب الغلط لاعتبارين عمليين الأول سهولة إثبات التدليس الذي تسنده في العادة وقائع مادية يسهل التدليل عليها عن إثبات الغلط وهو حالة نفسية .
والثاني أن التدليس يخول المدلس عليه حق مطالبة المدلس عليه بالتعويض بجانب إبطال العقد .
عيب التدليس في سياق اليمين الحاسمة
قد يكون الخصم الذي وجه اليمين الحاسمة إنما وجهها بسبب تدليس وقع عليه من خصمه بأن أوهمه هذا مثلاً أن القانون لا يجيز له الإثبات بالبينة فليس أمامه من إلا سبيل غير توجيه اليمين .
والقاعدة العامة في بيان ماهية الإكراه وآثاره كعيب من عيوب الإرادة يجوز بسببه طلب الإبطال
فالإكراه فهو ضغط علي شخص يولد رهبه في نفسه يجمله علي التعاقد . وبمعني أخر فإن الإكراه المبطل للرضاء لا يتحقق إلا بالتهديد المفزع في النفس أو المال أو باستعمال وسائل ضغط أخري لا قبل للمكره باحتمالها أو التخلص منها . ويكون من نتائج ذلك خوف شديد يجمل المكره علي الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً
والإكراه نوعين :
النوع الأول : إكراه يعدم الرضـا مطلقاً
ويترتب عليه بطلان العقد بطلانـاً مطلقاً – مثال ذلك أن يمسك الشخص المكره بيد المكره والقلم فيها للتوقيع علي العقد أو أن ينومه مغناطيسيا ويوحي إليه بإمضاء العقد
أما النوع الثاني فهو إكـراه يفسد الرضا لكنه لا يعدمه
والإكراه المفسد للرضا يجب أن ينطوي علي عنصرين ، العنصر الأول هو أن يبعث في نفس المكره رهبه قائمة علي أساس ، والعنصر الثاني هو أن يكون بعث هذه الرهبة حاصلاً دون وجه حق ، وهو ما يعبر عنه بعدم مشروعية الرهبة .
عيب الإكراه في سياق اليمين الحاسمة
قد يكون توجيه اليمين الحاسمة عن إكراه وقع علي الخصم خارج مجلس القضاء فلم ير بداً من توجيه اليمين الحاسمة .
فالقاعدة بشأن عيوب الإرادة في نطاق اليمين الحاسمة أن توجيه اليمين الحاسمة بصفته تصرف قانوني يكون قابل للإبطال بسبب الغلط أو التدليس أو الإكراه ويجوز لمن وجه اليمين أن يبطله حتي بعد أن يقبل الخصم الآخر الحلف وحتي بعد أن يحلف اليمين
ثالثاً : فيما يتعلق بدفوع الوكالة
ومن النتائج المترتبة علي تكييف اليمين الحاسمة بأنها تصرف قانوني هو اشتراط وكالة خاصة فيمن يطلب توجيه اليمين الحاسمة لخصمه
ويقرر السنهوري بأنه : ويشترط فيمن يوكل لتوجيه اليمين أن تصدر له وكالة خاصة في ذلك ، ولا تكفي الوكالة العامة ، ومن ثم لا يصح توجيه اليمين الحاسمة من وكيل عام ، ولا يصح من محام ما لم يكن التوكيل الصادر إليه منصوصاً فيه علي تفويضه في توجيه اليمين ، ولكن لا يشترط تعين محل توجيه اليمين علي سبيل التخصيص ، فيصح التوكيل في توجيه اليمين في خصومة معينة دون تحديد وعاء معين بالذات
( الوسيط للسنهوري – طبعة نقابة المحامين 2006 تنقيح المستشار مدحت المراغي – الجزء الأول المجلد الثاني – ص 476)
الوجه السادس : الوكالة المطلوبة في توجيه اليمين الحاسمة:
والحديث عن الوكالة المطلوبة في توجيه اليمين الحاسمة يوجب الرجوع إلي المادة 702 فقرة أولي من القانون المدني والتي تنص :
لابد من وكالة خاصة فى كل عمل ليس من أعمال الإدارة ، وبوجه خاص فى البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء
قضت محكمة النقض بأن ” النص في المادة 702 من القانون المدني على أن أعمال التصرف لا يصح أن تكون محلاً إلا لوكالة خاصة , وأن التصرف محل هذه الوكالة الخاصة يجب أن يعين تعييناً نافياً لكل جهالة بتحديد نوع العمل القانوني الذي خول الوكيل سلطة مباشرته ولو لم يخصص بمال بذاته من أموال الموكل
إلا إذا كان العمل من أعمال التبرع فيلزم في هذه الحالة أن تخصص الوكالة ليس من نوع التصرف وحده ولكن في محله أيضاً , أي بتعيين المال الذي يرد عليه العمل القانوني , ومن ثم فإن الوكالة التي تخول الوكيل سلطة مباشرة جميع أعمال التصرف دون تخصيص تقع باطلة لا تنتج أثراً ولا ترتب التزاماً في ذمة الموكل
نقض مدني جلسة 28/5/2002 الطعن رقم 2507 لسنة 71 ق
فالقاعدة أن توجيه اليمين الحاسمة من أعمال التصرف فيشترط أن يكون بيد الوكيل وكالة خاصة وعلى المحكمة ان تتثبت من ذلك فتقرر أن وكيل الخصم طلب توجيه اليمين الحاسمة وبيده وكالة تجيز له ذلك
الوجه السابع : التعسف في توجيه اليمين الحاسمة:
أجاز القانون للمحكمة عدم قبول طلب توجيه اليمين الحاسمة إذا كان الخصم متعسفاً في توجيهها،
فالقانون يمنح حقوقاً كثيرة لكنه يحظر التعسف في استعمالها ، فالتعسف في استعمال الحق هو قيد وشرط قانوني في كل تصرف قانوني أيا كان هذا التصرف ، فالحقوق ليست مطلقة وإنما مقيدة بالغاية منها ، لذا يجب ألا يكون في طلب المؤجر الإنهاء للحاجة الشخصية للعين المؤجرة تعسف في استعمال الحق ، والتساؤل عن معايير التعسف بمعني آخر متي يعتبر صاحب الحق متعسفاً في استعمال حقه .
معايير وحالات التعسف فى استعمال الحق واليمين
ويجمع الفقه علي أنه يكفي للقول بالتعسف في استعمال الحق توافر أحدىالحالات التالية ، وهي معايير للتعسف ؛
أولا : قصد الإضرار
في هذه الحالة – أو بموجب هذا المعيار – يعتبر صاحب الحق متعسفاً في استعمال حقه كلما اتجهت نيته – قصده – إلى إلحاق الضرر بالغير من وراء استعمال الحق ، و لو كان صاحب الحق يجني مصلحة من وراء هذا الاستعمال ، و لا يشترط وقوع الضرر فعلا للقول بقيام حالة التعسف .
مثال ذلك من يعلو بسور منزله ليس بقصد تحقيق الأمان و لكن لمجرد قصد حجب الهواء و الضوء عن ملك الجار و لو كان هذا الجار غير مقيم فعلا بالمنزل . وعن إثباته فإنه يستدل علي وجود قصد الإضرار بالقرائن أو الظروف التي تصاحب التصرف .
ثانياً : رجحان الضرر
في هذه الحالة – أو بموجب هذا المعيار – يعد الشخص متعسفا في استعمال الحق إذا كان يحقق من وراء استعمال الحق ضرراً جسيما بالغير في مقابل منفعة تافهة يحققها لنفسه . مثال ذلك من يعلو بالمبني ليزيد من قيمته في سوق العقارات و لكن ترتب علي هذا حبس الهواء و الضوء عن ملك الجار .
ثالثاً : عدم مشروعية المصلحة
في هذه الحالة – أو بموجب هذا المعيار – يعد الشخص متعسفا في استعمال حقه لو كان يقصد تحقيق مصلحة غير مشروعة . مثال ذلك من يستأجر شقة بغرض إدارتها للأعمال المنافية للآداب العامة .
فكرة إساءة استعمال الحق لا ترتبط بدواعي الشفقة
فمعيار الموازنة بين المصلحة المبتغاة في هذه الصورة الأخيرة وبين الضرر الواقع هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلي الظروف الشخصية للمنتفع أو للمضرور يسراً أو عسراً .
وقد قضت محكمة النقض في هذا الصدد بأنه : من المقرر أن معيار الموازنة بين المصلحة المبتغاة في هذه الصورة الأخيرة وبين الضرر الواقع هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلي الظروف الشخصية للمنتفع أو للمضرور يسرا أو عسرا ، إذ لا تنبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعي الشفقة وإنما من اعتبارات العدالة القائمة علي إقرار التوازن بين الحق والواجب)الطعن رقم 108 لسنة 45 ق جلسة 26/1/1980).
كما قضت محكمة النقض بأنه :إذا كان الثابت أن الطاعن قد تمسك بتعسف المطعون ضده بإصراره على إعمال الشرط الفاسخ لمجرد تأخره في الوفاء بالأجرة لمدة ثلاثة أشهر , ودلل على ذلك بمبادرته بسداد الأجرة اثر رفع الدعوى , وان مدة الإجارة المتفق عليها ستون عاماً والأجرة الشهرية مائة وخمسون جنيهاً وتقاضى منه المؤجر مبلغ ثلاثة عشر ألف جنيه كمقدم أجرة يخصم منها النصف شهرياً وأنفق على إعداد العين للسكنى خمسة عشر ألف جنيهاً أخرى
ومن ثم فإن الأضرار التي تصيبه من فسخ العقد لا تتناسب البتة مع ما قد يحققه المطعون ضده من مصلحة , فاكتفى الحكم المطعون فيه بالقول أنه لا سند له في الواقع أو القانون وأحال إلى الحكم الابتدائي الذي قال إن الشرط الفاسخ الصريح يسلب سلطة القضاء دون أن يتحقق ما إذا كان المطعون ضده متعسفاً في طلب إعمال الشرط الفاسخ الصريح , وأن فسخ العقد فيه إرهاق للطاعن , فإن الحكم يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب) الطعن رقم 28030 لسنة 71 ق جلسة 10/3/2003).
الوجه الثامن : بطلان الحكم إذا رفض طلب توجيه اليمين الحاسمة:
لأن هذا الطلب يعد دفاعاً جوهرياً و يعتبر إغفال الرد عليه قصوراً في أسباب الحكم الواقعية يترتب عليه ببطلانه، فقد قضت محكمة النقض في حكم حديث لها على أنه: إن إغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه بطلان الحكم إذا كان هذا الدفاع جوهرياً ومؤثراً في النتيجة التي انتهى إليها الحكم إذ يعتبر ذلك الإغفال قصوراً في أسباب الحكم الواقعية يترتب عليه بطلانه ، كما أن طلب الخصم تمكينه من إثبات أو نفى دفاع جوهري بوسيلة من وسائل الإثبات الجائزة قانوناً هو حق له إذا كانت هي الوسيلة الوحيدة في الإثبات .
وكان البين من الأوراق أن الطاعن تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع أن عقد الإيجار أبرم ليكون سارياً لمدة حياته ولم يبرم لمدة ثمان سنوات وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ذلك كما طلب توجيه اليمين الحاسمة إلى المطعون ضده بشأن هذا الأمر .
إلا أن الحكم المطعون فيه المؤيد للحكم الابتدائي أقام قضاءه بإنهاء العلاقة الايجارية وتسليم العين المؤجرة للمطعون ضده على سند من أن عقد الإيجار قد انتهى بالإنذار المعلن للطاعن في 5/12/2004 باعتبار أنه غير محدد المدة وانعقد للفترة المعينة فيه لدفع الأجرة وهى مشاهرة والتفت عن طلب الطاعن بإحالة الدعوى إلى التحقيق على سند من أنه لا يجوز إثبات ما هو ثابت بالكتابة إلا بالكتابة رغم عدم تمسك المطعون ضده بذلك
وأن قاعدة عدم جواز الإثبات بشهادة الشهود وبالقرائن في الأحوال التي يجب فيها الإثبات بالكتابة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – ليست من النظام العام ، كما أنه التفت عن الرد على طلب توجيه اليمين الحاسمة لإثبات اتجاه إرادة طرفي النزاع إلى انعقاد مدة الإيجار لمدد أخرى ورغم أن هذا الدفاع – بشقيه – دفاع جوهري من شانه – إن صح – أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى – فانه يكون معيباً مما يوجب نقضه
( نقض مدني – إيجارات – الطعن 6993 لسنة 77ق جلسة 3/12/2009 )
والمستفاد من هذا الحكم أن اليمين الحاسمة إذا لم يكن في الدعوى دليل آخر يمكن أن يستند إليه خصم الدعوى صار دفعاً جوهرياً من شأنه أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى
الوجه التاسع : وجود أدلة أخري بالدعوى لا يمنع من طلب توجيه اليمين:
وجود أدلة أخري بالدعوى لا يمنع من طلب توجيه اليمين الحاسمة ولا يعد بذاته دليلاً علي التعسف، فالفرض أن الخصم لا يلجأ إلي اليمين الحاسمة إلا إذا أعوزه الدليل أي لا دليل لديه ، إلا أنه لا يوجد ما يمنع الخصم صاحب الدليل – أي بيده دليل – من اللجوء إلي اليمين الحاسمة وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض أن اليمين الحاسمة . ملك للخصوم . وجوب توجيهها متي توافرت شروطها ولو وجد سبيل آخر للإثبات ما لم يبين القاضي تعسف طالبها .
( نقض مدني – جلسة 29-6-1993 الطعن رقم 1232 لسنة 59 ق)
كما قضت محكمة النقض إذا أقامت المحكمة حكمها بكيدية اليمين علي مجرد أن الوقائع المرد إثباتها منتقية بمحررات صادرة من طالب توجيه اليمين فهذا منها قصور في التسبيب . فإن كون الواقعة المراد إثباتها باليمين تتعارض مع الكتابة لا يفيد بذاته أن اليمين كيدية)نقض مدني – جلسة 3-4-1980 الطعن رقم 703 لسنة 47 ق).
وتعمد إطالة أمد التقاضي دليل علي كيدية اليمين الحاسمة، فقد قضت محكمة النقض بأن:المحكمة تري أن القصد من طلب توجيه اليمين إنما هو إطالة أمد النزاع الأمر الذي تخلص معه المحكمة إلي أنه يمين كيدية وترفض المحكمة توجيهها
( نقض مدني – الطعن رقم 4531 لسنة 61 جلسة 4-11-1997).
وكذا علم الخصم بإقامة خصمه خارج مصر وإصراره علي توجيه اليمين الحاسمة ينبئ عن كيدية طلب توجيه اليمين، فقد قضت محكمة النقض
إن محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية وجدت في إصرار الطاعنة علي توجيه اليمين الحاسمة للمطعون عليه – رغم علمها بإقامتها في كندا – وتعذر حضوره لحلف اليمين تعسفاً منها في توجيهها إليه وهي أسباب سائغة تكفي لحمل قضاء الحكم ومن ثم يكون الحكم الابتدائي بتوجيه اليمين الحاسمة للمطعون عليه قد وقع علي خلاف أحكام القانون بما يجيز الطعن عليه بالاستئناف ويكون النعي في غير محله)نقض مدني – جلسة 6-2-1984 – الطعن رقم 481 لسنة 51 ق).
فالقاعدة إذن إن اليمين الحاسمة ليست موكولة لهوى ولا من شأن الخصوم وحدهم.
الوجه العاشر : رد اليمين الحاسمة علي من طلب حلفها وشروط صحة الرد:
أجاز القانون لمن وجه إليه اليمين الحاسمة أن يردها علي خصمه ونعني من طلب منه حلفها ، فلمن وجهت إليه اليمين الحاسمة الحق في ردها إلى خصمه، ونبين ذلك كما يأتي :
الالتزام برد اليمين الحاسمة هو التزام بدلي لا تخيري ؛ وهذا يعني أن الخصم إذا وجهت إليه اليمين الحاسمة فإنه يكون ملزماً إما بحلفها أو بردها ، فمن وجهت إليه اليمين الحاسمة يلتزم أصلياًَ بحلفها ويلتزم بدلياً بردها علي خصمه ، فالالتزام بالرد هو التزام بدلي لا التزام تخيري
فإذا وجهت اليمين إلي الخصم أصبح ملتزماً بحلفها أصلاً وبالرد بدلاً ، فإذا وجهت اليمين لخصم واستحال عليه أداءها قانوناً كتاجر يفلس أو شخص حجر عليه فلا يلتزم لا بأداء اليمين ولا بردها وهذا هو جوهر القول بأن الالتزام بالرد هو التزام بدلي لا تخيري.
يشترط في رد اليمين الحاسمة ما يشترط في توجيهها
و نقصر الحديث هنا علي الشروط الخاصة باليمين الحاسمة كتصرف قانوني بإرادة منفردة ، فيشترط في الرد كمال أهلية التصرف والخلو من عيوب الإرادة من غلط وتدليس وإكراه ، والخلو من التواطؤ والصورية وصدور توكيل خاص إذا فوض الخصم غيره في رد اليمين الحاسمة كالمحامي، لا يجوز رد اليمين ثانية إذا وجهت اليمين الحاسمة إلي خصم في الدعوى فهو إما أن يحلف اليمين الحاسمة أو يردها علي من طلبها ليحلف هو ، فإذا وجهت اليمين الحاسمة وردها الخصم فلا يجوز إعادة ردها مرة ثانية وإلا درنا في حلقة مفرغة وأجزنا الرد إلي ما لا نهاية .
خيارات من ردت عليه اليمين الحاسمة:
إذا وجه خصم اليمين الحاسمة لخصمه ، كان للخصم حلف اليمين أو ردها علي صاحبها – أي من طلبها – حينئذ يجب علي من ردت عليه اليمين الحاسمة خيارين :
الخيار الأول : أن يحلف اليمين وساعتها يكسب الدعوى .
الخيار الثاني : أن يمتنع عن حلف اليمين وساعتها يخسر الدعوى ويسمي ناكلاً عن اليمين
حيث نص قانون الإثبات علي أنه : كل من وجهت إليه اليمين فنكل عنها دون أن يردها على خصمه ، وكل من ردت عليه اليمين فنكل عنها خسر دعواه .
قاعدة عدم جواز رد اليمين الحاسمة إلا في الوقائع المشتركة:
أجاز قانون الإثبات رد اليمين علي من طلبها واشترط لجواز ذلك أن يكون الخصمان مشتركان بذات الواقعة ، فما هي الواقعة المشتركة وفي المقابل ما هي الواقعة غير المشتركة .
في البدء نقرر أن الموضوع الذي تنصب عليه اليمين الحاسمة يجب أن يكون من الوقائع القانونية وليس من المسائل القانونية، فقد قضت محكمة النقض في هذا الصدد بأنه :يجوز توجيه اليمين الحاسمة في واقعة قانونية دون مسألة قانونية:
وعلة ذلك ان توجيه اليمين بصيغة تتعلق بأحقية المستأنف في تعديل الحكم المستأنف إلي قبول جميع طلباته بقيمتها الواردة بصحيفة الاستئناف من مسائل القانون )نقض مدني جلسة 20-1-1993 الطعن رقم 1400 لسنة 56 ق .)
أما الوقائع القانونية فهي تنقسم إلي وقائع مشتركة وغير مشتركة وجوهر التفرقة بينها هو علم الشخص بالتصرف القانوني من عدمه ، وكون الشخص ليس طرفاً في التصرف القانوني يقيم قرينة قضائية أنه لا يعلم به علي أساس أنه من الغير.
مثال الواقعة غير المشتركة التي لا يجوز فيها رد اليمين الحاسمة علي من طلبها
أن يطلب الشفيع من المشتري للعقار موضوع دعوى الشفعة حلف اليمين الحاسمة بشأن مقدار الثمن . وحقيقة الثمن هو جوهر هذه الدعوى . هنا لا يجوز للمشتري وهو خصم في دعوى الشفعة أن يرد اليمين علي الشفيع لأن هذا الأخير أجنبي عن الاتفاق المحرر بين البائع والمشتري .
الحالة التي يجوز فيها رد اليمين الحاسمة – اليمين المعدلة:
القاعدة أنه لا يجوز لمن ردت عليه اليمين أن يرد تلك اليمين ، إلا أن ذلك مقيد في جميع الأحوال وشروط بأن يكون الرد واقعاً علي اليمين ذاتها التي وجهت أولاً ، فإذا عدلت اليمين المردودة كان الرد توجيهاً ليمين جديدة يجوز ردها ثانية . مثل ذلك أن يوجه المدعي اليمين إلي المدعي عليه علي أنه ليس في ذمته الدين المدعي به
فيرد المدعي عليه باليمين معدلاً ، وبدلاً من أن يطلب من المدعي أن يحلف هو علي أن الدين في ذمة المدعي عليه ، يطلب منه الحلف علي أنه لم تقع المقاصة بين الدين المدعي به وحق بقابلة في ذمة المدعى، فإذا رد المدعي اليمين المعدلة علي هذا النحو يكون قد اعترف بأن الدين قد قام ابتداء في ذمته ولكنه انقضي بعد ذلك بالمقاصة ، ولما كان هو المطالب بتقديم الدليل علي وقوع المقاصة ، ولا دليل عنده علي ذلك ، فهو يوجه يميناً أخري جديدة إلي المدعي في خصوص وقوعها . ويجوز عندئذ للمدعي أن يرد اليمين الجديدة علي المدعي عليه ليحلف أن له حقاً تقع به المقاصة)الوسيط السنهوري – طبعة نقابة المحامين 2006 تنقيح المستشار مدحت المراغي – الجزء الأول المجلد الثاني – ص 514 .)
فالقاعدة إذن أن اليمين المعدلة هي يمين جديدة حاسمة جديدة يجوز ردها.
الوجه الحادي عشر: جواز توجيه اليمين الحاسمة علي سبيل الاحتياط:
قضت محكمة النقض بجواز طلب توجيه اليمين الحاسمة علي سبيل الاحتياط، فاليمين الحاسمة جواز توجيهها على سبيل الاحتياط وقبل كل دفاع أو بعده أثناء نظر الدعوى وحتى صدور حكم نهائي فيها . خلو التشريع المصري الحالي مما يحرمها إذا تعذر على طالب توجيهها معرفة رأى المحكمة في الأدلة التى ساقها خاصة في النزاعات التى لاتفصل فيها بصفة انتهائية إلا بعد الحكم في النزاع فلا مفر من توجيهها أثناء نظر النزاع . علة ذلك .)الطعن رقم ١٧١٤٧ لسنة ٧٦ ق – الدوائر المدنية – جلسة24/5/2016 (شرح اليمين الحاسمة، الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي، ص9)، والله اعلم.