توجيه اليمين المتممة من قبل محكمة الاستئناف
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
حدد قانون الإثبات حالات توجيه اليمين المتممة إلى المدعي العاجز عن إثبات الحق المدعى به ببينة كاملة، ولذلك يجب على محكمة الاستئناف أن تستعمل هذه الوسيلة لحسم النزاع باعتبارها محكمة موضوع، فإذا لم تستعمل المحكمة هذه المكنة فإن حكمها يكون معيباً مما يستوجب نقضه، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25-1-2015م في الطعن رقم (56303)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فلوان محكمة الاستئناف مصدرة الحكم المطعون فيه رجعت إلى المادة (146) من قانون الإثبات التي تنص على أنه (لا يجوز للمحكمة أن توجه للمدعي اليمين المتممة لتحديد قيمة المدعى به إلا إذا استحال تحديد هذه القيمة بطريقة أخرى، وعلى المحكمة في هذه الحالة أن تضع حداً أقصى للقيمة التي يصدق فيها بيمينه)، وحيث أن المستأنف قد قدم أدلته على غرامته بسبب كفالته على المستأنف ضده، وحيث أن تلك الأدلة لم تكن تامة في إثبات الغرامة محل النزاع، فكان ينبغي على محكمة الاستئناف أن هي تنظر في تلك الأدلة ومناقشتها كان الواجب عليها التحقق من قدر الغرامة التي يطلبها المدعي وفقا للمادة آنفة الذكر (146) إثبات، فطالما انها وجدت الأدلة غير كافية لإثبات المبلغ فكأن ينبغي عليها توجيه اليمين إلى المدعي فإذا حلف اليمين المتممة حسبما وجهتها إليه المحكمة اعتبرت دعواه ثابتة قانوناً ويحكم له بطلباته المحددة أمام المحكمة حسبما نصت عليه المادة المشار إليها وإذا نكل عنها خسر دعواه وحكم برفضها بموجب المادة (147) إثبات، ولما كان الحكم الاستئنافي لم يسلك هذا المسلك القانوني ويستكمل الناقص باعتبار محكمة الاستئناف محكمة موضوع فأنه يتعين نقض الحكم الاستئنافي))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية اليمين المتممة:
اليمين المتممة هي التي توجهها المحكمة من تلقاء ذاتها للمدعي لاكمال أدلته الناقصة بعد إن تتحقق المحكمة من قدر الشئ المدعى به من واقع الأدلة الناقصة، فبعدئذ تقوم المحكمة بتوجيه اليمين المتممة إلى المدعي لتبني على ذلك حكمها في موضوع الدعوى أو في قيمة ما تحكم به. ويشترط لتوجيه هذه اليمين ألا يكون في الدعوى دليل كامل، وألا تكون الدعوى خالية من أي دليل. ولا يجوز للمدعي الذي وجهت إليه المحكمة اليمين المتممة أن يردها على الخصم الآخر، وفي هذا المعنى نصت المادة (145) من قانون الإثبات اليمني على أنه: (على المحكمة أن توجه اليمين المتممة للمدعي الذي قدم بينة ناقصة لاستكمال البينة القانونية على الحق المدعى به بشرط ألاَّ تكون الدعوى خالية من أية بينة، وان لا تكون فيها بينة كاملة وذلك في الأحوال التي يجوز فيها ذلك، وهي الحقوق والأموال، ولا يجوز للمدعي أن يرد اليمين المتممة إلى المدعى عليه)، ويسري هذا النص على كافة المسائل عدا المسائل التجارية التي نظم القانون التجاري أحكام اليمين المتممة فيها وذلك بنص خاص وهو الوارد في المادة( 41) من القانون التجاري التي نصت على أن( دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار على أن البيانات عما أورده التجار تصلح أساساً يجيز للقاضي أن يوجه اليمين المتممة إلى أي من الطرفين وذلك حتى فيما لا يجوز إثباته بالبينة وتكون دفاتر التجار حجة على هؤلاء التجار، ولكن إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلا لنفسه أن يجزأ ما ورده فيها ويستبعد منه ما كان مناقضاً لدعواه).
فاليمين المتممة هي إجراء يتخذه القاضي في أية حالة كانت عليها الدعوى بقصد تحري الحقيقة، عندما يرى أن الأدلة المطروحة في الدعوى ناقصة أو غير كافية، ويقوم القاضي بعد توجيه اليمين المتممة بالحكم على أساسها باعتبارها مكملة لأدلة الإثبات الناقصة المقدمة في الدعوى.
الوجه الثاني: حالات اليمين المتممة:
يجوز للقاضي توجيه اليمين المتممة إلى المدعي في أي حالة كانت عليها الدعوى ، بيد أن الغالب ان القاضي يطلب اليمين المتممة بعد دراسته للأدلة الناقصة ومناقشتها من قبل الخصوم اثناء سير إجراءات المحاكمة ، وفي هذا الشأن نصت المادة (145) إثبات على أن: (على المحكمة أن توجه اليمين المتممة للمدعي الذي قدم بينة ناقصة لاستكمال البينة القانونية على الحق المدعى به بشرط ألاَّ تكون الدعوى خالية من أية بينة وان لا تكون فيها بينة كاملة وذلك في الأحوال التي يجوز فيها ذلك وهي الحقوق والأموال، ولا يجوز للمدعي أن يرد اليمين المتممة إلى المدعى عليه) قانون الإثبات اليمني قصر توجيه اليمين المتممة على المدعي لأنه الملزم بأثبات الحق الذي يدعيه ولأنه الملزم بإثبات دعواه، ومتى حلف المدعي فعلى ان يقضي على أساس اليمين المتممة باعتبارها متممة أو مكملة لعناصر الإثبات الأخرى القائمة في الدعوى، ولا يجوز للخصم الذي وجه إليه القاضي اليمين المتممة أن يردها على الخصم الآخر حسبما ورد في النص السابق، غير أنه في بالنسبة الدفاتر التجار فالقاضي مخير في توجيه اليمين المتممة لأي من المدعي أو المدعى عليه.
ولا يجوز للقاضي أن يوجه اليمين المتممة إلى المدعى لتحديد قيمة المدعى به إلا إذا استحال تحديد هذه القيمة بطريقة أخرى، ويحدد القاضي في هذه الحالة حد أقصى للقيمة كي يحلف عليها المدعي حسبما ورد في المادة (146) إثبات التي نصت على أنه: (لا يجوز للمحكمة أن توجه للمدعي اليمين المتممة لتحديد قيمة المدعى به إلاَّ إذا استحال تحديد هذه القيمة بطريقة أخرى وعلى المحكمة في هذه الحالة أن تضع حداً أقصى للقيمة التي يصدق فيها بيمينه).
وفي السياق ذاته نصت المادة (145) إثبات على أن: (على المحكمة أن توجه اليمين المتممة للمدعي الذي قدم بينة ناقصة لاستكمال البينة القانونية على الحق المدعى به بشرط ألاَّ تكون الدعوى خالية من أية بينة وان لا تكون فيها بينة كاملة، وذلك في الأحوال التي يجوز فيها ذلك وهي الحقوق والأموال، ولا يجوز للمدعي أن يرد اليمين المتممة إلى المدعى عليه)، فاليمين المتممة وفقا لقانون الإثبات لا يتم توجيهها إلا إلى المدعي، كما أنه لا يتم توجيهها الا اذا لم يقدم المدعي أدلة كاملة، وكذا لا يتم توجيهها الا بعد التحقق من مقدار أو مساحة أو كمية الحق المدعى به حتى توجه اليمين على شيء محدد ومعلوم، ووسيلة التحقق من قدر المدعى به هو دراسة محكمة الموضوع وتحقيقها في الأدلة الناقصة قبل توجيه اليمين المتممة إلى المدعي العاجز عن اكمالها.
ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد أرشد محكمة الاستئناف للتحقق من مقدار النفقات التي صرفها المدعي قبل توجيه اليمين المتممة اليه، إذ يتم التحقق عن طريق الادلة الناقصة المقدمة من المدعي أمام محكمة الموضوع حتى يتم في ضوء ذلك توجيه اليمين المتممة إلى المدعي كي يحلف على المبلغ الذي تم الوقوف عليه من خلال مناقشة الأدلة الناقصة، فمن خلال دراسة الأدلة الناقصة يظهر اي ان المبلغ ثابت ولكن بأدلة ناقصة تحتاج إلى يمين لتكملتها حتى يحلف المدعي على مبلغ معلوم ومعين المقدار.
الوجه الثالث: شروط توجيه اليمين المتممة:
وفقا لقانون الإثبات تقوم المحكمة بتوجيه اليمين المتممة من تلقاء ذاتها للمدعي الذي ليس لديه دليل كامل، لتبني بعد ذلك حكمها في موضوع الدعوى، او في قيمة ما تحكم به حسبما سبق بيانه في المواد (145و146و147 ) من قانون الإثبات وعلى المحكمة ان صياغة صيغة اليمين المتممة بعبارة واضحة، ويفهم من المواد (145و146و147) من قانون الإثبات أن شروط توجيه اليمين المتممة إلى المدعي ما يأتي: -
أولاً: الا يكون في الدعوى دليل كامل: ويقصد بذلك ان لا يكون في الدعوى دليل كامل يحدد قدر المتنازع عليه يحسم النزاع بين الخصوم، لأنه إذا وجد دليل كامل فلا تحتاج المحكمة الى اللجوء الى توجيه اليمين المتممة، فلكي توجه اليمين المتممة يجب ان يكون في الدعوى مبدأ ثبوت بالكتابة او شهادة او قرينة قضائية لم يطمئن إليها القاضي لنقصها وعدم كفايتها في إثبات الشئ المدعى به أي يكون هناك دليل ناقص يجعل من الحق المدعى به قريب الاحتمال، ولكنه لا يصل الى درجة اقناع القاضي، فاذا عززته اليمين المتممة أصبح بمثابة دليل كامل على صحة دعوى المدعي.
ثانياً: الا تكون الدعوى خالية من اي دليل: فيشترط لتوجيه اليمين المتممة ان يكون في الدعوى دليل ناقص، فلا يجوز توجيهها إذا انعدم الدليل نهائيا، لان المدعي قد عجز عن إثبات المدعى به لعدم وجود أدلة على دعواه.
ثالثاً: ان تكون الواقعة المطلوب الحلف عليها منتجة تصلح لاكمال الأدلة الناقصة فاذا كانت الدعوى خالية من اي دليل فان المدعي يعد عاجزا عن الاثبات،للمحكمة في هذه الحالة ان تمنحه حق تحليف المدعى عليه اليمين عملا بقاعدة على المدعي البينة واليمين على من أنكر، فالمقصود ان يكون من شأن اليمين المتممة تكملة او تقوية الأدلة الناقصة، وينبغي أيضا أن لا يكون موضوع اليمين مخالف للنظام العام.
الوجه الرابع: الاهلية في اليمين المتممة:
وفقا لقانون الإثبات اليمني فإن المحكمة هي التي تتولى توجيه اليمين إلى المدعي لاكمال أدلته الناقصة، وتأسيساً على ذلك فإن المحكمة مؤهلة لذلك وفقا للقانون الذي خولها ذلك ، وبناء على ذلك فإن الحديث عن الأهلية لليمين المتممة لا يتناول المحكمة، وإنما يقتصر الحديث عن الأهلية بالنسبة للمدعي الذي يتم توجيه اليمين اليه، فيشترط ان يكون المدعي كامل الاهلية، اي بلغ سن الرشد دون ان يكون محجوزا عليه لجنون او عته او غفلة او سفه، فالصغير غير بالغ سن الرشد والمحجوز عليه لعوارض الاهلية ، فلا يجوز توجيه اليمين المتممة إلى أي منهم ، وكذا لا يجوز توجيه اليمين الى الوصي والقيم والوكيل والمتولي الا في الوقائع المتعلقة بأشخاصهم أو التي أجروها بأنفسهم او كانت بعلم منهم او في زمن ولايتهم، كما انهم لا يملكون حق تحليف اليمين الا بأذن خاص، وبعد ان يظهر العجز عن تقديم البينة، لان اليمين عمل شخصي خاص بالحالف، فهو الذي يعرف كنه الواقعة المطلوب الحلف عليها كما انه يقدر نتائجها الدينية امام الله سبحانه وتعالى والأخلاقية امام الناس والقانونية امام خصمه، كما لا يجوز توجيه اليمين المتممة إلى الوكيل.
ومن هذا المنطلق لا يجوز توجيه اليمين إلى ممثلي الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة الا بالنسبة للوقائع المتعلقة بأشخاصهم، وتوجه اليمين المتممة المدعي شخصيا ولا يجوز توجيهها الى ممثله لان الحلف احتكام الى ذمة الشخص ، فاليمين تتعلق بضمير الحالف ووجدانه، فلا يجوز توجيهها الا الى الخصم الاصلي في الدعوى الذي يتمتع بالأهلية اللازمة لحلفها، وعليه فلا يجوز توجيهها الى الوكيل، واذا حلف شخص على فعله يحلف على البتات، واذا حلف على فعل غيره يحلف على عدم العلم، وينبغي ان يكون المدعي الذي توجه إليه اليمين قادرا على الخيار بين الحلف وعدم الحلف وقد صرح قانون الإثبات اليمني بأنه لا يجوز رد اليمين المتممة ، ونخلص إلى أنه لايجوز توجيه اليمين الى صغير لم يبلغ سن الرشد ، ولا الى محجوز عليه لجنون او عته او غفلة او سفه، ولا يجوز توجيهها الى النائب عن هؤلاء، كوصي او وصي او قيم، الا عن اعمال صدرت من النائب شخصيا او عن الاعمال التي يجوز له القيام بها والعبرة في اهلية الخصم الحالف، هو اهليته وقت الحلف لا وقت توجيه اليمين، فاذا حجز على شخص بعد توجيه اليمين إليه، وقبل الحلف، فانه يصبح غير اهل لأداء اليمين، ولا تجري النيابة في الحلف ، فاذا وجهت اليمين الى الموكل فانه يلزمه ان يحلف بنفسه لان اليمين من الأمور الشخصية الصرفة التي لا تجوز النيابة فيها، فالوكيل لا يحلف والموظف لا يحلف اليمين في حالة عجز خصمه عن اثبات ادعائه بالنسبة للادعاء المتعلق بوظيفة الموظف، لان النكول عن اليمين اما بذل او اقرار والموظف لا يملكها بالنسبة لا عمال وظيفته . وقضت محكمة التمييز الأردنية (ان رئيس البلدية بصفته موظفا يكون قيامه بواجباته الرسمية مستندا الى ولاية قانونية فلا يصح اقراره بما لا يملك وكذلك لا توجه إليه اليمين) وقضت بأنه (لا يجوز تحليف مدير رعاية القاصرين اضافة لوظيفته اليمين عند عجز المدعي عن اثبات دعواه).
الوجه الخامس: محل اليمين المتممة:
هناك شرطان يتعلقا بمحل اليمين المتممة، بيانها هما :
1-تعلق اليمين بالوقائع: ان موضوع اليمين واقعة يدعيها المدعي وينكرها المدعى عليه، ويترتب على ثبوتها حق معين، وبما أن اليمين المتممة تمتمة لأدلة ناقصة فإنه يجب أن يكون موضوع اليمين المتممة هو الحق أو الواقعة التي تم إثباتها بالأدلة الناقصة حتى تكمل اليمين النقص في الأدلة، ويشترط ان يكون الحق موضوع اليمين مباشرة، فإذا كان موضوع الدعوى دينا وتوصلت المحكمة من خلال الأدلة الناقصة إلى أن الدين هو مبلغ معين فتكلف المحكمة المدعي بان يحلف بأن ذلك المبلغ مستحقا له بذمة المدعى عليه، ويجوز ان توجه اليمين المتممة في أية حالة كانت عليها الدعوى، الا انه لا يجوز توجيهها عن واقعة مخالفة للنظام العام او الآداب، ومن ثم فلا يجوز ان يكون موضوع اليمين جريمة جنائية كمسروقات او دين قمار او ربا أو قيمة خمر أو رشوة، اما اذا كانت الواقعة غير مخالفة للنظام العام ولكنها مخجلة او ماسة بكرامة المدعي الذي توجه إليه اليمين فان ذلك لا يبرر في حد ذاته منع توجيه اليمين إليه.
2 – تعلق الوقائع بالمدعي الموجهة الى اليمين: ينبغي ان تكون الواقعة متعلقة بالمدعي الذي وجهت إليه اليمين، ويكون الحلف على البتات، اما اذا كانت الواقعة متعلقة بشخص آخر، فيكون الحلف على عدم العلم، لذلك ينبغي ان تكون الواقعة متعلقة بشخص المدعي، فهو وحده القادر على تأكيد او نفي الواقعة، كأن يحلف بأنه اقرض المدعى عليه المبلغ المدعى به، فلايجوز توجيه اليمين المتممة اذا لم تكن الواقعة متعلقة بشخص المدعي الذي وجهت إليه اليمين المتممة.
الوجه السادس: توجيه اليمين المتممة من قبل محكمة الاستئناف:
الأصل ان تستوفي هذا الأمر محكمة أول درجة، فإذا لم تقم بذلك فيجب على محكمة الاستئناف أن تستوفي هذا النقص باعتبارها محكمة موضوع. وعلى أساس مبدأ أن الاستئناف يعيد طرح النزاع أمام محكمة الاستئناف وفقا للمادة(288) مرافعات، ولذلك ينبغي توجيه اليمين المتممة بأذن المحكمة وفقا للمادة (145) من قانون الإثبات التي نصت على أنه: (على المحكمة أن توجه اليمين المتممة للمدعي الذي قدم بينة ناقصة لاستكمال البينة القانونية على الحق المدعى به بشرط ألاَّ تكون الدعوى خالية من أية بينة وان لا تكون فيها بينة كاملة وذلك في الأحوال التي يجوز فيها ذلك وهي الحقوق والأموال، ولا يجوز للمدعي أن يرد اليمين المتممة إلى المدعى عليه)، ولأن المحكمة هي المعنية بتوجيه اليمين فلا يحق للمدعى عليه ان يملي على المحكمة صيغة اليمين، لان ذلك يصح بالنسبة لليمين الحاسمة لايصح في المتممة، وحيث أن اليمين المتممة من صلاحية المحكمة فإن المدعى عليه إذا طلب من تلقاء ذاته توجيهها إلى المدعي فأنها تصير يمين حاسمة.
والظاهر من صياغة المادة (145) من قانون الإثبات انه يجب على المحكمة توجيه اليمين المتممة اذا توفرت شروطها، فقد نصت هذه المادة على أنه: (على المحكمة أن توجه اليمين المتممة للمدعي الذي قدم بينة ناقصة لاستكمال البينة القانونية على الحق المدعى به بشرط ألاَّ تكون الدعوى خالية من أية بينة وان لا تكون فيها بينة كاملة، وذلك في الأحوال التي يجوز فيها ذلك وهي الحقوق والأموال، ولا يجوز للمدعي أن يرد اليمين المتممة إلى المدعى عليه)، فالظاهر ان هذا النص يفيد الوجوب من خلال جملة (على المحكمة) الواردة في بداية النص، وقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قضى بوجوب قيام المحكمة بتوجيه اليمين المتممة وفقا لقانون الإثبات مادام ان شروطها قد تحققت، بيد أنه وفقا للقانون التجاري يجوز للقاضي ان يوجه اليمين المتممة إلى المدعي أو المدعى عليه عند خلافهما بشأن الحسابات المدونة في دفاتر هما الالتجارية كما أن قوانين الإثبات في بعض الدول تنص على أن سلطة محكمة الموضوع تخييربة ليست إجبارية في توجيه اليمين المتممة فيحق للقاضي توجيه اليمين المتممة إلى أي من المدعي أو المدعى عليه ، سيما في الدول التي تسمح بتوجيه اليمين المتممة إلى أي من المدعي أو المدعى عليه، فقد استقر قضاء محكمة التمييز الكويتية على أن لقاضي الموضوع السلطة المطلقة في توجيه اليمين المتممة من تلقاء نفسه إلى الخصم الذي يرى في حدود سلطته التقديرية أنه قدم أدلة على ادعائه في الدعوى أرجح من أدلة الخصم الآخر، وإن كانت هذه الأدلة في ذاتها قاصرة في حد الكفاية، والقاضي يسلك هذا السبيل بحسب اقتناعه واطمئنانه ورغبة منه في تحري الحقيقة.
فقد منح قانون الإثبات الكويتي لقاضي الموضوع دورًا هامًّا في الإثبات يتمثل هذا الدور في اتخاذ ما في وسعها من أجل تحري الحقيقة في الدعوى، فله سلطة مطلقة في توجيه اليمين المتممة من تلقاء نفسه ليستكمل بها دليلًا ناقصًا في الدعوى، وكسبيل من أجل الاطمئنان إلى الحكم الذي يصدره في الحالة التي تكون فيها الأدلة المقدمة في الدعوى غير كافية لاقتناعه اقتناعًا كاملًا.
الوجه السابع: انواع اليمين المتممة:
في قانون الإثبات اليمني هناك نوع واحد من اليمين المتممة وهي يمين وجوبية على المحكمة حسبما سبق بيانه، وفي هذا المعنى نصت المادة (145) إثبات على أنه (على المحكمة أن توجه اليمين المتممة للمدعي الذي قدم بينة ناقصة لاستكمال البينة القانونية على الحق المدعى به بشرط ألاَّ تكون الدعوى خالية من أية بينة وان لا تكون فيها بينة كاملة وذلك في الأحوال التي يجوز فيها ذلك وهي الحقوق والأموال، ولا يجوز للمدعي أن يرد اليمين المتممة إلى المدعى عليه)، فالظاهر ان هذا النص يفيد الوجوب من خلال جملة (على المحكمة) الواردة في بداية النص، وقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قضى بوجوب قيام المحكم بتوجيه اليمين المتممة إلى المدعي العاجز عن إثبات الحق المدعى به، في حين أن القانون التجاري قد منح القاضي سلطة تخييربة في توجيه اليمين المتممة إلى أي من المدعي أو المدعى عليه عند خلافهما بشأن الحسابات الثابتة في دفاترهما التجارية حسبما ورد في المادة (41) تجاري التي نصت على أن : (دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار على أن البيانات عما أورده التجار تصلح أساساً يجيز للقاضي أن يوجه اليمين المتممة إلى أي من الطرفين وذلك حتى فيما لا يجوز إثباته بالبينة وتكون دفاتر التجار حجة على هؤلاء التجار، ولكن إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلا لنفسه أن يجزأ ما ورده فيها ويستبعد منه ما كان مناقضاً لدعواه).
وفي قوانين الإثبات في بعض الدول تنقسم اليمين المتممة إلى يمين جوازية يعود للمحكمة الحق في توجيهها، ويمين إجبارية أوجبها القانون بنص القانون في حالات معينة.
1- اليمين المتممة الجوازية:
هي اليمين التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه لأي من الخصمين؛ ليبني على نتيجتها حكمه في موضوع الدعوى أو في قيمة ما يحكم به مثل اليمين المتممة الواردة في المادة (41) من القانون التجاري اليمني السابق ذكرها، وقد عبرت محكمة التمييز الكويتية عن اقسام اليمين المتممة حيث قضت بأن «اليمين المتممة هي يمين تكميلية، وبالتالي فهي وسيلة من وسائل الإثبات ويعود لقضاة الأساس الحق بالاستعانة بها أو الإعراض عنها…». (قرار نقض، غرفة ثانية 1898/2567 لعام 1996، الحسيني، مرجع سابق، القاعدة 5757، ص 2879).
وعلى ذلك اليمين المتممة ليست ملكاً للخصوم، كما هو الحال في اليمين الحاسمة، بل توجهها المحكمة من تلقاء نفسها ومن دون طلب من الخصوم، لتكمل قناعتها في القضية المعروضة عليها.
يشترط في اليمين المتممة توفر الشروط الآتية :
(1) ألا يكون في الدعوى دليل كامل، وإلا أمكن للمحكمة أن تستند إليه في حكمها، فتوافر مثل هذا الدليل يلغي قانوناً الحاجة إلى اللجوء إلى اليمين المتممة.
ومعنى ألا يكون في الدعوى دليل كامل وألا تكون الدعوى خالية من أي دليل:
أي يجب أن يكون في الدعوى مبدأ الثبوت بالكتابة أو بغير الكتابة على حسب الأحوال ذلك أنه إذا كان في الدعوى دليل كامل لم تصبح هناك حاجة لليمين المتممة وقضى لمصلحة صاحب هذا الدليل وإذا كانت الدعوى خالية من أي دليل لم يصح توجيه اليمين لأي من الخصمين لأن هذه اليمين لا توجه إلا لاستكمال أدلة ناقصة فلا تحل مكان أدلة غير موجودة كما هو شأن اليمين الحاسمة وإنما يقضي في هذه الحالة على الخصم الذي خلت دعواه من أي دليل.
والدليل الناقص الذي تكمله اليمين المتممة يختلف باختلاف ما إذا كان الادعاء يجوز إثباته بالبينة والقرائن أو لا بد من الكتابة في إثباته فإذا كان الإثبات جائزا بالبينة والقرائن فالدليل الناقص يصح أن يكون بينة أو قرائن ليست كافية لإقناع القاضي فيستكملها باليمين المتممة، ويكون ذلك في ادعاء لا يتجاوز قيمته عشرة جنيهات وكذلك في جميع المواد التجارية.
أما إذا كانت الإثبات واجبا، فالدليل الناقص يجب أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة لا مجرد بينة أو قرائن إلا في الحالات التي تجوز فيها البينة والقرائن بدلا من الكتابة لمسوغ قانوني كما إذا كان هناك مانع من الحصول على الكتابة أو فقدت الكتابة بسبب أجنبي بعد الحصول عليها.
وإذا كانت الواقعة التي يحلف عليها الخصم هي تلك التي تكمل دليله ليثبت ادعاؤه دعوى كانت أو دفعا فهي إذن لا بد أن تكون واقعة غير مخالفة للقانون ولا للنظام العام ولا للآداب ويجب أن يكون من شأنها أن تكمل الدليل الناقص في تقدير القاضي[67].
ويغلب أن تكون الواقعة التي يحلف عليها الخصم اليمين المتممة هي واقعة الادعاء بأجمعها كأن يحلف الدائن أن له في ذمة المدين مبلغ كذا بسبب القرض ولكن لا شيء يمنع من أن تكون الواقعة مجرد قرينة من شأنها إذا ثبتت أن تضاف إلى أدلة أخرى موجودة فيثبت المدعى به بمجموع هذه الأدلة، ومثال ذلك أن يحلف المدين يمينا متممة على أنه أقرض الدائن بعد حلول الدين المدعى به مبلغا من المال ليستخلص من واقعة القرض قرينة تضاف إلى مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات براءة ذمة من الدين المدعى به.
(2) ألا تكون الدعوى خالية من أي دليل؛ ذلك لأن اليمين المتممة يوجهها القاضي ليستكمل بها دليلاً ناقصاً في الدعوى، فلو كانت الدعوى خالية من أي دليل فلا محل لتوجيه مثل هذه اليمين، ويمكن للمحكمة أن تحكم برد الدعوى لعدم قيام الدليل.
(3) ليس للقاضي أن يوجه اليمين المتممة للمدعي لتحديد قيمة المدعى به، إلا إذا استحال تحديدها بطريقة أخرى، كاللجوء إلى الخبرة مثلاً. وعلى القاضي أن يحدد حداً أقصى للقيمة التي يصدق فيها المدعي بيمينه (المادة 122 بيّنات)، ويُطلق الاجتهاد على هذه اليمين «يمين التقويم».
(4) لا يحق للخصم الذي وجهت إليه المحكمة اليمين المتممة أن يردها على خصمه. (المادة 145 إثبات يمني).
(5) يحق للمحكمة أن ترجع عن قرارها في توجيه اليمين المتممة إذا ما توفرت في الدعوى - بعد توجيهها - أدلة أخرى كافية بذاتها للحكم ببالدعوى.
اما بشأن حجية اليمين المتممة الجوازية: فهي على خلاف اليمين الحاسمة، فاليمين المتممة لا تحسم النزاع، ولا تعدّ حجة ملزمة للقاضي؛ لأنها ليست سوى إجراء يتخذه القاضي من تلقاء نفسه بقصد استكمال الدليل الناقص في الدعوى، فللقاضي من بعد توجيه اليمين المتممة مطلق الخيار في أن يقضي على أساسها أو على أساس عناصر إثبات أخرى اجتمعت له قبل حلف هذه اليمين أو بعدها. والاجتهاد مستقر على أن «من حق المحكمة ألا تأخذ باليمين المتممة ولو بعد الحلف». (قرار نقض، غرفة ثانية 477/404 لعام 1999، الحسيني، مرجع سابق، القاعدة 5786، ص 2889). كما أن حلفها لا يلزم المحكمة بآثارها.
2- اليمين المتممة الإجبارية:
وهي اليمين التي أوجب القانون على المحكمة توجيهها من تلقاء نفسها في النزاعات التي حدد مواضيعها في القانون على سبيل الحصر. وميّز القانون بين عدة أنواع من اليمين المتممة الإجبارية، وخصّ كلاً منها بتسمية وبصيغة تتناسب مع الواقعة التي تنصب عليها اليمين، وهي:
أ- يمين الاستظهار: وقد ورد مسمى يمن الاستظهار في في الفقرة( 2) من المادة( 132) من قانون الإثبات نصت على أنه( 2- يمين تؤدي من المدعي لاتمام البينة القانونية اللازمة لإثبات الحق الذي يدعيه قبل المدعى عليه وهي اليمين المتممة أو يمين الاستظهار ولايجوز ردها على الخصم الآخر)، إذا ادعى أحد في تركة ما حقاً وأثبته بالوسائل المقبولة قانوناً فتحلفه المحكمة يميناً «على أنه لم يستوفِ هذا الحق بنفسه ولا بغيره من الميت بوجه، ولا أبرأه ولا أحاله على غيره ولا استوفى دينه من الغير وليس للميت في مقابلة هذا الحق رهن» (المادة 123/أ بيّنات). واجتهاد محكمة النقض مستقر على «أن يمين الاستظهار توجهها المحكمة من تلقاء نفسها سواء طالب بها ممثلو التركة أم لا، وهي تحلف بعد ثبوت الدعوى بالأدلة التي قبلتها المحكمة». (قرار نقض، غرفة ثالثة 1070/1795 لعام 2000، الحسيني، مرجع سابق، القاعدة 5792، ص2895). وتعد يمين الاستظهار يميناً إجبارية، بمعنى أن المحكمة ملزمة بتوجيهها إلى الخصم الذي يعينه القانون، فهذا أمر يعدّ من متعلقات النظام العام؛ لأن هذه اليمين وفق تعبير محكمة النقض هي «حق الميت وهي كحق الله تعالى، وإن من يدعي حقاً في التركة ويقيم الدليل عليه لا يواجه خصمه الحقيقي وهو الميت حتى يبدي ما لديه من دفوع». (قرار نقض، غرفة ثانية 47/139 لعام 1995، الحسيني، مرجع سابق، القاعدة 5797، ص 2897).
إنما هي يمين متممة. ولكنها يمين متممة لها خصائص يمين الاستثياق. فهي يمين إجبارية يوجهها القاضي إلى خصم بالذات يعينه القانون، وإذا حلفها الخصم كسب حتما دعواه.
ب- يمين الاستحقاق: لم يشر إليها قانون الإثبات اليمني، وقد نصت عليها قوانين الإثبات في كثير من الدول، ويتم توجيه هذه اليمين إذا ادعى أحد استحقاق مال معين، وأثبت ادعاءه هذا بالوسائل المقبولة قانوناً فتحلفه المحكمة يميناً «على أنه لم يبع هذا المال ولم يهبه لأحد ولم يخرجه من ملكه بوجه من الوجوه» (المادة 123/ب بيّنات الأردني ). وهذه اليمين لا تقيد المحكمة في شيء حتى لو حلفت. (قرار نقض، غرفة ثانية 537/141 لعام 1995، الحسيني، مرجع سابق، القاعدة 5816، ص 2907)، فهي لا تعدّ «مثل اليمين الحاسمة في الأثر القانوني إلا أنها تفصح عن عقيدة المحكمة في الأدلة المبسوطة أمامها». (قرار نقض، غرفة ثالثة 719/1038 لعام 1996، الحسيني، مرجع سابق، القاعدة 5817، ص 2908).
ج- يمين الاستيثاق: كذلك لم يتعرض قانون الإثبات اليمني لهذا من اليمين، في تضمنت هذا النوع بعض القوانين العربية، إذا كان الحق المطالب به أمام القضاء يتقادم بسنة فيجب على من يتمسك بالتقادم أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً، وهذه اليمين توجهها المحكمة من تلقاء نفسها، وفي حال وفاة المدين توجه إلى ورثته أو إلى أوصيائهم إن كانوا قصراً، فيحلفون بأنهم لا يعلمون بوجود الدين أو يعلمون بحصول الوفاء (المادة 375/2 من القانون المدني). وسميت بيمين الاستيثاق؛ لأنه بحلفها يتم توثيق قرينة الوفاء التي تقوم عليها الحقوق التي يشملها التقادم الحولي.
وقد نصت بعض القوانين على هذه اليمين على أنها قد تكون يمينا على عدم العلم،
1* قد نصت المادة 312 الفقرة الأخيرة من القانون المدني الجزائري على انه:" يجب على من يتمسك بالتقادم لسنة أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلا وهذه اليمين توجه تلقائيا من القاضي إلى ورثة المدين أو إلى أوصيائهم إن كان الورثة قاصرين على أنهم لا يعلمون بوجود الدين أو يعلمون بحصول الوفاء
والقانون بعد أن جعل بعض الحقوق تتقادم بمدة قصيرة جدا هي سنة[75] فقط و جعل من هذا التقادم قرينة على الوفاء أراد أن يعزز هذه القرينة وقد اعتبرها دليلا غير كامل بيمين متممة يحلفها المدين على واقعة شخصية له، هي أداؤه الدين فعلا. فإذا كان قد مات، خلفه الورثة أو أوصيائهم إن كان الورثة قصرا بيمين عدم العلم بأنه لا يعلمون بوجود الدين، أو بيمين العلم بأنهم يعلمون بحصول الوفاء. ويرى الأستاذ السنهوري أن يمين الاستيثاق تكون في بعض صورها يمينا على واقعة شخصية. وفي صور أخرى يمينا على عدم العلم. وتبقى في الحالتين يمين إستيثاق. ويمين عدم العلم لا تختص بيمين الاستيثاق. بل هي قد تكون أيضا في اليمين الحاسمة وفي اليمين المتممة الأصلية. فلا يجوز إذن الخلط ما بين يمين عدم العلم ويمين الاستيثاق.
وخصائص يمين الاستيثاق والتي نحن بصددها هي يمين إجبارية لابد للقاضي من أن يوجهها إلى المدين أو إلى ورثته. وتوجه إلى هؤلاء دون الدائن، وإذا حلفها من وجهت إليه كسب الدعوى حتما. على أنها تبقى بعد كل ذلك يمين متممة لا يمين حاسمة[76]. فهي تختلف اختلافا جوهريا عن اليمين الحاسمة في أنها ليست هي الدليل الوحيد في الدعوى. بل هي دليل تكميلي يعزز الدليل الأصلي وهو قرينة الوفاء المستخلصة من انقضاء سنة على وجود الدين. على أن هناك رأيا يذهب إلى أن اليمين هنا يمين حاسمة إجبارية يوجهها القاضي من تلقاء نفسه في حق تقادم بمدة قصيرة والتقادم يقوم على أساس قرينة الوفاء. فهي قرينة قانونية قاطعة لا يجوز دحضها إلا بالإقرار أو بالنكول عن هذه اليمين.
د- يمين العيب: لم يشر إليها قانون الإثبات اليمني، في حين تناولت ذلك قوانين الإثبات في بعض الدول العربية، فاذا طلب المشتري رد المبيع لعيب فيه فتحلفه المحكمة يميناً الوفاء (المادة 375/2 من القانون المدني الأردني ). وسميت بيمين الاستيثاق؛ لأنه بحلفها يتم توثيق قرينة الوفاء التي تقوم عليها الحقوق التي يشملها التقادم الحولي.
هـ- يمين الشفعة: إذا طالب الشفيع بحقه في الشفعة فتحلفه المحكمة يميناً «على أنه لم يسقط شفعته بوجه من الوجوه» (المادة 123/د بيّنات). والجدير بالذكر أن القانون المدني الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 لعام 1949-أي بعد صدور قانون البيّنات في عام 1947- ألغى حق الشفعة، وبذلك أصبحت هذه اليمين غير موجودة حكماً.
و- يمين التقويم: يمين التقويم صورة خاصة لليمين المتممة تناولها المشرع الجزائري في القانون المدني في المادة 350 كما يلي:" لا يجوز للقاضي أن يوجه إلى المدعي اليمين المتممة لتحديد قيمة المدعى به إلا إذا استحال تحديد هذه القيمة بطريقة أخرى".
و يحدد القاضي حتى في هذه الحالة حدا أقصى للقيمة التي يصدق فيه المدعي بيمينه"[79]
وموضوع يمين التقويم هو تقدير قيمة شيء واجب الرد وتعذر رده فيقضي بقيمته، مثل ذلك أيضا بيع أو إيجار فسخ وتعذر رد المبيع أو العين المؤجرة بتقصير من المشتري أو المستأجر فيقضي بالقيمة للبائع أو المؤجر. ولكن هذه القيمة استحال تقديرها بأي طريق ولو بطريق الخبراء على أساس تعيينها بالوصف- فلم يعد مناص من الرجوع في قيمتها إلى المدعي-. فيوجه إليه القاضي يمين التقويم. ومن هنا نرى أن الخصم الذي توجه إليه هذه اليمين هو دائما المدعي الذي يطالب باسترداد الشيء دون المدعى عليه المطلوب منه الرد. ثم إن موضوع اليمين هو دائما المبلغ الذي يقدر به المدعي قيمة الشيء المطلوب رده على أن لا يجاوز هذا المبلغ حدا أقصى يعفيه القاضي بحسب تقديره وفقا لما يستخلصه من ظروف الدعوى.
ويأتي " كولان " و " كابيتان " بمثل لذلك : " يفقد شخص حقيبته أثناء نقلها بسكة الحديدية بخطأ من الشركة، فيحلف يمين التقويم على قيمة ما كانت هذه الحقيبة تشمل عليه من متاع"[80].
ويقرر الفقيهان "أوبري" و " رو" أن القاضي لا يعتبر إلا قيمة الشيء الحقيقية لا قيمة ذاتية بالنسبة إلا المدعي ويدخل في هذا الاعتبار، ما أصاب المدعي من ضرر من جراء تفويت الفرصة عليه في استرداد الشيء عينا، ويجوز للقاضي في تقدير الحد الأقصى الذي يعينه للمدعي للحلف عليه، أن يلجأ إلا الشهادة بالتسامع.
وقد تكفل النص بتعين الشروط الواجب توفيرها لقبول يمين التقويم فاشترط أولا أن يكون تحديد القيمة بطريقة أخرى متعذرا، واشترط كذلك أن يعين القاضي حدا أقصى للقيمة التي حلف عليها المدعي، وعلى هذا التقييد أن القاضي يركن إلى ذمة المدعي لتقدير قيمة مصالحه الذاتية.
أما في ما يتعلق بالحجية، فيمين التقويم واليمين المتممة سواء، فيمين التقويم لا تقيد القاضي فله أن يقضي بمبلغ أقل من المبلغ المحلوف عليه إذا أحس المبالغة في تقدير هذا المبلغ.
فإذا هلك شيء موضوع عارية أو وديعة فحكم برد قيمته واستحال تقدير هذه القيمة يكون للقاضي تحديد حد أقصى للقيمة التي يصدق عليها المدعي بيمينه، فهذه اليمين المتممة لا توجه إلا للمدعي ولا ترد على الخصم الآخر ولا يتقيد بها القاضي فله الحكم بأقل من المبلغ الذي حلف عليه المدعي أو بأكثر منه خاصة إذا قدمت أدلة جديدة بعد الحادث.
( أحمد نشأت، رسالة الإثبات، الجزء الثاني (دار الفكر العربي، بلا تاريخ).
الوجه الثامن: اليمين المتممة في قضاء محكمة النقض المصرية:
استقر قضاء محكمة النقض المصرية على المبادئ الآتية :
1-اليمين المتممة إجراء من إجراءات التحقيق تيسر للقاضي تحصيل دليل خاص تقتضيه العدالة اعتبارها دليلاً تكميلياً إضافياً وليست حجة قاطعة ملزمة اختلافها عن اليمين الحاسمة.
2-اليمين المتممة حق توجيهها من اطلاقات محكمة الموضوع ولو تحققت شروطها.
3-اليمين المتممة دليل تكميلي ذو قوة محدودة. لقاضي الموضوع توجيهها من تلقاء نفسه وله السلطة التامة في تقدير نتيجته.
4-اليمين المتممة إجراء يتخذه القاضي من تلقاء نفسه استكمالاً لدليل ناقص. جواز الحكم على أساسها باعتبارها مكملة لعناصر الإثبات الأخرى.
5-الدليل الناقص الذي يكمل باليمين المتممة. عدم اشتراط أن يكون كتابة أو مبدأ ثبوت بالكتابة. جواز أن يكون بينة أو قرائن.
6- يمين متممة. شرط توجيهها هو أن يكون لدى كل من الطرفين مبدأ ثبوت لا يرقى إلى مرتبة الدليل الكامل. حكم بتوجيه اليمين إلى أحد الخصمين. تقريره أن كلاً من الطرفين يستند في دعواه إلى دليل له قيمته. حلف هذا الخصم اليمين. تقدير المحكمة من ذلك أن الدليل الكامل قد توافر على صحة ما يدعيه. ليس في ذلك ما يناقض ما سبق أن قررته المحكمة في حكمها الصادر بتوجيه اليمين.
7- إذا اتهم شخص بأنه وجهت إليه اليمين المتممة من المحكمة المدنية فحلفها كذباً بأن أقسم أن له في ذمة خصمه عشرين جنيهاً، فتمسك أثناء محاكمته بعدم جواز إثبات كذب هذه اليمين بالبينة لأن الدين موضوع الحلف يزيد على النصاب القانوني الجائز إثباته بشهادة الشهود.
-( شبكة المحامين العرب – 2023).
الوجه التاسع : إمكانية رجوع القاضي عن توجيه اليمين المتممة :
إذا قام القاضي بتوجيه اليمين المتممة إلى أحد الخصمين ثم بدا له بعد ذلك أن يرجع بأن كشف عن أداة جديدة أكملت الأدلة الناقصة أو نقضتها فلا يسوغ توجيه اليمين المتممة جاز له الرجوع بل يجوز له الرجوع لمجرد أن يكون قد غير رأيه دون حاجة إلى الكشف عن أدلة جديدة أكملت الأدلة الناقصة أو نقضتها فلم يعد هناك مسوغ لتوجيه اليمين جاز له الرجوع بل يجوز له
الرجوع لمجرد أن يكون قد غير رأيه دون حاجة إلى الكشف عن أدلة جديدة فقد يعيد النظر في تقدير الأدلة الموجودة فيراها كاملة وكان يظنها قبل توجيه اليمين ناقصة أولا يرى فيها دليلا بعد أن كان يظنها أدلة ناقصة فيرجع عندئذ عن توجيه اليمين المتممة بعد أن يكون قد وجهها.
ولم ينص القانون صراحة على إمكانية رجوع القاضي في اليمين المتممة إلا أن المنطق يستدعي ذلك إذ نصت المادة 348 على لأن: للقاضي سلطة تقديرية واسعة في اللجوء إليها ومادام الغرض منها هو لبناء حكمه في الدعوى وعليه إذا رأى أن اللجوء إليها لا يفيد في ذلك شيئا يستطيع الرجوع فيها.
الوجه العاشر : اليمين المتممة في القانون المقارن :
يذهب الفقيهان " أبرى" و" رو" إلى أنه كان الأولى بواضعي التقنيين المدني الفرنسي عدم الاحتفاظ باليمين المتممة ويقولان في هذا الصدد ما يأتي: " قد يكون من الخطأ أن واضعي التقنيين المدني استبقوا اليمين المتممة فإن فيها عيبا خطيرا إذا هي تجعل للقاضي سلطة في أن ينقل من تلقاء نفسه وبإرادته وحده البت في الدعوى من منطقة القانون إلى منطقة الضمير".
لكن جاء في صدد الدفاع عن استبقاء اليمين المتممة في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للتقنيين المصري ما يأتي: "نص التقنيين الفرنسي المادة 1366 على اليمين المتممة واتبعت في ذلك التقنيين الإيطالي المادة 1374 والتقنيين الهولندي المادة 1977 والتقنيين المصري المادة 223 و288 والتقنيين البرتغالي المادة 2533 ثم أبقى واضعوا المشروع الفرنسي الإيطالي (المادة 319) على هذه اليمين رغم ما وجه إليها من نقد".
وقد أشار بعض الفقهاء بوجوب حذف اليمين المتممة لأن المروءة متى توافرت فلا حاجة لليمين لصد الخصم عن المطالبة بغير وهي إذا انتفت لم يستشعر الخصم حرجا من الحنث فيها.
ثم إن القاضي لا يحتاج إلى اليمين لتمكين الاطمئنان من نفسه، لأن من يخفق في إثبات دعواه يبوء بالخسارة. ولا يستشعر القاضي حرجا في القضاء لخصمه عليه، لأنه ينزل في ذلك على حكم القانون، بيد أن هذا النظر يغفل خصائص اليمين بوصفها طريقا للإثبات وطبيعة هذا اليمين والغاية منها، لأن اليمين طريقة اضطرارية، فيمكن للقاضي من الالتجاء إليها في ظل الضمانات التي يقررها القانون، أي حيث لا يكون الطلب أو الدفع مجردا من كل دليل وحيث يكون هذا الدليل غير كاف في ذاته.
ويراعى أن اليمين نظام تقتضيه العدالة فهي والحال هذه عامل يعين على سير العدالة، فضلا على أن القانون يترك للقاضي حرية التقدير بشأن ضرورة توجيهها وتعيين من توجه إليه من الخصوم.
وغني عن البيان أن هذا التقدير ينبغي أن يناط بوجه خاص بما يتوافر في الخصم من بواعث الثقة، ولهذا لم ير وجه للتنويه بعدم جواز توجيه اليمين المتممة إذا كان من توجه إليه غير أهل لأي ثقة كما يفهم ذلك من عبارة المادة 2533 فقرة 03 من التقنين البرتغالي، و يلاحظ أن اليمين شرعت لعلاج مساوىء نظام تقييد الدليل و نظام حيدة القاضي إزاء دعاوى الخصوم، فيجب و الحال هذه أن تؤدى وظيفتها كاملة، هذا و يلاحظ من الناحية العملية أن القاضي لا يلجأ إلى اليمين المتممة إلا في كثير من الحيطة و الاعتدال، بعد تقدير جدوى هذا اليمين تقديرا يعتد فيه بشخصية الخصم، إزاء كل أولئك رؤى الإبقاء على اليمين المتممة في نصوص المشروع[68] ، و يستتبع الأستاذ عبد الرزاق أحمد السنهوري بالقول أنه:" لعل خير دفاع عن اليمين المتممة هي أنها وسيلة للتخفيف من حدة التنظيم القانوني للإثبات فهي توسع أمام القاضي بمرونتها ما ضاق بسبب جمود هذا التنظيم".
الوجه الحادي عشر : اليمين المتممة لاترد :
إن من وجهت إليه اليمين المتممة لا خيار له فإما أن يحلف أو ينكل. ولا يستطيع أن يرد اليمين على الخصم الآخر. ذلك لأن اليمين موجهة إليه من القاضي لا من الخصم الآخر. ولأنها تكميلية لأقناع القاضي وليست احتكاما إلى ضمير الخصم حتى يجوز لهذا ردها ليحتكم هو إلى ضمير خصمه.
وقد صرح القانون بأنه لا يجوز للخصم الذي وجه إليه القاضي اليمين المتممة أن يردها على خصمه." وهذا النص الذي تقابله المادة 1368 من التقنين المدني الفرنسي و التي تنص على: "اليمين التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أحد الخصمين لا يجوز ردها من هذا الخصم على الخصم الآخر."
فالخصم الذي وجه إليه القاضي اليمين المتممة لا مناص له إذن من أحد موقفين: الحلف أو النكول. وإذا مات من وجه إليه القاضي اليمين المتممة قبل أن يحلفها، اعتبر الحكم بتوجيهها كأن لم يكن. وللقاضي أن يفصل في النزاع دون يمين متممة. أو أن يوجه هذا اليمين إلى الخصم الآخر. أو أن يوجه يمينا متممة بعدم العلم إلى ورثة الخصم الذي مات. ويتفق الحكم في أن اليمين لا تعتبر مردودة إلى الخصم الآخر في كل من اليمين الحاسمة واليمين المتممة. فإذا مات من وجهت إليه اليمين الحاسمة قبل أن يحلفها، لم تعتبر اليمين مردودة على الخصم الآخر لأن رد اليمين ليست التزاماً تخييري بل هو التزام بدلي. فيتفقان لكن السبب مختلف: في اليمين الحاسمة، الالتزام برد اليمين ليس إلا التزاماً بدلياً وفي اليمين المتممة الالتزام برد اليمين لا وجود له أصلا.
الوجه الثاني عشر : آثار حلف اليمين المتممة:
الغالب أن الخصم إذا حلف اليمين المتممة قضى القاضي لصالحه، إذ يكون بهذا الحلف قد استكمل الأدلة التي كانت ناقصة. وأقنع القاضي بصحة ادعائه، ولكن إذا ثبت بحكم جنائي كذب اليمين، جاز للخصم الآخر أن يطالب بتعويض مدني. وهذا دون إخلال بالطعن في الحكم الذي صدر تأسيسا على اليمين المتممة بطريق الاستئناف أو بطريق التماس إعادة النظر.
على انه ليس حتما على القاضي، بعد أن يحلف الخصم اليمين المتممة، أن يقضي لصالحه. فقد يقع أن القاضي بعد حلف اليمين وقبل النطق بالحكم، يقف على أدلة جديدة تقنعه بأن ادعاء الخصم الذي حلف اليمين يقوم على غير أساس. فيحكم ضده بل ليس من الضروري أن يكشف القاضي أدلة جديدة. فقد يعيد النظر في القضية بعد الحلف وقبل الحكم. فيقتنع بغير ما كان مقتنعا به عند توجيه اليمين المتممة فيقضي ضد من حلف.
الوجه الثالث عشر : النكول على اليمين المتممة:
- إذا نكل الخصم الذي وجهت إليه اليمين المتممة، فإن الأدلة الناقصة التي كان قد قدمها لإثبات ادعائه تبقى ناقصة كما كانت بل ان الريبة لتزداد في صحة ادعائه بعد أن نكل. من أجل ذلك يغلب أن يقضي ضده، ويرى الأستاذ السنهوري أنه يجوز للقاضي بعد أن نكل الخصم الذي وجه إليه اليمين المتممة أن يوجه هذه اليمين إلى الخصم الآخر. لا سيما بعد أن تعززت أدلة هذا الخصم الآخر بنكول خصمه، ولكن ليس من المحتم هنا أيضا أن يقضي ضده. فقد تظهر بعد نكوله أدلة جديدة تكمل أدلته الناقصة. فيقضي لصالحه بالرغم من النكول بل قد لا تظهر أدلة جديدة ولكن القاضي يعيد النظر في الأدلة التي كان يحسبها ناقصة فيرجع عن رأيه ويقدر أنها أدلة كافية، فيقضي هنا أيضا لصالحه،والله اعلم.