الجرائم والمخالفات ليست قرينة قانونية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
القرينة القانونية نظمها قانون الإثبات، ولذلك فهي وسيلة من وسائل إثبات الجريمة او نفيها يستطيع الخصم في بعض صورها ان
يثبت خلافها ويتم استعمالها لإثبات الجرائم والحقوق الأموال، لان قانون الإثبات
يتم تطبيقه في كل النزاعات سواء أكانت جزائية ام مدنية ام شخصية ، اما الفعل
والترك في الجرائم والمخالفات فليس قرائن قانونية إجرائية وإنما قواعد قانونية
موضوعية عقابية يتم تنظيمها في القوانين العقابية، إذ تتواجهه سلطة الاتهام أو النيابة
العامة مع المتهم أمام القاضي الجزائي بشأن إثبات تحقق هذه الأفعال اونفيها ، حيث
تقدم النيابة العامة أدلة إثبات هذه الأفعال بما فيها القرائن القانونية في حين
يقدم المتهم أدلة نفي الفعل أو الترك
المسند له، أو نفي تحقق هذه الأفعال والامتناعات ، وتاسيسا على ذلك، فلايعد الفعل
أو الامتناع في الجرائم والمخالفات المنصوص عليها في القوانين العقابية لايعد من
قبيل القرائن القانونية كما أنه لا يتعارض مع قاعدة ان الأصل في الإنسان البراءة حتى
تثبت ادانته، ومن جهة أخرى فإن قاعدة : الأصل في الصفات العارضة العدم لاتنطبق على
التجريم والعقاب المنصوص عليه في القوانين العقابية العامة والخاصة ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الدستورية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-1-2011م في القضية رقم (29118)، في
الدعوى الدستورية رقم (5/1) لسنة 2005م، وقد ورد ضمن هذا الحكم: ((فقد ادعت
المدعية ان المادة (43) من قانون ضريبة المبيعات مخالفة للمادة (47) من الدستور
المتضمنة قرينة البراءة الأصلية، لأن الجرائم الواردة في المادة (43) من قانون
ضريبة المبيعات عبارة عن أفعال وتروك اعتبرها المشرع الضريبي مناط التجريم ، ولذلك
فهي مجرد قرائن قانونية مع أن القرينة القانونية في المجال الجنائي لا تعتبر حجة
إثبات قاطعة بل يجوز دحضها بما يؤكد بطلانها حملاً على قاعدة أصولية ثابتة مفادها
أن الأصل في الصفات العارضة العدم، وان مبدأ افتراض البراءة المقررة في المادة
(47) من الدستور لا يجوز الغاؤه بمجرد القرينة القانونية الواردة في المادة (43)
من قانون ضريبة المبيعات.
والدائرة: تجد أن هذا الإدعاء لا يقوم
على أساس قانوني صحيح، فالمادة المطعون بعدم دستوريتها كانت قد حددت وبشكل دقيق
الأفعال التي تشكل مخالفات لقانون ضريبة المبيعات وحددت الجزاءات المقررة على من
يرتبكها، فقول المدعية ان القرائن الواردة في النص المطعون فيه دليل إثبات قاطع قول تنقصه الدقة، فهذا النعي لا يستقيم مع
الضمانات التي قررها القانون الذي جعل الاختصاص في الفصل في المخالفات الواردة في
المادة المطعون بعدم دستوريتها للمحكمة المختصة التي تكون مقيدة في إجراءاتها
بالقوانين النافذة ومبادئ وقواعد الإثبات ومنها مبدأ لا ادانة إلا بناءً على أدلة))،
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية القرينة القانونية:
القرينة في اللغة مستفادة من : مادة (قرن) بمعنى صاحب ولازم، اما
معنى القرينة في الفقه فهي : الدليل الدال على أمر معين من الأمور أو عدم حدوثه من
الأساس، وربما يقف القانون موقف المعترض على كلمة الدليل هنا؛ لأن القرينة
القانونية تكون على سبيل الشك أو عدم التيقن، لكن يتم إتباعها للوصول إلى الحقيقة.
وهناك من يذهب إلى تعريف القرينة
بأنها : “القرينة هي ما دلت على أمر خفي، مقترن بها عن طريق قول أو فهم أو
اجتهاد”.
وفي الفقه الإسلامي يعرف الفقهاء
القرينة بأنها : العلامة التي تدل على جزء من الدليل، لكنها لا تهدي إلى الدليل
كله، او هي :الأمارة البالغة حد اليقين، وقد ذكر الفقهاء وشراح القانون المعاصر ين
عدة أمثلة للقرينة، مثل: بصمة الإصبع والتشريح والتحاليل المعملية والصور الفوتوغرافية والفلمية والتسجيلات
الصوتية ومقاطع الفيديو وغيرها من القرائن المصاحبة أو المقارنة للواقعة التي تدل
عليها، وهناك من يذهب إلى تعريف القرينة بأنها : استنباط امر غير ثابت من امر ثابت،
وقد عرف قانون الإثبات اليمني القرينة في المادة ( 154) التي نصت على أن( القرينة
القاطعة هي ما علم من الأمارات ودلائل الحال المصاحبة للواقعة المراد إثباتها فتدل
بطريقة القطع لا يقبل الاحتمال أصلاً على ثبوتها)، هذا التعريف مقارب لتعريف القرينة في الفقه
الإسلامي.
والقرائن على نوعين : قرائن قضائية وقرائن
قانونية، ومحل تعليقنا هي القرينة القانونية، وهي : مايستنبطه المقنن ذاته مما
يغلب وقوعه عملا في طائفة معينة من الحالات، فيبني عليها المقنن قاعدة ينص عليها
في صيغة مجردة، وهذه هي القرائن القانونية، وهي تنطوي على خطورة قياسا بغيرها، لان المقنن وهو
يقوم باستنباطها والنص عليها في القانون بصيغة عامة مجردة يتم تطبيقها في الواقع العملي على ملايين
الوقائع والأشخاص حتى ولو بدت القرينة
القانونية مغايرة للواقع في بعض الحالات، لذا ينبغي ان يكون استنباط المقنن
للقرائن القانونية في اضيق الحدود لكي يترك المجال رحبا للقاضي في الملائمة بين
الحقيقة الواقعة والافتراض في كل حالة على حدة.
والقرائن القانونية على نوعين : النوع
الأول : القرائن القانونية القاطعة وهي : التي تؤدي دورا رئيسا في الإثبات، إذ
تغني من تقررت لمصلحته عن اللجوء إلى اية طريقة من طرق الإثبات، والنوع
الثاني :قرينة قانونية غير قاطعة،وفي هذا المعنى نصت المادة (155) من قانون
الإثبات اليمني على أن : ( القرائن القاطعة نوعان :ـ
أ- قرائن
قاطعة قانونية لا تقبل إثبات العكس فهي تغني من قررت لمصلحته عن أي دليل آخر
كقرينة الولد للفراش وحجية الحكم والنكول عن اليمين.
قرائن قاطعة قضائية وهي ما تستنبطه المحكمة من الأمور الواقعية
والمقالية التي تدل على صور الحال كخروج شخص من داره في يده سكين تقطر دما أو مسدس
أو بندقية مع وجود قتيل في تلك الدار ليس بها غيره ) فاذا ثبت قيام الواقعة اساس
القرينة فانه يجب على القاضي ان يأخذ بحكم القرينة فيجعلها اساسا لحكمه حتى ولو
بدا له عدم مطابقته للواقع في الدعوى المنظورة والا كان حكمه عرضة للبطلان ، وهناك
من يذهب إلى أن القرينة القانونية القاطعة تقبل اثبات عكسها، فيذهب هولاء إلى أنه يمكن دحض القرينة القانونية القاطعة عن طريق
الاقرار او اليمين، سيما في الامور التي لاتتعلق بالنظام العام، اذ اجازالقانون قبول الاقرار واليمين في نقض القرينة القانونية
القاطعة ، وهذا يعني ان المقنن فرق بين نوعين من القرائن القانونية القاطعة
الاولى تتعلق بالنظام العام اي تلك الموضوعة لحماية مصلحة عامة وهذه لا يجوز
اثبات عكسها باي دليل من ادلة الاثبات بما في ذلك الاقرار واليمين، اما النوع
الثاني فهي القرائن القانونية القاطعة التي لاتتعلق بالنظام العام اي التي وضعت
لحماية مصلحة خاصة وهذه تقبل اثبات العكس بالاقرار واليمين فقط.
و تقوم فكرة القرينة القانونية غير
القاطعة على ذات الفكرة التي تقوم عليها القرينة القانونية القاطعة اي
الاحتمال الراجح من وجهة نظر المقنن، فالاصل في القرائن ان تكون غير
قاطعة لانها مقررة بصيغة عامة مجردة تحتمل عدم مطابقتها مع الواقع،، واثبات
العكس في القرائن القانونية غير القاطعة هو اثبات في الحالة الخاصة التي يكون
الخصم في صددها والا فانه لايجوز اثبات عكس القرينة في عمومها، وهذا
يعني انها تضع قاعدة تشريعية جديدة والغاء قاعدة سابقة قامت عليها القرينة
القانونية، اذ ان القانون لايلغى الابمثله، وفي هذه الحالة فان بامكان القاضي ان
يقبل اثبات عكس القرينة غير القاطعة دليلا ذا قوة مطلقة كالاقرار واليمين فاذا كان
بالامكان دحض القرينة القانونية القاطعة بهذين الطريقين فالاولى ان
يدحضا القرينة القانونية غير القاطعة كما يمكن ان يتم دحضها بطريقة اخرى وهي الكتابة
او بمبدأ الثبوت بالكتابة معززة بالشهادة او القرائن القضائية ووفقا للقواعد
العامة في الاثبات.
وفي هذا الشأن نصت المادة( ١٥٦) من
قانون الإثبات اليمني على أن ( كل قرينة قاطعة قانونية لا يجوز نقضها ، ويتعين
الأخذ بها والحكم بمقتضاها)، (مفهوم
القرينة بحسب القانون، المحامية: ورود فخري، ص 2).
وللقرينة ركنان: الركن
الأول ركن مادي وهو (واقعة ثابتة): وهنا تكون
الواقعة مثبتة بالفعل دون شك، مثل قرينة إعسار المدين بناء على واقعة وجود دين
للدائن في ذمة المدين (شيء مسلم به)، والركن الثاني : ركن معنوي وهو : (استنباط
الواقعة الحقيقية المجهولة).
ولاريب أن للقرائن القانونية كوسيلة إثبات غير
مباشرة مزايا عدة، إذ تقوم القرينة القانونية الإستناد على نص مدون في القانون، وبناء عليه
تكون على سبيل الحصر لا القياس، كما ان القرائن القانونية ذات طابع إلزامي للقاضي للخصم. وباعتبارالقرائن القانونية من أدلة الإثبات غير
المباشرة، لذلك فإن القرائن القانونية في القانون هي التي يتأكد القانون من ظروف
الواقعة عن طريقها، بحيث لا يحتاج إلى بيان الصلة بينها وبين الواقعة الأساسية
المراد التحقق منها، وقد قسم الفقه القرائن القانونية إلى نوعين، هما:
قرائن قاطعة (مطلقة): من حيث الإثبات ولا تنقض بالدليل العكسي، وتقترب
من القواعد الموضوعية، لكنها لا تعد وسيلة حقيقية في الإثبات، وهذا النوع من
القرائن يفيد القاضي ويفيد الخصم ، حيث إنه لا يمكن المجادلة في إثباته، فهي قرينة
تقطع كل الشك. ومن أمثلتها: قرينة عدم الإدراك الجيد عند الصغير تحت سن التاسعة، والمجنون.وقرينة
الصحة في الأحكام النهائية، وقرينة العلم بالقانون بعد النشر في الجريدة الرسمية ومن
ثم عدم جواز الاعتذار بعدم المعرفة.
اما القرائن القانونية البسيطة: فهي القرائن
التي يمكن نقضها وإثبات عكسها عند ظهور دليل، أو إذا جدت حالة تدل على التغيير،
حيث يثبت عكسها، وبالإقرار ممن تتطلب مصلحته أو برفضه التام لليمين، كما يمكن نقضها
بالقرائن القضائية.
ولاشك أن هناك فرق بين القرينة
القانونية والقرينة القضائية، ويظهر هذا
الفرق في أن القرائن القضائية من رأي وخبرة القاضي نتيجة فهمه للنزاع والظروف
المصاحبة له ، أما القرائن القانونية فإن القانون
هو الذي يحددها، ويقل فيها دور القاضي عند حدوث النزاع، كما ان القرينة القانونية
يحتمل إثبات ما تدل عليه وقد لا تحتمل الإثبات، أما القرينة القضائية فثابتة لا
محالة.
القرينة القضائية وسيلة مضمونة
للإثبات، أما القرينة القانونية ليست وسيلة إثبات من الأساس، تتساوى قوة القرينة
القضائية مع الشهادة في إثبات الواقعة، أما القرينة القانونية فتعفي من الإثبات.
ومن الممكن أن تتحول القرينة القضائية
إلى قانونية، إذا تكررت مثل تكرار إرتكاب الشخص للجرائم في السجل الجنائي للمتهم
كالسرقة والاختلاس، فهذه قرائن قانونية
تدل على تاصله في هذه الجرائم.
وكذا تتساوى القرينة القانونية والقضائية في أن فكرتهما
واحدة، هي فكرة الأرجح في الواقعة أو القضية، والسعي وراء إثباته، فكلتاهما تتضما
إثبات غير مؤكد، يوصل إلى إثبات آخر حقيقي، كما أن يظهر فرق اخر بين القرائن القانونية والقرائن القضائية وهو
الجهة المختصة في الاستنباط.
وعلى هذا المعنى فالقرائن
عبارة عن النتائج التي يستخلصها القانون أو القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة
مجهولة، فهي إذن أدلة غير مباشرة، إذ لا يقع الإثبات فيها على الواقعة ذاتها مصدر الحق
بل على واقعة أخرى إذا ثبتت أمكن أن يستخلص منها ثبوت الواقعة المراد إثباتها،
وهذا ضرب من تحويل الإثبات من محل إلى آخر.
ومن المعلوم أن القرائن من أدلة الإثبات التي أخذت بها معظم
القوانين عند عدم وجود الأدلة التي تثبت الواقعة المنشئة للحق المدعى به إثباتا
مباشرا، إذ قد يتعذر من الناحية العملية الإثبات المباشر في كثير من الحالات، فتضيع
بذلك كثير من الحقوق.
وعلى هذا فيكون الإثبات بالقرائن مما
تقتضيه الضرورة العملية وهو يقوم أساسا على الاحتمال والترجيح، ويستند إلى عملية
الاستنباط التي لا يؤمن معها الزلل والخطأ؛ لأنه تحويل الإثبات إلى واقعة متصلة
بالحق بطريق غير مباشر لا يؤدي ثبوتها إلى حقيقة يقينية بثبوت الواقعة المتنازع
عليها، وإنما إلى مجرد الظن الذي يجعل دعوى المدعي قرينة التصديق ويغلب معه صدق
المدعي، وهذا هو شأن الإثبات القضائي في أغلب حالاته.
ومن خلال ماتقدم عرضه بشأن القرينة القانونية
من حيث ماهيتها وأركانها وخصائصها ودورها في الإثبات، فمن خلال ذلك يظهر ان
القرينة القانونية هي مجرد دليل غير مباشر من ادلة الإثبات، وانها في ذلك
تختلف عن الجرائم والمخالفات المنصوص عليها في القانون، فالجرائـم والمخالفات
المنصوص عليها في القانون قواعد قانونية موضوعية، في حين ان القرائن القانونية
قواعد إجرائية، إضافة إلى القرينة القانونية وسيلة إثبات غير مباشرة يتم التوسل
بها لإثبات الجرائم والمخالفات، وتبعا لذلك فإن
تلك الجرائم والمخالفات المذكورة في القانون ليست من قبيل القرينة
القانونية حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني : النص في القانون على الجرائم والمخالفات وعقوباتها تطبيق لمبدأ لاجريمة ولاعقوبة الا بنص :
كان النقاش الذي اشار اليه الحكم محل
تعليقنا قد تناول المخالفات الجرائم والمخالفات وعقوباتها المذكورة عليها في
المادة(٤٣ ) من قانون ضريبة المبيعات التي نصت على أنه(مادة (43) : فيما عدا
الحالات المنصوص عليها في المادة (45) من هذا القانون والتي تعتبر من أعمال التهرب
من الضريبة يعاقب بغرامة لا تقل عن (5000) خمسة ألف ريال ولا تتجاوز (50,000)
خمسين ألف ريال وذلك بالإضافة إلى دفع الضريبة والغرامات المستحقة كل من ارتكب أحد
الأفعال الآتية ما لم يكن هناك عقوبة أشد في قانون آخر أ- تقديم بيانات غير
صحيحة عن المبيعات من السلع أو الخدمات الخاضعة للضريبة إذا ظهرت فيها زيادة لا
تتجاوز (10%) عشرة في المائة عما ورد بإقراره .
ب- مخالفــة الأحكام المنصــوص
عليها في المادة (11) من هذا القانون .
ج- ظهور نقص أو
زيادة في السلع المودعة في المناطق والأسواق الحرة تزيد عن (5%) خمسه في المائة
ولكنها لا تتجاوز (10%) عشرة في المائة .
د- أي شخص يتخلف عن تقديم إخطار
إلى المصلحة بتغيير بيانات طلب التسجيل أو تخلف عن تقديم إخطار بالتوقف الكلي أو
الجزئي عن النشاط خلال الموعد القانوني
ه- عدم تمكين موظفي المصلحة من
القيام بواجباتهم أو ممارسة اختصاصاتهم في الرقابة والتفتيش والمراجعة وطلب
المستندات أو الاطلاع عليها .
و- عدم إخطار المصلحة بالبدء في
تشغيل المصانع والمعامل وإنتاج السلع الخاضعة للضريبة .
ز- عدم قيام المسجل بموافاة
المصلحة بنسخة من التراخيص خــلال المدة القانونية .
ح- عدم إقرار المسجل عن السلع
والخدمات التي استعملها أو استفاد منها في أغراض خاصة أو شخصية بقيمة لا تتجاوز
مائتين ألف ريال.
ط- عدم تقديم المحجوز لديه
إقرار لما في ذمته من أموال للمسجل المحجوز على أمواله أو تقديم إقرارات تتضمن
بيانات غير صحيحة.
ي- تحرير فاتورة بيع تختلف
بياناتها بالنقص عن فاتورة البيع المقررة وفقاً لهذا القانون .
ك- استخدام رقم تسجيل غير صحيح
أو رقم ضريبي غير صحيح في إقرار ضريبي أو أي وثيقة مطلوبة أو مستخدمة لأغراض هذا
القانون .
ل- تخلف عن العمل بمقتضيات أي
إخطار أو طلب صدر إليه أو تخلف عن الحضور تلبية لإخطار صدر إليه تحقيقاً لأي غرض
من أغراض هذا القانون.
م- إقدام المسجل أو المكلف على
استيفاء ضريبة غير مستحقة ، ويعتبر المبلغ المستوفى بالمخالفة لأحكام هذا القانون
من حق الشخص المستوفى منه )، فقد كانت المدعية تدعي إنما ورد في هذه المادة عبارة
عن افعال وإمتناعات افترضها القانون، فهي من قبيل القرائن غير الثابتة القابلة
لإثبات عكسها، في حين أن الحكم محل
تعليقنا قضى بأن هذا الامتناع اوالترك الوارد في النص السابق هو عبارة عن جرائم
ومخالفات وجزاءات قانونية مقررة لكل من يمتنع
عن الأفعال التي اوجبها القانون أو كل من يفعل الأفعال المحددة في المادة السابقة،
وان ماورد في المادة السابقة تطبيق قانوني صحيح لمبدأ لاجريمة ولاعقوبة الا بنص أو
مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المقرر في الدستور المنصوص عليه في قانون الإجراءات حسبما
قضى الحكم محل تعليقنا.
ويراد بمبدأ شرعية أو قانونية الجرائم
والعقوبات ان المقنن وحده هو الذي يملك تحديد الأفعال المعاقب عليها والمسماة
“بالجرائم” وتحديد الجزاءات التي يتم توقيعها على مرتكبيها والمسماه “بالعقوبات”.
مما.يترتب عليه ان ليس للقاضي ان يعتبر الفعل من قبيل الجرائم ويعاقب مرتكبه مهما
كان هذا الفعل منافي اللاًداب او المصلحة العامة إذا لم يكن منصوصا عليه في قانون العقوبات
او النصوص العقابية في القوانين الأخرى ، لأنه ليس للقاضي حسب هذا المبدأ ان يقرر
جرائم ولا أن يبتكر عقوبات.
فمبدا لاجريمة ولاعقوبة الا بنص يسمى أيضا مبدأ الشرعية
الجنائية، وهذا المبدأ هو أحد ركائز التشريع الجنائى ،ويقصد به أن لا جريمة ولا
عقوبة إلا بنص، مما يعنى حصر الجرائم والعقوبات فى القانون المكتوب وجعله دون غيره
مصدراً للتجريم والعقاب؛ فلا يُجرم فعلاً لم يجرمه القانون، ولا يُقضى بعقوبة دون
ما نص عليها القانون.
ولعل ما شٌرع له هذا المبدأ هو ضمان
عدم المساس بالحرية الشخصية، إلا أن الاخيرة ذاتها تقيد من محتواه، فيكون إنفاذ
هذا المبدأ بالقدر وفي الحدود التي تكفل صونها.
وتطبيقا لهذا المبدأ فيجب صياغة النصوص العقابية بصورة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض ولا
شبكاً أو شراكاً حتى يكون فهمها واضحا ومحددا، فلا يكون هناك سلوك مجافيًا لها، بل
اتساقاً معها ونزولاً عليها؛ ومن ثم لا يجوز إعمال نصوص عقابية بما يسئ تطبيقها أو
تفسيرها بما يخرجها عن معناها أو مقاصدها، ولا تجاوز نطاق التجريم لأفعال لم يجرمها
القانون .
وإذا تمت صياغة النصوص العقابية بصورة
تثير الشك في حقيقتها ففى حالة الشك ينبغي
الأخذ بالتفسير الأصلح للمتهم؛ إذ أن الأصل فى الأشياء الإباحة، والخروج عن هذا
الأصل يُوجب النص المكتوب، أما التمسك بالاباحة فلايحتاج إلى نص مكتوب.
وعملاً بمشروعية ودستورية مبدأ
الشرعية الجنائية؛ قُيدت سلطة القاضي في حكمه حتى لا يجرم أفعالا ينتقيها ، ولا
يقرر عقوبتها وفقاً لاختياره، ومن ثم يحظر على القاضي تجريم واقعة لم يجرمها القانون
، ويحظر العقاب على غير ما حدد له عقوبة أو تدبير.
وبهذه المناسبة نشير الى احد القضايا في مصر ، حيث قدم المتهم الى
المحاكمة بتهمة مزاولة مهنة الصيدلة دون ترخيص على سند من انه ادار صيدلية بدون
ترخيص، وقضت المحكمة بإدانته بعقوبة الحبس لمدة سنة وتغريمه مبلغ مائتى جنيها، فتم
الطعن على الحكم بالنقض على سند من أنه لا يجوز ادانة الطاعن عن جريمة مزاولة مهنة
الصيدلة دون ترخيص لمجرد إدارة الطاعن لصيدلية بدون ترخيص، لان القانون عرف مهنة
الصيدلة بأنها تجهيز أو تركيب او تجزئة اى دواء وهو ما لم يقترفه المتهم، وقد قضت
محكمة النقض بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه و ببراءة الطاعن
، وقالت فى أسباب ذلك الحكم أن القانون رقم 127 لسنة 1955 فى شأن مزاولة مهنة الصيدلة انه عرف ما يعتبر مزاولة لتلك
المهنة بانه تجهيز أو تركيب اى دواء او عقار او نبات طبي أو مادة صيدلية تستعمل من
الباطن أو الظاهر او بطريق الحقن لوقاية الانسان او الحيوان من الامراض او علاجه
منها او توصف بان لها هذه المزايا، وواضح من تعريف القانون لمزاولة مهنة الصيدلة
أنه قصرها على أعمال تجهيز الدواء او تركيب او تجزئته وليس مجرد ادارة الطاعن
للصيدلية دون الحصول على ترخيص؛ الأمر الذي يستوجب نقض الحكم وبراءة الطاعن مما
اسند اليه.( مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، نور مهدي، ص٢).
ويترتب علي النص على مبدأ شرعية
(قانونية) الجرائم والعقوبات في القانون النتائج
التالية:
١-المصدر الوحيد للقانون
الجنائي هو القانون المكتوب، وبالتالي لايكون العرف مصدرا للتجريم والعقاب في القانون الجنائي، كما
هو الحال في باقي فروع القانون الأخرى كالقانون المدني والقانون
التجاري التي يكون فيها العرف معتبر.
٢-حماية حريات وحقوق افراد
المجتمع من إلإفتيات عليها.
٣-التؤكيد على مبدأ الفصل
بين السلطات.
٤-الإعلان المسبق للأفراد عن
الجرائم والعقوبات حتى يتحقق الزجر والردع.
٥-عدم رجعية النصوص على
الأفعال الوقائع التي حدثت قبل صدور القانون.
الوجه الثالث : مبدأ قانونية الجرائـم والعقوبات في قوانين الدول العربية :
في الشريعة الإسلامية كان هذا المبدأ
موجودا منذ ظهور الدين الإسلامي الحنيف اما في القوانين الوضعية، فلم يكن هذا
المبدأ موجودا قبل الثورة الفرنسية الا في نطاق محدود ، إذ ظهرت الاصول الاولى لهذا
المبدأ في اوروبا في انكلترا حيث تضمنتها
المادة ٣٩ من “العهد الاعظم” Magna Karta الذي منحه الملك جون John لرعاياه عام ١٢١٥م، ثم نقله مهاجرو الانجليز معهم الى أمريكا الشمالية
واعلنوه في مقاطعة “فلاديفيا”، في إعلان الحقوق فى عام ١٧٧٤م، ثم اعتنقه قانون
العقوبات النمساوي عام١٧٨٧م، ثم تبنته الثورة الفرنسية فاعلنته في المادة الثامنة
من إعلان حقوق الإنسان الصادر في 26 أغسطس ١٧٨٩ ونصها “لا يجوز البتة عقاب اي
شخص الا بمقتضى قانون صادر سابقا على ارتكاب الجريمة”.
أما قبل ذلك فقد كان قانون العقوبات
متروكا لتحكم القاضي يفسره على وفق رأيه وهواه ويضيف اليه أحكاما من عنده إذا شاء.
فكان الفرد نتيجة لذلك تحت رحمة سلطته التحكمية لا يعرف ما هو محرم عليه من
الأفعال ولا ما ستطبق عليه من العقوبات اذا ما ارتكب إحدى الجرائم .
ومنذ ان قررت الثورة الفرنسية هذا
المبدأ في قانون الثورة الفرنسية اتخذ طريقه إلى القوانين الجنائية الحديثة
بل والدساتير الحديثة في مختلف دول العالم ، حتى أصبح الان من المبادئ، الدستورية
العالمية، وقد أقرت الجمعية العامة للامم المتحدة التمسك بهذا المبدأ في البيان
العالمي لحقوق الانسان المعلن في ١٠ كانون الاول/١٩٤٨كماً أخذ به الميثاق الذي
وقعه وزراء المجلس الأوروبي في روما في ٦ نوفمبر ١٩٥٠م في المادة السابعة الخاصة
بصيانة حقوق الانسان والحريات الأساسية.
وقد نص على مبدأ الشرعية الدستور
اليمني في المادة( ٤٧ ) التي نصت على أن ( المسئولية الجنائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة
الا بناء على نص شــرعي او قانوني وكل متهم برئ حتى تثبت ادانته بحكم قضائي بات،
ولا يجوز ســن قانون يعاقب على اي افعال باثر رجعي لصدوره )، وقد كانت هذه المادة محل النقاش في الحكم
محل تعليقنا.
وكذا ورد هذا المبدأ في الدستور المصرى في
المادة( ٦٦)على أنه “لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على
الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذي ينص عليها”. وهي تطابق تماماً نص المادة
٢٠ من دستور العراق الصادر فى سنة ١٩٦٤، والمادة ٣٢ من دستور الكويت الصادر
فى ١١ نوفمبر سنة ١٩٦٢، والمادة ١٧ من الدستور الليبي الصادر في سنة ١٩٥١.
في حين نصت المادة الثامنة من دستور
الجمهورية اللبنانية الصادر سنة ١٩٤٧ على أن “الحرية الشخصية مصونة وفى حمى
القانون ولا يمكن أن يقبض على أحد أو يحبس أو يوقف إلا وفاقاً لأحكام القانون ولا
يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون”.
ونصت المادة العاشرة من الدستور
السوري الصادر فى سنة ١٩٥٠ على أنه “لا يحكم على أحد بسبب فعل أو ترك لم يكن حين
اقترافه معاقباً عليه بموجب القوانين المعمول بها ولا تطبق عقوبة أشد من العقوبة
النافذة أثناء ارتكابه”.
وبعض الدساتير العربية لا تنص على هذا
المبدأ صراحة، ولكنه مستفاد ضمناً من بعض النصوص، فقد نص الفصل العاشر من دستور
المملكة المغربية الصادر فى سنة ١٩٦٢ على أنه
: ” لا يلقى القبض على أحد ولا يحبس ولا يعاقب إلا فى الأحوال وحسب
الإجراءات المنصوص عليها فى القانون”.
ونصت المادة الثامنة من دستور المملكة
الأردنية الصادر فى سنة ٩٩٥٢ على أنه “لا يجوز أن يوقف أحد أو يحبس إلا وفق أحكام
القانون».
وجاء في الفصل السابع من الدستور
التونسي الصادر سنة ١٩٥٩ ما يلى : “يتمتع المواطن بحقوق كاملة بالطرق والشروط
المبينة بالقانون، ولا يحد من هذه الحقوق إلا بقانون يتخذ لاحترام حقوق الغير
ولصالح الأمن العام والدفاع الوطني و لازدهار الاقتصاد وللنهوض الاجتماعي”.
والظاهر أن واضع هذه الدساتير الأخيرة
قد اكتفى بإيراد المبدأ فى قانون العقوبات، ولكن الموضع اللائق له هو الدستور.
عندئذ لا يستطيع المقنن أن يخالفه في قانون العقوبات أو في القوانين الملحقة
به أو الخاصة، بل إن إيراد المبدأ فى الدستور يغني عن ترديده فى قانون
العقوبات.
الوجه الرابع : المبادئ القضائية التي اقرتها المحكمة الدستورية العليا في مصر بشأن مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة :
أقرت المحكمة الدستورية العليا المصرية مبادئ عدة بشأن مبدأ شرعية الجرائم
والعقوبات منها :
١-قضت المحكمة الدستورية العليا
المصرية بأن : الأصل كون التجريم والعقاب بيد السلطة التشريعية ، النص في المادة
66 من الدستور على أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ، تفويض بالتشريع
يتناول بعض جوانب التجريم والعقاب، توكيداً لما جرى عليه العمل من قيام المشرع
بإسناد الاختصاص إلى السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد أفعالا تعد جرائم
وعقابها لاعتبارات تقدرها السلطة التشريعية وفي الحدود التي يبينها القانون الصادر
عنها ، هذه القرارات ليست من قبيل اللوائح التفويضية المنصوص عليها في المادة 108
من الدستور ، ولا هي من اللوائح التنفيذية التي نظمتها المادة 144 منه .
2- قضت المحكمة الدستورية
العليا المصرية بأن : إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، غدا أصلاً ثابتاً كضمان ضد
التحكم فلا يؤثر القاضي أفعالاً ينتقيها ، ولا يقرر عقوباتها وفق اختياره ، إشباعا
لنزوة أو انفلاتاً عن الحق والعدل ، وصار التأثيم بالتالي ، وبعد زوال السلطة
المنفردة ، عائدا إلى المشرع ، إذ يقرر للجرائم التي يحدثها وعقوباتها التي تناسبها.
3- قضت المحكمة الدستورية العليا
المصرية بأن : إن استقرار مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في مفاهيم الدولة المتحضرة
، دعا على توكيده بينها ومن ثم وجد صداه في عديد من المواثيق الدولية ، من بينها
الفقرة الأخيرة من المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والفقرة الأولى
من المادة 15 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، والمادة 7 من الاتفاقية
الأوربية لحماية حقوق الإنسان . وتردد هذا المبدأ كذلك في دساتير عديدة يندرج
تحتها ما تنص عليه المادة 66 من دستور جمهورية مصر العربية من أنه لا عقاب إلا على
الأفعال اللاحقة لنفاذ القانون الذي ينص عليها ، وما تقرره كذلك المادة 187 من هذا
الدستور التي تقضي بأن الأصل في أحكام القوانين هو سريانها اعتبارا من تاريخ العمل
بها ولا أثر لها فيما وقع قبلها إلا بنص خاص تقره أغلبية أعضاء السلطة التشريعية
في مجموعهم .
4- قضت المحكمة الدستورية العليا
المصرية بأن : إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وإن اتخذ من ضمان الحرية الشخصية
بنيانا لإقراره وتوكيده ، إلا أن هذه الحرية ذاتها هي التي تقيد من محتواه ، فلا
يكون إنفاذ هذا المبدأ لازما إلا بالقدر وفي الحدود التي تكفل صونها ولا يجوز بالتالي إعمال نصوص عقابية يسئ تطبيقها
إلى مركز قائم لمتهم ، ولا تفسرها بما يخرجها عن معناها أو مقاصدها . ولا مد نطاق
التجريم ، وبطريق القياس ، إلى أفعال لم يؤثمها المشرع.
5- قضت المحكمة الدستورية العليا
المصرية بأن : إن النطاق الحقيقي لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، إنما يتحدد على
ضوء ضمانتين تكفلان الأغراض التي توخاها: أولاهما : أن تصاغ النصوص العقابية
بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض فلا تكون هذه النصوص شبكا أو شراكاً
يلقيها المشرع متصيداً باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها ، فهي
تعد ضمانة غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها فلا
يكون سلوكهم مجافيا لها ، بل اتساقاً معها ونزولاً عليها .
ثانيتهما : ومفترضها أن المرحلة
الزمنية التي تقع بين دخول القانون الجنائي حيز التنفيذ وإلغاء هذا القانون ، إنما
تمثل الفترة التي كان يحيا خلالها ، فلا يطبق على أفعال أتاها جناتها قبل نفاذه ،
بل يتعين أن يكون هذا القانون سابقا عليها فلا يكون رجعياً .
6- قضت المحكمة الدستورية العليا
المصرية بأن : إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، غدا أصلاً ثابتاً كضمان ضد التحكم
فلا يؤثم القاضي أفعالا ينتقيها ، ولا يقرر عقوبتها وفق اختياره إشباعا لنزوة أو
انفلاتاً عن الحق والعدل وصار التأثيم بالتالي ، وبعد زوال السلطة المنفردة ،
عائداً إلى المشرع ، إذ يقرر للجرائم التي يحدثها ، عقوباتها التي تناسبها.
الوجه الخامس: الأصل في الصفات العارضة العدم:
كان جانب من النقاش في الحكم محل تعليقنا كان قد
تناول قاعدة الأصل في الصفات العارضة العدم، اي عدم وجودها حيت تمسكت المدعية بهذه
القاعدة على أساس أنها متصلة بقاعدة
البراءة الأصلية أو الأصل البراءة المقررة في الدستور وان الأفعال أو تركها المقررة في قانون ضريبة
المبيعات هي صفات عارضة تتنافى مع قاعدة
الأصل في الصفات العارضة العدم، لأن الأفعال
او تركها من وجهة نظر الطاعنة هي صفات عارضة، لان الأصل ان الشخص برئ، في حين قضى
الحكم محل تعليقنا بأن قاعدة الأصل في الصفات العارضة العدم لاتنطبق على النص القانوني المدعى عدم دستوريته،
لان هذا النص قاعدة قانونية عامة مجردة افترض القانون على كل الأفراد العلم بها وعدم
اقترافها لتحقيق وظيفة الزجر والردع، وان العقوبة المقررة فيها يتم تطبيقها على من
اقترفها بعد ثبوت ذلك وبعد محاكمة عادلة،
وتبعا لذلك فليست الجرائم والمخالفات المنصوص عليها في القانون من قبيل الصفات
العارضة التي تتعارض مع الصفة الأصلية المقررة في الدستور .
فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن استدلال المدعية
بقاعدة الأصل في الصفات أو الأمور العارضة العدم لم يكن في محله لأن التجريم في
القانون لا يتعارض مع قاعدة الأصل في الإنسان البراءة المقررة في الدستور .
لآن قاعدة الأصل في الصفات
العارضة العدم قاعدة فقهية وردت في كتب الفقهاء
فالأشياء في تصور الفقهاء لها صفات
وهذه الصفات نوعان:
(ا) صفات أصلية: وهي
ما كان الأصل وجودها في الموصوف ابتداءً مثل كون المبيع صحيحاً سليماً من العيوب،
وكون رأس مال مضاربة على حاله خالياً من الربح أو الخسارة.
(ب) صفات عارضة: وهي
صفاتٌ الأصل عدم وجودها في الموصوف، ولم يتصف بها ابتداءً، كالعيب في المبيع
والربح والخسارة في مال المضاربة.
مثال: لو اشترى شخص من آخر فرساً
أو سيارة، وتسلمه ثم ادعى أن فيه عيباً قديماً، وادعى البائع السلامة من العيوب،
ولا بينة لأحدهما فالقول قول البائع مع يمينه، لأن الصحة من الصفات الأصلية،
والأصل فيها الوجود، والذي يدعي الصفة الأصلية متمسك بأصل متيقن وظاهر، فالقول له
مع يمينه لأنه مدعى عليه، والذي يدعي الصفة العارضة متمسك بخلاف الأصل وهو مشكوك
فيه فكان مدعياً، ومن ادعى خلاف الأصل فعليه البيِّنة.
فقاعدة الأصل في الصفات العارضة العدم لاتنطبق على التجريم والعقاب، لان التجريم والعقاب قاعدة قانونية عامة مجردة تتناول كل من يقترف الجريمة فليست متعارضة مع القاعدة المنصوص عليها في الدستور (الاصل ان الانسان برئ حتى تثبت ادانته)-(التشريع الجنائي الإسلامي، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين. ص٤٥)، والله اعلم.