الكتابة شرط لصحة التحكيم وليست دليل إثبات
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
يصرح
قانون التحكيم بأن إتفاق التحكيم عقد يتم إبرامه بين الخصوم اطراف التحكيم
بالتراضي والايجاب والقبول ، وعلى هذا الأساس يكون إتفاق التحكيم عقد ملزم
لاطرافه، ولذلك تسري عليه أحكام العقود المنصوص عليها في القانون المدني، غير أنه
من المقرر في نصوص قانون التحكيم ان هناك شكليات فيما يتعلق باتفاق التحكيم تميزه عن غيره من العقود منها :أنه يجوز أن يتم
إبرام إتفاق التحكيم في أماكن وتواريخ مختلفة، فيجوز ان يقوم احد الخصوم بالتوقيع
على إتفاق التحكيم في مكان وزمان معين، في حين يقوم الخصم الثاني بالتوقيع على
الإتفاق في مكان وزمان اخر، كما لا يشترط ان يتم إتفاق التحكيم في وثيقة واحدة بل يجوز ان أن تكون موافقات
الخصوم المحتكمين في وثائق واماكن مختلفة،
كذلك يجوز الإتفاق على التحكيم عن طريق رسائل يتبادلها الخصوم اطراف التحكيم عن
طريق الرسائل الورقية العادية اوالالكترونية، ومن مظاهر خصوصية إتفاق التحكيم اتي
تميزه عن غيره من العقود أنه في بعض القوانين كالقانون لايصح الا عن طريق الكتابة في حين تذهب بعض ان الكتابة
شرط إثبات إتفاق التحكيم فلايجوز إثباته الا عن طريق الكتابة ، ولذلك ينبغي ان تبحث محكمة الموضوع إتفاق التحكيم على
أساس انه عقد من العقود له خصوصيته، وعلى أساس أن إتفاق التحكيم أساس ومستند ولاية
هيئة التحكيم الذي لايقوم لحكمها قائمة اذا
لم يكن هناك إتفاق تحكيم مكتوب، فالكتابة شرط لصحة التحكيم وليست دليلاً لإثبات
شرط التحكيم حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 28-1-2014م في الطعن رقم (51571)، الذي ورد ضمن أسبابه: (( وقد
كان من أسباب دعوى البطلان أنه لا وجود لاتفاق تحكيم مكتوب كما يوجب ذلك قانون
التحكيم من وجوب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً. وحيث إن المادة
(15) من قانون التحكيم تنص على أنه: لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا بالكتابة
ويكون اتفاق التحكيم باطلاً إذا لم يكن مكتوباً ومحدداً به موضوع التحكيم،
فالكتابة ركن أساسي يجب توفره وإلا كان التحكيم باطلاً، فالكتابة شرط لصحة التحكيم
وليست دليل إثبات.
وعليه
فإذا لم يوجد اتفاق على التحكيم مكتوب فإن ما يصدر بناء على الاتفاق غير المكتوب
لا يكون حكماً له المقومات الأساسية لحكم التحكيم .
وحيث
إن المحكمة في حكمها المطعون فيه جعلت من إبهام شخص ممثلاً لفريق من الناس دون
توكيل منهم مصححاً لبطلان ما وصفته بحكم محكم فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق
القانون الأمر الذي يتعين معه نقض الحكم دون إعادة وعدم اعتبار ما وصف بحكم حكماً
قابلاً للتنفيذ، فلإجازة بتنفيذ حكم التحكيم يجب أن يرفق بطلب التنفيذ اتفاق
التحكيم (م59 من قانون التحكيم).
وحيث
إنه لا وجود لاتفاق تحكيم مكتوب لكون ما صدر عما سمي محكماً حكماً فإن على الأطراف
اللجوء إلى قضاء الدولة الرسمي للفصل في النزاع أو عقد اتفاق تحكيم تتوفر فيه شروط
صحة اتفاق التحكيم.
لذلك
حكمت المحكمة بالآتي: نقض الحكم المطعون فيه دون إعادة وعدم اعتبار ما وصفته
المحكمة بحكم تحكيم حكماً قابلاً للتنفيذ وإعادة كفالة الطعن إلى الطاعن)).
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في
الأوجه الأتية:
الوجه الأول: إتفاق التحكيم في قانون التحكيم اليمني :
إتفاق التحكيم عقد فيما بين اطرافه، وفي هذا المعنى نصت المادة (2) تحكيم ضمن تعاريف قانون التحكيم نصت على أن: (إتفاق التحكيم: موافقة الطرفين على الإلتجاء إلى التحكيم والتي تشملها وثيقة التحكيم – أي عقد مستقل – أو شرط التحكيم – أي بند في عقد)، فالإتفاق عند بعض المؤلفين هو العقد، في حين يذهب البعض الاخر منهم الى ان الإتفاق مرحلة سابقة على العقد أي أن الإتفاق خطاب نوايا أو تمهيد للعقد أو وعد بالعقد الذي سيتم ابرامه لاحقا ، وفي السياق ذاته نصت المادة (4) تحكيم على أن: (ينعقد التحكيم بأي لفظ يدل عليه وقبول من المحكم ولا يجوز إثبات التحكيم إلا بالكتابة)، وهذا النص صريح في التقرير بأن إتفاق التحكيم عقد ينعقد بالإيجاب والقبول، كما أن هذا النص قد حصر وسيلة إثبات إتفاق التحكيم على الكتابة، وهو مسلك بعض قوانين التحكيم العربية، وبما أن إتفاق التحكيم تسري عليه أحكام العقود المنصوص عليها في القانون المدني بما في ذلك ما ورد في المادة (13) التي نصت على أن: (العقد ملزم للمتعاقدين، والأصل في العقود والشروط الصحة حتى يثبت ما يقتضي بطلانها والغش يبطل العقود والغرر اليسير فيها الذي لا يمكن الإحتراز عنه عادة لا يكون مانعاً من صحة العقد).
الوجه الثاني : إتفاق
التحكيم في القوانين العربية الأخرى :
اتفاق التحكيم هو توافق وتلاقي إرادة أطراف علاقة
قانونية خاصة ما إلى تسوية منازعات حدثت، أو ستحدث بينهما عن طريق إجراءات التحكيم
بعقد مكتوب بينهما على ذلك.
فاتفاق التحكيم بكل بساطة، هو تلاقي الإرادة بين
أطراف معاملة ما على الفصل في منازعاتهم عن طريق إجراءات التحكيم كالوسيلة
الأساسية لفض تلك النزاعات.
كما يمكن تعريفه بأنه:
اتفاق خاص مبناه اتجاه إرادة المحتكمين إلى ولوج
هذا الطريق لفض الخصومات بدلًا من القضاء العادي، ومقتضاه حجب المحاكم عن نظر المسائل
التي يتناولها استثناء من أصل خضوعها لولايتها.
المقصود باتفاق التحكيم:
أولًا- قبل أن نخوض في اتفاق التحكيم يجب أن نوضح
أن مصطلح (اتفاق التحكيم) هو تعبير واسع يشمل في معناه صورتين هما: شرط التحكيم،
ومشارطة التحكيم.
1- شرط
التحكيم clouse compromissoire
وهو عبارة عن بند من ضمن بنود عقد معين بين
طرفين، يقرر هذا البند الالتجاء إلى التحكيم كوسيلة لحل المنازعات التي قد تحدث في
المستقبل بين الطرفين أثناء تنفيذ العقد المبرم بينهم.
2- مشارطة
التحكيم Compromiss
هو اتفاق بين طرفين منفصل عن العقد الأصلي، ينص
على لجوء الطرفين إلى التحكيم لفض النزاع الواقع بينهما.
ومحكمة النقض الفرنسية في حكم شهير أصدرته في 1
يوليو 1843م أجاز الحكم الاتفاق على التحكيم بين أطرافه فقط بعد نشوء النزاع في
صورة اتفاق لاحق على النزاع، وهو ما يعرف بمشارطة التحكيم.
وظل القضاء الفرنسي عند صدور هذا الحكم يقر،
ويعترف بصحة مشارطة التحكيم دون الاعتراف بشرط التحكيم.
وهناك نظم قانونية اعتبرت شرط التحكيم بمثابة
مرحلة تمهيدية سابقة على إبرام مشارطة التحكيم.
وهناك آخرون قاموا بوضع شرط التحكيم في مرتبة
أدنى من مشارطة التحكيم.
فنجد أن معظم النظم القانونية كانت تفرق بين شرط
التحكيم، ومشارطة التحكيم للتفرقة بين الأثر الذي يرتبه كلا منهما على إلزام
الطرفين اللجوء إلى التحكيم.
وكان مصطلح اتفاق التحكيم غير موجود على الساحة
القانونية في ذلك الوقت.
وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى ظهرت حاجة
العلاقات الدولية إلى إخراج شرط التحكيم الوارد في صدد معاملة ذات طبيعة دولية من
ذلك المركز القانوني الضعيف.
وأعقب ذلك بروتوكول جنييف عام 1923 خطوة مهمة في
تحقيق ذلك الهدف حينما تفادت استعمال تعبيري "شرط التحكيم" و
"مشارطة التحكيم" وأدمجت الإثنان في مدلول واحد وهو اتفاق التحكيم.
ومن هنا بدأ يظهر مصطلح "اتفاق
التحكيم" وسنعرض الآن بعض تعريفات اتفاق التحكيم في كثير من الدول، وقوانين
التحكيم العالمية والاتفاقات الدولية.
تعريف اتفاق التحكيم طبقًا لاتفاقية نيويورك
1958:
نصت المادة الثانية من الاتفاقية على:
أ- تعترف
كل دولة متعاقدة بالاتفاق المكتوب الذي يلتزم بمقتضاه الأطراف بأن يخضعوا للتحكيم
كل أو بعض المنازعات الناشئة، أو التي تنشأ بينهم بشأن موضوع من روابط القانون
التعاقدية، أو غير التعاقدية المتعلقة بمسألة يجوز تسويتها عن طريق التحكيم.
ب- يقصد "باتفاق
التحكيم" شرط التحكيم في عقد، أو اتفاق التحكيم الموقع عليه من الأطراف، أو
الاتفاق الذي تضمنته الخطابات المتبادلة، أو البرقيات.
ت- على محكمة الدول المتعاقدة
التي يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل اتفاق من الأطراف بالمعنى الوارد في هذه
المادة، أن تحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم إلى التحكيم، وذلك ما لم يتبين للمحكمة
أن هذا الاتفاق باطل، أو لا أثر له، أو غير قابل للتطبيق.
تعريف اتفاق التحكيم في القانون النموذجي المعد
بمعرفة لجنة التحكيم التجاري الدولي بصيغته التي اعتمدتها لجنة الأمم المتحدة
للقانون التجاري الدولي 21 حزيران/يونيه 1985م. (قانون الأونسترال النموذجي
للتحكيم التجاري الدولي):عرفت المادة (7) منه اتفاق التحكيم بأنه :
أ- اتفاق
التحكيم هو اتفاق بين الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم جميع، أو بعض المنازعات
المحددة التي نشأت، أو قد تنشأ بينهما بشأن علاقة قانونية محددة تعاقدية كانت، أو
غير تعاقدية، ويجوز أن يكون اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في عقد، أو في
صورة اتفاق منفصل.
عرف الفقيه روبيرت Robert اتفاق
التحكيم بأنه:
"هو الاتفاق الذي بموجبه يعرض النزاع على
هيئة تحكيم دولية معينة للفصل فيه بحكم ملزم لأطراف النزاع"، واتفاق التحكيم
يأخذ إحدى صورتين لدى الفقه (شرط التحكيم)، (مشارطة التحكيم).
تعريف اتفاق التحكيم في قانون التحكيم المصري رقم
27 لسنة 1994م:المادة رقم (10/1):
" اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على
الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت، أو يمكن أن تنشأ
بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية".
قانون التحكيم في المواد المدنية، والتجارية
الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994م.
وقد قضت - في هذا الاتجاه – محكمة استئناف
القاهرة بأن:
التنظيم القانوني للتحكيم إنما يقوم على رضاء
الأطراف، وقبولهم به كوسيلة لحسم كل أو بعض المنازعات التي نشأت، أو يمكن أن تنشأ
بينهم بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية، أو غير عقدية؛ فإرادة المتعاقدين هي
التي توجه إرادة التحكيم، وتحدد نطاقه من حيث المسائل التي يشملها، والقانون
الواجب التطبيق، وتشكيل هيئة التحكيم، وسلطاتها، وإجراءات التحكيم وغيرها.
وعلى ذلك فمتى تخلف الاتفاق امتنع القول بقيام
التحكيم، وهو ما يستتبع نسبية أثره، فلا يحتج به إلا في مواجهة الطرف الذي ارتضاه
وقبل خصومته لما كان ذلك، وكان الطاعنون ليسوا بأطراف في مشارطة التحكيم التي تم
التحكيم بناء عليها، ومن ثم فإنهم لا يحاجون بهذا الحكم، ولا يحتج به في مواجهتهم؛
لأنهم لم يرتضوه، ولم يقبلوا خصومة التحكيم، ولا يجوز لهم الطعن في هذا الحكم
بالبطلان، وهو ما تقضي به هذه المحكمة.
تعريف اتفاق التحكيم في القانون الفلسطينى: المادة
(5) تنص على أن:" اتفاق التحكيم هو اتفاق بين طرفين، أو أكثر يقضي بإحالة كل
أو بعض المنازعات التي نشأت، أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة
عقدية كانت أو غير عقدية، ويجوز أن يكون اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في
عقد أو اتفاق منفصل.
في قانون التحكيم العماني:تنص المادة (10/1) على
أن" اتفاق التحكيم هو الاتفاق الذي يقرر فيه طرفاه الالتجاء لتسوية كل أو بعض
المنازعات التي نشأت، أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية
كانت، أو غير عقدية ".
حيث جاء تعريف اتفاق التحكيم في اتفاقية عمان
العربية للتحكيم منسجمًا مع ما سبق، حيث نصت المادة الأولى من الاتفاقية المذكورة
على أن:
"اتفاق التحكيم هو اتفاق الأطراف كتابة على
اللجوء إلى التحكيم سواء قبل نشوء النزاع أو بعده".
اتفاقية عمان سنة 1987م ووقعت عليها عدد من الدول
العربية بما في ذلك فلسطين.
ويأخذ اتفاق التحكيم التجاري شكلين؛ فهو إما
اتفاق لاحق لقيام النزاع، والشكل الآخر لا ينتظر فيه الأطراف نشوب النزاع، وإنما
يتم النص في العقد، أو في العقد، أو في اتفاق لاحق للعقد على أن يكون التحكيم هو
وسيلة تسوية المنازعات بينهم؛ فمعظم التشريعات الوطنية تجيز الاتفاق للصورتين
سالفتي الذكر.
قانون التحكيم التونسي رقم 42 لسنة 1993م:الفصل
(2) اتفاق التحكيم هو:
التزام أطراف النزاع أن يقضوا بواسطة التحكيم كل
أو بعض النزاعات القائمة، أو التي قد تقوم بينهم بشأن علاقة قانونية معينة تعاقدية
كانت، أو غير تعاقدية، وتكتسب الاتفاقية صيغة الشرط التحكيمي، أو صيغة الاتفاق على
التحكيم.
القانون رقم 42 لسنة 1993م صدر في 26 إبريل
1993م.
تعريف اتفاق التحكيم في القانون اللبناني:المادة
(765) من قانون أصول المحاكمات المدنية الجديد
العقد التحكيمي: عقد بموجبه يتفق الأطراف فيه على
حل نزاع قابل للصلح ناشئ بينهم عن طريق تحكيم شخص أو عدة أشخاص.
تعريف محكمة النقض المصرية:"التحكيم طريق
استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية؛ فهو مقصور على ما
تنصرف إرادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم يستوي في ذلك أن يكون الاتفاق
على التحكيم في نزاع معين بوثيقة خاصة، أو انصراف إلى جميع المنازعات التي تنشأ عن
تنفيذ عقد معين؛ فلا يمتد نطاق التحكيم إلى عقد لم تنصرف إرادة الطرفين إلى فض
النزاع بشأنه عن طريق التحكيم، أو إلى اتفاق لاحق له ما لم يكن بينهما رباط لا
ينفصم بحيث لا يستكمل دون الجمع بينهما اتفاق، أو يقض مع الفصل بينهما خلاف".
تعريف المحكمة الدستورية العليا: الأصل في
التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باختيارهما، أو
بتفويض منهما، أو على ضوء شروط مجردًا من التحامل، وقاطعًا لدابر الخصومة في
جوانبها التي أحالها الطرفان إليه بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلًا من
خلال ضمانات التقاضي الرئيسية، ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريًا يذعن إليه
أحد الطرفين إنفاذًا لقاعدة قانونية، أو متحملًا ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق إذ
يحدد طرفاه ـ وفقًا لأحكامه ـ نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل
الخلافية التي يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها
المحكمون عند البت فيها، ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه، وتنفيذه
تنفيذًا كاملًا وفقًا لفحواه ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية
غايتها الفصل في نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها، وركيزته اتفاق خاص يستمد
منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي باسناد من الدولة.
كما قضت في حكم آخر:الأصل في التحكيم ـ على ما
استقر عليه قضاء هذه المحكمة ـ هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار
بعين باختيارهما، أو بتفويض منهما، أو على ضوء شروط يحددانها ليفصل هذا المحكم في
ذلك النزاع بقرار يكون نائيًا عن شبهة الممالأة مجردًا من التحامل، وقاطعًا لدابر
الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيليًا
من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية، ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجباريًا يذعن
إليه أحد الطرفين إنفاذًا لقاعدة قانونية آمرة لايجوز الاتفاق على خلافها وذلك
سواء كان موضوع التحكيم نزاعًا قائمًا، أو محتملًا ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق
إذ يحدد طرفاه ـ وفقًا لأحكامه ـ نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل
الخلافية التي يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها
المحكمون عند البت فيها، وهما يستمدان من اتفاقهما على التحكيم التزامهما بالنزول
على القرار الصادر فيه، وتنفيذه تنفيذًا كاملًا وفقًا لحواه ليؤول التحكيم إلى
وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من
أطرافها، وركيزتها اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطانهم، ولا يتولون مهامهم
بالتالي بإسناد من الدولة، وبهذه المثابة كان التحكيم يعتبر نظامًا بديلًا عن القضاء
فلا يجتمعان.
ذلك أن مقتضاه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل
التي انصب عليها استثناءًا من أصل خضوعها لولايتها.
والخلاصة : ان
إتفاق التحكيم لا يخرج عن إطار أي اتفاق؛ فهو تعبير عن إرادتين تراضيًا على أن
تكون وسيلة تسوية المنازعات التي نشأت، أو قد تنشأ بينهما هي التحكيم، وان اتفاق التحكيم هو مصدر سلطة المحكمين، واتفاق
التحكيم هو المنشئ للعملية التحكيمية بكل ما فيها بما فيها المحكمون وسلطاتهم؛ فالاتفاق
هو الذي يحدد سلطات المحكمين ابتداءً مما لهم الحق في الفصل فيه إلى القوانين،
والإجراءات الواجب اتباعها أثناء هذا الفصل.
فاتفاق التحكيم من الناحية الإجرائية هو دستور
العملية التحكيمية فهو يحدد كل ما بداخلها، وكل ما يتعلق بها، ولا يجوز للأطراف أو
للمحكمين مخالفته.
التعريف
التشريعي للاتفاق على التحكيم: اتفقت النصوص القانونية الحديثة
على تعريف الاتفاق على التحكيم بدون تمييز بين أنواعه وأشكاله) فقد أجمعت على
أنه: اتفاق بمقتضاه يعهد طرفًا منازعة عقدية، أو غيرعقدية بموجب إرادتها الحرة ـ
قبل نشوء المنازعة أو بعدها ـ إلى شخص يحددانه للفصل في هذه المنازعة بحكم بدلًا
من اللجوء إلى قضاء الدولة )بحث منشور في موسوعة التحكيم العربي الدولي).
الوجه الثالث : إثبات إتفاق التحكيم:
سبق القول بأن أحكام العقد المنصوص عليها في
القانون المدني تسري على إتفاق التحكيم، ومع ذلك فإن قانون التحكيم وهو قانون خاص
قد استثنى إتفاق التحكيم من من إثبات
العقود الأخرى ، حيث نص قانون التحكيم في المادة (4) تحكيم على أنه: (لا يجوز
إثبات التحكيم إلا بالكتابة) وفي السياق ذاته نصت المادة (15) تحكيم على أنه: ( لا يجوز
الاتفاق على التحكيم إلا بالكتابة ، سواءً قبل قيام الخلاف أو النزاع أو بعد ذلك
وحتى لو كان طرفا التحكيم قد أقاما الدعوى أمام المحكمة ويكون الاتفاق باطلاً إذا
لم يكن مكتوباً ويكون الاتفاق مكتوباً إذا تضمنته وثيقة تحكيم أو شرط تحكيم أو
برقيات أو خطابات أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة) وهذا يدل على أن الكتابة شرط
لصحة إتفاق التحكيم وهذا ظاهر من صيغة النص التي تصدرت بلفظ لايجوز الاتفاق على
التحكيم واضافت هذه المادة في نهايتها بأنه (ويكون الإتفاق باطلاً إذا لم يكن
مكتوباً) وهذا توكيد على الكتابة شرط إنعقاد إتفاق التحكيم وليست شرط إثبات
التحكيم، وهذا النص مستند الحكم محل تعليقنا بأن الكتابة شرط لصحة التحكيم وليست
دليل إثبات ، وبما أن قانون التحكيم قانون خاص فلا يجوز إثبات عقد التحكيم إلا عن
طريق الكتابة، عملا بالنصوص الواردة في قانون التحكيم السابق ذكرها ، في حين أن
العقود عامة يجوز إثباتها بأية طريقة من طرق الإثبات المقررة في قانون الإثبات، باعتبار ان الكتابة
فيها وسيلة إثبات وليست شرط إنعقاد.
الوجه الرابع : مفهوم الكتابة في إتفاق التحكيم:
إتفاق التحكيم وإن كان عقدا تسري عليه أحكام القانون المدني مثل غيره من العقود حسبما سبق بيانه، إلا أن قانون التحكيم وهو القانون الخاص المقدم في التطبيق على القانون العام وهو القانون المدني، لم يشترط قانون التحكيم في إتفاق التحكيم إلا أن يكون مكتوباً، وتبعاً لذلك فلم يشترط قانون التحكيم أن يكون إتفاق التحكيم مكتوباً في وثيقة واحدة يقوم بالتوقيع عليها الطرفان معا كما هو معروف في الإتفاقات الأخرى ، ولذلك يجوز بالنسبة لاتفاق التحكيم أن يقوم كل طرف بالتوقيع على وثيقة مستقلة تتضمن موافقته على التحكيم، بل أن قانون التحكيم قد اجاز ان تكون وثيقة التحكيم عبارة عن رسائل صادرة من الخصوم اطراف التحكيم، ليس هذا فحسب فقد توسع قانون التحكيم في مفهوم الكتابة ذاتها فلم يشترط ان تكون بخط اليد فأجاز ان تكون مطبوعة على أوراق أو رسائل عن طريق الهاتف أو الايميل ، إضافة إلى أن قانون التحكيم لم يشترط أن يحرر اطراف التحكيم جميعاً إتفاق التحكيم في وثيقة واحدة أو في مكان واحد أو في زمان واحد، فقد اجاز قانون التحكيم لاطراف التحكيم تحرير مذكرات ورسائل التحكيم في مذكرات عدة في يوم أو تاريخ واحد أو في مجلس أو مكان واحد بل اجاز ان تصدر موافقات الأطراف على التحكيم في تواريخ واماكن مختلفة، وهذه المسائل كلها من خصوصيات إتفاق التحكيم التي تميزه عن غيره من العقود، وفي هذا الشأن نصت المادة (15) تحكيم على أنه: (ويكون الإتفاق مكتوباً إذا تضمنته وثيقة تحكيم أو برقيات أو خطابات أو غيرها من وسائل الإتصال الحديثة ذات الطابع التوثيقي).
الوجه الخامس: مدى إشتراط توقيع المحكم على إتفاق التحكيم:
ذكرنا في الوجه السابق أن وثيقة التحكيم قد تكون
وثيقة واحدة يتفق عليها الخصوم اطرف التحكيم، كما أنها قد تكون وثائق عدة صادرة من
كل طرف على حدة، كما قد تكون رسائل موجهة من كل خصم على حدة أما بالطريقة اليدوية
أو الكترونية، فوثيقة التحكيم التي يقوم بتحريرها الغير بناءً على طلب الخصوم
اطراف التحكيم تكون حجة على الخصم ولو لم يقم بالتوقيع عليها إذا تم الإشهاد عليها
وفقاً للمادة (106) إثبات، أما إتفاق التحكيم إذا كان على هيئة رسائل فلها حجيتها
إذا كانت موقعة من الخصم أو صادرة من هاتفه أو الايميل الخاص به حسبما نصت عليه
المادة (111) إثبات.
الوجه السادس :طبيعة الكتابة في اتفاق التحكيم:
في هذا الشأن نصت المادة (4)تحكيم يمني على أنه( ينعقد
التحكيم بأي لفظ يدل عليه وقبول من المحكم، ولا يجوز إثبات التحكيم الا بالكتابة )
وصياغة هذه المادة توحي بأن الكتابة شرط
لإثبات عقد التحكيم الا ان المادة( ١٥) تحكيم يمني صرحت بأن الكتابة شرط إنعقاد
إتفاق التحكيم، إذ نصت هذه المادة على أنه( لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا
بالكتابة ، سواءً قبل قيام الخلاف أو النزاع أو بعد ذلك وحتى لو كان طرفا التحكيم
قد أقاما الدعوى أمام المحكمة ويكون الاتفاق باطلاً إذا لم يكن مكتوباً ويكون
الاتفاق مكتوباً إذا تضمنته وثيقة تحكيم أو شرط تحكيم أو برقيات أو خطابات أو
غيرها من وسائل الاتصال الحديثة) فهذه المادة صرحت بأن إتفاق التحكيم لايجوز
إنعقاده الا عن طريق الكتابة وهذا دليل على أن الكتابة شرط إنعقاد وشرط إثبات، وقد
أستند الحكم محل تعليقنا إلى هذه المادة في قضائه بأن الكتابة شرط إنعقاد أو شرط
صحة، وهذا ما ذهب إليه قانون التحكيم المصري.
اما القوانين العربية والفقه والقضاء العربي فيذهب غالبيته إلى أن الكتابة شرط صحة إتفاق
التحكيم وليست شرط إثبات فقط، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن الكتابة شرط لصحة إنعقاد
إتفاق التحكيم وليست شرطا لإثباته حسبما تقدم بيانه.
وقد ذهبت بعض القوانين العربية إلى أن الكتابة
في إتفاق التحكيم شرط إثبات وليس شرط إنعقاد، فقد نصت المادة 742 من قانون
المرافعات الليبي على أنه ( لا تثبت مشارطة التحكيم إلا بالكتابة)، في حين نصت المادة
12 من قانون التحكيم المصري على أنه (يجب ان يكون اتفاق التحكيم مكتوبا و الا كان
باطلا) ، و المادة 6 من قانون التحكيم التونسي نصت على أنه ( لا تثبت اتفاقية
التحكيم إلا بكتب).
فيتبين من النصوص السابقة، أن قانون التحكيم
اليمني و قوانين التحكيم في مصر و تونس وليبيا و غيرها من القوانين العربية متفقة
على ان اتفاق التحكيم يجب ان يكون مكتوبا، ويظهر من صياغة النصوص الواردة في قانون
المرافعات الليبي و قانون التحكيم التونسي، إن الكتابة في اتفاق التحكيم هي شرط
إثبات و ليست شرط انعقاد، اما في القانون المصري فإن الكتابة شرط انعقاد و ليس شرط
إثبات.
على أي حال، لا يوجد أثر يذكر لهذه
التفرقة في الحياة العملية بالنسبة للتحكيم، سواء قلنا إن الكتابة هي لانعقاد
الاتفاق أو لإثباته، فالنتيجة العملية واحدة، إذ يندر أن يكون هناك ادعاء بوجود
اتفاق تحكيم شفوي، و يحاول المدعي إثباته بشهادة الشهود مثلا، أن ادعاء كهذا
يكاد يكون معدوما في الحياة العملية،وحسب القواعد العامة في الإثبات؛ فإنه يجوز الإثبات
بالبينة فيما كان يجب إثباته بالكتابة ( نص المادة 389 من القانون المدني الليبي )
وعليه يجوز الاثبات بشهادة الشهود أو باقرار المدعى عليه أو اليمين الحاسمة فيما
كان يجب إثباته بالكتابة.
ولكننا نرى عدم تطبيق هذه القاعدة
العامة على الإثبات في اتفاق التحكيم للعديد من الأسباب:لأن صيغة النص على اشتراط
الكتابة في اتفاق التحكيم، جاءت جازمة بأن مثل هذا الاتفاق (لا يثبت إلا بالكتابة)
مما يعني أنه لا يجوز الاستعاضة عن الإثبات بالكتابة، بأي وسيلة إثبات أخرى.
إن مختلف الإحكام القانونية الأخرى
الخاصة بالتحكيم، تدل بوضوح على ان الاتفاق يجب أن يكون مكتوبا، مثال ذلك ما نصت
عليه المادة 760 على ان حكم التحكيم يجب ان يكون مكتوبا، و يجب ان يتضمن صورة من
مشارطة التحكيم، بل ذهب المشرع الليبي في الفقرة الخامسة من المادة 769 الي
بطلان الحكم إذا لم يراع هذا البيانات، و ما نصت عليه ايضا المادة 763 على انه لا
يصير حكم المحكمين واجب التنفيذ إلا بأمر يصدره قاضي الأمور الوقتية، بعد الاطلاع
على الحكم و مشارطة التحكيم، بداهة لا يمكن أن يتضمن حكم التحكيم اتفاق التحكيم،
و لا يمكن ان يصدر امر بالتنفيذ ما لم يكن هذا الاتفاق مكتوبا.
وما جرى عليه العرف التحكيمي،
والتطبيق العملي سواء في التحكيم الداخلي، أو الدولي من أن الكتابة اصبحت من
الاعراف التحكيمية الواجب العمل بها دون نص تشريعي، مع العمل أن العرف هو مصدر
الأول و أساسي من مصادر القاعدة القانوني.
والخلاصة: أن كتابة الاتفاق شرط جوهري
للتحكيم، و لا يجوز إثبات الاتفاق بأي وسيلة أخري، و على ذلك، إذا جرى التحكيم دون
اتفاق مكتوب، و اعترض أحد الطرفين على ذلك في حينه، و لم يؤخذ باعتراضه، فيكون هذا
سببا صحيحا للطعن في حكم التحكيم، و لا يقبل الادعاء بأن الكتابة، إذ هي شرط إثبات
فيجوز إذن إثبات الاتفاق بالإقرار أو باليمين الحاسمة(مقالة منشورة في موقع مجمع
القانون الليبي).
الوجه السابع : تحقق الصفة والمصلحة فيمن يقوم كل فرد من أهالي القرية طالما وهو ينتفع إنتفاعاً مباشراً بالحمى الخاص بالقرية:
كان الحكم محل تعليقنا قد قضى بأنه لايجوز لأحد من أفراد فريق من
الناس والمقصود هو فريق أو جماعة من اهل القرية المعنية فلايجوز لأي من هولاء أن
يقوم بالتوقيع على إتفاق التحكيم أو تشريف الحكم في موضوع يخص غيره ليس له مصلحة
مباشرة فيه، لأن الموقعين على إتفاق التحكيم ليس لهم صفة ومصلحة في التوقيع على
إتفاق التحكيم أو تشريفه، بيد أن الصفة والمصلحة تتحقق في كل فرد من اهالي القرية
اذا كانت له مصلحه مباشرة كالانتفاع بحمى القرية كالمراعي والسواقي والمحاطب وقد
سبق التعليق على في هذا الشأن قضى بأنه :طالما وهو أن الفرد من أفراد القرية ينتفع
انتفاعاً مباشراً بالحمى الخاص بالقرية فيحق التوقيع عن نفسه ، لأن من شروط المصلحة
في الدعوى ان تكون مباشرة أي أن يلحق المدعي ضرراً مباشراً من الإعتداء على حقه سواء
أكان هذا الحق خاصاً به أو مشتركاً مع غيره، وبناء على ذلك يحق لأهل القرية جميعا أو
لبعضهم ان يرفع الدعوى أمام المحكمة أو هيئة التحكيم في مواجهة المعتدي على حمى القرية
( الشروط السلبية العامة لوجود الحق في الدعوى القضائية، د. محمود السيد التحيوي، ص142).
الوجه الثامن : صفة اللجنة المختارة من أهل القرية لحل الخلاف مع أهل القرية الأخرى بشأن الحد الفاصل بين الحمى الخاص بالقريتين :
في تعليق سابق ذكرنا أنه :كان
القسم الأكبر من الجدل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا يدور بشأن صفة اعضاء
اللجنتين المختارتين من اهالي القريتين، حيث كان نعي الطاعن من وجهتين: الوجه الأولى:
ان اعضاء اللجنتين لم يتم إختيارهم من جميع أهالي القريتين إضافة إلى ان بعض أهالي
القريتين لم يقوموا بالتوقيع على وثيقتي اختيار اعضاء اللجنتين إلا في تاريخ لاحق بعد
ان سارت لجنة التحكيم في إجراءاتها، أما الوجهة الثانية: من نعي الطاعن فقد كانت بشأن
عدم جواز قيام اعضاء اللجنتين بالتحكيم نيابة عن أهل القريتين، لأن التحكيم يستدعي
توكيل خاص حسبما هو مقرر في قانون المرافعات، وقد رفض الحكم محل تعليقنا نعي الطاعن
في هذا الشأن، لأنه من الثابت إختيار أهل القريتين لأعضاء اللجنتين فلم يدع أحد من
أهل القريتين بأن اعضاء اللجنتين لا يمثلوا أهالي القريتين إضافة إلى أن الصفة الشخصية
متحققة في كل عضو من اعضاء اللجنتين باعتبارهم من اهالي القريتين المنتفعين بالحمى
الخاص لكل قرية، كما أن وثيقة إختيار أهالي القريتين لأعضاء اللجنتين قد تضمنت تفويضهم
في حسم الخلاف بشأن الحد الفاصل صلحاً وتحكيماً وقضاءً.
اما في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فلم تتحقق الصفة في
الفريق الذي قام بتشريف الحكم وإجازة إتفاق التحكيم نيابة عن بقية اهالي القرية.
الوجه التاسع : ما إذا كان التحكيم في الحد الفاصل بين القرى والعزل متعلقا بالنظام العام:
في تعليق سابق ذكرنا أن الطاعن
كان يجادل في الطعن الذي فصل فيه الحكم قد
نعى على الحكم الاستئنافي بأنه قد خالف النظام العام حينما رفض دعوى بطلان حكم التحكيم المقدمة منه، لأن التحكيم بشأن المراهق العامة كالمحاطب
والمراعي والسوائل والمنحدرات لا يجوز التحكيم فيها بإعتبارها أملاكاً عامة بموجب قانون
أراضي وعقارات الدولة، وقد رفض الحكم محل تعليقنا هذا النعي، لأن التحكيم كان قاصراً
على تنظيم الإنتفاع بالمراهق العامة، فلم يتعرض لملكية المراهق العامة، خاصة أن المادتين
(42 و43) من قانون أراضي وعقارات الدولة قد اجازت للأهالي الإنتفاع المشترك بالمراهق
العامة كالمحاطب والمراعي.
اما في القضية محل تعليقنا فلم يكن النزاع متعلق بالحمى أو المراهق
العامة.
الوجه العاشر : الأساس القانوني للمشيخة
في حالات كثيرة يقوم الشيخ بالتوقيع
على إتفاق التحكيم أو تشريفه نيابة عن افراد القرية أو العزلة أو القبيلة، لذلك ينبغي الإشارة إلى الأساس الاجتماعي
للمشيخة، وليس محل تعليقنا الأساس الاجتماعي للمشيخة وإنما سنقتصر على محاولة تلمس
الأساس القانوني للشيخ كممثل للقبيلة أو الجماعة أو القرية أو العزلة ...الخ،فقد
كان الأساس القانوني للمشيخة هاجساً للدولة والمجتمع حيث كان البيان الثالث لثورة
26 سبتمبر 1962هـ هو انشاء (اللجنة المركزية لشؤن القبائل) بناءً على مشورة
الخبراء المصريين الذين ادركوا الفجوة القائمة في المجتمع اليمني نتيجة غياب
الدولة عن انحاء واسعة من البلاد وكذا لايجاد قنوات اتصال فيما بين الدولة وعموم
المواطنين في مناطقهم المتفرقة،وقد كان قرار انشاء اللجنة المركزية لشئون القبائل
اعترافاً بوضعية المشائخ التي كانت قائمة في المجتمع اليمني لقرون طويلة، وقد ظلت لجنة
شئون القبائل ثم مصلحة القبائل تقوم بتنظيم شئون المشائخ حتى تطور عملها إلى تسجيل
المشائخ لديها ومنحهم بطاقات تفيد نوع المشيخة التي يتمتعون بها (شيخ قرية/ شيخ
عزلة/ شيخ ضمان/ شيخ قبيلة) وظلت مصلحة القبائل تمنح بعض هؤلاء المشائخ رواتب لهم
ومرافقيهم، وما يعنينا في هذا الأمر ان الجهة الرسمية (مصلحة شئون القبائل) قد
أصبغت على المشيخة والشيخ الصفة الرسمية ومنحتهم بطاقات رسمية تفيد ذلك أي ان
الشيخ وان لم يكن موظفاً رسمياً يقوم بعمل دائم مستمر في مقر حكومي إلا أنه مكلف
بخدمة عامة وهي تمثيل القرية أمام الغير خاصة الجهات الحكومية وتنفيذ توجيهات
الجهات الحكومية في اطار الجماعة التي هو شيخ لها وتمثيل المواطنين أمام الجهات
الحكومية للمطالبة بالحقوق والمصالح العامة لهم، ولذلك كان يتداخل عمل المشائخ مع
عمل مؤسسات الدولة التي عملها أصلاً تحقيق حقوق ومصالح المواطنين من غير حاجة إلى
شيخ او وسيط.
الوجه الحادي عشر :موقف القانون من تمثيل الشيخ للجماعة التي اختارته :
اذا كان الشيخ مختاراً من قبل موطني القرية أو
العزلة ...الخ بموجب قاعدة مشيخ وهي وثيقة يتم التوقيع عليها من قبل الاهالي فان
الشيخ في هذه الحالة يكون بمثابة وكيل للجماعة التي اختارته في حدود ما ورد في
الوثيقة التي قاموا بالتوقيع عليها، إلا أن التوكيل هذا له طبيعته الخاصة بعد
اعتماد الدولة له والعمل بموجبه حيث لا يستطيع المواطن الموقع التحلل من هذا
التوكيل أو الغاء التوكيل، ولذلك تجد رجال القانون يرفضون التوقيع على كشوفات
اختيار المشائخ اوغيرهم التي يتم اعتمادها من الجهات الرسمية، غير ان اختيار الشيخ
وان صار الزامياً بعد اعتماد الدولة له يظل توكيلاً عاماً في حدود المواضيع العامة
الواردة في وثيقة الاختيار، ولذلك فان هذا التوكيل لا يخول الشيخ التوقيع نيابة
عمن اختاره في صلح أو تحكيم، حيث يحتاج الشيخ عندما يتصالح نيابة عن الجماعة التي
اختارته إلى تفويض خاص من الجماعة أو أصحاب الشان من الجماعة.
الوجه الثاني عشر: موقف العرف من تمثيل الشيخ للجماعة :
اشار الحكم محل تعليقنا إلى وجوب احترام العرف،
حيث يذهب العرف إلى وجهة اخرى غير ما سبق ذكره في الوجه الأول حيث يحق للشيخ ان
يقوم بالتصالح والتحكيم نيابة عن الجماعة بصفته شيخاً لها، غير انه في حالات كثيرة
ومن خلال استشارة بعض المشائخ لنا اجد انهم يرجعون إلى اصحاب الشان أو المصلحة
والصفة من جماعتهم لتفويض هؤلاء المشائخ عند الصلح والتحكيم غير انهم يتعذر عليهم
الرجوع إلى كل الجماعة رجالاً ونساءً مثل الحالة التي تناولها الحكم محل تعليقنا
حيث قد يبلغ عدد الجماعة الآف الأشخاص رجالاً ونساء بالإضافة إلى تفرقهم في مناطق
واماكن كثيرة خارج القرية أو العزلة التي يمثلونها،والله
الوجه الثالث عشر : مدى إشتراط توقيع المحتكمين على إتفاق التحكيم :
حدد قانون التحكيم ماهية إتفاق التحكيم والبيانات
الواجب توفرها في الاتفاق حيث نصت المادة (15) تحكيم على أنه :يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً
وان يتم تحديد موضوع التحكيم في الاتفاق، ويجوز ان يكون هذا الاتفاق على هيئة برقيات ورسائل
بأية وسيلة من وسائل الاتصال الحديثة. كما اجاز القانون ان يكون اتفاق التحكيم على هيئة عقد
مستقل أو شرط في عقد آخر حسبما هو مقرر في المادة (16) تحكيم، كما أوجب قانون
التحكيم في المادة (17) ان يتم تعيين المحكم أو المحكمين في إتفاق التحكيم، وعلى
هذا الأساس فان
القانون لم يشترط توقيع
الخصوم المحتكمين على وثيقة اتفاق
التحكيم، وتبعاً لذلك فان اتفاق التحكيم لا يكون باطلاً إذا لم يتم التوقيع عليه
من قبل المحتكمين، علاوة على ان المادة (53) تحكيم التي تضمنت حالات بطلان حكم التحكيم لم يرد ضمنها بطلان حكم التحكيم
إذا لم يتم التوقيع على اتفاق التحكيم من قبل الخصوم المحتكمين.
الوجه الرابع عشر : حجية اتفاق التحكيم الذي لا يقوم المحتكمون بالتوقيع عليه في قانون الإثبات:
يصرح قانون الإثبات بان المحرر الذي يحرره الغير يكون حجة على المحتكمين حتى
ولو لم يقم المحتكمون بالتوقيع على وثيقة الاتفاق طالما ان الاتفاق قد قام الغير بكتابته
برضاء وموافقة المحتكمين، لان المحرر الذي يقوم بتحريره الغير يقتصر دوره على
إثبات تراضي الخصوم وموافقتهم على التحكيم وفي هذا المعنى نصت المادة (106) إثبات
على أنه (إذا كان المحرر العرفي مكتوباً بخط الغير وغير موقع من الخصم فيجب
الإشهاد عليه للأخذ بما جاء فيه غير انه إذا كان كاتب المحرر معروفاً بالعدالة
والأمانة وحسن السيرة وكان خطه معروفاً للقاضي لشهرته أو كان قد أقر امامه انه
كاتب المحرر وشهد بصحة ما جاء فيه فأنه يجوز الأخذ بما جاء في المحرر مالم يثبت
الخصم غير ذلك ببينة
قانونية) وتطبيقاً لهذا النص فان اتفاق التحكيم يكون حجة على المحتكم حتى لو لم
يكن موقعاً
عليه.
الوجه الخامس عشر : التوقيع على اتفاق التحكيم وحجيته:
نظم هذه المسألة قانون الإثبات في المواد (103 و
104 و 106) ومن خلال ذلك يظهر ان التوقيع على اتفاق التحكيم يكون حجة على المحتكم سواء أكان هو الذي كتب
اتفاق التحكيم ام غيره، لان
التوقيع يعني إقرار المحتكم بنسبة المحرر المكتوب بخطه إليه، كما ان توقيعه على اتفاق التحكيم
المكتوب بخط غيره يعني موافقته على ما ورد في الاتفاق المكتوب بخط الغير.
الوجه السادس عشر: حجية اتفاق التحكيم المطبوع:
اشار قانون الإثبات وقانون التحكيم إلى اتفاق
التحكيم المكتوب أي ذلك المكتوب بخط المحتكم نفسه والموقع عليه من قبله أو ذلك
الاتفاق المكتوب بخط الغير الذي قام المحتكم بالتوقيع عليه إقراراً منه بموافقته
على ما ورد فيه أو ذلك الاتفاق المكتوب بخط الغير المشهود عليه الذي لم يقم
المحتكم بالتوقيع عليه، وقد سبق القول ان الاتفاق في هذه الأحوال صحيح حسبما سبق
بيانه، إلا أن قانون الإثبات وقانون التحكيم لم يتناولا اتفاق التحكيم المطبوع، حيث ان طباعة الاتفاق تجعل الكلام المطبوع غير
منسوب لأحد،
وبناءً على ذلك فان اتفاق التحكيم المطبوع لا يكون حجة إلا إذا كان المحتكم قد قام
بالتوقيع عليه او كان الغير قد قام بالتوقيع والإشهاد عليه مما يفيد انه قد قام
بطباعته بناءً على موافقة ورضاء المحتكم.
الوجه السابع عشر : صدور الأمر للغير بكتابة أو طباعة اتفاق التحكيم لا يؤدي إلى بطلان اتفاق التحكيم:
قضى الحكم محل تعليقنا بان قيام غير المحتكمين
بأمر الكاتب بكتابة اتفاق التحكيم لا يعني انه قد اجبر المحتكمين على التحكيم
طالما انهم لم يعترضوا على ذلك ولم تدل قرائن الحال على ان الشخص الآمر قد اكره المحتكمين على قبول اتفاق التحكيم
الذي كتبه الغير بناءً على أمر الغير طالما ان المحتكمين لم يعترضوا على ذلك
وباشروا إجراءات التحكيم بعد ذلك إستناداً إلى إتفاق التحكيم.
الوجه الثامن عشر :تشريف حكم التحكيم لا يجيز إتفاق التحكيم :
قضى الحكم محل تعليقنا بأن تشريف الحكم بعد صدوره لايكون إجازة لاتفاق التحكيم، لأن إتفاق التحكيم يصدر أولا بإعتباره أساس ومصدر ولاية المحكم،، ولذلك فإن حكم التحكيم إذا لم يسبقه إتفاق التحكيم يكون منعدماً، فلا يبعث فيه الحياة تشريفه من قبل من كان ينبغي عليه التوقيع على إتفاق التحكيم منذ البداية، والله اعلم.