بيع حق اليد أو حق الإنتفاع بالعين المؤجرة
أ.د/
عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ
بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
يصدر بيع
اليد من المستأجر للعقار، ويكون محل هذا البيع حق المستأجر في الإنتفاع بالعقار
المؤجر فيتداخل هذا البيع مع مفهوم تأجير العقار من الباطن ، والقول بجوازه يستدعي
النظر في أحكام الشرع والقانون وعقد الإيجار المتضمن التزامات المالك المؤجر والتزامات
المستأجر وبحث ما اذا كان يجوز للمستأجر ان
يتنازل أو يبيع منفعة العقار للغير، علاوة
على حق الإنتفاع حق تابع لايجوز بيعه بمعزل عن حق الملكية حسبما هو مقرر في فقه
الشريعة الإسلامية والقانون المدني ، ومن ناحية أخرى يتداخل بيع حق اليد مع مصطلحات
مرادفة له( كالعناء وخلو القدم أو حق المفتاح )، وفي سياق ذلك ظهر في الواقع العملي المعاصر مصطلح( حق
اليد العرفية ) الذي يثير جدلا واسعا في اليمن، إضافة إلى ان بيع حق اليد يفرض
قيودا على مالك العقار مما يستلزم اذن المالك عند بيع مايسمى حق اليد، ولا ينتهي الأمر
عند ذلك فهناك جدلية كيفية تقدير قيمة حق اليد سواء في مواجهة مالك العقار أو في
مواجهة المشتري لحق اليد ،ولأهمية هذه المسائل العملية الواقعية نجد أنه من
المناسب التعرض لها بايجاز في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-9-1999م في الطعن رقم (323)، وقد
ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((فقد وجدت الدائرة إنما قضت به محكمة أول درجة وأيدته
الشعبة الاستئنافية بثبوت بيع مورث الطاعنين لحق اليد وقيام المشتري باستئجار
الأرض من مالكها ووضع المشتري يده على الأرض بدلاً عن البائع لحق اليد مورث
الطاعنين، لذلك لا تصح مطالبة الطاعنين طالما ان مورثهم قد تنازل عن حق اليد المورث
المطعون ضدهم بمقابل، ولذلك فأن هذا التنازل عبارة عن بيع لحق اليد وذلك جائز))، وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول: ماهية حق اليد:
البائع لحق اليد هو مستأجر العقار ومحل البيع هو
حق المنفعة في العقار، وعلى هذا الأساس فإن حق اليد هو حق المستأجر في الإنتفاع
بالعين المؤجرة الذي اكتسبه المستأجر للعقار
بمقتضى عقد الإيجار فيما بينه وبين المؤجر مالك العقار، فحق اليد أو حق الإنتفاع
بالعين المؤجرة هو حق حصل عليه المستأجر بموجب عقد الإيجار مقابل الأجرة المتفق
عليها في عقد الإيجار.
الوجه الثاني: وجوب اذن مالك العقار عند قيام المستأجر ببيع حق المنفعة أو حق اليد وتكييف بيع حق اليد:
، في الواقع العملي يتم بيع مايسمى بحق اليد خاصة
في أراضي الأوقاف والدولة وذلك بإجراءات تماثل بيع العين ذاتها حيث تحرير بصيرة
بنظر الأمين الشرعي تتضمن ان المستأجر قد باع وانفذ بيعه لحق اليد أو الشقية في
الأرض المؤجرة من الدولة أو الأوقاف وغيرهما.
اما القانون المدني
وقانون تنظيم العلاقة بين المؤجرين
والمستاجربن وقانون الوقف فإن هذه تنص على
عدم جواز قيام المستأجر بتاجير العين من الباطن، اي ان هذه القوانين تمنع بيع حق الإنتفاع بالعين الموجرة ، إضافة
إلى أن الفقه الإسلامي والقانون المدني ينصا على أن حق الإنتفاع من الحقوق التبعية
التي لايجوز بيعها إستقلالا، كما أنه يرد ضمن غالبية عقود الإيجار بند ينص على أنه
لايجوز للمستأجر تاجير العين للغير او تأجيرها
من الباطن اي منع المستأجر من بيع منفعة العين المؤجرة للغير .
ولأن العين المؤجرة مملوكة للمؤجر، ولأن المنفعة
بالعين قيد على العين يقيد حرية مالك العين في التصرف فيها، لذلك يجب على المستأجر
اذا اراد بيع أو التنازل عن حق المنفعة في العين أو مايسمى بحق اليد يجب عليه
الحصول على اذن من مالك العين كهيئة الأوقاف وهيئة الأراضي وغيرهما من ملاك
الاعيان الموجرة .
ومن خلال ماتقدم يظهر تكييف بيع المستأجر لحق
اليد، فهو مجرد تنازل عن حقه في الإنتفاع بالعين بمقابل من جهة المستأجر مقابل ثمن يدفعه المشتري نظير ذلك، ويتم هذا
التصرف في عقد مستقل يكون طرفيه المستأجر البائع لحقه في الإنتفاع المشتري منه
الذي سيحل محله في الإنتفاع بالعين، ثم يتم إبرام عقد إيجار جديد فيما بين مالك
العين المؤجر والمستأجر الجديد الذي حل محل المستأجر القديم، وهذا العقد مستقل عن
عقد التنازل عن المنفعة، وتبعا لذلك يجوز للمؤجر ان يزيد في القيمة الإيجار ية أو
التزامات المستأجر الجديد، ويجوز أيضا إنقاص القيمة الإيجار ية وإنقاص التزامات
المستأجر الجديد برضا الطرفين المالك والمستأجر الجديد.
وحق المستأجر في الإنتفاع متعلق بعقد الإيجار
ومرتبط به، ولذلك فإن هذا الحق بند من بنود عقد الإيجار، فعقد الإيجار وحدة واحدة
عملا بمبدأ وحدة العقد، وتبعا لذلك فإن حق المنفعة في عقد الإيجار ليست مستقلة أو
منفصلة عن بقية بنود عقد الإيجار، ومن هذا المنطلق فإن المستأجر لايستطيع التمسك
بحق الإنتفاع في مواجهة المالك المؤجر عند إنتهاء عقد الإيجار لان ذلك إخلالا من
المستأجر ببنود عقد الإيجار ، كما أن المستأجر لايستطيع التنازل عن منفعة العين أو
بيع حق اليد قبل ان ياذن لها مالك العين .
الوجه الثالث: الفرق بين حق اليد والشقية والعناء:
سبق القول بأن حق اليد هو مجرد حق المستأجر في
الإنتفاع بالعين الموجرة له على النحو السابق بيانه، اما الشقية أو العناء
فالمقصود بهما حق المستأجر في الحصول على مقابل الأعمال التي قام به في سبيل إصلاح
العين المؤجرة وصيانتها وزيادة إنتاجها كإصلاح العين اذا لحقت
بها اضرار أو غرس الأرض بالاشجار كاشجار البن والفاكهة أو دفع المستاجر مصاريف ومخاسير
التقلضي للدفاع عن العين المؤجرة في مواجهة المعتدين عليها، اما مصطلح( الشقية )فهو
مصطلح مرادف لمصطلح العناء، فمصطلح الشقية مستفاد من العناء والشقاء بلهجة اهل
اليمن الذين يطلقوا على العمل مصطلح (الشقاء)، وسوف يأتي بيان ذلك تفصيلاً في
الأوجه المقبلة.
الوجه الرابع : بدعة حق اليد العرفية أو الشقية العرفية في اليمن :
سبق القول بأن حق اليد هو عبارة عن حق المستأجر
في الإنتفاع بالعين المؤجرة له من مالكها، وذكرنا أيضا ان حق الإنتفاع بالعين بند
من بنود عقد الإيجار يتعلق ويرتبط ببقية بنود العقد ومنها قيمة الإيجار باعتبارها
عوضا للمنفعة، ولذلك لايجوز للمستأجر مطالبة المالك بحق اليد، بيد أنه يجوز للمستأجر
ان يتنازل عن حقه في الإنتفاع للغير بمقابل اذا اذن له المالك بذلك وتم إبرام عقد
إيجار فيما بين المالك والمستأجر الجديد على التفصيل السابق بيانه .
في حين ظهر حديثا مصطلح (حق اليد العرفية أو
الشقية العرفية )، فاليد العرفية تعني عند البعض :انه للمستأجر مايسمى بحق اليد
العرفية، وهو عبارة عن جزء من الأرض المؤجرة أو نسبة من ثمنها الإجمالي أو نسبة من
المساحة أو نسبة من قيمة الأرض، ولتبرير مايسمى بحق اليد العرفية أو الشقية
العرفية بأن عرف المنطقة قد جرى على ذلك، خلافا لأحكام الشريعة الإسلامية والقانون
اللذين يقسما التصرفات إلى تبرعات ومعاوضات ويشترطا في المعاوضات التساوي بين
العوضين في عقود المعاوضات، فينبغي ان يكون العوض مساويًا للعوض الآخر ومع ذلك يجوز ان يقل العوض عما يقابله بنسبة
لاتزيد عن نسبة الغبن، فإذا زاد ذلك فيكون محرما، وبتطبيق ذلك على مايسمى بحق اليد
أو الشقية العرفية يظهر انه ليس له عوض أو مقابل – ولذلك يذهب كثير من الباحثين
إلى أنه من قبيل اكل أموال الناس بالباطل مثله في ذلك مثل مسمى(حد وبلد) الذي يصادر المراهق
التابعة للأراضي الزراعية المملوكة للملاك من غير اهل المنطقة أو القبيلة، ونخلص مما
ورد في هذا الوجه إلى القول : بأن مسميات (حق اليد العرفية أو الشقية العرفية أو
حد وبلد ) هي مسميات ابتدعتها ثقافة الفساد الضاربة اطنابها في المجتمع اليمني لاكل
أموال الناس بالباطل.
الوجه الخامس: خلو القدم أو حق المفتاح:
خلو
القدم أو حق المفتاح هو رفض المستأجر للعين إخلاء العين المؤجرة منه بعد انتهاء
عقد الإيجار لأي سبب الا بعد إن يدفع له مبلغ من المال نظير اخلائه للعين بعد انتهاء
عقد ايجاره لأي سبب كان ، وخلو القدم أو حق المفتاح ظاهرة سلبية معاصرة جدت في
العصر الحاضر، ويذهب جمهور الفقهاء المعاصرين إلى ان مطالبة المستأجر بمبلغ من
المال كخلو قدم بعد انتهاء مدة الإيجار يكون محرما، لانه من قبيل اكل اموال الناس
بالباطل، فليس هناك اي مقابل أو عوض لمبلغ خلو القدم الذي يتم دفعه للمستأجر في هذه الحالة ، فاخلاء
العين واجب على المستأجر اذا انتهى عقد إيجاره لأي سبب كان.
ويصرح القانون المدني اليمني بأن خلو القدم باطل بطلاناً
مطلقا، حيث نصت المادة (753) مدني على أن: (تعتبر الاجرة هي المتراض عليها بين
المؤجر والمستأجر عند العقد، وما يؤخذ باسم المفتاح باطل، وتحكم المحكمة بإرجاعه
لمستحقه فإن رفضه صودر إلى البنك لصالح الخزينة العامة)، والظاهر من إستقراء هذا
النص بأنه قد صرح ببطلان خلو القدم أو حق المفتاح، كما أنه صرح أيضاً بأن المبلغ
المدفوع كخلو قدم يجب إرجاعه إلى الشخص الذي دفعه فإن رفض ذلك يتم توريد المبلغ
إلى الخزينة العامة.
الوجه السادس : حق العناء في الأراضي الزراعية :
مصطلح العناء الظاهر مصطلح شائع في العرف اليمني الموافق
للشرع والقانون في هذه المسألة ، فمصطلح العناء الظاهر في العرف يطلق على الشواهد والمظاهر التي تظهر في العين
الموجرة، فتدل هذه المظاهر وتشهد على نوع وقدر الشقاء والعناء الذي قام به
المستاجر للأرض، بحيث تكون الاعمال التي قام بها المستأجر لصالح العين المؤجرة ظاهرة
للعيان تشهد وتدل بذاتها على صحة مطالبة الاجير بالمبالغ التي تكبدها في سبيل القيام
بتلك الاعمال ؛ ومن شواهد العناء الظاهر الغروس المعمرة المثمرة في الارض الموجرة والجدران
والسواند ومصدات السيول والتوسعة في مساحة الارض الموجرة نتيجة الاصلاحات
التي قام بها المستاجر في الرهق التابع
للأرض، وكذا المبالغ التي تكبدها المستأجر في سبيل حماية العين المؤجرة والدفاع
عنها في مواجهة المعتدين على العين المؤجرة شريطة أن يتم إعلام المالك الإصلاحات
قبل مباشرتها النزاعات قبل مواجهتها حتي يأذن المالك للمستأجر بأن يباشر تلك
والاعمال، وشريطة ان يكون المستأجر قد دفع
نفقات تلك الأعمال من ماله الخاص به وليس من حصة المالك من محصول العين
المؤجرة .
وقد نظم القانون المدني العناء تنظيما قاصرا اتاح
للمستأجرين للأراضي الزراعية ان يتعسفوا
في مطالباتهم للعناء وان يصادروا حقوق
الملاك المؤجرين لتلك الأراضي، حينما احال القانون تقدير العناء الى العرف
من غير ان يضع الضوابط التي يتم في ضوئها تقدير العناء ؛ وقد كان هذا القصور
التشريعي سببا لخلافات ونزاعات وصراعات بين الملاك والمستأجرين ساهمت في الاختلال
الاجتماعي والقت بظلالها الكئيبة على النشاط الزراعي في اليمن, ويظهر القصور
التشريعي للعيان من خلال إستقراء المادة (766)مدني التي نصت على انه (اذا أجر رب
الارض ارضا معلومة لشخص اخر ليزرعها حرثا وبذرا وتنقية فيما تصلح له بجزء معلوم
مما تنتجه الارض كان العقد ملزما للمتعاقدين بشروطه المتفق عليها حال العقد
وللمالك رفع يد الاجير بعد حصاد الزرع القائم اذا خالف الاجير العرف او اهمل او
فرط او اخل بما شرط عليه او عجز, وللأجير مقابل ما غرمه في اقامة الارض (العناء)
بما يقدره عدلان اذا كان الزرع مما لا يقطع العناء عرفا ولكل من المتعاقدين طلب
انهاء المزارعة بعد حصاد الزرع القائم مع مراعاة التنبيه على الطرف الاخر قبل ذلك
بوقت كاف وفي البقول ونحوها مما يستغل اكثر من مرة يعمل بالعرف)، فمن خلال مطالعة هذا
النص نجد انه قد احال تقريبا كل مسائل العناء الى العرف من غير قيد او ضابط,
والاحالة الى العرف على هذا النحو في
العصر الحاضر لها مخاطرها سيما بعد
ان فسدت اخلاق الناس وتهافتوا على اكل اموال الناس بالباطل واعتبروا ذلك نوع من
الشطارة والتذاكي, ولذلك نوصي بان يقوم القانون المدني اليمني بتنظيم احكام العناء
على غرار ما ورد من تنظيم للعناء في لائحة تأجير اراضي الاوقاف، فليس بخاف على احد
ان اغلب التنظيم الوارد في لائحة تأجير الاوقاف مستفاد من الاعراف السائدة في
اليمن بشان العناء اضافة الى ان العلاقة فيما بين الاوقاف بصفتها مؤجرة هي العلاقة ذاتها التي تنشأ فيما بين
الملاك والمستأجرين الآخرين.
ويتم تقدير العناء عند الخلاف بنظر القضا، الذي لايحكم
بمقابل العناء الا بناء على ادلة ثبوتية يقينية، ويستعين القضاء في تقديره للشقية
أو حق العناء بعدلين خبيرين، يقوما بتقدير العناء الظاهر للعيان كالغرس والتوسعة
والإصلاح.
وعلى هذا الأساس فإن تكاليف العناء الظاهر أو الشقية هي عبارة عن دين مستحق للمستأجر على مالك الأرض،فالعناء حق لمستأجر الأرض، وتبعا لذلك فالعناء يؤرث ويقسم على جميع الورثة ذكورا واناثا، وكذا تجوز حوالة العناء للغير بيد أنه لايجوز بيع العناء للغير باعتباره دينا، والله اعلم.