وجود كلمات غير عربية في القانون لا يخالف الدستور
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تتضمن غالبية القوانين اليمنية والعربية كلمات ومفردات غير عربية، في حين تنص المادة (2) من الدستور على أن (لإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية) و ومن هذا المنطلق قد يدعي بعض الأشخاص عدم دستورية النصوص القانونية المتضمنة مفردات أو كلمات غير عربية، كما حدث في الدعوى بعدم دستورية بعض نصوص قانون المجلس الطبي التي تضمنت كلمات غير عربية مثل (ماجستير/ بكالوريوس /...إلخ)، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن وجود كلمات غير عربية في النصوص القانونية لا يجعلها مخالفة للدستور تستوجب الحكم بعدم دستوريتها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1-6-2004م في الدعوى بعدم دستورية بعض مواد القانون رقم (28) لسنة 2000م بشأن المجلس الطبي اليمني، فقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((اما ما ساقه المدعي من ورود عدة كلمات في القانون لا تمت بصلة إلى اللغة العربية مثل كلمة ماجستير وبكالوريوس وان في ذلك مخالفة للمادة (2) من الدستور التي تنص على أن: اللغة العربية لغة الدولة الرسمية، فذلك الإدعاء مردود عليه : بأن اللغة العربية لغة حية تخضع لناموس الإرتقاء العام، فقد أدى إتصال العرب بغيرهم إلى تأثرهم واقتباسهم الفاظاً من اللغات الأخرى، بل أن القرآن الكريم قد تضمن الفاظاً غير عربية مثل مشكاة، كما ان كلمة دستور أصلها فارسي...إلخ، مما يجعل الدائرة لا تلتفت إلى هذا الوجه من أوجه الدعوى))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الاوجه الأتية:
الوجه الأول: لغة القانون ومصطلحاته:
عند صياغة النصوص القانونية يتم إختيار الالفاظ المناسبة التي تحقق للقاعدة القانونية العمومية والتجريد، وفي الوقت ذاته تجعل المعنى المقصود من الالفاظ واضح المدلول وقابل للتطبيق والتنفيذ والتفسير، ويستعين القانوني الخبير عند صياغة القواعد والنصوص القانونية بالمصطلحات القانونية التي لها مدلول محدد،وعلى هذا الأساس تقوم كليات الشريعة والقانون والحقوق بتدريس مادة المصطلحات القانونية، وحتى يتم فهم الألفاظ والمصطلحات الواردة في القانون فهماً واحداً فإن غالبية القوانين تتضمن في المادة (2) منها قائمة بالألفاظ والمصطلحات الواردة في القانون وتعريفاتها،( مهارات الصياغة القانونية، ا. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص145)، ولاشك ان كثيرا من المصطلحات خاصة العلمية والتطبيقية تكون أصولها غير عربية، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى أن القرآن الكريم قد تضمن كلمات غير عربية لكن العرب استعملوها في لغتهم فصارت عربية مثلما يقول علماء القراءات، وكذا هناك مصطلحات قانونية غير عربية مثل كلمة (دستور) فقد ورد في الحكم محل تعليقنا بأنها غير عربية وكذلك الحال بالنسبة لكلمة (قانون) فأنها اغريقية وليست عربية، بل أن غالبية المصطلحات الواردة في القوانين التي تنظم المجالات العلمية التطبيقية غير عربية مثل القوانين التي تنظم المجالات العلمية كالإتصالات والطب والهندسة...إلخ إضافة إلى تلك المتعلقة بالعلاقات والإتصالات الخارجية.
الوجه الثاني: إستعمال المصطلحات والكلمات غير العربية في القوانين لا يخالف النص الدستوري بأن اللغة الرسمية هي اللغة العربية:
قضى الحكم محل تعليقنا بذلك، لأن اللغة العربية لغة القرآن الكريم لغة حية لا تتغير بنيتها وتراكيب جملها من إستعمال بعض الكلمات غير العربية ضمن عباراتها وجملها، كما ان الكلمات غير العربية تكتب في النصوص القانونية بالحروف العربية (ماجستير/ بكالوريوس...)، فلا تكتب بالحروف الأجنبية، وعلى هذا الأساس فإن النص القانوني يكون مكتوباً باللغة العربية وان كانت الكلمة أصلها غير عربي ، وتبعاً لذلك يكون النص القانوني المتضمن كلمات غير عربية مكتوبة بالحروف العربية يكون هذا النص موافقاً للنص الدستوري الذي صرح بأن لغة الدولة هي اللغة العربية، وقد أصدرت بعض الدول العربية قوانين لحماية اللغة العربية الأردن، حيث نصت هذه القوانين على وجوب إستعمال الكلمات العربية المناسبة المقابلة للمصطلحات الأجنبية في القوانين واللوائح والقرارات وغيرها بدلا من المصطلحات الأجنبية.
الوجه الثالث: معنى اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة:
كان جانب من النقاش في الحكم محل تعليقنا يدور بشأن معنى النص الدستوري ان اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة، وذلك يعني ان تكون المخاطبات التي تصدر عن سلطات الدولة الثلاث باللغة العربية، واللغة كما هو معلوم تشمل الحرف والصوت والمعنى، بمعنى ان تكون الكلمة مكتوبة بالحروف العربية بحيث يستطيع كتابتها وقراءتها عموم الأفراد ويفهموا معناها المقصود بها، فاللغة الرسمية هي لغة تُعطى اعتبارًا قانونيًا خاصًا في الدولة حيث يتم استعمالها لدى سلطات واجهزة الدولة ومصالحها المختلفة كالمحاكم والبرلمان والإدارات، ويتم استعمالها في تحرير الوثائق الرسمية والمراسلات وتصدر الوثائق الرسمية باللغة الرسمية، كما تصدر الجريدة الرسمية للدولة المتضمنة القوانين والتشريعات و كذا الصحف الرسمية التابعة للدولة، كذا تستعمل اللغة الرسمية في التدريس بمدارس الدولة وجامعاتها ومعاهدها،، وعلى هذا الأساس فإن وجود كلمات أو مصطلحات غير عربية في القانون لا يجعلها غير مفهومة طالما انها مكتوبة بالحروف العربية وتم بيان معناها أو تعريفها في المادة الخاصة بتعريف المصطلحات والالفاظ الواردة في القانون، وبناء على ذلك: فإن وجود بعض الكلمات غي العربية في القانون لايخالف الدستور الذي ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، والله اعلم.