الحكم لغير مدعٍ باطل
أ.د/
عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ
بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تنعقد الخصومة أمام القضاء بين الأطراف المتداعين (المدعي والمدعى عليه) وأثناء التداعي
بينهما وتقديم الأدلة بشأن الحق محل
النزاع قد تقوم بعض الجهات والأشخاص بالتدخل في الدعوى، وكذا قد تقوم المحكمة
بإدخال جهات وأشخاص آخرين في الدعوى اذا وجدت المحكمة ان لهم علاقة أو صلة بالحق
محل النزاع ، فمن خلال مثول أطراف القضية أمام المحكمة تقف المحكمة على الحقيقة من
جوانبها المختلفة من خلال إستماعها لأوجه دفاع الماثلين أمامها ومن خلال الأدلة
المقدمة منهم، ومن خلال مواجهتهم لبعضهم بالدعاوى والردود والمذكرات المتبادلة
يستبين القاضي الحقيقة ويحيط بتفاصيل القضية، إضافة إلى أن ذلك يوفر إجراءات
التقاضي ويختصرها ويجعل الحكم الصادر في القضية حجة في مواجهة المدعي والمدعى عليه
والمتدخلين والمدخلين في القضية اي في مواجهة كل لمن له صلة أو علاقة بالحق
المتنازع عليه ، بيد أنه لا يجوز للقاضي أن يقضي بأن
الحق المتنازع عليه يخص طرف خارج الخصومة لم يمثل أمام القاضي ويقدم دعوى بشأن الحق
المتنازع عليه ، إذ يجب على القاضي أن يدخل الطرف
الذي يجد ان له علاقة بالحق محل النزاع حتى يحكم القاضي له بالحق أو يحكم عليه بموجب الدعاوي
والأدلة المقدمة من هذا الطرف أمام القاضي، حتى يكون الحكم حجة في مواجهته، فإن لم يقم القاضي بإدخاله في
الدعوى وقضى له بالحق المتنازع عليه فإن حكم
القاضي في هذه الحالة باطل حتى لو ثبت
للقاضي أحقية الشخص الذي لم يكن طرفا في الخصومة، لأن الحكم في هذه الحالة لغير مدع
اي أنه ليس هناك دعوى او مطالبة من المحكوم له، فوفقا للقانون يجب ان تكون هناك
دعوى يفصل فيها الحكم، فالحكم في هذه
الحالة يكون لغير مدعٍ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-4-2013م في الطعن رقم (49822)، الذي ورد ضمن
أسبابه: ((لا يجوز الحكم بقنوع طرفي النزاع عن تملك المدعي فيه بإعتباره محجراً
الحق فيه للدولة مع أن الدولة لم تتقدم بدعوى
بذلك ، ولذلك فإن الحكم لغير مدعٍ باطل))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو
مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الاول: الحكم لغير مدع والحكم بعلم القاضي بأن محل النزاع مراهق عامة، وإدخال هيئة الأراضي:
كان الحكم الاستئنافي المطعون فيه في القضية التي
تناولها الحكم محل تعليقنا كان قد قضى
بقنوع الطرفين المتنازعين عن المطالبة في( المحجر) وعدم احقيتهما في المحجر
المتنازع عليه بينهما، لان ذلك المحجر ملك
عام يقوم عموم المواطنين بقلع الحجارة منه
، وليس لاحد حق فيه حسبما ظهر لمحكمة الموضوع
عند معاينتها لمحل النزاع، ولذلك فان محل النزاع ملك للدولة وفقا لقانون
اراضي عقارات الدولة، وقد كان ذلك القضاء بموجب
علم محكمة الموضوع، لان الهيئة العامة للأراضي لم تدع بذلك المحجر ، فقد من
الواجب على محكمة الموضوع ان تقرر إدخال الهيئة العامة للأراضي حتى تكون خصما في
النزاع ثم تحكم لها بناء على دعوى هيئة الأراضي.
الوجه
الثاني: الحق المدعى به أو المتنازع عليه هو الذي يحدد نطاق الخصومة:
الحق المتنازع عليه المنظور أمام المحكمة هو الذي
يحدد نطاق الخصومة ويحدد الخصوم ذوي
العلاقة بالحق المتنازع عليه الذين يجب أن يمثلوا أمام القاضي عند نظره في الحق
المتنازع عليه ، والقاضي لا يستطيع تحديد الخصوم
في الحق المتنازع عليه إلا من خلال قيام المتداعين الأولين (المدعي والمدعى عليه)
بإبراز أدلتهم، فمن خلال دراسة القاضي للدعوى والرد عليها أو الدفع والأدلة
المقدمة من المدعي والمدعى عليه يستطيع القاضي أن يحدد ما إذا كان يجب عليه إدخال
من يجب عليه إدخاله لتعلق حقه بالحق المتنازع عليه، فعندما يتم تحديد نطاق الخصومة
من حيث الخصوم وتقوم المحكمة بإدخال من ينبغي إدخاله في القضية، عندئذ يكون الحكم
في الحق المتنازع عليه حجة على من حضر أمام القاضي، فيحكم القاضي له او عليه بموجب الدعاوى والأدلة
المقدمة من الأطراف أمام القاضي .
الوجه الثالث: الحكم لغير مدعٍ باطل:
قضى الحكم محل تعليقنا بأن الحكم لغير مدعٍ باطل، فإذا وجد القاضي أن الحق المتنازع عليه متعلق بجهة أو شخص غير المدعي والمدعى عليه فيجب عليه أن يدخل تلك الجهة أو الشخص حتى يمثل أمام القاضي ويقدم دعواه وحججه وبراهينه وفي ضوء ذلك يحكم القاضي له بالحق إذا ثبت حقه أو يحكم عليه ، اما إذا لم يتدخل في الدعوى أو لم تقم المحكمة بإدخاله، فلا يجوز الحكم له أو عليه، لأنه لم يتقدم بدعوى حتى يحكم له القاضي بموجبها ، فالحكم لغير مدعٍ باطل حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الرابع: نسبية حجية الأحكام والحكم لغير مدعٍ:
من القواعد القانونية الراسخة قاعدة (نسبية حجية الأحكام) التي تعني أن الحكم لا يكون حجة إلا على أطرافه الذين مثلوا تمثيلاً صحيحاً أمام القاضي الذي اصدر الحكم بعد إن استمع إلى دعاوى وحجج الأطراف المتنازعة، وعلى أساس ذلك لا يجوز الاحتجاج بهذا الحكم أو التمسك به في مواجهة غير أطرافه، وبناءً على ذلك فإن الحكم لا يكون باطلاً في هذه الحالة بالنسبة لغير أطرافه، وإنما لا يكون حجة في مواجهتهم، وقد قرر القانون وسائل قانونية لغير أطراف الحكم لمواجهتهم الحكم الذي ليس حجة عليهم، من هذه الوسائل : دعوى الإستحقاق وإلتماس إعادة النظر وغير ذلك ، وفي هذا المعنى ننصت المادة (224) مرافعات على أن (تقتصر حجية الأحكام على أطراف الخصومة وموضوعها وسببها) أي أن هذه الأحكام صحيحة لكن حجيتها قاصرة على أطرافها، بخلاف الحكم لغير مدعٍ فهو باطل، لأنه قد صدر من غير دعوى من صاحب الحق، ولذلك فإن الحكم لغير مدعٍ يخالف المادة (217) مرافعات التي نصت على أن (الحكم قرار مكتوب صادر في خصومة معينة من ذي ولاية قضائية شرعية وقانونية)، فالحكم لغير مدعٍ يصدر من غير أن تسبقه خصومة أو دعوى من المحكوم له الذي لم يكن طرفا في النزاع ، ولذلك فإن الحكم لغير مدعٍ باطل حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، (مبدأ وحدة الخصومة ونطاقه في قانون المرافعات دراسة علمية وعملية لظاهرة تعدد أطراف الخصومة، د.الإنصاري حسن النيداني، ص167).والله اعلم.