المقصود بحق الأفضلية في اقتضاء الضريبة
أ.د/
عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ
بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تنص القوانين
الضريبية على أن دين الضريبة يكون له حق الأفضلية
أو الأولوية أو الإمتياز عند الاقتضاء إذا تزاحمت الضريبة مع غيرها من الديون ،
فحق الأفضلية يعني منح الإدارة الضريبية ميزة إقتضاء دينه الضريبة
أولاً قبل غيرها من الدائنين الآخرين.
للمكلف المدين ، بيد أن حق الأفضلية أو حق الإمتياز لايمس نفقات واحتياجات
ومتطلبات المدين وأسرته ، وتطبيقاً لذلك تكون للإدارة الضريبية الأولوية في إقتضاء ضريبة المبيعات قبل غيرها من الدائنين الآخرين للمكلف المدين ، غير ان ذلك لايعني أن تكون مصلحة الضرائب متقدمة في
تحصيل ضريبة المبيعات التي بذمة المكلف على متطلبات واحتياجات المكلف نفسه أو افراد
اسرته الذين يعولهم ، ولذلك فإن النص على أن دين ضريبة المبيعات يكون له حق الأفضلية
لا يكون مخالفاً للدستور الذي نص على وجوب إحترام حقوق الأسرة بما فيها حقها في
الحصول على نفقات من العائل لها الذي قد يكون هو المكلف بدفع الضريبة، حسبما قضى
به الحكم الصادر عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بتاريخ 29/12 /2010 م في
الدعوى الدستورية رقم (1/5) لسنة 2005م الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد ادعت المدعية
عدم دستورية المادة (39) من قانون ضريبة المبيعات التي نصت على أن هذه الضريبة تكون لها الأولوية
والإمتياز في التحصيل، وقد احالت هذه
المادة تحصيل ضريبة المبيعات إلى المادة (12) من قانون تحصيل الأموال العامة التي نجيز
الحجز على أموال المكلف مما يحرم المكلف وأفراد أسرته من النفقات اللازمة لهم، وان
ذلك يخالف النصوص الدستورية التي قررت حماية
الأمومة والطفولة بإعتبار الأسرة أساس المجتمع، فتطبيق المادة (35) المدعى عدم
دستوريتها سيترتب عليه توقيع الحجز على سكن المكلف الخاص به وعائلته، والدائرة:
تجد عدم صحة ما ورد في هذا الوجه من الدعوى، لأن المادة (35) من قانون ضريبة
المبيعات تقرر فقط مبدأ أن للضريبة العامة على المبيعات المستحقة لمصلحة الضرائب لها
حق الإمتياز وان مصلحة الضرائب تكون مقدمة على غيرها من الدائنين الآخرين، فحق
الإمتياز افضلية لاقتضاء الضريبة في مواجهة الديون الأخرى التي تزاحم الضريبة، اما
المسكن الخاص أو النفقات والمصاريف الخاصة للمكلف وأسرته، فلا تكون الضريبة مقدمة
عليها في التحصيل))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية
:
الوجه الأول: حق الأفضلية للضريبة المقرر في قانون ضريبة المبيعات:
كانت المادة (35) من قانون
ضريبة المبيعات محل النقاش في الحكم محل تعليقنا، فقد كانت الجهة المدعية عدم
دستورية هذه المادة تذهب إلى أن ماورد في هذه المادة يجعل ضريبة المبيعات مقدمة
على حق المكلف وحق اسرته في الحصول على النفقة الضرورية كالغذاء والسكن والدواء،
لأن تقرير حق الأفضلية أو الاقدمية للضريبة يعني أنه يجوز تحصيلها والحجز عليها
جبرا بموجب قانون تحصيل الأموال العامة، ومن ثم حرمان المكلف ومن يعولهم من النفقات الضرورية، في حين قضى الحكم محل
تعليقنا بأن هذا الإدعاء غير صحيح، لأن
الأفضلية في تحصيل دين الضريبة المضافة يعني تقديم دين الضريبة على ديون المكلف للغير
وليس تقديم تحصيل الضريبة على نفقات
المكلف ومن ويعولهم، وهذا هو المفهوم والمقصود من حق مصلحة الضرائب في أفضلية
المطالبـــة بضريبة المبيعات، المقرر في المادة(35 ) من قانون ضريبة المبيعات التي
نصت على أنه ( أ- الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة للمصلحـة بمقتضى هذا القانون
يكون لها الامتياز على جميع أموال المدينين بها أو المكلفين بتحصيلها وتوريدها إلى
المصلحة بحكم القانون وذلك بالأولوية على كافة الديون الأخرى عدا المصاريف
القضائية -ب- دين الضرائب واجب الأداء إلى حساب المصلحة وفروعها من غير المطالبة
في مقر المدين وفقاً لما تحدده اللائحة التنفيذية .-ج- المسؤولون عن تصفية المنشآت
الخاضعة لأحكام هذا القانون ملزمون بخصم الضريبة والمبالغ المستحقة وفقاً لأحكام
هذا القانون وتوريدها إلى حساب المصلحة طبقاً لما تحدده اللائحة التنفيذية) وكان سند
الحكم محل تعليقنا بأن حق الأفضلية لايعني افضلية الضريبة على نفقة المكلف ومن
يعولهم كان سند الحكم المادة(12 ) من قانون تحصيل الأموال العامة التي نصت على
أنه( لا يجوز تطبيق الحجز على منزل المكلف أو المدين المخصص لسكنه الخاص مع أفراد
عائلته ، كما لا يجوز الحجز على الوسائل الضرورية المخصصة لمنامه ومعيشته اليومية
الأساسية مع أفراد عائلته القاطنين معه ، مع استمرار متابعته قانوناً).
الوجه الثاني : معنى حق افضلية مصلحة الضرائب في المطالبة بضريبة المبيعات :
للمادة(35 ) من قانون ضريبة المبيعات اليمني نظائر
في القوانين الضريبية العربية،فبعض القوانين الضريبية العربية تطلق مسمى( حق الأفضلية ) كالقانون اليمني في حين تستعمل
بعض القوانين العربية مسمى(حق الإمتياز )،
بيد أنه لم يرد في تلك القوانين تعريف يبين المراد بالافضلية أو (الامتياز)، ومع ذلك فلا يعيب القانون عدم تعريفه لحق الأفضلية أو حق
الامتياز ، لأن شرح وبيان التعاريف من إختصاص الفقه الضريبي الذي قام بتعريف مفهوم الأفضلية أو (الامتياز) بتعاريف
عدة.
وقد كانت معظم تعاريف الفقه الضريبي
متقاربة من حيث دلالتها ، إذ عرف بعض المختصين (الامتياز) بأنه (وصف متعلق بالدين
يخول الدائن حق الأولوية والتقدم في استيفاء طلبه من أموال مدينه قبل غيره من
الدائنين)، في حين عرفه آخرون بأنه (أولوية الدائن في استيفاء دينه من المدين
مراعاة لسبب هذا الدين).
كما عرفه آخرون بأنه (إيثار حق الدولة
في اقتضاء دين الضريبة بتأمين خاص يخول لها الأولوية في استيفاء دينها بحيث تتقدم
على سائر الدائنين في الحصول على الضريبة المستحقة من أموال المكلف).
ومن خلال إستقراء ماورد في التعاريف
السابقة، فقد توصل احد الباحثين الى تعريف حق الأفضلية أو (الامتياز) بأنه (وصف متعلق بدين
المكلف بالضريبة على القيمة المضافة يخول الإدارة الضريبية حق الأولوية والتقدم في
تحصيل دين الضريبة والمبالغ الأخرى التي تستحق على المكلف من فوائد التأخير
والغرامات كامتياز عام على كافة أموال المكلف المدين بالضريبة قبل غيره من
الدائنين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك)، لذا فأن اعتبار الضريبة ديناً ممتازاً
على جميع أموال المدين هو مبدأ تقرره معظم القوانين الضريبية التي تعطي
للإدارة الضريبية صاحبة الدين الممتاز حق التقدم على غيرها من الدائنين الذين لا
امتياز لديونهم أو كان امتياز ديونهم متأخراً، وياتي حق الأفضلية إستثناءا من الأصل
العام الذي يقضي بأن جميع الدائنين متساوون في استيفاء ديونهم من أموال المدين
التي تعتبر جميعها ضامنة للوفاء بديونه كاملة إلا إذا نص القانون على حق أحدهم في
التقدم على غيره في استيفاء دينه.
والقانون حينما يقرر الامتياز لدين من
الديون لا يراعي إلا صفة هذا الدين وأن اعتبار دين الإدارة الضريبية كدين ممتاز
على جميع أموال المدين يعود لما في هذا الدين من حق عام متعلق بتحقيق الصالح
والنفع العام الذي يتحقق من خلال تمويل الخزينة
العامة للدولة بالأموال اللازمة لسد نفقاتها العامة.
والملاحظ على موقف التشريعات الضريبية
أن المقنن الضريبي خرج عن القواعد المعروفة لحق الإمتياز المقرر في القانون المدني،
فمن المعلوم أن حق الامتياز في القانون المدني أما أن يرد على أموال المدين جميعها
ويسمى في هذه الحالة بـ(حق الامتياز العام) الذي يخول الدائن حق استيفاء دينه قبل
غيره من الدائنين من جميع أموال المدين، وأما أن يكون حق الامتياز مقصوراً على
منقول أو عقار معين ويسمى بـ(حق الامتياز الخاص) وهو الذي يخول الدائن حق التقدم
في استيفاء دينه قبل غيره من الدائنين من مال معين للمدين .
فامتياز دين الضريبة لا يمكن أن
نعتبره امتيازاً عاماً لأن امتياز المبالغ المستحقة للخزانة وأن أخذ ببعض الأحكام
المقررة لحقوق الامتياز العام من حيث وروده على جميع أموال المدين وعدم خضوعه لنظام
الشهر والعلانية إلا أنه لا يمكن أن نعتبره امتيازاً عاماً لأن حق الامتياز
الضريبي الضامن للمبالغ المستحقة للخزينة العامة يتقدم على حقوق الامتياز العام، فهو
يمنح الخزينة العامة حق تتبع المال المحمل به هذا الامتياز إذا انتقلت ملكيته
للغير.
كما أن حق الامتياز لاقتضاء الضريبة لا
يعد امتيازاً خاصاً، فامتياز المبالغ المستحقة للخزانة العامة وأن أخذ ببعض
الأحكام المقررة لحقوق الامتياز الخاصة من حيث منح الدائن بها حق التتبع إلا أنه
لا يمكن أن يعتبر امتيازاً خاصاً، لأن الامتياز الخاص لا يرد إلا على منقول أو
عقار معين، في حين أن امتياز المبالغ المستحقة للخزانة العامة يرد على كافة أموال
المدين من منقول وعقار.
وخلاصة ما تقدم أن امتياز دين الضريبة
لا يمكن أن نعتبره امتيازاً عاماً على النحو المقرر في القانون المدني لأنه وأن
أخذ ببعض أحكام حقوق الامتياز العامة إلا أنه أهدر بقية أحكامها. كما أنه لا يمكن
أن يعتبر امتيازاً خاصاً على النحو المقرر في القانون المدني لأنه وأن أخذ ببعض
أحكام حقوق الامتياز الخاصة إلا أنه استبعد أحكامها الأخرى.
لذلك فإن حق امتياز المبالغ المستحقة
للخزانة العامة امتيازاً مستقلاً عن كل من الامتياز العام أو الخاص فرضته ذاتية
القانون الضريبي التي تحمي أساساً حقوق الدولة، وتتجلى هذه الحماية في إيثار حق
الدولة في اقتضاء دين الضريبة بتأمين خاص يتسنى لها تحصيل الضرائب تحصيلاً كاملاً
لمواجهة النفقات العامة.
( الضريبة على القيمة المضافة
وتطبيقاتها ذو الفقار علي رسن الساعدي267-270).
الوجه الثالث : نشأة حق الأفضلية أو حق الامتياز :
يرجع حق الامتياز في نشأته إلى القانون
الروماني , فقد كان هذا القانون يولي في ذلك العصر الدائن المرتهن الأولوية على غيره من الدائنين العاديين، و كانت
مرتبة الامتياز يتم تحديدها بالاستناد إلى صفة الدين ، لا إلى تاريخ نشوئه، على أن
طبيعة حق الامتياز ما لبثت أن تطورت في القانون الفرنسي، فعندما جاء القرن الثامن
عشر ارتفع حق الامتياز إلى مرتبة الحق العيني ، فقد منح القانون الفرنسي بعض الدائنين مرتبة أعلى من الدائنين العاديين بل على الدائنين
المرتهنين أيضاً.
الوجه الرابع : حق الأفضلية في الفقه الإسلامي:
4- قبل إجراء القسمة يقرر الفقهاء بأنه
ينبغي إخراج مصاريف الدفن والديون
والوصايا قبل إجراء القسمة، وهذا يدل على أن الفقه الإسلامي كان يقرر اولويات لبعض
الديون لاهميتها.( حقوق الإمتياز في القانون السوري، المستشارة هيام جمعة سالم ،
ص3).
الوجه الخامس :حق
الامتياز في القانونين المدني السوري
والمصري :
نظم القانون المدني السوري النافذ
حقوق الامتياز بالباب الرابع من الكتاب الرابع ، و عالج أحكامها في المواد من 1109
إلى 1127 ( 19 مادة ) ، فتناولها في فصلين : الأول تناول فيه الاحكام العامة لحقوق
الإمتياز، في حين تناول في الفصل الثاني أنواع
الحقوق الممتازة، و قد سلك القانون السوري في ذلك الباب مسلك القانون المدني المصري : فقد بدأ في الفصل
الأكبر ببيان القواعد العامة التي تحكم حقوق الامتياز , ثم أورد في فصل آخر أنواع
الحقوق الممتازة مرتبة على حسب درجاتها، و قد تضمن القانون المدني السوري في هذه
الأحكام تعريفاً لحق الامتياز و قسم حقوق
الامتياز إلى عامة و خاصة .
و ميز في الخاصة منها بين حق امتياز
يصدر على المنقول ، و آخر ينتج ذلك على العقار، كما بين حكم تزاحم الحقوق الممتازة، و حدد م
مزية حقوق الامتياز على المنقول ، و بين حكم هلاك محل الامتياز .
وبعد ذلك استعرض القانون الحقوق الممتازة ذاتها
, فبدأ بحقوق الامتياز العامة ، و حقوق الامتياز الخاصة الحادثة على المنقول ، و
أوردها كلها مرتبة فيما بينها بحسـب درجة امتيازها، و قد بدأ بامتياز المصروفات
القضائية ، و هو أول حق امتياز، و يليه امتياز المبالغ المستحقة للخزانة العامة، ثم
امتياز صيانة المنقول و ترميمه،و كل هذه حقوق امتياز خاصة تقع على المنقول .،و يأتي بعدها في الترتيب حقوق
الامتياز العامة، ثم امتياز النفقات الزراعية ، و امتياز المبالغ المستحقة في مقابلا
الآلات الزراعية .ثم امتياز المؤجر فامتياز صاحب الفندق فامتيـاز صاحب تجارة
المنقول فامتياز متقاسم المنقول .
وبالإضافة إلى حقوق الامتياز السابقة
، وردت حقوق ممتازة أخرى في نصوص أخرى من القانون المدني- كامتياز المقاول الثانوي
و العمال على المبالغ المستحقة للمقاول الأصلي في ذمة صاحب الجهد ( م 628 / 2 ) .ـ
و امتياز القروض التي يقدمها اتحاد ملاك الطبقات ( طبقات البناء الواحد ) إلى فرد
من الشركاء لتمكينه من القيام بالتزاماته ( م 824 ) .
ومن الخلافات اللغوية البسيطة بين
القانونين المصري والسوري :