التعارض بين قانونين لا يكون دليلاً على عدم دستوريتهما

التعارض بين قانونين لا يكون دليلاً على عدم دستوريتهما

                               أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

   الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

عدم دستورية النص القانوني يعني أن ينظم النص القانوني موضوعا معينا على خلاف  ماورد في النص الدستوري، فعندئذ يكون النص القانوني غير دستوري لمخالفته للنص الدستوري الأعلى منه مرتبة في التدرج التشريعي، فالدعوى الدستورية والدفع بعدم الدستورية وسيلة تحقيق مبدأ سمو الدستور أو علوّه، وتطبيقاً لذلك لا تكون دعوى عدم الدستورية وسيلة لمواجهة التعارض بين نصين قانونيين في قانون واحد أو بين قانونين متغايرين، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-12-2010م في دعوى عدم الدستورية رقم (1/5) لسنة 2005م الذي ورد ضمن أسبابه: ((والدائرة تجد أنه قد فات على المدعية أنها استندت على المادة (12) من قانون تحصيل الأموال العامة للتدليل على عدم دستورية المادة (37) من قانون ضريبة المبيعات بحجة التعارض بين القانونين بحسب تفسير وإستنتاج المدعية.

والدائرة: لم تجد رأياً في الفقه والقضاء الدستوري يعتبر التعارض بين قانونين دليلاً على عدم الدستورية، فعدم الدستورية يفترض تعارض النص القانوني الطعين مع نص في الدستور الذي يسمو بنصوصه على كافة القوانين، فلا يندرج ضمن عدم الدستورية التعارض بين نصين قانونيين  المرتبة ذاتها الأدنى من الدستور حيث تحكم ذلك التعارض القواعد المقررة في دفع التعارض بين النصوص القانونية))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

 الوجه الأول : موضوع دعوى عدم الدستورية:

 اشارالحكم محل تعليقنا بأن موضوع دعوى عدم الدستورية هو مخالفة النص القانوني الأدنى في تنظيمه لمسألة معينة مخالفته في ذلك للنص الدستوري الأعلى منه مرتبة، وتتحقق مخالفة النص القانوني للنص الدستوري  عندما يكون  الموضوع أو المسألة التي نظمها النص القانوني مخالف لما ورد في النص الدستوري،وإنطلاقا من منطلق الحفاظ على الحريات الحقوق والمصالح   المكفولة في الدستور، قرر الدستور وقانون السلطة القضائية وقانون المرافعات  الوسيلة الإجرائية المناسبة لمواجهة  مخالفة القانون للدستور وهذه الوسيلة هي الدعوى أو الدفع بعدم دستورية القانون المخالف، تحقيقا وتطبيقاً لمبدأ سمو الدستور أو علو الدستور، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، اما إذا خالف النص القانوني نصا قانونيا اخرا،  فهناك وسائل قانونية أخرى لمواجهة التضاد أو التعارض بين النصوص غير دعوى عدم الدستورية، حيث يتم دفع التعارض بين النصوص القانونية عن طريق الجمع بين النصوص عن طريق دلالات العموم والخصوص والتقييد والإطلاق والرجوع إلى الشروح الفقهية والقانونية، فإن تعذر الجمع بين النصوص القانونية المتعارضة فيتم اللجوء إلى وسائل الالغاء والنسخ، وغير ذلك من الطرق والوسائل التي سنبينها لاحقا.

الوجه الثاني : معنى مخالفة النص القانوني لغيره :

 تتحقق مخالفة النص القانوني لغيره بأن يرد في المسألة الواحدة  نصان متساوين في  المرتبة ينظما موضوعا واحدا أو مسألة واحدة، فينظمهما أحدهما على خلاف التنظيم الوارد في النص الأخر، فيحدث التعارض  بينهما أو أن ترد في النصين كلمات أو جمل أو الفاظ  يختلف معناها أو مدلولها، ولاشك ان للتعارض شروط، حتى يمكن القول أن النصين  متنافيان أو متعارضان ، وذلك بأن يقضي أحدهما خلاف  مايقضي به  الأخر أو يكون معنى أو مدلول الكلمة على خلاف ماورد في النص الاخر، أما إذا اتفق النصان في الحكم المستفاد منهما ولم يتعارض معنى كلماتهما  فلا تعارض بينهما ولو اختلفت صياغتهما  بل يكون كلاً منهما مؤكداً للأخر.
ويشترط للتعارض بين النصوص اتحاد  زمان  ومكان ومحل صدور  النصين فإن اختلف زمن الصدور  بأن كان احدهما متقدماً على الأخر فليس هذا من قبيل التعارض وإنما من قبيل النسخ، وبالنسبة للنصوص القانونية فيشترط ان يتحد محل او جهة الصدور القانون الصادر من البرلمان لايتساوى من اللائحة الصادرة بقرار جمهوري أو بقرار رئيس الوزراء،  يكون النصان متضادين في الحكم في النصين بأن ينظم النصان مسألة واحدة  بأن يكون أحدهما مقتضياً جواز الأمر أو التصرف في حين  ينص النص الاخر على المنع ، لأن التضاد والتنافي بين شيئين لا يتحقق في محلين كاجتماع الجواز والمنع، وقد يكون النصان متعارضان  في الظاهر وليس في الحقيقة  – ومن أمثله وحدة المحكوم عليه إذا قلت المكره مختار أي له قدره على الامتناع لا يناقضه قولك المكره ليس بمختار على معنى أنه ما خلى هو ورأيه.
– ومن أمثله اختلاف الزمان والمكان إذا قلت زيد جالس “أي في هذا الزمان أو المكان” وإذا قلت زيد ليس جالس “أي في مكان وزمان أخر” كان المحكوم في الأول غيره في الثاني.

فإذا توفرت هذه الشروط بكاملها كان النصان متعارضين ووجب إجراء  قواعد تعارض النصوص عليهما، أما إذا تخلف شرط من هذه الشروط فلا يكون النصان متعارضين، ولا يجب إجراء  قواعد دفع التعارض عليهما،  كأن يكون أحد النصين قطعياً والأخر ظنياً فلا تعارض بينهما، لأن الظن حينئذ ينتفي في مقابلة القطع بنقيضه وهكذا في البقية.

الوجه الثالث : طرق الترجيح  بين النصوص المتعارضة :

 هناك طرق عدة  لدفع التعارض بين النصوص المتعارضة : فهناك من  قام بترتيب طرق دفع التعارض على النحو الآتي :-ا- النسخ - ب- الترجيح،-ج- الجمع د- التساقط.
 وهناك من يحدد  طرق  دفع التعارض على النحو الآتي :-أ- الجمع بين النصوص - ب- الترجيح ج- النسخ د- التساقط،،وهذا الترتيب الاخير هو الغالب، وهذا يقتضي إستعمال طريقة الجمع والتوفيق بين النصين المتعارضين.
فيتم  الجمع والتوفيق بين  النصين المتعارضين  ان امكن ذلك بوجه مقبول: لأنه إذا أمكن ذلك من بعض الوجوه كان العمل بهما متعيناً ولا يجوز الترجيح بينهما، لأن إعمال النصين أولى من إهمال أحدهما بالكلية بترجيح الآخر عليه، لأن الأصل في النص إعماله لا إهماله، ويمكن العمل بالنصين معاً في حالات ثلاث:
أ- أن يكون حكم كل من النصين المتعارضين قابلاً للتبعيض كأن يدعي كل واحد من شخصين حائزين لدار أن هذه الدار ملك له فالعمل بالنصين معاً متعذر، لأن مقتضي وضع اليد في كل منهما أن تكون الدار كلها ملكاً له وملكيتها لواحد منهما يقض بعدم ملكية الأخر لها، فلا يمكن الجمع بين النصين ولكن العمل بهما من بعض الوجوه ممكن من طريقة القسمة، لان الملك مما يتبعض فتقسم الدار بينهما نصفين، لأن يد كل منهما دليل ظاهر على ثبوت الملك وثبوت الملك قابل للتبعيض فتبعض جمعاً بين النصين من وجه من الوجوه.
ب- أن يكون حكم كل واحد من النصين متعدداً أي يحتمل أحكاماً كثيرة وحينئذ يمكن العمل بالنصين فيثبت بكل واحد منهما بعض الأحكام  بحسب مقتضى كل واحد منهما .
ج- أن يكون حكم كل واحد من النصين عاماً أي متعلقاً بأفراد كثيرة فيمكن العمل حينئذ بكلا النصين بتوزيعهما على الأفراد فيتعلق حكم أحدهما بالبعض ويتعلق حكم الأخر بالبعض الأخر.

 الوجه الرابع : طرق دفع التعارض بين النصوص عن طريق الجمع بين الأدلة :

تكاد ان تكون طرق دفع التعارض بين النصوص القانونية هي  الطرق ذاتها التي وضعها الفقه الإسلامي لدفع التعارض الظاهري في فهم النصوص الشرعية، ولذلك من المهم للغاية دراسة طرق وقواعد دفع التعارض بين النصوص الشرعية للاستفادة منها في دفع التعارض بين النصوص القانونية.

فعلماء أصول الفقه الإسلامي يقررون أنه إذا تَعَارَضَ اللَّفْظَانِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ فِيهِمَا نُسِخَ المُتَقَدِّمُ بالمُتَأَخِّرِ، وَإِنْ جُهِلَ ذَلِكَ، نُظِرَ فِي تَرْجيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ بوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجيحِ… فَإِنْ تَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ فِي أَحَدِهِمَا تُرِكَ النَّظَرُ فِيهِمَا، وَعُدِلَ إِلَى سَائِرِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ.

 فالتعارض  عند علماء الأصول لايطلق الا على التعارض الظاهري، في حين لايقع التعارض الحقيقي الذي هو التضادُّ التامُّ بين حُجَّتين متساويتين دلالةً وعددًا وثبوتًا ومتّحدتين محلًّا وزمانًا؛ لأنَّ الوحي منزَّه عن التعارض الحقيقي لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [سورة النساء: ٨٢]، ولقوله تعالى مخبرًا عن نبيِّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [سورة النجم: ٣-٤]؛ ولأنَّ الله تعالى أمر بالرجوع ـ عند الاختلاف ـ إلى الكتاب والسُّنَّة ليرتفع الخلاف في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩]، فدلَّ ذلك على عدم وجود التعارض الحقيقي بين نصوص الشريعة الإسلامية ، اما في النصوص القانونية فهناك حالات كثيرة تشهد بوقوع التضاد  بين النصوص اي التعارض الحقيقي، وكذا  يقع في النصوص القانونية تعارض ظاهري.

فالمراد بالتعارض الظاهري عند علماء أصول الفقه الإسلامي : هو وَهْمٌ يقوم في ذهن الناظر ولا وجود له في الواقع، ويزول هذا الوهم بمجرّد إظهار التوفيق بين الدليلين وحصول الائتلاف بينهما من خلال الجمع، أو ببيان النسخ، أو إبراز الترجيح.

وأسباب التعارض الظاهري بين النصوص الشرعية  تعود في مجملها إمَّا إلى قصور في إدراك الناظر إلى اختلاف الرواة من حيث الحفظ أو الأداء، وإمّا إلى دلالات الألفاظ من حيث العموم والخصوص، وإمَّا إلى الجهل بالناسخ والمنسوخ، أو الجهل بتغاير الأحوال.

وللفقهاء مسالكُ في دفع التعارض الظاهري،  والمختار هو قول جمهور الفقهاء  الذين رتَّبوا مسالك دفع التعارض على الوجه التالي:

أوّلًا: الجمع بين الدليلين المتعارضين على وَفق شروط الجمع وهي:

١-أن تثبت الحجِّية لكلِّ واحد من الدليلين المتعارضي،  وذلك بصحّة سنده ومتنه، وهذا مسلك خاص بالنصوص الشرعية وليس القانونية .

٢-أن يتساوى الدليلان المتعارضان في درجة واحدة من حيث القوّة، فلا يكون النص الدستوري مساويًا للنص القانوني .

٣-أن يكون التأويل صحيحًا حتى يوافق الدليل الآخر.

٤-أن يكون الموفِّق أهلًا لذلك.

٥-أن لا يؤدِّي الجمعُ بين المتعارضين إلى إبطال نصٍّ شرعي، أو الاصطدام معه. وإذا روعيت هذه الشروط أمكن الجمع بين النصوص ، وهناك طرق للجمع بين الأدلة أو النصوص منها:

 اولا :الجمع بتخصيص العموم، مثاله: تخصيص عموم آية المواريث في قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١]، بحديث: «القَاتِلُ لَا يَرِثُ»، ومثاله ـ أيضًا ـ: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «كَانَ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم تَرَكُ الوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ»، وبين حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: «أنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الغَنَمِ ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ، قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ»، فالحديث الأوَّلُ عامٌّ في عدمِ انتقاض الوضوء في كُلِّ ما مسَّته النار سواء لحم الإبل أم غيره، والثاني خاصٌّ في نقض الوضوء من لحوم الإبل، ومذهب أحمد وابنِ خُزيمة وابنِ حزمٍ، وهو أحد قولي الشافعي الجمع بين الحديثين بالتخصص،ومثال ثالث: قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «العَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارُ)، الذي يفيد أنَّ ما أتلفته البهيمة من حرث الغير وزرعه لا يضمنه صاحبها، ويعارضه حديث حرام بن محيصة عن أبيه أنَّ ناقة البراء بن عازب رضي الله عنه دخلت حائط رجل فأفسدته عليهم، «فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عَلَى أَهْلِ الأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَعَلَى أَهْلِ المَوَاشِي حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ»، فإنَّ الحديث يدلُّ على التفريق بين وقوع الإتلاف بالليل أم النهار، والجمهور يحملون العامَّ على الخاصِّ جمعًا بين الأدلة.

 ثانيا :  الجمع بتقييد المطلق، مثاله: حمل آية تحريم الرضاع المطلقة في قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: ٢٣]، على التقييد بالمصَّة والمصَّتين في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تُحَرِّمُ المَصَّةُ وَالمَصَّتَانِ»، أو تقييد مطلق الآية بخمس رضعات في قول عائشة رضي الله عنها: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمِسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوَفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ».

ومثاله ـ أيضًا ـ: حمل الإطلاق الوارد في حديث: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ»، على تقييد الغنم بالسائمة،  في قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «فِي سَائِمَةِ الغَنَمِ الزَّكَاةُ».

ومثال ثالث: حمل الإطلاق الوارد في حديث: «مَنْ ُيطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي»، على تقييد الطاعة في المعروف في قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ».

 ثالثا : الجمع بحمل الوجوب على الندب، مثاله: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «مَنْ غَسَّلَ المَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»، الذي يدلُّ على وجوب الغسل على من غسَّل الميت، وحمله على الندب لوجود صارف عن الوجوب من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي غُسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إِذَا غَسَلْتُمُوهُ، إِنَّ مَيِّتَكُمْ المُؤْمِنَ طَاهِرٌ، وَلَيْسَ بِنَجِسٍ، فَحَسْبُكُمْ أَنْ تَغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ».

رابعا : الجمع بحمل التحريم على الكراهة، مثاله: حديث الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وآله  وسلَّم نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ المَرْأَةِ»، فإنه يدلُّ على عدم جواز توضُّؤ الرجل أو اغتساله بفضل غسل المرأة، ويعارضه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ»، فيجمع بين الحديثين بحمل النهي في حديث الحكم رضي الله عنه على الكراهة التنزيهية بالقرينة الصارفة إليها وهي حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وبهذا الجمع بين الحديثين قال جمهور العلماء، ومثاله أيضًا ـ حديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «ثَمَنُ الكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ البَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ»، فهو يدلُّ على أنَّ أجرة الحجَّام حرام، وإجارته فاسدة، ويعارضه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وَأَعْطَى الحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِهِ»، وقد حمل الجمهور التحريم في حديث رافع رضي الله عنه على الكراهة بالقرينة الصارفة إليها جمعًا بين الدليلين، والخبيث هنا بمعنى الدنيء، وإنما كره ذلك النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم للحُرِّ تنزيهًا لدناءة هذه الصناعة، وقد سمَّى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الثوم والبصل خبيثين مع إباحتهما.

خامساً :الجمع بحمل الحقيقة على المجاز :، ومثاله: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «لَيْسَ عَلَى الخَائِنِ قَطْعٌ»، فهو يدلُّ على أنه لا تقطع يد جاحد العارية؛ لأنه خائن، ويعارضه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ المَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا» إلى أن قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ المَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا»، فهو يدلُّ على أنه تقطع يد جاحد العارية، وعامَّة أهل العلم يذهبون إلى أنَّ المستعير إذا جحد العارية لا تقطع يده، وحملوا حديث عائشة رضي الله عنها على المجاز، وذلك بحمل قولها: «كانت تستعير المتاع وتجحده» على أنَّ المراد به تعريف المرأة بالصفة التي اشتهرت بها، وهي جحدها للعارية، كما عرفتها بأنها: «مخزومية» ولم تقصد بذلك حقيقة أنَّ جحدها للعارية كان سببًا لقطع يدها، فسبب القطع هو السرقة لا جحدها للعارية وقد صرَّح الحديث باللفظ أنها «سرقت»، ومثاله ـ أيضًا ـ حديث أبي رافع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: «الجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ»، الذي يفيد ثبوت الشفعة للجار الذي يعارضه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «قَضَى النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِفَت الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ»، فهو يدلُّ على أنَّ الشفعة مختصة بالشريك دون الجار. وقد عمل الجمهور بالجمع بين الدليلين بالحمل على المجاز، فيعمل بظاهر حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في أنَّ الشفعة للشريك فقط، وأمَّا حديث أبي رافع رضي الله عنه فإنَّ الجار فيه حقيقة في المجاور، مجاز في الشريك، إذ أنَّ كلَّ شيءٍ قارب شيئًا فهو جار له، وقد حمل اللفظ على المجاز لوجود قرينة، وهي أنَّ أبا رافع رضي الله عنه سمَّى ـ في حديثه ـ الخليط جارًا، وهو من أهل اللسان وأعرف بالمراد، وهي قرينة على إرادته بالجار الشريك الخليط.

 سادساً : الجمع بالأخذ بالزيادة، ومثاله: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ»، فهو يدلُّ على جواز اقتناء كلب الصيد والماشية، بينما حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍِ أَوْ زَرْعٍ انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ)، فهو يدلُّ على ما يدلُّ عليه الحديث السابق إلَّا أنه فيه زيادة كلب الزرع الذي لم يتعرض له الحديث السابق، وقد عمل العلماء بقبول الزيادة جمعًا بين الدليلين؛ لأنها زيادة حافظ غير منافية، وقد وافقها حديث سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ».

سابعاً : الجمع بإختلاف الحال ، مثاله: قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في شأن حضانة الغلام: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي»، فإنه يدلُّ على أنَّ الأمَّ أحقُّ بحضانة ابنها إذا أراد الأب انتزاعه منها، ويعارضه قوله صلَّى الله عليه وسلَّم للغلام: «هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ، فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ»، فهو يدلُّ على أنه إذا تنازع الأب والأمُّ في غلام لهما، فإنَّ الواجب هو تخيير الغلام، فمن اختاره فهو أحقُّ به، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى الجمع بين الحديثين باختلاف الحال، وذلك بحمل حال الغلام الذي لم يبلغ سنَّ التمييز، أو قبل استغنائه بنفسه على أنَّ الأم أحقّ به من غيرها ما لم تنكح، ويحمل الحديث الآخر فيما إذا بلغ سنَّ التمييز، واستغنى عن الحضانة فإنه يخير بين أبويه إذا تنازعا فيه، فمن اختار منهما فهو أولى به.

ثامناً : الجمع بجواز الأخذ بأحد الأمرين (أي: الجمع بالتخيير)، مثاله: حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: «لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كَثِيرًا مَا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ» ويعارضه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ»، وقد دفع العلماء التعارض بجواز الأمرين، فتارةً ينصرف من الصلاة إلى جهة يساره، وتارة ينصرف إلى جهة يمينه، فأخبر كلّ واحد من الرواة بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه، ولذلك يكون المصلي مخيّرًا بين الانصراف عن جهة اليمين أو جهة اليسار من غير كراهة.

الوجه الخامس : دفع التعارض بين النصوص عن طريق النسخ عند تعذُّر الجمع: 

وذلك بالبحث في تاريخ صدور كلٍّ من النصَّين المتعارضين، فإن علم تاريخ صدورهما وأنَّ أحدهما متقدِّم والآخر متأخِّرٌ عمل بالمتأخِّر الناسخ وأهمل المتقدِّم المنسوخ، ولا يتم العمل بالنسخ إلَّا عند توفُّر جملة من الشروط منها:

1ـ أن يكون الناسخ خطابًا شرعيًّا، هذا بالنسبة للنصوص الشرعية، اما بالنسبة للنصوص القانونية، فيشترط ان يكون الناسخ القانوني صادرا  عن السلطة المختصة بالتقنين( البرلمان ).

2ـ أن يكون الناسخ مساويًا فلاينسخ ماورد في القانون نصا دستوريا، لان الدستور أعلى مرتبة من القانون، فينبغي ان لايخل النسخ القانوني بمبدأ التدرج أو مبدا سمو الدستور مثلما قضى الحكم محل تعليقنا .

3ـ استواء الدليلين المتعارضين في الحُجِّية.

4ـ عدم إمكان الجمع بينهما.

5ـ عدم معرفة تاريخهما.

6ـ أن يكون المرجّح به وصفًا قائمًا بالدليل.

7- أن يكون الموضوع الذي نظمه النصان واحد.

الوجه السادس : تفسير النصوص القانونية:

 لتفسير النصوص القانونية أهمية بالغة في فهم ودفع التعارض بين النصوص، لأن التعارض بين النصوص القانونية من عيوب صياغة النص القانوني التي تحتاج إلى تفسير عن طريق دفع هذا التعارض الذي يعيب النص، ولتوسع موضوع تفسير النصوص فسوف نكتفي بدراسة التفسير لحالتين الأولى: حينما يكون النص سليما ، والثانية حينما يكون النص معيبا.
أولا :  تفسير النص القانوني السليم:
النص السليم هو ذلك النص الذي تتم معرفة المقصود منه بمجرد  قراءة ألفاظه
ويتم فهم الفاظ النص بإحدى الدلالات الآتية:-
1- دلالات المنطوق :- وهي دلالة اللفظ على حكم شيء ذكر في الكلام ونطق به .
أ‌- دلالة العبارة : وهي دلالة اللفظ على الحكم اامقصود أصلا، والواقع ان هذه الدلالة ملازمة لكل نص مثل نص المادة (135) مدني سابق يمني ((إذا كان محل الالتزام مخالفا للنظام العام او الآداب العامة كان العقد باطلا ))، فهذا النص يدل على ان العقد باطلا إذا كان مخالفا للنظام العام ولا يبقى بعد ذلك إلا تحديد معنى العقد , البطلان , المحل , النظام العام.
ب‌- دلالة الإشارة : وهي دلالة اللفظ على حكم لم يقصده المقنن اصلا  ولكنه لازم للمعنى الذي سيق الكلام لافادتة مثل “وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ” مع قوله تعالى “وفصاله في عامين ” إذ يفهم من هاتين الآيتين ان اقل فترة الحمل ستة أشهر.
ج – دلالة الاقتضاء : وهي دلالة اللفظ على حكم او لفظ مسكوت عنه يتوقف عليه صدق الكلام او صحته مثل ” حرمت عليكم الميتة ” وصحة الكلام تقتضي وجود لفظ أخر هو “أكل”
– وأما قوة الدلالات فهي على الترتيب السابق، بيان ذلك كما يأتي .

2- دلالة المفهوم :- وهي دلالة اللفظ على حكم شيء لم يتم ذكره في الكلام ولم ينطق به .
أ‌- دلالة مفهوم الموافقة :  المفهوم هو: ما دل عليه اللفظُ في محل السكوت، بحيث يؤخَذُ الحُكم عن طريق دلالة اللفظ، وليس من عبارته ونُطقه وتنقسم دلالة المفهوم .

• وينقسم المفهوم إلى قسمين: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة، وأساس هذه القسمة أن المسكوتَ عنه إما أن يكون موافقًا للمنطوق به في النفي والإثبات، أو مخالفًا له فيهما، فإن كان موافقًا له سُمِّي مفهومَ موافَقة، وإن كان مخالفًا له سُمِّي مفهومَ مخالَفة.
ب‌- دلالة مفهوم المخالفة : وهو دلالة الكلام على استبعاد حكم المنطوق عن المسكوت عنه لانتفاء قيد من القيود المعتبرة في الحكم .
ذلك انه كل حكم يتطلب قيام فرض معين وهذا الفرض يستجمع شروطا معينة إذا تخلف واحدا منها كان الفرض الذي وقع فرضا آخر وبالتالي يتجه الذهن إلى إعطائه حكم آخر مخالفا للحكم المنصوص عليه والذي ارتبط بفرض توفرت فيه الشروط المنصوص عليها مثل نص المادة (93/1) مدني سابق إذا غين ميعاد للقبول التزم الموجب بالبقاء على إيجابه إلى أن ينقضي هذا الميعاد .

ومفهوم المخالفة يفيد انه إذا لم يعين ميعاد للقبول لا يلتزم الموجب بالبقاء على إيجابه وإنما يجوز له ان يعدل عنه في أي وقت .
ثانياً:  تفسير النص القانوني المعيب:
العيوب في النص ثلاثة :الخطأ والغموض والتعارض.
أ- الخطأ – ويقع الخطا في النص من وجوه كثيرة منها الاخطاء الطباعية واللغوية   وفي إدراج مصطلحات غير مناسبة.

ب- الغموض: يكون النص غامضا حين يحتمل مجمل  النص أو لفظ أو جملة أو عبارة في النص معنيين أو أكثر، بحيث يتردد المعني بتطبيق النص يتردد في الوقوف على واحد من تلك المعاني التي يتحملها النص، وأحياناً يكون النص في جملته هو الذي يحتمل معنيين، فيقال نص غامض ومن أمثلته لفظ “الليل” إذا جعله القانون ظرفاً مشدداً لمن يسرق أثناءه، والخلاف هو بشأن المقصود من اللفظ هل المقصود المعني الفلكي الذي يبدأ من غروب الشمس إلى شروقها أم الليل بالمعني المتعارف عليه “أي الفترة التي يسود فيها الظلام ” حتى ولو تأخر بدؤها عن غروب الشمس..
 ومن المؤكد ان النص المعيب باي من العيوب السابق وجب تفسيره وبيان مقصود المشرع الحقيقي من وضعه، وهناك طرق للتفسير سوف نشير إليها في الوجه التالي.

 الوجه السابع : طرق تفسير النصوص القانونية:

 سبق القول أن النص القانوني المعيب هو الذي يحتاج إلى تفسير، وهناك طرق للتفسير يستعملها المفسر في سبيل استخلاص معانى ودلالات  عبارات النص القانوني  مما يكشف عن مراد المقنن، وهذه الطرق أما أن تكون داخلية أو خارجية.

اولا :طرق التفسير الداخلية للنص القانوني :  فعن طريقها يقوم المفسر بالرجوع إلى القانون ذاته لمعرفة  مراد المقنن ، دون الاستعانة بعنصر خارجي، وتتفرع من طرق  التفسير الداخلي ماياتي :
أ‌) القياس: هو إلحاق واقعة لا نص على حكمها بواقعة ورد في النص حكمها غير ان استعمال القياس محظور  بالنسبة للقانون الجزائي ،يندرج ضمن القياس قياس الأولى : وهو أن تكون هناك حالة منصوص على حكمها في النص وتكون علة الحكم أكثر توافراً في حالة أخرى غير منصوص على حكمها في النص فيتم تطبيق الحكم على الحالة الأخرى من باب أولى مثل قوله تعالى: “ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما” فمن باب أولى أن واجبه أن لا يضربهما.
ج) الاستنتاج من مفهوم المخالفة: هو ان يتم تطبيق الحكم على حالة غير منصوص على حكمها، وذلك بتطبيق عكس حكم الحالة المنصوص عليها لاختلاف العلة في الحالتين أولا، ولأن الحالة المنصوص عليها هي جزئية من جزئيات الحالة غير المنصوص عليها، فتخصيصها بحكم يستخلص منه أنها تنفرد بهذا الحكم دون سائر الجزئيات ومثال ذلك ما تنص عليه المادة(534) مدني يمني على أنه : إذا هلك المبيع قبل التسليم انفسخ البيع واسترد المشترى الثمن فالمفهوم المخالف لهذا الحكم هو أن هلاك المبيع بعد التسليم لا يؤدي إلى فسخ البيع واسترداد الثمن.
د) تقريب النصوص المتعلقة بموضوع واحد وقراءتها
كوحدة واحدة، للاحاطة بمراد المقنن في النص أو العبارة المراد تفسيرها أو دفع التعارض فيها، وتقتضي هذه الطريقة أن يكون هناك تقريب بين جزئيات النص الواحد والنصوص المبعثرة وأن يكون النص المراد تفسيره وثيق الصلة بنصوص القانون الأخرى باعتباره جزءاً منه لكي تظهر هذه الطريقة أثرها في تحديد معنى النص القانوني المزمع تفسيره،فجمع النصوص  التي تتناول موضوع معين واستقرائها كوحدة واحدة  وسيلة من أهم وسائل دفع التعارض وتفسير النص الغامض أو المتعارض مع غيره، فالنصوص القانونية تكمل بعضها بعضاً أو تفسر المجمل فيها أو تقيد المطلق، كما  أن الأحكام الواردة على سبيل الحصر والاستثناء لا يقاس عليها ولا يتوسع في تفسيرها، لأنها تبنى على ضرورة والضرورة تقدر بقدرها فهذه النصوص ينبغي أن يتم تفسيرها تفسيراً ضيقاً وأن يقتصر حكمها على ما ورد بشأنه.

2- طرق التفسير الخارجية:

وتعني هذه الطرق أنه يتم الإعتماد في تفسير النصوص على وسائل من خارج النص منها :

أ- الأعمال التحضيرية للقانون : وهي المقترحات والدراسات  ونتائج أعمال الورش واعمال اللجان التي ناقشت مشروع القانون قبل إصداره، وكافة الأعمال السابقة لإعداد مشروع القانون حتى صدور القانون، اي جميع الأعمال التي سبقت إقرار القانون أو عاصرت تفنينه كالمناقشات التي مرت خلال مراحل التصويت وملاحظات اللجان المتخصصة ومحاضر جلسات المجالس التشريعية والمذكرات الإيضاحية،فالرجوع إلى هذه الوسائل يساعد في معرفة الأسباب الموجبة للتشريع والنية الحقيقية للمشرع والمذكرات التحضرية كإحدى طرق التفسير نصت عليها المادة(18) مدني يمني ويجب أن نلاحظ أن المذكرة الإيضاحية ليست جزء من التشريع وليس لها أي صفة رسمية وهي تعبر عن رأي واضعها وحضوره الشخصي والتي قد لا تتفق ونية المشرع الحقيقية.
ب- الكتب الشارحة: تنص المادة(18) مدني يمني على ان: الكتب الشارحة الصادرة من الهيئة التشريعية مرجع من مراجع تفسير القوانين ويتبادر إلى الذهن أن المقنن اليمني عازم على إصدار كتب تشرح القوانين.
ج- مصدر القانون :  وهي الشريعــة الإسلامية باعتبارها وفقا للدستور الذي ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعا، ونظرا لعدم وجود كتب شارحة من البرلمان تشرح القانون فإن الشريعة الإسلامية وكتب الفقه الإسلامي هي المرجع لدفع التعارض بين النصوص القانونية، فهي المصدر الذي يستمد منه المقنن نصوص القانون، وباستطاعة المفسر الاستفادة من الأصل الذي اقتبس منه التشريع في تفسيره، وتعتبر الشريعة الإسلامية هي المصدر الأصلي للقوانين اليمنية
د- مبادئ العدالة : وهي مصدر خارجي من مصادر دفع التعارض بين النصوص القانونية، ويمكن تعريف مبادئ العدالة بأنها تلك القواعد القائمة إلى جانب قواعد القانون الوضعي مؤسسة على وحي العقل والنظر السليم وروح العدل الطبيعي بين الناس، والتي ترمي إلى تعديل قواعد القانون أو الحلول في مكانها، بفضل ما فيها من القوة المعنوية المستمدة من سمو مبادئ ها.

ه- كتب شراح القانون : غالبية القوانين هي عبارة عن مقررات دراسية في كليات الشريعة والقانون والحقوق والمعاهد المتخصصة ولذلك يقوم بشرحها والتعليق رجال الفقه والقانون  وفي سياق ذلك يتم شرح كيفية دفع التعارض بين النصوص.

الوجه الثامن : دفع التعارض بين النصوص القانونية عن طريق النسخ أو الإلغاء :

في بعض الحالات تكون النصوص القانونية المتعارضة محلا للنقاش والتعليق عليها ومناقشتها فيتم تعديلها لإزالة أو دفع تعارضها، وفي غالب الحالات يكون التعارض محل خلاف بين رجال الفقه والقانون، وعندئذ ينبغي البحث عما اذا كان المقنن قد قد ألغى احد  النصوص المتعارضة.

وفي هذا الشأن تنص المادة الثانية من القانون المدني اليمني على أنه لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعد ذلك التشريع.

– وقد يكون الإلغاء صريحاً كما في المادة الثانية من القرار الجمهوري رقم(19) لسنة1992م الخاص بإصدار قانون مدني حيث نصت على أن يلغى القوانين 27،11،10 لسنة1979م والصادرة في صنعاء والقانون رقم281 المدني الصادر في عدن.

– الإلغاء الضمني: ويراد به إلغاء القاعدة القانونية الذي يستخلص من حالة التعارض من قاعدة قديمة وأخرى جديدة تحل محلها إذا كانت القاعدة القانونية القديمة والجديدة بنفس الدرجة والقوة أما إذا اختلف القوة بين القانونيين فيطبق القانون الأقوى مثل القانون والدستور والقانون واللائحة أو من تشريع جديد لموضوع سبق وأن نظمه تشريع قديم ويتحقق هذا الإلغاء في صورتين:
أ‌) التعارض بين قاعدة جديدة وأخرى قديمة: إذا صدر قانون جديد متضمناً قاعدة أو قواعد تتعارض مع ما هو مقرر في التشريع القديم بحيث يتعذر تطبيق القاعدة او القواعد في آن واحد والعمل بكليهما فيعتبر أن القانون اللاحق قد ألغي ضمناً القانون القديم.
أما إذا أمكن التوفيق بين القواعد القديمة والجديدة فلا يعتبر أن القانون اللاحق ألغي القانون السابق وإنما يطبقان معاً كل منهما بالنسبة للحالات التي تتناولها أحكامه كأن يكون يحتوى القانون نصا عاماً والنص الجديد نصا خاصاً ففي هذه الحالة بعد النص الخاص استثناء من النص العام ويعمد إلى تطبيق بالنسبة للأمور التي جاء لتنظيمها ثم يطبق النص العام فيما عدا ذلك.
ب‌) تنظيم الموضوع نفسه من جديد إذا صدر قانون جديد ينظم موضوعاًَ سبق وأن نظمه تشريع قديم فإنه يستخلص أن القواعد الجديدة وقد نسخت القواعد القديمة التي عارضتها والتي لم تعارضها والعلة تفيد انصراف إرادة المقنن إلى العدول عن التشريع القديم.
ويلاحظ أنه من النادر أن يعيد المشرع تنظيم موضوع كان ينظمه تشريع سابق دون ان ينص في التشريع الجديد على إلغاء التشريع السابق صراحة لذلك فإن الفقه لا يجد أمثله يضربها على الإلغاء الضمني بهذه الطريقة.( تفسير النصوص القانونية،  المحامي/ أمين الربيعي، ص7).

الوجه التاسع : دفع التعارض بين النصوص القانونية عن طريق تقديم القانون الخاص على القانون العام :

استقر الفقه والقضاء في اليمن على تطبيق قاعدة :القانون الخاص مقدم عند التطبيق على القانون العام، فهذه القاعدة عامة ومطردة،  ولذلك يتم تطبيق هذه القاعدة  لدفع التعارض الذي يقع  بين نصوص القانون  الخاص مع نصوص القانون العام، كوقوع تعارض  بين نصوص القانون المدني وهو القانون العام مع قانون الأحوال الشخصية أو قانون الوقف وغيرهما، فيتم تطبيق النصوص الواردة في القانون الخاص دون النصوص التي تتعارض معها في القانون العام، وتطبيقاً لهذه القاعدة، يتم تطبيق نصوص قانون الأحوال الشخصية أو قانون الوقف اذا ما تعارضت مع القانون المدني ، ولاريب أن أصل هذه القاعدة القانونية هي القاعدة الأصولية الفقهية الخاص يقيد العام.

 الوجه العاشر : دفع التعارض بين النصوص الواردة في القانون الواحد :

في بعض الحالات تتعارض النصوص القانونية في القانون الواحد، لأن القانون يتم تقسيمه إلى  كتب وأبواب وفصول  لها مسميات كتعاريف ومسميات وتكوينات وأحكام عامة وأحكام خاصة، كما يتم تقسيم القانون إلى مواد لها أرقام متسلسلة  ولذلك يتم تطبيق قواعد دفع التعارض عن طريق الجمع بين النصوص المتعارضة وتطبيق مفاهيم العموم والخصوص والإطلاق والتقييد وغيرها السابق ذكرها، فيتم تقديم ا النصوص الواردة ضمن الأحكام الخاصة في القانون على النصوص الواردة ضمن الأحكام العامة ، اما إذا تعذر الجمع والتوفيق بين النصوص المتعارضة، فيتم عندئذ تطبيق أحكام  النسخ، فيكون النص  المتاخر ذكره في القانون ناسخا  للنص المتقدم ذكره في القانون  عند تعارض النصين،  والله اعلم.