دستورية لجان التسوية الضريبية

 دستورية لجان التسوية الضريبية 

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدينا

لأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تضمن قانون ضريبة المبيعات تحديد لجان لتسوية المنازعات الضريبية فيما بين مصلحة الضرائب والمكلفين، وقد صرح القانون ذاته بأن قرارات تلك اللجان تخضع للطعن فيها أمام المحاكم الابتدائية ثم أمام الشعبة الاستئنافية المختصة ثم أمام المحكمة العليا ولذلك فإنها لاتنزع ولاية القضاء وكذا قضى الحكم بجواز الصلح والاتفاق بين مصلحة الضرائب والمكلفين على تسوية تقدير ضريبة المبيعات ، وقد ادعت المدعية بعدم دستورية  نصوص قانون ضريبة المبيعات التي نظمت لجان التسوية لأنها تخالف الدستور الذي صرح بأن المحاكم هي المختصة بنظر النزاعات والخلافات، بيد أن الحكم محل تعليقنا رفض دعوى عدم دستورية لجان التسوية الضريبية، وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: ((وحيث ذكرت المدعية في دعواها عدم دستورية  المادة (21) من قانون ضريبة المبيعات، لأن ما ورد في هذه المادة التي نصت على إختصاص لجان التسوية في للفصل في الإعتراض على لجان التسوية التي تسمي مصلحة الضرائب اعضائها لبحث إمكانية التسوية بين الضرائب والمكلفين، فإن تمت التسوية صار الإتفاق نهائياً، وحيث أن التسوية نظام للفصل في منازعات معينة يمنع  المكلف من ولوج طريق القضاء مما يعد غصباً لصلاحيات القضاء وذلك يخالف المادة (149) من الدستور، واستدلت المدعية بحكم المحكمة الدستورية العليا في مصر التي قضت بعدم دستورية المواد (17 و35 و36) من القانون المصري المماثلة لما ورد في القانون اليمني...إلخ ما ورد في الدعوى بعدم الدستورية، والدائرة: تجد أن هذا النعي ليس في محله من حيث تشبيه لجان التسوية في القانون اليمني بلجان التحكيم المنصوص عليها في القانون المصري، فذلك قياس فاسد، فبالنظر إلى إختصاصات هذه اللجان نجدها لا تصدر أحكاماً أو قرارات نهائية أو باتة وإنما تباشر إجراءات سابقة على إجراءات التقاضي أمام المحاكم التي كفلتها المادة (25) من قانون الضريبة العامة للمبيعات. ، فما يصدر من هذه اللجان من قرارات تكون قابلة للطعن أمام المحكمة الابتدائية ثم الشعب الاستئنافية ثم المحكمة العليا، وبناءً على ذلك فإن إختصاص لجان التسوية الضريبية لا ينزع إختصاص القضاء))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: 


الوجه الأول: ماهية لجان التسوية الضريبية وتشكيلها واختصاصها:

نظم قانون ضريبة المبيعات لجان التسوية ضمن لجان المنازعات الضريبية التي تنشاء بين المكلفين ومصلحة الضرائب، حيث تقع هذه المنازعات بمناسبة تقدير مصلحة الضرائب لضريبة المبيعات على المسجلين أو المكلفين، فقد تضمنت المادة(18 ) من قانون ضريبة المبيعات طريقة تقدير ضريبة المبيعات واجراءات التقدير، إذ نصت هذه المادة على أنه( مع مراعاة عدم الإخلال بالعقوبات المنصوص عليها في هذا القانون يكون للمصلحة الحق في تقدير الضريبة على ضوء المعلومات المتوفرة لديها عن الفترة الضريبية مع بيان الأسس التي استندت إليها في التقدير، وذلك في الحالات الآتية:

أ - إذا لم يقدم المسجل الإقرار في الميعاد المنصوص عليه في المادة (13) من هذا القانون .

ب- إذا قام أي شخص غير مسجل بإضافة الضريبة إلى مبيعاته أو الخدمات التي يقدمها.

ج- إذا كان لدى المصلحة أسباب تثبت أو تؤكد أن المكلف اصبح ملزماً بتسجيل نفسه وقام ببيع سلع أو تقديم خدمات خاضعة للضريبة و لم يلتزم بالتسجيل أو السداد .

د- إذا قام أي شخص بتحصيل الضريبة على مبيعات لسلع أو خدمات معفية وفقاً لهذا القانون أو خاضعة للضريبة بالمعدل الصفري.

هـ- إذا امتنع الشخص المسجل عن تقديم الدفاتر والمستندات والأوراق والبيانات أو أتلفها قبل انقضاء المدة المحددة لذلك ).

 اما المادة (19) من القانون ذاته فقد تضمنت كيفية تقديم المكلف ااو المسجل لاعتراضه على تقدير مصلحة الضرائب الضريبة المبيعات ومدة  تقديم هذا الإعتراض والمدة اللازمة للفصل في الإعتراض،  فقد نصت هذه المادة على أن ( يقدم المسجل اعتراضه للمصلحة على قرار تعديل الإقرار أو تقدير الضريبة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تبليغه، وعلى المصلحة أن تبت فيه خلال ثلاثين يوماً من تقديم الإعتراض، فإذا رفض الاعتراض أو لم يبت فيه فللمسجل الحق في اللجوء إلى لجنة الطعون المختصة خلال الثلاثين يوماً التالية )، في حين بينت المادة (20)  الآثار المترتبة على تقديم المسجل أو المكلف للاعتراض على تقدير الضريبة عليه حيث نصت هذه المادة على أنه( يعتبر تقدير المصلحة للضريبة أو تعديلها للإقرار نهائياً غير قابل للطعن من قبل المكلف لدى أي جهة إدارية أو قضائية إذا لم يقدم الاعتراض أو التظلم خلال المواعيد المنصوص عليها في هذا القانون وإذا ظهرت للمصلحة معلومات جديدة فيحق لها ربط الضريبة وفقاً لذلك).

أما  المادة (21) من القانون  المشار إليه فقد تناولت  الحالة التي يتم فيها إحالة إعتراض المسجل إلى لجان التسوية بين  مصلحة الضرائب والمكلفين أو المسجلين، إذ نصت هذه المادة على أنه( في حالة اعتراض المسجل خلال المواعيد القانونية على تعديل الإقرار أو تقدير الضريبة وفقاً لهذا القانون  يحال الاعتراض إلى لجان التسوية المقــررة بهذا القانون)، في حين تعرضت المادة (22) من القانون إلى تشكيل لجان التسوية، حيث نصت هذه المادة على أن( تشكل لجان تسوية في أمانة العاصمة والمحافظات لبحث اوجه الاعتراض مع المكلف وتسويته وفقاً لأحكام هذا القانون ويصدر بتشكيلها وتسمية أعضائها قرار من رئيس المصلحة)، ويلاحظ على هذا النص أنه لم ماهية وصفات رؤساء واعضاء لجان التسوية وماذا كانوا من موظفي مصلحة الضرائب، ولذلك فإن لجان التسوية لجان إدارية وليست قضائية. 

اما اختصاصات لجان التسويــة وكيفية إصدارها لقرارتها وحجية قراراتها فقد ذكرت ذلك المادة (23)  التي نصت  على أن( تختص لجان التسويــة بما يلي :

1-      بحث ودراسة اوجه الخلاف مع المكلفين والاعتراضات المقدمة لها .

2-      إعادة النظر في تعديل الإقرارات الضريبية .

3-      إعادة النظر في تقدير ربط الضريبة، ويكون لها الحق في تعديل قرارات الربط بحضور المكلف أو من ينوب عنه وموافقته على ضوء ما يتبين لها من وقائع وما يقدم لها من مستندات أو وثائق، وتصدر قراراتها بالإجماع موقعة من رئيس اللجنة ، فإذا تم التوصل إلى اتفاق مع المسجل يكون قرارها نهائياً وتؤدى الضريبة بموجبه، أما إذا لم يوافق المسجل على التسوية أو لم يلتزم بالحضور فتربط الضريبة وفقاً لما تقره اللجنة بما لا يتجاوز ربط المصلحة ولا يقل عن حدود اعتراض المكلف ويكون هذا القرار قابلاً للطعن أمام لجان الطعون الضريبية)  ومن خلال استقراء هذا النص يظهر ان القرارات التي تصدرها لجان التسوية لاتكون نهائية الا اذا المكلف قد اتفق مع المصلحة على الضريبة المقدرة المذكورة في قرار لجنة التسوية اما غير هذه الحالة فإن قرارات لجان التسوية تكون خاضعة للطعن أمام لجان الطعون الضريبية الآتي ذكرها، وهذا الأمر يوكد ان لجان التسوية لجان إدارية حسبما قضى الحكم محل تعليقنا. 

في حين تعرضت المادة (24) من القانون لتشكيل لجان الطعون في قرارت لجان التسوية الضريبية، كما ان هذه المادة ذكرت اختصاصات لجان الطعون، فقد  نصت هذه المادة  على أن) تشكل لجان طعون متفرغة للنظر في الطعـون الضريبية يرأس كل لجنة قاضي ابتدائي يعين من قبل رئيس محكمة الاستئناف بالمحافظة وعضوية كل من :

1- مسؤول مالي لا تقل درجته عن مدير عام  عضواً .

2- موظفان فنيان من مصلحة الضرائــب  عضوان .

3-  ثلاثة ممثلون عن الغرفة التجارية وجمعية الصناعيين والنقابات المهنية  أعضاء، ويكون لكل لجنة سكرتارية من العاملين بالمصلحة يصدر بتشكيلها وتحديد مهامها قرار من رئيس المصلحة ، وتختص هذه اللجان بالنظر في الطعون الضريبية من قرارات الربط وإعادة النظر فيها ولها الحق في تأييد الضريبة المربوطة أو تعديلها بما لا يتجاوز ربط المصلحة ولا يقل عن حدود طعن المكلف وتصدر قراراتها أولاً بأول بأغلبية أعضائها المطلقة وفقاً لأحكام هذا القانون).

اما إجراءات الطعــــن في القرارات الصادرة عن لجان التسوية الضريبية فقد  نصت عليها المادة(25 ) من القانون المشار إليه  التي نصت على أنه ( يحق للمسجل الذي ربطت عليه الضريبة من المصلحة وفقاً لقرار لجان التسوية أن يطعن على ذلك الربط خطياً أمام لجنة الطعون خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تبليغه بقرار الربط وتتخذ الإجراءات الآتية :-

(‌أ)  على الطاعن أن يوضح في عريضة الطعن ما يلي :

1- تحديد قيمة الضريبة التي يقر بها كما يجب عليه تحديد اوجه الخلاف في طعنه وإقامة الدليل الذي يؤيد ما اقر به من ضريبة وما يطعن فيه .

2- سداد الضريبة التي يقر بها في عريضة طعنه ولا ينظر في الطعن مالم يكن مقروناً بسند السداد .

(‌ب)   تناقش اوجه الخلاف الواردة في طعن المسجل وله الحق في تقديم كافة الإثباتات والمستندات المؤيدة لطعنه  وللجنة الحق في طلب المعلومات والتفاصيل الضرورية وطلب إبراز الفواتير والسجلات والمستندات اللازمة ، وتنظر اللجنة في الموضوع بموجب الوثائق المقدمة لها وتصدر قراراتها بالأغلبية.

(‌ج)    يكون القرار قابلاً للطعن فيه أمام المحكمة الاستئنافية المختصة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ التبليغ به ، ويصبح الربط من واقع قرار المحكمة الاستئنافية نهائياً وتؤدى الضريبة بموجبه فوراً)، ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر ان لجنة الطعون تكون بمثابة محكمة درجة أولى لان القرارات الصادرة عنها يتم الطعن فيها أمام محكمة الدرجة الثانية وهى محكمة الاستئناف. 

وفي عام 2005 م تم تعديل المادتين(24و25 ) من قانون الضريبة العامة للمبيعات  السابق ذكرهما بموجب القانون رقم (42) لسنة 2005م بتعديل بعض مواد القانون رقم (19) لسنة 2001م  بشأن الضريبة العامة على المبيعات،  حيث صارت المادة (24) بعد التعديل تنص على أن( ا- تشكل لجان طعن متفرغة للنظر في الطعون الضريبية ويصدر بها قرار من وزير المالية موضحاً به مقر ونطاق عملها الجغرافي على النحو التالي:-1- محاسب قانوني من جمعية المحاسبين يختار بالتوافق من قبل ممثلي المصلحة والغرف  التجارية الصناعية رئيسا-2- موظفان فنيان من مصلحة الضرائب عضوان -3- ممثلان عن الغرف التجارية والصناعية  يتم اختيارهما من الاتحاد العام للغرف التجارية  الصناعية  عضوين-4-أمين سر اللجنة ولايحق له التصويت. - ب‌- تختص هذه اللجان بالنظر في الطعون الضريبية من قرارات الربط وإعادة النظر فيها ولها الحق في تأييد الضريبة المربوطة أو تعديلها، بما لا يتجاوز ربط المصلحة ولا يقل عن حدود طعن المكلف وتصدر قراراتها بالأغلبية المطلقة لأعضائها ولا ينعقد الاجتماع إلا بحضور الرئيس وكامل أعضاء اللجنة وفقاً لاحاكم هذا القانون. - ج- يكون القرار قابلاً للطعن فيه أمام محكمة الضرائب الابتدائية المشكلة بموجب المادة (79)من القانون رقم (31) لسنة 1991م بشأن ضرائب الدخل وتعديلاته خلال ثلاثين يوماً من تاريخ التبليغ به ،وتكون الأحكام الصادرة من هذه المحكمة قابلة للاستئناف والطعن أمام الشعب الاستئنافية المختصة والمحكمة العليا.-د- مع عدم الإخلال بأحكام المادة (47)من القانون لايجوز لأي محكمة أخرى ولأي سبب كان النظر في القضايا والمنازعات المتعلقة بربط الضريبة العامة على المبيعات ، وفي كل الأحوال  لا تكون هذه المحكمة مختصة بنظر القضايا والمنازعات الجنائية في الضريبة العامة على المبيعات )، وبموجب هذا التعديل فلم تعد اللجنة الضريبية بمثابة محكمة درجة أولى، فقد صارت اللجنة الضريبية لجنة إدارية يتم الطعن في قراراتها أمام المحكمة الابتدائية، وهي محكمة أول درجة، وعلى أساس هذا التعديل القانوني لم يتم حرمان المكلف ضريبياً من درجة من درجات التقاضي حسبما قضى الحكم محل تعليقنا. 

الوجه الثاني: ماهية النزاع الضريبي وخصائصه:

 يقع النزاع الضريبي فيما بين مصلحة الضرائب والمكلفين بشأن تقدير الضريبة المستحقة على المكلف على النحو السابق بيانه في الوجه الأول ، نظرا  لصعوبة إدراك  إجراءات وطرق تقدير الضريبة واحتسابها من قبل بعض المكلفين ، إذ تنص القوانين الضريبية على قيام  المكلفين بتقديم الإقرارات الضريبية للمكلفين من  فتتم دراستها من قبل محاسبين  ضريبين متخصصين، إضافة إلى أن المعنى الضريبي لبعض المصطلحات يختلف عن المعنى الاقتصادي لها، كمفهوم القيمة المضافة والدخل والاستهلاك، بل قد يختلف مدلول المصطلح من قانون ضريبي إلى آخر، فمعنى البيع في قوانين الضريبة على القيمة المضافة أوسع من معناه في قوانين ضريبة الدخل، ولذلك  تقع المنازعات الضريبية، ومن هذا المنطلق فإن التقليل من النزاعات الضريبية يتطلب رفع الثقافة الضريبية للمكلفين وتعريف المصطلحات الضريبية في قوانين فرض الضريبة وضبط مدلولها بدقة وتقليل التفسيرات واللوائح وتبسيط إجراءات التحقق حتى يتمكن المكلف من القيام بالتزاماته بأقل تكلفة، لإن هذا التبسيط يفيد كلاً من المكلف والإدارة الضريبية ويقلل من النزاعات الضريبية، وهناك أسباب إدارية لحدوث المنازعات الضريبية : لعل من أهمها:-أ ـ السلطة التقديرية للادارات الضريبية، إذ تمنح القوانين الضريبية للادارات الضريبية فرض الضريبة سلطة تقديرية واسعة  في تقدير  الضريبة  المستحقة على المكلف، علاوة على أن القوانين الضريبية تمنح الادارات الضريبية سلطات أوسع في إحتساب الضرائب والتعامل بشك مع اقرارات المكلفين، فليس خافيا ان الادارات الضريبية في الغالب تستقل وتحتكر عملية تقدير الضريبية وفقا للبيانات المتوفرة لديها والتي قد تكون غير صحيحة، وهذا الأمر يفسر كثرة الدعاوى الدستورية في القوانين الضريبية، الإدارات الضريبية تحتكر إجراءات التحقق  من الضريبة وتصفيتها، وهذه السلطة عندما يقررها القانون يفترض أن تمارسها الإدارة الضريبية بموضوعية وحياد بهدف تحقيق المصلحة العامة من دون أي محاباة أو تعنت أو انحراف في السلطة أو تجاوز لحدودها، لذلك فللحد من هذه السلطة لا بد من:(1)ـ عدم المغالاة في تقدير  الضريبية للمكلف، كأن يكون غير مستند إلى أسس واقعية تدعمه أو عدم الجدية في دراسة اعتراضات المكلفين.(2)ـ عدم رفض الأدلة المقدمة من المكلف أو دفاتره المعتمدة من محاسب قانوني إلا عند مخالفتها لمبدأ الأمانة والشروط القانونية التي تحكم تنظيمها.

والإصلاحات الضريبية الجارية في دول كثيرة تقلل إلى  من ممارسة هذه السلطة وتهدف إلى خلق مناخ من الثقة المتبادلة بين المكلف والإدارة الضريبية، كتشجيعها على الربط الذاتي والفحص بالعينة والقرارات المسبقة، والتقليل من استخدام أسلوب الدخل المقطوع أو إيجاد وسائل لتحديد  الضريبة من دون تدخل من العاملين لدى الإدارة الضريبية.

لعل  الفساد الإداري في الادارات الضريبية من أهم واخطر أسباب المنازعات الضريبية، اذ تعد بيئة العمل الضريبي مجالاً جاذباً لممارسة الفساد الإداري من قبل موظفي الإدارة الضريبية، فكلما قل تدخلهم وقلت سلطتهم التقديرية الواسعة الممنوحة لهم وكلما رفع مستوى دخولهم وفعّلت مستويات الرقابة عليهم من الإدارات الأعلى وتحملت الإدارات الضريبية مسؤوليتها عن الأخطاء التي ترتكبها بحق المكلفين وتحمّل الموظف الخطأ الذي يصر على ارتكابه وتأكد سوء نيته من ذلك، قلت حالات الفساد الإداري الضريبي ومن ثم تقل النزاعات الضريبية.

ومن أسباب المنازعات الضريبية ـ تدني مستوى تأهيل وتدريب العاملين في الادارات الضريبية، نظرا لتدني مستوى ثقافتها الضريبية لحقيقة دورها الذي يجب أن تقوم به في علاقتها بالمكلفين من شفافية ووضوح وتعاون وتقديم كل عون للمكلف من أجل تنفيذ التزاماته الضريبية، فكلما تدنى هذا المستوى كثرت النزاعات الضريبية.

 الوجه الثالث: أطراف النزاع الضريبي:

الأصل أن النزاع الضريبي يقوم بين طرفين هما المكلف والإدارة الضريبية، وقد يكون هذا المكلف، مكلفاً قانونياً وقد يكون من يتحمل عبء الضريبة في الواقع، وقد يكون شخصاً طبيعياً، وقد يكون شخصاً اعتبارياً، وقد يكون مقيماً، وقد يكون غير مقيم، إلا أن هذا لا يمنع أن يكون غير المكلف طرفاً في النزاع الضريبي في بعض الحالات، فقد يكون أحد طرفي النزاع كل شخص له مصلحة فيه ولو لم يكن مكلفاً أو ملزماً مباشرة بأداء الضريبة، كأن يكون ممن يمكن أن يضار من الحكم بها. 

وقد  كفلت القوانين  الضريبية للمكلف الحق في التظلم والإعتراض من التقدير الجزافي والخرافي للضريبة ولكن هذا الحق يتلاشي حينما يفصل في هذا التظلم أو التظلم الموظف الذي قام بتقدير الضريبة أو رئيسه للإدارة، ولذلك فقد كانت دعوى عدم دستورية بعض مواد قانون ضريبة المبيعات التي فصل فيها الحكم محل تعليقنا كانت تناقش هذه المسألة.( تسوية النزاعات الضريبية بالطرق الإدارية، د. محمد خير العام، ص4). 

الوجه الرابع: طبيعة الاتفاق بين المكلف والإدارة الضريبية على تقدير الضريبة:

ليس خافيا كثرة المنازعات الضريبية، ولذلك فإن هذا الأمر قد استدعى إيجاد وسيلة سريعة وفاعلة لتسوية هذه المنازعات عن طريق الاتفاق أو الصلح فيما بين المكلفين ومصلحة الضرائب،  فإذا ما رأت الإدارة الضريبية ذاتها ان تطلب من الممول تقديم طلب إلى لجنة إدارية خاصة بغية إنهاء تلك المنازعة ؛ فان رائدها في ذلك القضاء على ظاهرة تضخم عدد المنازعات الضريبية التي المنظورة أمام اللجان والمحاكم ؛ فتتحدد مراكز الممولين وهو الأمر الذي يترتب عليه حالة من الاستقرار تعود بالنفع على الاقتصاد القومي للبلاد ، ومن ناحية أخرى تخفيف العبء على القضاء فضلا عن توفير وقت وجهد أطول ، وحصول الخزانة العامة على حقوقها في الوقت المناسب ، وتوفير وقت وجهد العاملين في الحقل الضريبي. 

إن تحديد الطبيعة القانونية للاتفاق أو التصالح الضريبي من الأهمية بمكان حيث يتحدد على أساسها الإجراءات الواجب إتباعها في هذه الحالة ، ويمكن التفرقة بين نوعين من التصالح ، الأول : التصالح الضريبي في الدعاوى الجنائية وهذا النوع يخرج من نطاق هذا التعليق حيث حدد القانون الضريبي الإجراءات المتبعة في هذا الشأن. والثاني : التصالح بالطريق العادي في الدعاوى الضريبية المنظورة أمام القضاء وهو ما يدخل في نطاق هذا التعليق.

وتحديد الطبيعة القانونية للتصالح الضريبي يتطلب  معرفة الطبيعة القانونية للتصالح وفق قواعد القانون الخاص ، ثم مدى تطبيق ذلك على الضريبة ، أم إن للتصالح الضريبي طبيعة أخرى؟ 

يحظى عقد الصلح المدني بأهمية كبيرة في القانون المدني ، فمن الناحية العملية  يحقق عقد الصلح غاية سامية ، وهى استتباب السلام الاجتماعي ، والوقاية من اللدد في الخصومة ، وقد استقر في وجدان الأفراد بأن ” الصلح السىء خير من الخصومة الجيدة ” ، والصلح سيد العقود أو الأحكام. 

والصلح في المواد المدنية طبقا لأحكام القانون المدني لانه ” عقد يحسم به الطرفان نزاعا قائما ، أو يتوقيان به نزاعا محتملا ، وذلك بان ينزل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه “0

وعرفته المحكمة الإدارية العليا المصرية بأنه ” عقد يقوم على أركانه القانونية وهى التراضي والمحل والسبب 0000″0

ويتبين من التعريفات السابقة إن الصلح في طبيعته هو :

– عقد يقوم على أركان العقد العامة وهى الرضاء ، والمحل ، والسبب ، فضلا عن مقومات أخرى ثلاثة: أولها نزاع قائم أو محتمل ، ثانيها نية حسم النزاع ، وثالثها نزول كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه 0

– عقد من العقود الملزمة للطرفين ، حيث يلتزم كل طرف فيه تجاه الآخر بالتنازل عما يدعيه، الصلح يعني قطع الخصومة وديا بناء على إرادة الأطراف ومن ثم فالإنهاء الاتفاقى للنزاع يطلق عليه مصطلح الصلح ، ويطلق عليه البعض مصطلح التوفيق، وينظم القانون الضريبي العلاقة بين الممول والإدارة الضريبية على أساس المبادىء الدستورية ووفقا للقواعد القانونية الموضوعية والإجرائية الحاكمة للضريبة- والأولى يقصد بها القواعد التي تحكم فرض الضريبة أو تحديد الالتزام وأن محل هذا الالتزام هو تحديد مقدار دين الضريبة المستحقة في ذمة الممول ، والثانية تشمل دفع الضريبة أو اقتضاء الالتزام وحل منازعاته وتشمل القواعد القانونية المنظمة لإجراءات ربط وتحصيل الضريبة  والقواعد المنظمة لإجراءات المنازعة الضريبية في المرحلتين الإدارية والقضائية – ومن ثم فانه لا يجوز الاعتداد بأي اتفاق بينهما يخالف حكم القانون .

والقاعدة المقررة هي أن الضريبة تربط على الأرباح الحقيقية الثابتة من واقع الإقرار المقدم من الممول إذا قبلته مصلحة الضرائب ، وفى المقابل منح القانون مصلحة الضرائب الحق في تصحيح الإقرار أو تعديله ، كما يكون لها عدم الاعتداد به وتحديد الإيرادات أو الأرباح بطريق التقدير .

وإذا ما توافرت حالة من الحالات التي يكون للإدارة الضريبية حق تعديل الربط ، وقع عليها التزام بإخطار الممول بعناصر ربط الضريبة وقيمتها على نموذج الربط المعد لذلك ، فإذا ما تم هذا الإخطار انعقدت الخصومة الضريبية ، وبات على الممول حق الطعن على هذا النموذج ؛ فإذا ما تم الطعن عليه في الميعاد القانوني نشأت المنازعة الضريبية بينه وبين الإدارة الضريبية .

وقد أتاح القانون للمكلف والإدارة الضريبية إنهاء المنازعة الضريبية بينهما بالتسوية الودية ، أو من خلال لجان تجمع بين الخبرة الفنية والحياد ، فإذا تعذر عليهما الوصول إلى إنهاء المنازعة فلا مناص من اللجوء إلى القضاء الذي لا تتعدى ولايته النظر فيما إذا كان قرار لجنة الطعن صدر موافقا لأحكام القانون أو بالمخالفة له .

ويستمد الاتفاق أو الصلح – بين المكلف والإدارة الضريبية – على تسوية الخلاف وإنهاء المنازعة الضريبية طبيعته من خلال العلاقة التنظيمية التي يحكمها القانون الضريبي وصولا إلى حقيقة الربح التي فرض القانون ربط الضريبة على أساسها .

ويتبين من خلال تلك الأحكام إن الاتفاق أو الصلح الضريبي هو:

” عقد وضع لرفع النزاع وقطع الخصومة بين المكلف والإدارة الضريبة بتراضيهما في ضوء العلاقة التنظيمية التي يحكمها القانون الضريبي ” .

– التراضي :وهو تلاقى ارادتى المكلف والإدارة الضريبية –الإيجاب والقبول – وتطابقهما بالنسبة للعملية القانونية التي يراد القيام بها ، وأن يراد القيام بهذه العملية بصفة نهائية ، وهى الاتفاق على عناصر تحديد الأرباح الحقيقية في ضوء القواعد الحاكمة للضريبة .

وتطبيقا لذلك نص قانون ضريبة المبيعات  على  أنه إذا تم التوصل إلى تسوية أوجه الخلاف يصبح الربط نهائيا.

– محل الصلح الضريبي : ويتمثل في تحديد الأرباح الحقيقية ومن ثم تحديد وعاء الضريبة والذي على أساسه يتحدد مقدار دين الضريبة الذي يلتزم الممول بأدائه إلى الخزانة العامة 0

– سبب الصلح الضريبي : وهو الباعث الدافع على الاتفاق أو الصلح والمتمثل في حقيقة الربح التي فرض القانون ربط الضريبة على أساسها .

فالاتفاق أو الصلح في المجال الضريبي يستمد طبيعته القانونية من العلاقة التنظيمية بين المكلف والإدارة الضريبة والتي يحكمها القانون الضريبي ، ومعنى ذلك أن إعادة النظر في المنازعة الضريبية المنظورة أمام القضاء ليس صلحا بالمعنى القانوني الذي ينطوي على الترك من طرفي النزاع وإنما هو إعادة لتحديد وعاء الضريبة فيما خرج عن ولاية المصلحة لصيرورة الربط نهائيا بقصد تمكينها من العدول عن أخطاء وقعت فيها، وذلك على خلاف طبيعة الصلح في المواد المدنية إذ يستمد طبيعته من العلاقة التعاقدية التي تحكم أطراف العقود وفقا لقواعد القانون الخاص .

وإذا كان الاتفاق أو الصلح يتحدد من خلاله الأرباح الحقيقية ومن ثم تحديد وعاء الضريبة والذي على أساسه يتحدد مقدار دين الضريبة الذي يلتزم المكلف بأدائه إلى الخزانة العامة.

 الوجه الخامس : مصدر إلتزام المكلف بدين الضريبة:

إذا كان  الاتفاق أو الصلح – بين المكلف والإدارة الضريبية – على تسوية الخلاف وإنهاء المنازعة الضريبية يستمد طبيعته من خلال العلاقة التنظيمية التي يحكمها القانون الضريبي فان معنى ذلك إن الاتفاق ، بداية يكمن في تحديد الأرباح الحقيقية الفعلية التي فرض القانون ربط الضريبة على أساسها في ضوء مجموعة من القواعد الموضوعية والإجرائية التي فرضها قانون الضريبة والتي تعد من القواعد الآمرة التي تتعلق بالنظام العام ، يحددها القانون ولا تعتبر اتفاقا تعاقديا بين المكلف والإدارة الضريبية ، فلا يجوز مخالفتها أو التنازل عنها ، وهى إجراءات ومواعيد حتمية ألزم القانون مصلحة الضرائب بالتزامها وقدر وجها من المصلحة في إتباعها ورتب البطلان على مخالفتها ( الطعن رقم 497 س 49 ق جلسة 17/12/1984 ) 

وعليه فان المكلف إذا قبل التقدير الذي أجرته المصلحة فانه يكون بقبوله قد عقد معها اتفاقا لا يحل له أن يتحلل منه ما لم يثبت وجود شائبة شابت رضاه وقت انعقاده أو أنه وقع مخالفا للنظام العام ( نقض رقم 31 لسنة 20 ق في 27/3/1952 جرف (8) ص 39، وهنا يثور التساؤل هل الاتفاق المبرم بين المكلف والإدارة الضريبة والملزم لهما هو مصدر الالتزام بدين الضريبة ؟ أم أن القانون الضريبي هو مصدر هذا الالتزام ؟

يتضح لنا من خلال الطبيعة القانونية للاتفاق أو الصلح ، وما أوردته محكمة النقض المصرية في حكمها سالف الذكر أن القانون –لا الاتفاق – هو مصدر الالتزام بدين الضريبة ، ومعنى ذلك انه إذا ما قبل المكلف تقدير الإدارة لأرباحه ، فان الإدارة إنما تربط الضريبة لا على اعتبار أن ثمة اتفاقا ملزما وقع بينهما وإنما على اعتبار أن ما توصلت إليه – بعد بحثها كافة العناصر – هو بمثابة الأرباح الحقيقية الصافية التي فرض القانون ربط الضريبة على أساسها .

وينبني على ذلك أنه إذا ثبت عدم سلامة الأسس والعناصر التي استند عليها الاتفاق في تقدير الأرباح يجوز لكل من الإدارة والممول العدول عن هذا التقدير ولو كان متفقا عليه لأنه لا يستمد قوته الملزمة من مجرد الإيجاب والقبول طبقا لقواعد القانون الخاص ، وإنما من مطابقة الأسس والعناصر التي بني عليها للشروط ولأوضاع التي فرضها القانون .

فلا عبرة بقصاصة ورق الاتفاق ما لم تكن ممثلة للربح الحقيقي لأن الضريبة لا تتولد من مجرد الإيجاب والقبول، واحترام الاتفاق ليس سببه الاتفاق لذاته بل لان القانون افترض أنه يمثل حقيقة الربح وأنه يحمل قرينة الصحة؛ لكونه بني على الأسس والوسائل التي أوجب القانون الضريبي إتباعها للوصول إلى تحديد حقيقة هذه الأرباح ، فإذا انتفت عنه هذه القرينة وثبت عكسها فقد الاتفاق قيمته وأمكن العدول عنه ومناقشة الأرباح من جديد. 

وإذا كان – لا الاتفاق –هو مصدر الالتزام بدين الضريبة ؛ فان مفهوم المخالفة أن الاتفاق يجب إن يكون متفقا مع القواعد القانونية والإجرائية التي تحكم الضريبة ، وان موضوع الاتفاق يكمن في الوصول للأرباح الحقيقية وفقا لهذه القواعد. 

 الوجه السادس: إتفاق الإدارة الضريبية مع المكلف على إنهاء المنازعة الضريبية أمام القضاء:

 إذا كان دين الضريبة مفروضا بحكم القانون وينشأ بمجرد توافر الواقعة أو الوقائع التي يتطلبها قانون الضريبة ، ويتحدد طبقا للإجراءات والأوضاع التي نظمها القانون ؛ فان الخلاف بين المكلف والإدارة الضريبية ، ومن ثم فان موضوع المنازعة الضريبية لا يتعدى أحد أمرين : الأول : تعلق الخلاف بتقدير الأرباح، والثاني : تعلق الخلاف بالمبادئ القانونية .

وإذا ما كان الاتفاق أو الصلح على تسوية الخلاف وإنهاء المنازعة الضريبية يستمد طبيعته من خلال العلاقة التنظيمية التي يحكمها القانون الضريبي وصولا إلى حقيقة الربح التي فرض القانون ربط الضريبة على أساسها ؛ فهل يمتد الاتفاق والصلح إلى المبادىء القانونية محل النزاع أم يقتصر ذلك على تقدير الأرباح ؟ 

أولا : الاتفاق أو الصلح في تقدير الأرباح

ذكرنا فيما سبق إن الضريبة تربط على الأرباح الحقيقية الثابتة من واقع الإقرار المقدم من المكلف إذا قبلته مصلحة الضرائب ، وفى المقابل منح القانون مصلحة الضرائب الحق في تصحيح الإقرار او تعديله ، كما يكون لها عدم الاعتداد به وتحديد الإيرادات أو الأرباح بطريق التقدير .

وبينا أن موضوع الاتفاق يكمن في الوصول للأرباح الحقيقية وفقا للقواعد القانونية والإجرائية التي تحكم الضريبة ، وأنه يحمل قرينة الصحة؛ لكونه بني على الأسس والوسائل التي أوجب القانون الضريبي إتباعها للوصول إلى تحديد حقيقة هذه الأرباح .

وينبني على ذلك أنه بالنظر إلى الطبيعة القانونية للاتفاق أو الصلح الضريبي ، وعلى اعتبار إن القانون – لا الاتفاق –هو مصدر الالتزام بدين الضريبة ، وان الغرض الاساسى من الاتفاق أو الصلح هو الوصول للأرباح الحقيقية الصافية التي فرض القانون ربط الضريبة على أساسها ؛ فانه ليس هناك ما يمنع الاتفاق أو الصلح بين الإدارة الضريبية والممول في المنازعة الضريبية المطروحة أمام القضاء إذا ما تعلق الأمر بالأمور التقديرية الموضوعية ما دام ذلك يتم في إطار القواعد الحاكمة للضريبة – الموضوعية أو الإجرائية – ؛ فليس في هذا الاتفاق أية مخالفة للنظام العام ولا القانون .

وقد أكد ذلك موقف القضاء المصري ؛ فقد أجازت المحاكم الابتدائية – عموما – الاتفاق الملزم في الشؤون الضريبية وان كانت قد اختلفت في تبرير الأثر الالزامى لهذا الاتفاق، فاستندت بعض الاحكام على القاعدة المدنية التي تقضى بأن العقد شريعة المتعاقدين ( محكمة الفيوم الابتدائية في 3/ 3/1946 المجموعة الرسمية س 46 ص 159 ) ، واستندت أحكام أخرى على ضرورة المحافظة على مصالح الممولين التي تظل مهددة إذا بقيت مراكزهم المالية غير محددة بالرغم من اتفاقهم مع المصلحة وهو الأمر الذي يؤدى إلى عدم استقرار المعاملات وما يترتب على ذلك من اضطراب في النواحي الاقتصادية 0 محكمة القاهرة الابتدائية 31/3/1946 .م. جرف (3) ص 93- 103).

أما المحاكم الاستئنافية فقد ذهبت في بعض أحكامها إلى إجازة الاتفاق في الشئون الضريبية سواء تضمن الاتفاق مسائل قانونية أو موضوعية (استئناف الإسكندرية رقم 53/9 ق في 26/2/1959 – وقد ورد به ” انه ما دام المأمور وهو يمثل المصلحة قد استعرض جميع المسائل القانونية والواقعية قبل أن ينتهي إلى الربط ثم إلى الاتفاق مع الممول فليس للمصلحة بعد ذلك أن تحتج بان الاتفاق حدث دون أن يطبق القانون تطبيقا سليما … ما دامت عناصر التقدير كلها وأسانيدها القانونية كانت تحت نظر المأمورية وقت إجرائه ”

كما ذهبت أيضا إلى إجازة مبدأ التصالح بين المصلحة والممول طبقا للقواعد العامة إلا أنها قضت في بعض أحكامها الأخرى بوجوب التفرقة بين المسائل الموضوعية فأجازت الاتفاق بصددها ، والمسائل القانونية التي لم تجز الاتفاق بشأنها على ما يخالف القانون (استئناف القاهرة رقم 386/71 ق في 17/1/1957 . مجلة إدارة قضايا الحكومة س ( 1) ع (2) ص 197 ) ؛ بينما ذهب فريق ثالث من الأحكام إلى الاستناد على إرادة القانون في الأحوال التي يجيز فيها الاتفاق بين الممول والمصلحة ( استئناف القاهرة رقم 97/64 ق في 3/12/1947 جرف (1) ص 226 ).

ولم يطرح على محكمة النقض المصرية اتفاقات ضريبية تضمنت مسائل قانونية ، إلا انه يمكن القول بان محكمة النقض المصرية قد حذت حذو محكمة النقض الفرنسية في التفرقة بين المسائل القانونية والمسائل الموضوعية إذ أنها أجازت مبدأ الاتفاق الذي يتم بين الإدارة الضريبية والممول على الأمور التقديرية الموضوعية ، ولم تر في هذا الاتفاق أية مخالفة للنظام العام ولا للقانون (حكم محكمة النقض في الطعن رقم 315 لسنة 23 ق في 16/5/1957 . وكان الخلاف الذي طرح على محكمة النقض يدور حول اتفاق على تقدير نسب الأرباح فقضت محكمة النقض بصحة هذا الاتفاق مستندة على سلامة الأسس التي بني عليها ومطابقتها للنظام الذي وضعته المصلحة لتقدير نسب الأرباح التي تربط عليها الضريبة).

وجاءت فتوى مجلس الدولة – إدارة الرأي لوزارة المالية في 11/12/1949 – منشورة ” بمجموعة فتوى مجلس الدولة ” للأستاذين كمال عبد الرحمن الجرف ومحمد سعيد الأنصارى 1951 ص 207 -214 وقد ورد بها أن :

” تعديل قرار لجنة التقدير بطريق الاتفاق مع قيام الطعن في التقدير أمام القضاء لا يخرج عن كونه إنهاء للنزاع قد تستلزمه اعتبارات لا يمكن إدراكها بالتزام أحكام القانون وتتعلق بمبادئ العدالة ويكون من الجائز لمصلحة الضرائب تطبيقا للقواعد العامة إنهاء النزاع المطروح على القضاء بطريق الصلح).

هذا عن الصلح والاتفاق في حالة إذا ما تعلق الخلاف بتقدير الأرباح ، ولكن يثور التساؤل إذا ما تعلق الخلاف بالمبادئ القانونية فهل يجوز الصلح أو الاتفاق إذا تعلق موضوع المنازعة الضريبية بمبدأ قانوني ؟ .

ثانيا : الصلح أو الاتفاق في المبادىء القانونية 

إن تبنى سياسة إنهاء المنازعات الضريبية وحل مشاكل الممولين وسرعة تحديد المراكز الضريبية لهم من خلال الصلح أو الاتفاق في الدعاوى الضريبية بالطريق العادي يستتبع بالضرورة الوقوف على ماهية موضوع المنازعة الضريبية وهل يتعلق الأمر بمسائل قانونية من عدمه ؟ لأن ذلك يتحدد على أساسه مدى جواز هذا الصلح أو الاتفاق بين الممول والإدارة الضريبية في هذه المنازعة ؛ فإذا ما تبين أن موضوع المنازعة الضريبية تعلق بمسألة قانونية ؛ ففي هذه الحالة نفرق بين أمرين :

الأول : أن موضوع الخلاف هذا قد استقرت بشأنه أحكام المحاكم على رأى موحد حاز قوة الشيء المقضي به ؛ فهنا يمكننا القول بإجازة الصلح والأخذ بهذا الراى الموحد شانه في ذلك شان الصلح في المسائل الموضوعية 0 والأمر الثاني : إذا كان موضوع الخلاف لم يستقر فيه القضاء على حكم حاز قوة الشيء المقضي به ، أو كان الخلاف معروضا على محكمة النقض ، ففي الحالة الأولى يمكن أخذ رأى قطاع البحوث والسياسات بمصلحة الضرائب المصرية لإبداء الراى فيه ، وفى هذه الحالة يتوقف الصلح أو الاتفاق على هذا الرأي ، وفى الحالة الثانية يجب الانتظار حتى يفصل في النزاع من محكمة النقض ، ومعنى ذلك عدم جواز الصلح أو الاتفاق في مسألة قانونية معروضة على محكمة النقض في منازعة ضريبية بين الممول والإدارة الضريبية (هل يجوز للممول والإدارة الضريبية تسوية الخلاف بالاتفاق أو التصالح لإنهاء المنازعة الضريبية أمام القضاء، إعداد الباحث على لطفي بركات، ص9). والله اعلم.