التوقيع المجرد للمحتكم لا يكون تشريفاً لحكم التحكيم

 التوقيع المجرد للمحتكم لا يكون تشريفاً لحكم التحكيم

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

 مجرد التوقيع أو التوقيع المجرد عن البيان ترد عليه احتمالات عدة، فقد يكون مراد صاحب التوقيع تجربة القلم حسبما يقول الفقهاء، وقد يحتمل  ان مراده من التوقيع الموافقة على حكم التحكيم أو العلم به، وقد يكون المراد خلاف ذلك ، فالتوقيع الذي يدل على إرادة المحتكم تشريف الحكم  هو التوقيع المقترن بألفاظ وعبارات تدل على أن المحتكم  قد قبل بالحكم أو شرفه، اما مجرد توقيع المحتكم على حكم التحكيم فترد عليه احتمالات عدة، ولذلك فأنه لا يفيد قطعاً أن المحتكم قد قبل حكم التحكيم أو شرفهُ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-1-2002م في الطعن رقم (4907)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((ومن حيث الموضوع فقد تبين عدم صحة ما نعاه الطاعن من حيث عدم جواز تقديم دعوى بطلان حكم التحكيم بحجة توقيع المدعي ببطلان حكم التحكيم على حكم التحكيم، إذ أن مجرد التوقيع على الحكم بحد ذاته لا يعني بالضرورة تخلي صاحب التوقيع عن حقه في تقديم دعوى البطلان في الحكم، فالمهم أن تكون دعواه ببطلان حكم التحكيم مؤسسة تأسيساً صحيحاً على القانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: 

الوجه الأول: معنى التوقيع المجرد وحجيته: 

التوقيع المجرد عن البيان: هو التوقيع فقط من غير أن يصاحبه أي بيان أو إفادة أو كتابة أو عبارة تدل على الغرض من توقيع الشخص، فالتوقيع المجرد لا يقترن بأية إفادة أو بيان بشأن الغرض من التوقيع، والتوقيع المجرد وإن كانت نسبته معلومة لصاحبه إلا أن الغرض من التوقيع المجرد  مجهول، ولذلك فإن التوقيع المجرد تحيط به احتمالات عدة بشأن الغرض منه، فمثلاً في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا قد يكون الغرض من توقيع المحتكم على حكم التحكيم العلم بالحكم أو حضوره جلسة النطق بالحكم أو أنه تم النطق بالحكم في مواجهته أو أنه تم تسليمه  نسخة من الحكم، كما قد يحتمل أن يكون الغرض من التوقيع الموافقة على الحكم وتشريفه، فهذه الاحتمالات التي تحيط بالتوقيع المجرد تجعل الاحتجاج به على تشريف الحكم ضعيفاً. 

الوجه الثاني: التشريف المعتبر للحكم : 

التشريف: هو قبول المحتكم لحكم التحكيم والالتزام بتنفيذه، والتشريف ينبغي أن يكون صريحاً، أي ينبغي أن يعلن الشخص تشريفه بالحكم أو يصرح به شفاهة أو كتابة، فالتشريف يتم شفاهة بحضور شهود أو يتم كتابة في ذيل الحكم أو يتم كتابة في محضر جلسة النطق بالحكم أو في محضر مستقل عن جلسة النطق بالحكم ، أي أن التشريف الكتابي ينبغي أن يتضمن بيان أو كتابة منسوبة للمحتكم تصرح بأن صاحب التوقيع قد قبل الحكم والتزم بتنفيذه، فلا يكفي مجرد التوقيع من غير بيان. 

الوجه الثالث: القبول بالحكم في قانون المرافعات:  

  ناقش الحكم محل تعليقنا  دلالة التوقيع المجرد من حيث : هل يعد تشريفاً للحكم أو قبولا بالحكم، وقد نظم قانون المرافعات هذه المسألة في المادة (273) التي نصت على أنه :( لا يجوز أن يطعن في الأحكام إلا المحكوم عليهم ولا يجوز أن يطعن فيها من قبـل الحكم صراحة في محضر الجلسة أو في جلسة لا حقه أو ممن قام بتنفيذ الحكم من تلقاء نفسه خلال مدة الطعن ولا ممن حُكم له بكل طلباته)، ومن خلال استقراء هذا النص يظهر ان تشريف الحكم يندرج ضمن القبول الصريح بالحكم، علما بأن هذا النص قد اشترط في القبول الصريح ان يتم إثباته في محضر جلسة المحكمة حسبما ورد في النص السابق، طبعا هذا النص يتناول القبول الصريح بالحكم القضائي، اما بالنسبة لحكم التحكيم فقد اشرنا في الوجه الثاني إلى أن التشريف  لحكم التحكيم يتم إثباته في ذيل الحكم أو في محضر مستقل كما قد يقع التشريف شفاهة اذا كان مشهودا عليه أو أقر المحتكم نفسه بأنه قد شرف الحكم، اما التشريف الضمني للحكم فسوف نتناوله في الوجه المقبل حينما نعرض قبول الحكم بشئ من التفصيل .

الوجه الرابع: قبول الحكم المانع من الطعن في القضاء والفقه العربي:

عرض الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامي   قبول الخصم للحكم الذي يمنعه من الطعن في الحكم وذلك بشئ من التفصيل، وذلك في بحثه القيم بعنوان(القبول المانع من الطعن في الحكم القضائي )، فقال ان المشرع نص في المادة 211 مرافعات مصري علي قواعد القبول المانع من الطعن في الحكم القضائي اذا قبله المحكوم عليه وفوت ميعاد الطعن  وقد يكون قبولا ضمنيا كما قد يكون صريحا، كما قد يتم القبول في حالة تعدد المحكوم عليهم وقبول البعض للحكم دون البعض الأخر وأثر ذلك القبول علي من لم يقبل ومدى جواز رجوع من قبل بالحكم، وقد شرح الأستاذ عبد العزيز هذا  الموضوع حيث عرض ماهية القبول لغة واصلاحاً، بقوله ان القبول لغة يطلق على الرضاء والتصديق، فيقال : قبل الشيء قبولا أي رضيه، كما يقال : قبل فلان الخبر أي صدقه، اما القبول في الإصطلاح: فهو الرضاء بالحكم والعزوف عن الحق في الطعن فيه ، أي أنه نزول عن الطعن كحق إجرائي وليس نزولا عن الحكم ذاته، ذلك أنه يصدر من المحكوم عليه بينما النزول عن الحكم وهو نزول عن الحق الثابت به ـ لا يصدر إلا من المحكوم له باعتباره صاحب هذا الحق، كما أنه يختلف عن النزول عن الطعن – المرفوع فعلا – وترك المرافعة فيه حسبما سياتي بيانه . 

 وقال الأستاذ عبد العزيز : ان قبول  الخصم للحكم تصرف قانونى من جانب واحد، فلا يشترط فيه شكل خاص، وبإعتبار القبول تصرفا قانونيا فلابد فيه من إرادة تصدر عن القابل تفيد  القبول بالحكم والنزول عن الحق في الطعن باعتباره سلطة منحها المشرع للمحكوم عليه ولابد أن تكون هذه الإرادة خالية من العيوب، فيجب ألا يشوبها غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال وإلا كان القبول قابلا للإبطال .

كما يجب أن تصدر هذه الإرادة من ذي أهلية، وتكفى فى هذا الشأن أهلية التصرف، كذلك يلزم أن يكون للقبول – كأي تصرف قانونى – محل يرد عليه ومحل القبول يتحدد بالحكم المطعون فيه دون سواه

كما يلزم أن يكون للقبول سبب أي باعث دافع إليه ، فإن كان هذا الباعث مشروعا صح القبول وإلا وقع باطلا، وبإعتبار القبول بالحكم تصرفا بإرادة منفردة أي من جانب واحد هو المحكوم عليه فإنه لا يعلق على قبول المحكوم له، وباعتباره تصرفا رضائيا لا يشترط فيه القانون شكلا خاصا، إذ يكفى لوقوعه أي مظهر في التعبير عن الإرادة باتخاذ مسلك لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على إرادة قبول الحكم والتخلي عن الحق فى الطعن فيه، ويتساوى فى هذا المسلك أن يكون قولا أو فعلا أو أمرا جری به عرف، طالما كان قاطعا فى دلالته على تلك الإرادة دون لبس أو غموض ، إذ ليس لذلك حد مقرر في القانون ، ومن ثم فإن صور القبول تتعدد وتتنوع وفقا لظروف كل حالة. 

 وفي سياق تناوله للموضوع شرح المحامي عبد العزيز صور القبول المانع من الطعن بقوله : ان الأصل في القبول أن يكون صريحا لا يفترض، بيد أنه ليس هناك مانع في القانون من أن يكون  القبول ضمنيا، كما ان الأصل في قبول الحكم أن يكون لاحقا على صدور الحكم المطعون فيه إلا أن هناك حالات يصح فيها القبول السابق على صدور الحكم، والغالب أن يكون القبول منجزا إلا أنه يصح أيضا في حالة تعليقه على شرط، وكما يكون القبول كليا فقد يكون جزئيا .، وبيان هذه الصور تفصيلاً  كما يأتي :

 القبول الصريح بالحكم : ويكون بالقول أو الكتابة إذا دل أي منهما صراحة على الرضاء والقبول بالحكم وعلى العزوف عن الطعن فيه، فلا يشترط في الكتابة أن تفرغ في ورقة رسمية أو في شكل خاص، ومما قضت به محكمة النقض في هذا الصدد أنه : إذا كان الظاهر من المكاتبات المتبادلة بين المحكوم له والمحكوم عليه أن هذا الأخير إذ أذعن لتنفيذ الحكم الصادر ضده لم يقف عند هذا الحد بل تجاوزه فاعتبر توفية المبالغ المقضى بها تسوية نهائية للنزاع ، فهذا منه يدل على قبول الحكم ، ولا يكون له من بعد ذلك حق الطعن فيه بطريق النقض) نقض ١٢ / ١١ / ١٩٤٢ – مجموعة الخمسة وعشرين عاما بند ٢٦٣ ص ٥٧٤، (وقد قضت محكمة النقض بأنه :إذا كان الثابت من المكاتيب المتبادلة بين المحكوم له والمحكوم عليه أن المحكوم عليه استمهل المحكوم له ورجاه في عدم اتخاذ إجراءات جبرية ضده ثم قام بتسديد المقضى عليه به كله على دفعات واستلم صورة الحكم التنفيذية مؤشرا عليها من المحكوم له بالتخالص وأعطاه إيصالا باستلامها قرر فيه أنه دفع كل المحكوم به من أصل وفائدة ومصاريف دون تحفظ فذلك يدل على أن المحكوم عليه قد قبل الحكم الصادر ضده قبولا نهائيا ونفذه راضيا به وهذا القبول يمنعه من بعد ذلك من الطعن في هذا الحكم بطريق النقض) نقض ۱۹٣٥/١١/٧ – المجموعة السابقة – بند ٢٦٩ ص٥٧٥ (كما قضت محكمة النقض المصرية بأنه :إذا استأنف الخصم الحكم الصادر عليه وطلب إلغاءه بالنسبة إلى جزء منه وتأييده فيما عداه، ثم عدل عن موقفه فعمل على تنفيذ الحكم وطلب فى مذكرته الختامية تأييده بلا قيد ولا تحفظ، وقضت المحكمة بالتأييد فلا يقبل من هذا الخصم طعنه في الحكم بطريق النقض)نقض ١٩٤٦/١٠/٣١ – المجموعة السابقة – بند ٢٦٤ ص ٥٧٤). 

القبول الضمني بالحكم:  الأصل ان قبول الحكم لا يفترض ولا يؤخذ فيه بالظن ومن ثم فإنه عند الشك لا يكون هناك محل لتفسير إرادة المحكوم عليه بأنه قصد القبول ،فقضاء النقض مستقر على أنه يحتمل شكا أو تأويلا ولا يؤخذ بالظن يشترط في القبول المانع من الطعن  أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه به بما لا شكا أو تأويلا، فلا يؤخذ بالظن. 

والقبول الضمني يستفاد من كل قول أو فعل أو إجراء يدل دلالة واضحة على الرضاء بالحكم وترك الحق في الطعن فيه ، ويجب أن يكون القبول صادرا عن اختيار لا عن إلزام، وبالتالي فإنه لا يعتبر قبولا للحكم طبقا لما قضت به محكمة النقض ماياتي :

١--الإذعان لتنفيذ الأحكام الانتهائية ،لأنها واجبة التنفيذ بحكم القانون، ولا الأحكام الابتدائية المشمولة بالنفاذ المعجل ، ولا التنازل عن طلب وقف التنفيذ. 

-٢-تنفيذ الأحكام غير واجبة التنفيذ متى ثبت أن المحكوم عليه قصد تفادى أضرارا قد تلحقه من جراء التنفيذ أو احتفظ بحقه في الطعن. 

٣-قيام المحكوم له ببعض طلباته بإعلان الحكم إلى المحكوم عليه ، أو تنفيذه هذا الحكم فيما قضى له به من طلبات ، أو قبض المبالغ المحكوم بها ، أو دعوته المحكوم عليه إلى تنفيذ الحكم بالطريق الودى إذا اتبع ذلك بالاحتفاظ بحقه في الطعن فيه. 

٤-مجرد اشتراك المحكوم عليه بحكم نهائي واجب التنفيذ في إجراءات تنفيذه كالحضور امام الخبير المندوب لبيع ممتلكاته، أو موافقته على ما يتبع في إجراءات النشر وعلى صيغته أو حضور جلسات المزاد٠

٥ -تراخى المحكوم عليه فى الطعن في الحكم طالما أن ميعاد الطعن مازال مفتوحا ولم يسقط حقه فيه

٦-مناقشته أثار الحكم ومدى حجيته عليه أو استعلامه عن مقدار ما حكم به. 

٧-قبول الحكم بالطلب الاحتياطي لا يعد نزولا عن الحق في الطعن فيما قضى به الحكم من رفض الطلب الأصلي. 

٨-.اللجوء إلى طلب تصحيح خطأ مادى فى الحكم لا يعد قبولا له .

٩-- مجرد إقامة من رفضت بعض طلباته دعوى جديدة بالطلبات ذاتها بعد صدور الحكم المطعون فيه أو طلبه رفض طعن خصمه في الحكم نفسه لأن طعنه هو يكون مبنيا بالضرورة على اسباب أخرى غير تلك التي أقام خصمه عليها طعنه تنفيذ الحكم الصادر بجواز الإثبات بالبينة إذا كان قد تم الاعتراض عليه ، أو المثول أمام الخبير وإبداء الدفاع وتقديم المستندات، إذ قد يكون مجرد إذعان لما لا سبيل إلى الحيلولة دون المضي فيه

١٠ -رفع النزاع إلى القضاء من جديد مع قيام الطعن. 

١١ -إغفال ذكر الأحكام الفرعية في صحيفة الاستئناف ما دام المستأنف قد وجه مطاعنه إليها في مرافعته الكتابية أو الشفوية أمام محكمة الاستئناف. 

 قبول الحكم الابتدائى اذا استانفه غير من قبل الحكم  :إذا كان الطاعن قد قبل الحكم الابتدائى ولم يستأنفه ، وإنما استأنفه غيره من الخصوم ولم يقض الحكم الاستئنافي على الطاعن بشيء أكثر مما قضى به الحكم الابتدائي ، فإن هذا الحكم الأخير يكون قد حاز قوة الأمر المقضى قبله ، ومن ثم لا يقبل منه الطعن على الحكم الاستئنافي بطريق النقض( نقض ١٩ / ٥ /١٩٨٣ – الطعن ٨٠٤ لستة ٤٩ ق . ونقض ١٩٨٥/٥/٢١ – الطعن ٥٣٣ لستة ٥٠ ق). 

 القبول بالحكم قبل صدوره :  اختلف الفقه العربي بشانه ، فقد ذهب رأى فى الفقه إلى أن القبول الصادر قبل صدور الحكم لا ينتج أثرا ولا يعتد به  باعتبار أن القبول يعنى النزول عن الحق فى الطعن، وهذا الحق لا ينشأ إلا بعد صدور الحكم، فضلا عن أن حق الطعن يتعلق بالنظام العام لأنه يعتبر من قبيل تنظيم الخصومة، ومن ثم فإنه يخرج عن نطاق إرادة الخصوم، بالإضافة إلى أن الخصم لا يقدر توفر أو انعدام مصلحته فى الطعن على الحكم الصادر ضده إلا بعد صدوره( الدكتور فتحى والي، الوسيط في شرح قانون القضاء المدني ص ۷۳۷)، في حين ذهب رأى آخر إلى إمكان قبول الحكم قبل صدوره على سند من أن حق الطعن لا يتعلق بالنظام العام، وذهب فريق ثالث إلى التمييز بين القبول السابق المستفاد من صدور الحكم موافقا لطلبات الخصم فاعتد به وأعمل أثره – وبين القبول المستفاد من اتفاق طرفي الخصومة على تنازل كل منهما مقدما عن الطعن في الحكم الذي يصدر فيها ، وقال إن مثل هذا الاتفاق يخالف النظام العام، لأن حق الالتجاء إلى القضاء ومن باب أولى حق مباشرة الدعوى حق عام لا يجوز النزول عنه ولا يعتد بهذا النزول لأنه مخالف للنظام العام. 

ونحن  نذهب إلى أن النزول مقدما عن الطعن في الحكم بطرق الطعن المقررة هو نزول عن الوسيلة التي بمقتضاها يحمى الخصم حقه وهذا لا يجوز لأنه لا يؤمن معه الاعتساف ، وفيه اعتداء على قواعد نظام القضاء ودرجاته التي يقصد بها استكمال حماية حقوق الأشخاص، فالدعوى ليست فقط  سلطة الالتجاء إلى القضاء لحماية الحق فحسب وإنما هي سلطة الالتجاء إليه واستنفاذ جميع الوسائل المقررة قانونا لحماية الحقوق، (المرافعات المدنية والتجارية – أستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور احمد ابو الوفا- ص ۷۰۷(،وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية  على أنه وإن كان الأصل في القبول المانع من الطعن أن يتم بعد صدور الحكم ، إلا أن قبول الحكم قد يكون سابقا على صدوره كما لو صدر موافقا لطلبات الخصم فيمنعه ذلك من الطعن فيه) نقض ١٩٨٤/٢/٨ – الطعن ۱۲۲۸ لسنة ٥٠ ق نقض ۱۹۷۷/۱۲/۲۱ – مجموعة المكتب الفني – السنة ٢٨ ص١٨٥٩ ، (ويري  المستشار محمد وليد الجارحي – نائب رئيس محكمة النقض المصرية : إنه وإن كان حق الطعن في الأحكام لا يتعلق بالنظام العام باعتبار أنه حق شخصي إرادى منحه القانون لشخص في مركز إجرائي معين هو من يحاج بالحكم – في مواجهة شخص أخر هو من يحتج بهذا الحكم دفاعا عن مصالحه هو لا عن مصلحة القانون. ولم يوجب عليه استعماله أو استنفاذ جميع الوسائل المقررة لحمايته، ومن ثم يكون له أن يستعمل ذلك الحق كما يجوز له أن يحجم عن استعماله، وإذا استعمله فليس هناك كقاعدة عامة – مانع يمنعه من عدم الاستمرار فيه،وهو من هذه الناحية يختلف عن حق الالتجاء إلى القضاء باعتباره من الحقوق العامة التي كفلها الدستور للكافة والذى لا تجوز مصادرته ولا النزول عنه – إلا أنه لما كان الأصل أن النزول عن الحق لا يكون له محل إلا بعد نشوء الحق ذاته  لان الحق في الطعن كحق إجرائي لا ينشأ إلا بعد صدور الحكم ، ومع ذلك فإن النزول عنه قبل ذلك يكون واردا على غير محل ومن ثم لا ينتج أثرا .

ولا ينال من هذا الرأى ما نصت عليه المادة ۲/۲۱۹ من قانون المرافعات من جواز الاتفاق – ولو قبل رفع الدعوى – على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولى نهائيا ، فهذا استثناء من مبدأ التقاضي على درجتين، والقاعدة أن الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره لأنه على خلاف الأصل وإنما يتم إعماله فى حدود الضرورة التي دعت إليه .

كذلك فإن صدور الحكم موافقا لطلبات الخصم لا يعتبر قبولا للحكم مانعا من الطعن فيه – كما قالت محكمة النقض – وإنما مرد عدم القبول في هذه الحالة هو انتفاء مصلحة الطاعن بصدور الحكم محققا لمقصوده. 

 اما عن تأثير القبول السابق بالحكم الصادر بناء على يمين حاسمة: فالمقرر في قضاء النقض المصرية أن الحكم الصادر بناء على حلف اليمين الحاسمة أو النكول عنها يكتسب قوة الأمر المقضى فلا يجوز الطعن فيه ما دام توجيه هذه اليمين أو حلفها كان مطابقا للقانون .

والأمر في هذه المسألة منبت الصلة بمسألة القبول المانع من الطعن في الحكم وإنما هو إعمال لما نصت عليه المادة ۱۱۸ من قانون الإثبات المصري من أن ( كل من وجهت إليه اليمين فنكل عنها دون أن يردها على خصمه ، وكل من ردت عليه اليمين فنكل عنها خسر دعواه )، فلا يصح القول بأن طلب توجيه اليمين يعتبر قبولا سابقا على الحكم الذي يصدر بناء عليها

 القبول بالحكم المعلق على شرط: كما يكون قبول الحكم منجزا فإنه يصح إذا علق على شرط غير محقق الوقوع ولا مخالفة فيه للنظام العام أو الآداب، فإذا علق على شرط مستحيل الوقوع كان باطلا ولا ينتج أثرا ، وإذا علق على شيء موجود فعلا كان قبولا منجزا يسقط الحق في الطعن على نحو بات ولا يجوز العدول عنه . أما إذا علق على شيء أو أمر مستقبل فإن الحق في الطعن لا يسقط إلا إذا تحقق هذا الأمر. 

 القبول الكلى والقبول الجزئي بالحكم:  إذا تعددت أجزاء الحكم فإنه يجوز للمحكوم عليه أن يطعن فيها جميعا، كما يجوز له أن يقصر طعنه على بعضها دون البعض الآخر، ويعتبر عدم طعنه فيها قبولا لها ما لم يثبت أن هناك ارتباطا وثيقا بين أجزاء الحكم جميعا بحيث يكون بعضها مؤسسا على البعض الآخر، فقبول جزء منها في هذه الحالة يمتد أثره إلى الجزء الآخر(الوفا – نظرية الاحكام – استاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور  احمد ابوالوفاء- بند ٣٦٨ ص ٦٦٠).

ممن يصح القبول بالحكم؟ : يصح قبول الحكم ممن خوله القانون سلطة الطعن فيه سواء اكان هو المحكوم عليه أو المقضى برفض بعض طلباته مادامت له أهلية التصرف، فإذا لم تتوفر فيه هذه الأهلية فإن القبول يصح ممن ينوب عنه نيابة قانونية أو قضائية أو اتفاقية بشرط أن يكون مفوضا تقويضا خاصا في قبول الأحكام، إذ لا يصح النزول عن الحق ـ طبقا للمادة ٧٦ من قانون المرافعات المصري – بغير تفويض خاص، ومن ثم فقد قضت محكمة النقض المصرية بأن قبول الأحكام الصادرة ضد الدولة منوط بالوزير المختص إلا إذا فوض في ذلك غيره تفويضا خاصا ، وبالتالي فإنه لا يعتد بقبول المحافظ أو وكيل الوزارة للحكم الصادر ضدها ما لم يكن لديه هذا التفويض) طعن ٥/١١/ ۱۹۷۸ – الطعن ٥٠٨ لسنة ٤٥ ق (ويدق الأمر في الحالات التي يتعدد فيها المفوضون تفويضا خاصا، وتكون لكل منهم تلك السلطة على سبيل الانفراد فيقبل واحد الحكم ويطعن فيه آخر والذي نراه أنه إذا كان القبول سابقا على الطعن فإنه يكون مانعا منه وإذا كان لاحقا على رفع الطعن فإنه يكون نزولا عن خصومة الطعن ذاتها وتسرى عليه أحكام الترك. 

أثر القبول بالحكم المانع من الطعن: متى صدر القبول صحيحا فإنه يكون باتا لا يجوز الرجوع فيه لأنه ينطوي على إسقاط للحق فى الطعن، والقاعدة أن الساقط لا يعود، ويكون للمطعون ضده والنيابة العامة الدفع بعدم قبول الطعن، كما يكون لمحكمة الطعن أن تقضى بذلك من تلقاء نفسها باعتبار أن هذا الدفع  من النظام العام وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان الدفع مطروحا على محكمة الاستئناف فإن تقدير القبول المانع من الطعن يعتبر من أمور الواقع الداخلة في سلطتها كمحكمة موضوع متى كان حكمها في هذا الشأن مبنيا على أسباب سائغة – ومستمدا من أصل ثابت في الأوراق ومؤديا إلى النتيجة التي خلصت إليها، ( نقض ۱۹۷۹/۱/۲۷ – الطعن ٢٥٧ لسنة ٤٠ ق) عبء إثبات القبول بالحكم : يقع عب إثبات القبول بالحكم على من يدعيه إذا لم تكشف عنه أوراق الطعن بوضوح. 

نسبية أثر القبول بالحكم : للقبول بالحكم اثر نسبى سواء بالنسبة للخصوم أو بالنسبة لما يرد عليه هذا القبول، أما بالنسبة للخصوم فإنه لا ينتج أثرا إلا فيما يتعلق بمن قبل الحكم منهم ومن صدر لمصلحته هذا القبول ولو تساوت مراكزهم القانونية، وأما بالنسبة لمحل القبول فهو لا ينتج أثرا إلا فيما يتعلق بالحكم المقبول وحده أو بجزء الحكم الذي تم قبوله منه إذا كان متعدد الأجزاء دون غيره من الأجزاء الأخرى، ومما قضت به محكمة النقض المصرية في هذا الصدد أنه : متى كانت الزوجة قد قررت بالطعن بالنقض في الحكم الصادر برفض دعوى رفعتها للمطالبة بميراثها عن زوجها قبل صدور حكمين برفض دعويين آخرين كانت قد رفعتهما للمطالبة بالنفقة وبمؤخر الصداق ولم يصدر منها بعد تقريرها بالطعن ما يمكن اعتباره تنازلا صريحا منها عن هذا الطعن يؤثر على قيامه أو يسقط حقها في الاستمرار فيه – فإنه لا اعتداد بالقول بأن قبول الطاعنة لحكمي رفض مؤخر الصداق والنفقة يجعل الطعن غير جائز، لأن هذا القبول قاصر على هذين الحكمين لا يتعداهما ولا ينسحب أثره إلى الحكم المطعون فيه ، ( نقض ١٩٥٨/٦/١٩ – مجموعة الخمس سنوات – بند ٢٥١ ص ٣٦٢).

قبول الحكم الباطل او المبنى على إجراء باطل:

لا ريب إن التحقق من استيفاء الطعن أوضاعه الشكلية أمر سابق على البحث في  موضوع الطعن، كما  إن الحكم الباطل والحكم المبني على إجراء باطل يظل منتجا لأثاره القانونية إلى أن يقضى ببطلانه، فيزول ويعتبر كأن لم يكن . فهو من وجهة نظر القانون صحيح إلى أن يكشف عن بطلانه، وترتيبا على ذلك فإن عدم استيفاء الطعن أوضاعه الشكلية ومنها ألا يكون الطاعن قد قبل الحكم المطعون فيه – مانع من التطرق إلى موضوع الطعن، ومن ثم فإن قبول الحكم المانع من الطعن فيه يعتد به وينتج أثره رغم وقوع ذلك البطلان  هذا هو حكم القاعدة العامة التي التزمتها وهى  فقط – بالقبول السابق على صدور الحكم والأمر يصدق أيضا في الحالة المنصوص عليها في المادة ۲/۲۱۹ من قانون المرافعات حيث يجوز الاتفاق – ولو قبل رفع الدعوى – على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولى نهائيا وذلك لاتحاد العلة وهي كون التحقق من شروط قبول الطعن سابق فى الترتيب على البحث في موضوعه، غاية ما في الأمر أنه إذا دفع الطاعن بأن رضاه بالحكم المطعون فيه عند صدور القبول كان معيبا بعيب من العيوب التى أسلفنا ذكرها ، فإن ذلك يوجب على محكمة الطعن أن تحقق هذا الدفع بلوغا إلى وجه الحق فيه، فإذا تبين لها صحته فإن قبول الحكم يكون باطلا ولا ينتج أثرا، ويصار عندئذ إلى البحث في مسألة البطلان المدعى به إذا كان الطعن قد استوفى باقى أوضاعه الشكلية هذا من ناحية ،، ومن ناحية أخرى فإن قبول الحكم إعلان من القابل عن رغبته في وضع حد للنزاع الدائر بينه وبين خصمه، فإذا رأى أن له مصلحة في هذا القبول فلا أهمية لما إذا كان الحكم صحيحا أم باطلا ما دام البطلان غير متعلق بالنظام العام ، ومن ثم فإن التذرع بمثل هذا البطلان لا يعدو – في حقيقة الأمر – أن يكون تنصلا من قبول الحكم ، وسعيا من الطاعن في نقض ما تم من جهته ، والقاعدة أن من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه. 

قبول الحكم الذي يتردى في خطأ مادى: لاشك إن النعي على الحكم ترديه في خطأ مادى لا يصلح سببا للطعن على هذا الحكم بطريق النقض ، وإنما تتولى المحكمة التي أصدرته – طبقا للمادة ۱/۱۹۱ من قانون المرافعات المصري – تصحيح ما يقع فى حكمها من أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية وذلك بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم ومن ثم فإن قبول مثل هذا الحكم يعتد به وينتج أثره متى صدر صحيحا ولو لم يلجأ القابل إلى المحكمة التي أصدرته ، ويطلب إليها تصحيح ما وقع في حكمها من أخطاء مادية. 

قبول الحكم في حالات تعدد الخصوم : إذا تعدد المحكوم عليهم يحكم صدر في موضوع غير قابل للتجزئة أو  بالتضامن أو في دعوى يوجب القانون فيها اختصام اشخاص معين ، فيجوز لمن قبل الحكم أن يطعن في اثناء نظر الطعن المرفوع في الميعاد من أحد زملائه منضما إليه في طلباته ، فإذا لم يفعل أمرت المحكمة الطاعن باختصامه في الطعن وفقا لما نص عليه قانون المرافعات المصري، ومؤدى ذلك أنه يجوز لمن قبل الحكم من المحكوم عليهم المتعددين في الحالات الثلاث السالف ذكرها أن يعدل عن قبوله ويطعن في الحكم الذي سبق له قبوله طعنا انضماميا ينضم به إلى من أقام طعنا صحيحا من زملائه الذين تتساوى مراكزهم القانونية مع مركزه في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه حتى لا تكون هناك أحكام متعارضة في المسألة الواحدة بعينها والتي لا تحتمل إلا حلا واحدا،. ويتساوى في هذا الصدد أن يكون من سبق له قبول الحكم قد تدخل فى الطعن الصحيح المرفوع من غيره من المحكوم عليهم مثله ، أو أدخل في هذا الطعن ولكن ليس له أن يقيم طعنا أصليا تكون له فيه طلبات مغايرة لطلبات راقع الطعن الذي استوفي شرائطه الشكلية. 

حالات لا يعتد فيها بقبول الحكم : وهي حالات لا يعتد فيها بقبول الحكم فلا يعتبر مانعا من الطعن فيه، ويمكن حصر الحالات التي لا ينتج فيها القبول الصحيح اثرا في خمس هي :

١-المسائل المتعلقة بالنظام العام : لان مخالفة  القواعد  المتعلقة بالنظام العام لا تصححه إجازة ولا يرد عليه قبول ومن ثم فان  الرضا بالحكم – ولو وقع صحيحا – لا ينتج أثرا إذا خالف مقتضيات النظام العام، لأن هذه المقتضيات تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة تعلو  في المرتبة على مصالح الأفراد، فلا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات بينهم أو بإقرارات أو إسقاطات تصدر منهم، وقد قضت محكمة النقض المصرية في الشأن  بان : قانون التأمينات الاجتماعية هو وحده الذي ينظم حالات المستحقين للمعاش ومدى استحقاقهم فيه باعتبار ان أحكام القانون في هذا الخصوص تتعلق بالنظام العام، فلا يصح ان يجرى اتفاق على خلافها، فإذا خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم قبول استئناف الطاعنة  (هيئة التأمينات الاجتماعية)، بمقولة أن ما قرره وكيلها أمام محكمة أول درجة من أنها لا تمانع في تسوية مستحقات المطعون ضده حسب الحكم الذي صدر في الدعوي يعتبر قبولا للحكم يمنع من الطعن فيه وفقا للمادة ۲۱۱ مرافعات، وصادر بذلك حق المستأنفة في الاستئناف فإنه يكون قد خالف القانون، ( نقض ١٩٨٠/١٢/١٤ – الطعن ١٥٣٣ لسنة ٤٩ ق). 

۲ – طعن النائب العام لمصلحة القانون : نظام الطعن لمصلحة القانون م الذي يرفعه النائب العام المنصوص عليه في قانون الإجراءات  يستهدف مصلحة عليا هي مصلحة القانون ، ويرمى إلى مواجهة صعوبات تعرض في العمل وتؤدى إلى تعارض أحكام القضاء في المسألة القانونية الواحدة. وإلى المبادئ القانونية الصحيحة على أساس سليم حتى تتوحد أحكام القضاء فيها.

فالخصم الحقيقي في هذا الطعن هو الحكم المطعون فيه ذاته، ومن ثم  فأن  المحكمة  تنظر ذلك الطعن في غرفة المشورة بغير دعوة الخصوم وعلى الا يفيد منه الخصوم، وترتيبا على ذلك فإنه لا يجوز لمحكمة النقض أن تقضى بعدم قبول الطعن بدعوى أن المحكوم عليه قبل الحكم المطعون فيه، لأن مثل هذا القبول. 

3-الاستئناف الفرعي: تنص المادة ٢٢٧ من قانون المرافعات المصري على أن : (يجوز للمستأنف عليه حتى إقفال باب المرافعة أن يرفع استئنافا مقابلا بالإجراءات المعتادة أو بمذكرة مشتملة علي أسباب استئنافه فإذا رفع الاستئناف المقابل بعد مضى ميعاد الاستئناف أو بعد قبول الحكم قبل رفع الاستئناف الأصلي اعتبر استئنافا فرعيا يتبع الاستئناف الأصلى ويزول بزواله) و مؤدى هذا النص – في خصوص القبول المانع من الطعن في الحكم – أن المشرع افترض – في الحالات التى يكون فيها الحكم مشتملا على قضاء لصالح كل من الخصمين وآخر ضده – أن قبول أي منهما للحكم فيما قضى به ضده يكون معلقا على قبول خصمه للحكم فيما قضى به عليه أيضا، بمعنى أنه قبول معلق على شرط رضاء الطرف الآخر بالحكم، فإذا تخلف هذا الشرط انعدم القبول وجاز للقابل – إذا ما صدر قبوله قبل رفع طعن خصمه – أن يرفع استئنافا فرعيا دون أن يحاج بقبوله السابق ، أما إذا كان هذا القبول قد صدر منه بعد رفع الاستئناف الأصلي فإنه يكون مانعا من الطعن في الحكم بطريق الاستئناف ، وقد ذهب رأى فى الفقه إلى تسرية حكم المادة ۲۳۷ مرافعات على الطعن بالنقض لاتحاد العلة حيث يرى الفقيه  , محمد حامد فهمى أنه:لا يمنع من إجراء هذا القياس ما جاء بالمذكرة الإيضاحية من أن المشرع لم ينص على النقض الفرعي ، إذ رأى انه ليس من المرغوب فيه أن تسهل للخصم الذي لم ير لزوما للطعن  بالحكم من تلقاء نفسه طريقة الطعن فيه بمناسبة طعن غيره ، فإذا كان لذلك الخصم أسباب شخصية تحمله على الطعن في حكم الاستئناف، فليرفع عنه نقضا بصفة اصلية وهذا الطعن يضم بالضرورة إلى الطعن الأول جمعا لكل الإجراءات التي تنشأ عن قضية معينة وتوحيدا لها ، ويفصل فيه في الوقت الذي يفصل فيه الطعن الأول لا يمنعنا هذا الذي جاء في هذه المذكرة من القول بجواز الطعن في الحكم من الخصم الذي قبله متى رفع خصمه طعنه فيه ، لأن الذى قصده الشارع إنما هو إبداء الخصم طعنه الفرعي بالجلسة أو بالمذكرات التي يقدمها كما يبدى الاستئناف الفرعي بنحو ذلك .

أما رفع الطعن الفرعي بمثل ما يرفع به الطعن الأصلى من التقرير به فى قلم الكتاب فلا يمنعه سبق قبول الحكم ، لأن هذا القبول مفروض تعليقه على قبول الخصم الآخر، فإن لم يقبل بطل التعليق ، وعاد القابل إلى اصل حقه في الطعن حتى بعد انقضاء الميعاد ، وذلك قياساً على ما هو مقرر في هذا الشأن في باب الاستئناف على اساس أن تفويت الميعاد هو من قبيل الرضا بالحكم فيجب افتراض تعليقه على قبول الخصم الآخر .

 اما المستشار محمد وليد الجارحي نائب رئيس محكمة النقض فلا يجزم بصحة هذا الرأى لقوله أن هذه استثناءات لا يجوز القياس عليها ولا التوسع في تفسيرها، ولما هو مقرر في قضاء محكمة النقض من أن الطعن الفرعي بالنقض أصبح غير جائز بعد إلغاء الرخصة التي كانت المادة ١٢ من القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض يجيز للمطعون ضده أن يتمسك فى مذكرة دفاعه بالدفوع التي سبق له ابداؤها أمام محكمة الموضوع و قضت برفضها. 

 قبول الحكم لايمنع التماس إعادة النظر : الرأي السائد فى الفقه أن قبول الحكم لا يمنع من الطعن فيه بالتماس إعادة النظر إذا تكشف سبب الالتماس بعد صدور الحكم بشرط ألا يكون الملتمس عالما بهذا السبب وإلا أنتج القبول أثره في منع الطعن .

ويري المستشار الجارحي أن القبول فى مثل هذه الحالة لا يكون خاليا من العيوب، ومن ثم يقع باطلا ولا يعتد به، (القبول المانع من الطعن، الأستاذ عبدالعزيز حسين عمار المحامى، ص ص8)، والله اعلم.