تشريف حكم التحكيم المخالف للقانون
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
تشريف
حكم التحكيم قبول صريح بالحكم والتزام بتنفيذ الحكم، وذلك يمنع من قام بالتشريف من
الطعن بالحكم، ومؤدى ذلك أن الذي يشرف الحكم يكون قد تنازل عن حقه في الطعن بالحكم
بعد النطق بالحكم اي بعد وجود حق الخصم في الطعن، بيد أن أحكام الشرع ونصوص
القانون الآمرة من النظام العام التي لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها أو التنازل
عنها والقبول بمخالفتها، فتتشريف الحكم
المخالف للنظام العام أو النصوص القانونية الآمرة لا يسبغ الشرعية على الحكم المخالف للنصوص الشرعية أو
القانونية، كما أن التشريف لا يصحح المخالفات للشرع والقانون التي شابت الحكم الذي
تم تشريفه، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 13-1-2014م في الطعن رقم (51451)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((لا عبرة
بالتشريف على فرض صحته طالما قد ثبت أن حكم التحكيم قد خالف أحكام الشرع والقانون، لأن التشريف على
هذا الوجه ليس من شأنه تصحيح بطلان الحكم، مما يقتضي معه والحال كذلك رفض الطعن))،
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: معنى تشريف الحكم:
تشريف
الحكم في العرف السائد في اليمن: هو الرضاء بالحكم والإلتزام بتنفيذه، اما في
معاجم اللغة فإن التشريف: هو التعظيم والتبجيل والإحترام، وبناءً على ذلك فإن
التشريف: هو إعلان الشخص بقبول الحكم بعد صدوره وإلتزامه بتنفيذ الحكم ، وقد يكون
التشريف كتابة بأن يقوم الخصم بتدوين عبارة (مشرف للحكم) ثم يضع توقيعه أو بصمته
في ذيل الحكم الذي يتم تشريفه، وقد يتم التشريف في محضر مستقل يتم التوقيع عليه من
قبل الخصوم بعد النطق بالحكم، كما قد يتم التشريف شفاهة بأن يتلفظ الخصم بعبارة
(التشريف للحكم) أو بأية عبارة تفيد معنى القبول بالحكم والإلتزام بتنفيذه.
الوجه الثاني: وقت تشريف الحكم:
الوقت
المعتبر لتشريف الحكم هو الوقت اللاحق للنطق بالحكم، ولا يشترط التشريف فور النطق بالحكم
أو بعد النطق بالحكم مباشرة، فيجوز التراخي في التشريف بعد صدور الحكم، اما
التشريف السابق على النطق بالحكم فلا حجة له، لأن من معاني التشريف تنازل الخصم عن
حقه في الطعن في الحكم، ومن المقرر في الشرع والقانون أنه لا يجوز التنازل عن الحق
قبل وجوده مثل تنازل الوارث عن نصيبه الشرعي قبل تحقق وفاة المورث، فالحق في الطعن
في الحكم لا وجود له قبل النطق بالحكم.
الوجه الثالث: نطاق تشريف الحكم وحدوده:
تشريف الحكم يعد تنازلا من الخصم عن حقه في الطعن في الحكم، ولذلك فإن هذا التنازل لا يكون ملزماً إلا للطرف الذي قام بتشريف الحكم، فلا تأثير لتشريف الخصم على حق غيره من الخصوم، فيظل حقهم في الطعن في الحكم قائماً، إضافة إلى أن أثر التشريف لا يمتد إلى النظام العام الذي يستهدف حماية المجتمع بأسره وليس أطراف الخصومة فحسب، ولذلك أوجبت المادة (32) تحكيم على المحكم (عدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات التي تعتبر من النظام العام)، فإذا كان الحكم الذي تم تشريفه مخالفاً للنظام العام فإن التشريف أي تنازل الخصم عن حقه في الطعن في الحكم المخالف لا يعني أنه قد تنازل عن حق المجتمع في النظام العام الذي يحميه، وعلى هذا الأساس لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بأن تشريف الخصم للحكم المخالف للشرع والقانون لا يصحح المخالفات القانونية والشرعية التي شابت الحكم بإعتبارها متعلقة بالنظام العام الذي لا يجوز للفرد أن يتنازل عنه أو يتفق مع غيره على خلافه، فإذا اخل الحكم بحق الدفاع أو عطل مبدأ المواجهة وغير ذلك من الحقوق الجوهرية فإن تشريف الخصوم لا يصحح عوار الحكم، بيد أن القضاء وإن كان الحارس الأمين للنظام العام الا انه لايحق للقضاء ان يتصدى للدفاع عن النظام العام إلا إذا اتصل القضاء إتصالاً صحيحا بالحكم المخالف عن طريق دعوى البطلان أو الطعن المرفوع أمام القضاء ، فلا يحق للقضاء أن يتصدى للدفاع عن النظام العام طالما أنه لم يتم تقديم دعوى البطلان أو رفع الطعن بالحكم المخالف أمام القضاء، فتصدي القضاء من غير طعن أو دعوى مخل بحياد القضاء والقاضي. (النظام العام في النظرية والتطبيق: دراسة مقارنة بين القوانين الوضعية والفقه الإسلامي، د. عماد طارق البشري، ص295) والله اعلم.