حضور البائع والمشتري أمام الأمين الشرعي

 

حضور البائع والمشتري أمام الأمين الشرعي

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قضى الحكم محل تعليقنا بأنه كان ينبغي على محكمة الموضوع التحقق من حضور البائع والمشتري أمام الأمين الشرعي  والتأكد من أن البائع  كان قد طلب من الأمين الشرعي كتابة البصيرة( وثيقة بيع العقار )، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-1-2018م في الطعن رقم (59729)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وعليه فأنه من اللازم على الشعبة ان تتحقق من حضور الطاعن لدى الأمين الشرعي عند تحرير البصيرة من عدمه، كما أنه من اللازم ان تتحقق الشعبة من وجود البائع خلال تلك الفترة الطويلة في المنطقة وعلمه بالبناء على تلك الأرض))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: وقائع القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا:

تتلخص وقائع هذه القضية في: أن البائع المذكور في البصيرة قد انكر أنه حضر أمام الأمين الشرعي الذي قام بتحرير البصيرة، وكان المشتري المتمسك البصيرة قد عجز عن إثبات حضور البائع أمام الأمين الشرعي أو ان  البائع قد طلب من الأمين أن يحرر البصيرة (وثيقة البيع) باسم المشتري المتمسك بالبصيرة، ولذلك فقد كان الخلاف بين المشتري المتمسك بالبصيرة والبائع المذكور فيها يتلخص :في ان البائع كان يدعي ان الأمين الشرعي قام بتحرير البصيرة من غير طلب منه ومن غير أن يحضر البائع إلى مجلس الأمين، في حين كان المشتري المتمسك بالبصيرة يدعي أن البائع لم يحضر أمام الأمين ولكنه طلب من الأمين أن يحرر البصيرة المشار إليها .

الوجه الثاني: وجوب تحقق محكمة الموضوع من حضور البائع أمام الأمين الشرعي وإبرام عقد البيع وتحرير البصيرة:

قضى الحكم محل تعليقنا بأنه كان يجب على محكمة الموضوع التحقق من حضور البائع أمام الأمين الشرعي وموافقة البائع على قيام الأمين بتحرير البصيرة محل الخلاف أو طلب البائع من الأمين تحرير البصيرة، لأن الواقعة محل الخلاف بين الطرفين هي البصيرة، فالواجب على محكمة الموضوع الوقوف على حقيقة صدورها وظروف وملابسات تحرير تلك البصيرة، فلا يتحقق ذلك إلا عن طريق تكليف الأمين  الشرعي كاتب البصيرة  بالحضور أمام المحكمة وإحضار السجل الخاص بالبيوع العقارية وسؤال الأمين عن  إنعقاد عقد البيع بالصيغة المعتبرة شرعا، وهي قول البائع في مجلس العقد : بعت عقاري ( ويذكر اوصافه التي تميزه عن  غيره وتجعله معلوما علما نافيا للجهالة ويذكر الثمن المتراضى عليه ) فيجيبه المشتري على الفور في مجلس العقد  من غير تراخ، وتكون صيغة الإيجاب والقبول بصوت مسموع للأمين والشهود الحاضرين مجلس البيع والشراء، فلا يكفي مطالبة البائع الأمين الشرعي  بتحرير البصيرة من غير ان يحضر البائع مجلس العقد عند الأمين  ومن غير ان يتلفظ البائع بالإيجاب والإستماع إلى إفادات الأمين عن ظروف وملابسات تحريره للبصيرة محل الخلاف، لأن  بحث هذه المسألة الجوهرية يترتب عليه تغير وجه الرأي في الحكم الذي يصدر عن محكمة الموضوع، فإذا اهملت محكمة الموضوع  هذه المسألة الجوهرية ولم تحققها فيكون حكمها موصوما بالبطلان. (الوسيط في قانون القضاء المدني، د. فتحي والي، ص682).

الوجه الثاني: وجوب تلفظ البائع والمشتري بصيغة الإيجاب والقبول بقول البائع بعت والمشتري اشتريت بصوت مسموع يسمعه الأمين الشرعي وشهود العقد :

ذهب الحنفية إلى أن صيغة العقد هي الركن الوحيد في عقد البيع، وهي صدور الإيجاب  الذي يصدر اولا سواء صدر من  البائع   ام المشتري، فالصيغة عند الحنفية هي الركن الوحيد للبيع اما غير الصيغة فهي شروط وليست أركان  حسبما يرى الحنفية ، في حين ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الإيجاب هو ما صدر من مالك المبيع، والقبول هو الذي يصدر بعد الإيجاب اذا كان مطابقا له، ويقرر جمهور الفقهاء ان ضيغة البيع وهي الإيجاب ليست الركن الوحيد لعقد البيع فهناك أركان أخرى لعقد البيع  بالإضافة إلى الصيغة، ومهما كان الخلاف الفقهي بين الجمهور والحنفية إلا أن الحنفية والجمهور قد اتفقوا على أن الصيغة( الإيجاب والقبول )هي ركن عقد البيع،( فقه المعاملات المالية، ا. د. عبدالمؤمن شجاع الدين، ص٦٥)، وقد أخذ القانون المدني بما ذهب إليه الفقه الإسلامي، فقد جعل القانون المدني اليمني الصيغة ركناً في عقد البيع، فقد بينت المادة(452 )مدني كيفية إنعقاد البيع، فقد نصت هذه المادة على أنه( ينعقد البيع بايجاب مكلف وقبول مثله متطابقين دالين على معنى التمليك والتملك حسب العرف لفظا او كتابة وبالاشارة المفهمة من الاخرس ومن في حكمه كالمصمت والاعجمي او بالمراسلة بين الغائبين . ويتم العقد بتلاقي الإيجاب والقبول في مجلس العقد وتنـزل مدة التعاقد بالمراسلة منـزلة مجلس العقد، ويكون الإيجاب والقبول في المجلس قبل الاعراض ولهم الرجوع في المجلس ولا يشترط فيهما التلفظ وانما المعتبر التراضي بما تدل عليه قرائن الاحوال، ويكفي في المحقر ما اعتاده الناس)، اماالمــادة(453) مدني فقد حددت أركان البيع، فقد نصت هذه المادة على أن( اركان البيع ثلاثة هي: –١ . صيغة العقد .٢- . العاقدان هما البائع والمشتري . . المعقود عليه (محل العقد) وهو المال المبيع والثامن )، في حين تضمنت المادة (454) مدني تضمنت شروط صيغة عقد البيع( الإيجاب والقبول  يشترط في صيغة عقد البيع ما ياتي: –
1 . ان يكون كل من الإيجاب والقبول بما يفيد التمليك او ما يدل عليه .
2 . ان يكون الإيجاب والقبول متطابقين ومضافين الى النفس او ما في حكمها .
3 . ان يكون الإيجاب والقبول غير مؤقتين ولا مستقبلين كليهما او ايهما .
4 . ان يكون الإيجاب والقبول غير مقيدين كليهما او ايهما بشرط يبطلهما .
5 . ان لا يتخلل بين الإيجاب والقبول اعراض من احد العاقدين او رجوع من المبتدئ منهما)،
ومؤدى ذلك إلى أنه يجب على البائع والمشتري أن يتلفظا بالإيجاب والقبول بصوت مسموع أمام الأمين الشرعي وشهود العقد حتى ينعقد عقد البيع صحيحاً منتجا لآثاره ، وقد كان من أسباب الخلاف بين الطرفين في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا أن البائع والمشتري لم يتلفظا بصيغة عقد البيع أمام الأمين الشرعي وإنما افاد  المشتري المتمسك بالبصيرة بأن البائع لم يحضر أمام الأمين وإنما طلب البائع من الأمين تحرير البصيرة، هذا الأمر فيما يتعلق بالبيع عندما يكون محله العقار الذي اشترط فيه قانون التوثيق وقانون السجل العقاري ان يتم وفقا لشكليات وإجراءات معينة، اما البيوع الأخري غير العقارية فلايلزم حضور البائع المشتري أمام الأمين، حسبما اشار اليه نص المادة( ٤٥٢) مدني السابق ذكرها.

الوجه الثالث: التكييف القانوني لطلب البائع من الأمين الشرعي تحرير البصيرة:

إذا طلب البائع من الأمين الشرعي أن يحرر البصيرة، وبعد ذلك حضر البائع والمشتري أمام الأمين وتلفظا بصيغة البيع أمام الأمين الشرعي وشهود العقد ثم قاما بالتوقيع على عقد البيع في السجل الخاص بعقود البيع، فإن عقد البيع في هذه الحالة ينعقد صحيحاً، اما إذا طلب البائع من الأمين الشرعي أن يقوم بتحرير عقد البيع أو البصيرة من غير أن يحضر البائع أمام الأمين الشرعي ولم يقم بالتوقيع على العقد في السجل الخاص فإن عقد البيع لا يكون صحيحاً لمخالفته للإجراءات المقررة في قانون التوثيق والتعميمات الصادرة من الجهة المختصة قانوناً وهي قطاع المحاكم والتوثيق بوزارة العدل التي تشترط حضورهما لتمام عقد البيع العقاري حضور البائع والمشتري أو من يقوما بتوكيله أمام الأمين الشرعي وتلفظهما بصيغة عقد البيع وتوقيعهما على العقد الذي يتم إفراغه في السجل الخاص بذلك، إضافة إلى أن قيام البائع بمطالبة الأمين بتحرير العقد من حضور البائع أمام الأمين يكون بمثابة توكيل للأمين وذلك لايصح لان الأمين ممنوع وفقا لقانون التوثيق ممنوع من تحرير التي تخصه أو تخص موكليه .

 بيد أن طلب البائع من الأمين تحرير وثيقة البيع إذا ثبت ذلك فأن ذلك يعد إقرارا من البائع بأنه قد باع لمن ذكره في طلبه ، إلا أن ذلك يحتاج إلى إستكمال إجراءات البيع التي اشترطها قانون التوثيق وقانون السجل العقاري وتعميمات قطاع التوثيق بوزارة العدل التي تشترط في البيوع العقارية حضور البائع والمشتري أمام الأمين الشرعي والشهود التلفظ أمامهم بصيغة الإيجاب والقبول .

وفي ختام هذا التعليق نؤكد بأن عدم حضور البائع والمشتري أمام الأمين الشرعي في البيع العقاري له مخاطره وإشكالياته ، وقد كشف الحكم محل تعليقنا عن جانب منها، والله اعلم.