الغموض في جملة في منطوق الحكم

 

الغموض في جملة في منطوق الحكم

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

غموض  كلمة أو جملة  في منطوق الحكم لا يكون سبباً من أسباب الطعن بالحكم طالما وان هذا الغموض لايفضي إلى جهالة الشئ المحكوم به فيتعذر تنفيذ الحكم واقتضاء الشئ المحكوم به ، لأن قانون المرافعات وهو المرجع فيما لم يرد به نص في قانون الإجراءات قد حدد الوسيلة القانونية لإزالة غموض جملة أو كلمة أو عبارة في منطوق الحكم، وهذه الوسيلة لازالة هذا الغموض  هي طريقة تفسير الحكم من قبل المحكمة التي أصدرت الحكم ، إذ ينبغي على الخصم أن يطلب من المحكمة التي أصدرت الحكم ان تقوم بتفسير  الكلمة أو الجملة أو العبارة الغامضة الواردة في منطوق حكمها بدلا من اللجوء إلى الطعن بالحكم، لأن غموض كلمات في منطوق الحكم ليست من أسباب الطعن بالحكم ، ويسري هذا الأمر على ورود عبارة (على المحكوم عليه إصلاح سيارة المجني عليه)، دون أن يذكر المنطوق قدر أو قيمة هذه الإصلاحات، فورود هذه العبارة في منطوق الحكم لا تصلح أن تكون سبباً للطعن بالحكم، كما أنها لا تكون تعليقاً للحكم على تقدير قيمة إصلاح السيارة بإجراء لاحق للنطق بالحكم ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27-5-2013م في الطعن رقم (29362)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((أما بالنسبة لما اثاره الطاعن حول عدم تحديد المبلغ المحكوم به على المطعون ضده من تكاليف إصلاح سيارة الطاعن فإن الحكم المطعون فيه غير معلق بالنسبة لهذه النقطة، حيث أن الحكم قضى على الطاعن بدفع ثلث قيمة إصلاح السيارة، فقد كان على الطاعن وفقاً لنص المادة (256) مرافعات اللجوء إلى المحكمة التي اصدرت الحكم، لأن المادة المشار إليها قد صرحت على أن للمحكمة التي أصدرت الحكم ان تفسر الغموض بحكمها بقرار تصدره بعد سماع أقوال الخصوم ويثبت القرار على نسخة الحكم الأصلية أي أن الغموض في منطوق الحكم لا يعد سبباً من أسباب الطعن بالنقض))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: الغموض عيب في الحكم ينبغي تلافيه بداية :

الغموض عيب في الحكم سواء أكان الغموض في المنطوق أم في الأسباب، فالحكم يجب أن يكون واضحاً ومحدداً  للمحكوم به عند عرض  أسباب  الحكم أو في منطوقه حتى يكون الحكم فاصلاً في النزاع، فيسهل تنفيذ الحكم واقتضاء الشيء المحكوم به اختياراً أو جبراً، فضلاً عن أن وضوح منطوق الحكم وأسبابه يقنع الخصوم ويمكن محكمة الطعن من الرقابة على قانونية الحكم المطعون فيه و والتحقق من مدى مطابقته لنصوص القانون واوراق القضية، فالأحكام تقرر ثبوت الحقوق أو عدم ثبوتها وتنشئ المراكز القانونية أو تزيلها أو تغيرها حسبما ورد في المادة (237) مرافعات، لذلك فالغموض في الحكم سواء في أسبابه أو منطوقه عيب يجب على القاضي تلافيه بداية حتى لايحتاج الحكم إلى تفسير بعد صدوره فتطول إجراءات التقاضي ويتعطل تنفيذ الحكم .

الوجه الثاني: الغموض الذي يكون سبباً للطعن في الحكم:

هو الغموض الذي لا يحدد نوع الشيء المحكوم أو جنسه أو سببه كأن يقضي الحكم بإستحقاق التعويض دون أن يبين سببه أو يقض بإستحقاقه للتعويض دون أن يبين وسيلة تقديره أو دون أن تكون هناك وسائل معروفة لتقدير التعويض، ويكون الغموض سبباً للطعن بالحكم إذا أفضى إلى الجهالة الفاحشة في تحديد الشيء المحكوم به التي تؤدي إلى إثارة النزاع بين أطراف الحكم عند تنفيذه، وكذا يكون الغموض سببا للطعن في الحكم إذا كان الغموض في أسباب الحكم ومنطوقه معاً، لأن الغموض في هذه الحالات  يكون سبباً من أسباب الطعن بالحكم  لان ذلك من صور البطلان المقررة في المواد (396 و397) إجراءات، فقد نصت المادة (396) إجراءات على أنه (يقع باطلا كل إجراء جاء مخالفا لأحكام هذا القانون إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا كان الإجراء الذي خولف أو أغفل جوهرياً)، وفي السياق ذاته نصت المادة (397) إجراءات على أنه (إذا كان البطلان راجعا لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بكيفية رفع الدعوى الجزائية او بتشكيل المحكمة او بولايتها بالحكم في الدعوى أو بعلانية الجلسات أو تسبيب الأحكام أو حرية الدفاع أو علانية النطق بالأحكام أو إجراءات الطعن أو العيب الإجرائي الجوهري المهدر لأي حق من حقوق المتقاضين فيها أو غير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام جاز التمسك به من جميع الأطراف في أية حالة كانت عليها الدعوى وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ويعتبر تضمين الحكم تخييرا للمحكوم عليه بين عقوبة الحبس أو الغرامة بطلانا يتعلق النظام العام)، فغموض الحكم في الحالات السابق بيانها يكون من أخطر العيوب الإجرائية التي ينطبق عليها ماورد في النصين السابقين. (  ضوابط تصحيح وتفسير الأحكام القضائية، د. بن عمار مقني، ص 18).

الوجه الثالث: الغموض الذي لا يكون سبباً للطعن بالحكم وإنما يتم اللجوء إلى تفسيره من قبل المحكمة:

هو غموض كلمة أو جملة أو عبارة في أسباب الحكم أو منطوقه يمكن فهمها من سياق العبارات الواردة  الأخرى الواردة ضمن أسباب الحكم ومنطوقه كأن تتضمن أسباب الحكم: عبارة: ويتم تقدير تكاليف إصلاح سيارة المجني عليه عن طريق خبراء عدول من أهل الخبرة والإختصاص، في حين يكتفي منطوق الحكم بذكر عبارة (إلزام المحكوم عليه بإصلاح سيارة المجني عليه)، فالغموض في منطوق الحكم تفسره أسباب الحكم، ولذلك ترد في منطوق بعض الأحكام فقرة( تعد أسباب الحكم جزءا من المنطوق )، ونحن لانحبذ ذلك وقد سبق لنا التعليق عليه ، إضافة إلى أن الغموض في أسباب الحكم لا يكون سبباً للطعن إذا كانت وسيلة تقدير الشيء المحكوم به معروفة ومتبعة داخل القضاء وخارجه كتكليف مهندس بتقدير تكاليف إصلاح سيارة أو تكليف خبير بتقدير غلات الأرض الزراعية، علاوة على أن الغموض لايكون سبباً من أسباب الطعن عندما يكون القانون ذاته قد تكفل ببيان معنى العبارة الغامضة، فالحكم تطبيق للقانون فإذا كانت العبارة غامضة في الحكم فتقوم المحكمة بالرجوع إلى القانون لمعرفة معنى العبارة الغامضة في الحكم وتفسر الغموض في ضوء ذلك .

فإذا لم يكن الغموض سبباً للطعن بالحكم حسبما سبق بيانه في الحالات السابقة فللمحكمة ذاتها التي اصدرت الحكم أو للخصوم أن يطلبوا منها تفسير العبارة الغامضة بمقتضى المادة (256) مرافعات التي نصت على أن( للمحكمة بناءً على طلب الخصوم أن تفسر ما غُمِض في حكمها بقرار تصدرهُ بعد سماع أقوال الخصوم ويُثَبت القرار على نسخة الحكم الأصلية ويوقعه الكاتب وهيئة المحكمة ويؤشر به على الصورة المسلمة للخصوم ويكون قرار التفسير قابلاً للاستئناف إذا كان الحكم قابلاً له أصلاً ).

الوجه الرابع: طريقة تفسير الحكم بدلا من الطعن فيه وسيلة من وسائل الاقتصاد في إجراءات التقاضي :

عندما يتم الطعن بالحكم بسبب غموض بعض كلماته، يكون هدف الطاعن اصلا إزالة الغموض الذي شاب الحكم الطعين فتطول الإجراءات بدون مقتضى ، في حين  أنه في حالة تفسير الحكم من قبل المحكمة التي أصدرت الحكم ذاته لايتم إصدار حكم جديد وإنما مجرد تفسير للغموض الذي شاب كلمة أو كلمات في منطوق الحكم، بحسب إجراءات التفسير السابق ذكرها، والله اعلم .