الرهق التابع للوقف
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
الإشكاليات القائمة فيما بين هيئة الأوقاف والهيئة العامة للأراضي نطاق الرهق
التابع لأموال الوقف، لأن قانون أراضي وعقارات الدولة الصادر عام (1995م) نص صراحة
على أن السوائل العظمى والمنحدرات والجبال والاكام من المراهق العامة المملوكة
للدولة ملكية عامة وأنه يحق للأفراد الإنتفاع المشترك بها كمحاطب ومراعي وغير ذلك،وان
الأراضي الزراعية الملاصقة للمراهق العامة لاتستحق الا نسبة 20٪ من نسبة الانحدار
حسبما مذكور في المادة( 42 ) من قانون أراضي وعقارات الدولة، في حين تضمنت تعديلات
قانون الوقف الشرعي عام (2008م) المادة (87 مكرر/1) التي نصت على أنه (استثناءً من
الأحكام المنصوص عليها في قانون أراضي وعقارات الدولة بشأن المراهق تعد مراهق
ومساقي الأعيان الموقوفة كاملة تابعة لها ويسري عليها ما يسري على أصل العين
الموقوفة من أحكام)، وهذا يعني إستثناء أراضي الوقف من الخضوع لأحكام المراهق
العامة المنصوص عليها في قانون أراضي وعقارات الدولة الذي قرر ملكية الدولة لكامل المراهق العامة
بإستثناء 20٪ من نسبة الانحدار تكون للأرض الزراعية الملاصقة للرهق العام ، وفي
هذا السياق فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن الذاري أو الرهق الملاصق للأرض الزراعية أو الصبابة التي التي يصب ماؤها إلى العين
الموقوفة تكون تابعة للعين الموقوفة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24-5-2000م في الطعن رقم (214)، الذي
ورد ضمن أسبابه: ((تقر الدائرة بكامل هيئتها ما جزمت به محكمة إستئناف محافظة...، بأن يكون الذاري تبعاً للوقف، فهو يدخل تبعاً
للوقف، كما أن الماء يصب منه إلى أرض الوقف ،
لأن الأموال تحد به من أعلى في بعض المواضع، فهو يكون تبعاً للأرض التي يصب
إليها ، لأن الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد ذكر أنه ليس هناك يد لأحد على
الذاري))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية الذاري المشار إليه في الحكم محل تعليقنا:
من خلال مطالعة الحكم يظهر أن الذاري هو المنحدر
الذي يصب ماؤه إلى الأرض الزراعية الواقعة اسفل من المنحدر، ويطلق على (الذاري) في
بعض المناطق اليمنية (الصبابة)، لأن السيل المتجمع من المطر يتجمع فيصب منها إلى
الأرض الزراعية الملاصقة له الواقعة
ادناه، والصبابة أو الذاري عبارة عن أرض غير زراعية كما أن هذا المنحدر ليس مملوكاً
للأفراد ولا يتعلق به حق أو اختصاص لأحد الأفراد حسبما ورد في أسباب الحكم محل
تعليقنا.
فالذاري أو الصبابة هي الجبال والاكام
والمنحدرات التي يصب ماؤها إلى المزارع الملاصقة لها وما دونها، ويطلق عليها رهق
الأرض الزراعية، كما يطلق عليها في بعض المناطق
الذاري، وقد ورد في المادة (2) من قانون أراضي وعقارات الدولة( أن الجبال والاكام
والمنحدرات والسوائل العظمى من المراهق العامة )، في حين نصت المادة (6) من
القانون ذاته على أن: المراهق العامة من الأراضي التي تخضع للأحكام المقررة في
قانون أراضي وعقارات الدولة،وفي هذا السياق صرحت المادة (41) من القانون المشار
إليه بأنه: تعتبر كافة المراهق العامة مملوكة بالكامل ملكية عامة للدولة، وهذا
يعني أن المراهق العامة بما فيها الصبابات مملوكة للدولة ملكية عامة وليست خاصة
بالدولة، وقد اشرنا في تعليق سابق إلى الفرق بين الملكية العامة للدولة والملكية
الخاصة للدولة، ولذلك فقد نصت المادة (44) من القانون المشار إليه على أن حق
الإنتفاع بالمراهق العامة يظل مقرراً للكافة أي الإنتفاع بالمراهق العامة على وجه
الإشتراك بين الأفراد من غير أن يختص احد الأفراد أو بعضهم بالإنتفاع بها خاصة دون
غيرهم ، وكذا نصت المادة (42) من القانون
ذاته على أن يكون لملاك الأراضي الزراعية نسبة 20% من الإنحدار، ونظراً لغموض هذه النسبة وعدم
القدرة على تطبيقها في الواقع العملي فهناك مقترحات جدية لتعديل تلك النسبة بأن
يكون لصاحب الأرض الزراعية الملاصقة للرهق العام مثل مساحة الأرض الزراعية
الملاصقة للرهق العام.
الوجه الثاني: المراهق العامة المنصوص عليها في قانون أراضي وعقارات الدولة:
عرفت المادة (2) من قانون أراضي وعقارات الدولة
عرفت المراهق العامة بأنها (المراهق العامة: الجبال والاكام والمنحدرات التي تتلقى
مياه الأمطار وتصريفها وتعتبر في حكم المراهق العامة السوائل العظمى التي تمر
عبرها مياه السيول المتجمعة من سوائل فرعية)، وبناءً على هذا التعريف فإن الصبابات
أو الذاري يدخل ضمن المراهق العامة إذا لم تتعلق به ملكية أو حق لأحد الأفراد ،
وقد صرحت المادة (6) من قانون أراضي وعقارات الدولة بأن: المراهق العامة بمفهومها السابق
من الأراضي العامة التي تخضع لقانون أراضي وعقارات الدولة فقد نصت المادة (6) من
قانون الأراضي على أن (يعد من أراضي وعقارات الدولة الخاضعة لأحكام هذا القانون ما
يلي: -و- المراهق العامة)، وفي السياق ذاته صرحت المادة (41) من قانون أراضي
وعقارات الدولة بان كافة المراهق العامة مملوكة للدولة، فقد نصت هذه المادة على أن
(تعتبر كافة المراهق العامة مملوكة بالكامل ملكية عامة للدولة)، في حين تضمنت
المادة (42) من القانون ذاته الاستثناء من ملكية الدولة لكافة المراهق العامة، حيث
نصت هذه المادة على أنه (إستثناء من أحكام المادة السابقة تعد من ملحقات الأراضي
الزراعية المراهق الملاصقة لها إذا كان معدل إرتفاع الرهق لا تزيد نسبة إنحداره
على 20% درجة أو في حدود هذه النسبة إذا زاد معدل إرتفاع الرهق عن ذلك، ويبدأ
إحتساب نسبة الإنحدار من الحد الفاصل بين الرهق والأرض الزراعية الملاصقة له)، واجازت
المادة (44) من القانون المشار إليه اجازت الإنتفاع المشترك لكافة الأفراد
بالمراهق العامة، فقد نصت هذه المادة على أنه (يظل الحق في الإنتفاع بالمراهق
العامة أو القدر المستحق منه للدولة مقرراً للكافة سواء بالرعي أو بالإحتطاب أو
غيره، ولا يجوز للدولة الإخلال بهذه الحقوق إلا لإعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة).
الوجه الثالث: الرهق التابع للأرض الزراعية في القانون المدني (الصبابة أو الذاري):
نصت المادة (1157) مدني على أن (لمالك الشيء كل
فوائده الأصلية والفرعية وملحقاته وتوابعه شرعاً وعرفاً مالم يوجد نص أو إتفاق على
خلاف ذلك)، ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر ان رهق الأرض داخل في معنى التوابع
المذكورة في النص السابق إلا أنه قيدها بعدم وجود نص يحدد الرهق.، وهذا النص قد
ورد في قانون الأراضي على النحو السابق بيانه، كما نصت المادة (518) مدني على أن
(يدخل في بيع الأرض الماء من سيل أو غيل مالم يكن مستخرجاً بيد عاملة أو بعرف قاض
بعدم الدخول وتدخل السواقي والمساقي والجدران والطرق المعتادة كما يدخل الشجر النابت
فيها مما يراد به البقاء لا ما يراد به ذلك من غصن أو ورق أو ثمر أو زرع فأنها لا
تدخل إلا بالنص عليها.
وكذا اشارت إلى هذه المسألة المادة (1364) مدني
التي وردت في القانون ضمن الأحكام الخاصة بحق الشرب، فقد نصت هذه المادة على أنه
(لا يمنع ذو الصبابة من حقه وهو ما فضل من الماء عن كفاية المتقدم في الإحياء
والعبرة بالكفاية وقت الإحياء وإذا لم يعرف فالعبرة بوقت السقي)، فهذه المادة تقرر
حق صاحب الأرض الملاصقة في الصبابة في السيل النازل من الصبابة وفي الوقت ذاته
تقرر حق صاحب المزرعة الذي يلي صاحب المزرعة الملاصقة للصبابة.
والرهق
التابع للأرض أما أن يكون مساقي أو صبابات يصب منها الماء إلى الأرض الزراعية
فيسقيها، وأما ان يكون سواقي وأما أن يكون طريقاً إلى الأرض وغير ذلك، وقد بيّن
القانون المدني حكم المراهق التابعة للأرض المبيعة، وذلك في المادتين (516 و518) حيث
نصت المادة (516) على أن: (يدخل في المبيع ما يندرج تحت اسمه عرفاً وما كان متصلاً
به اتصال قرار تبعاً بلا ذكر ولا يقابله شيء من الثمن كفناء الدار وما يوجد في
الأرض من أشجار، وكل مالا يتناوله اسم المبيع عرفاً وليس متصلاً به اتصال قرار لا
يدخل في المبيع إلا بذكره إن كان من حقوق المبيع ومرافقه)، وبناء على هذا النص فإن
الرهق الملاصق للأرض الزراعية الموقوفة
يدخل فيها حتى لو لم يتم ذكره في وثيقة الوقفية طالما انه متصل بالأرض الموقوفة
إتصال قرار حسبما ورد في النص، ولذلك فهو تابع
لها، وفي هذا السياق نصت المادة (518) مدني على أن: (يدخل في بيع الأرض الماء من
سيل وغيل مالم يكن مستخرجاً بيد عامله أو بعرف قاض بعدم الدخول، وتدخل السواقي والمساقي والجدران والطرق
المعتادة كما يدخل الشجر النابت فيها مما يراد به البقاء لا ما يراد به ذلك من غصن
أو ورق أو ثمر أو زرع فأنها لا تدخل إلا بالنص عليها) وهذا النص صريح في دخول
الرهق الذي يستعمل عادة كمساقي للأرض يصب منه الماء إلى الأرض .
الوجه الرابع: أهمية الرهق للأرض الزراعية (الصبابة أو الذاري):
اليمن كما هو معلوم دولة زراعية تعتمد على مياه
الأمطار الموسمية التي تهطل في موسم الصيف، فكثيراً من الأراضي الزراعية تعتمد على
سيول مياه الأمطار المنحدرة من المنحدرات والجبال والاكام، ولذلك فان الأراضي
الزراعية غير قابلة للزراعة بدون الصبابات أو الذاري الذي ينحدر ماؤه إلى الأراضي
الزراعية، ومن ذلك أراضي الوقف.
الوجه الخامس: رهق الوقف في قانون الوقف الشرعي:
ضمن تعديلات قانون الوقف الشرعي عام (2008م) وردت
المادة (87 مكرر/1) التي نصت على أنه (استثناء من الأحكام المنصوص عليها في قانون
أراضي وعقارات الدولة بشأن المراهق تعد مراهق ومساقي الأعيان الموقوفة كاملة تابعة
لها ويسري عليها ما يسري على أصل العين الموقوفة من أحكام)، فيظهر من سياق هذا
النص أنه اراد تقييد ما ورد في المادة (41) من قانون أراضي الدولة التي نصت على
ان: كافة المراهق العامة مملوكة بالكامل للدولة، وكذا تقييد ما ورد في المادة (42)
من قانون أراضي الدولة التي استثنت نسبة 20% من نسبة الإنحدار من المراهق العامة
حتى تكون هذه النسبة تابعة للأراضي الزراعية الخاصة الملاصقة للمراهق العامة،
فالهيئة العامة للأراضي ترى أن النسبة المحددة من المراهق العامة ( 20٪) من نسبة
الانحدار هي في الأصل استثناء من ملكية الدولة لكامل المراهق العامة وأنه وفقاً
للقواعد القانونية لا يجوز الاستثناء من الاستثناء، وتبعاً لذلك فإن المادة (87
مكرر/1) من قانون الوقف تستثني مساقي الوقف من الاستثناء الوارد في المادة (42) من
قانون أراضي الدولة، والاستثناء من الاستثناء لا يجوز بحسب وجهة نظر الهيئة العامة
للأراضي، في حين تذهب هيئة الأوقاف إلى أن المادة (87 مكرر/1) من قانون الوقف قد وردت في قانون الوقف وهو
قانون خاص في حين أن المادتين (41 و42) الواردة في قانون أراضي الدولة قد وردت في
قانون عام، والخاص مقدم على العام في التطبيق، ومن جهتها تتمسك هيئة الأراضي بأن
قانون أراضي وعقارات الدولة هو قانون خاص أيضاً، فلا يقدم عليه ماورد في قانون
الوقف عند تطبيق القانونين .
الوجه السادس: عدم واقعية نسبة الإنحدار المحددة في المادة (42) من قانون أراضي وعقارات الدولة:
يتفق غالبية المختصين والمهتمين على ان نسبة 20% من الإنحدار المحددة في المادة (42) من قانون أراضي وعقارات الدولة غير واقعية وغير عملية، ويتعذر تطبيقها في الواقع العملي، ولذلك فقد تم تقديم مقترحات وبدائل عدة لتعديل تلك النسبة منها : ان يكون الرهق التابع للأرض الزراعية الملاصقة للرهق العام مثل مساحة الأرض الملاصقة بدلاً من تلك النسبة، والله اعلم.