إذا سقط حد القذف بالعفو فلا يعود
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
الساقط
لا يعود، فاي حق او تصرف يسقط فأنه لايعود، فإذا عفى المقذوف عن القاذف قبل
المرافعة فإن حد القذف يسقط ، فلا يجوز بعد ذلك للمقذوف المطالبة بإقامة الحد على
القاذف حتى ولو لم يف الجاني ببدل الصلح الذي تم العفو على أساسه ، لأن التصرف إذا
سقط فلا يعود، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ 27-4-2013م في الطعن رقم (47132)، الذي ورد ضمن أسبابه:
((فمن خلال الإطلاع على إتفاق الصلح بين الجاني والمجني عليه قبل المرافعة
والمتضمن تنازلهما المتبادل على أن يسوق الجاني الهجر إلى المجني
عليه، وبموجب ذلك فقد سقط حد القذف بالعفو قبل المرافعة إعمالاً لنص المادة (290)
عقوبات، وبما أن الحكم الاستئنافي قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي المتناقض الذي
قضى بإدانة الجاني بتهمة القذف وجلده ثمانين جلده بعلة أنه لم ينفذ الهجر القبلي
المشروط عليه في الصلح، مع أن حد القذف كان قد سقط قبل ذلك بالتصالح حسبما هو ثابت
في إتفاق الصلح، والقاعدة: ان الساقط لا يعود، أما عدم الوفاء بالهجر فتلك مسألة
أخرى)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: العفو المسقط لحد القذف وأثره:
العفو المسقط
لحد القذف هو تعبير صريح أو ضمني، فالعفو الصريح
يعبر فيه المقذوف بأنه قد عفى عن القاذف وأنه لا يطلب إقامة الحد الشرعي
عليه، ويصدر العفو الصريح غالبا بعد تقديم القاذف شكواه إلى جهات الضبط، كما قد
يكون العفو ضمنيا، وذلك عندما لايبادر المقذوف بتقديم شكواه إلى جهات الضبط أو
النيابة أو عندما لايقوم المقذوف بمتابعة إجراءات شكواه بالقاذف رغم إعلانه من
الجهة المختصة، ويسقط حد القذف بالعفو بمجرد تعبير المقذوف عن العفو الصريح أو
الضمني ، فعندئذ يتحقق أثر العفو عن القاذف ويسقط الحد دون حاجة إلى أي إجراء آخر
طالما أن العفو ثابت بطرق الإثبات الشرعية والقانونية، حسبما صرحت المادة (290)
عقوبات التي سيأتي ذكرها في الوجه الثاني( التشريع الجنائي الإسلامي، ا. د. عبد
المؤمن شجاع الدين، ص76.)
الوجه الثاني: وقت العفو عن القاذف والمقصود بالمرافعة:
صرحت المادة (290) عقوبات بأن وقت عفو المقذوف عن
القاذف يكون قبل المرافعة وليس بعدها، فقد نصت المادة (290) عقوبات على أنه (يسقط
حد القذف إذا ثبت امام المحكمة ان احد الشهود قد فقد اهليته قبل التنفيذ كما يسقط بإقامة
البينة على صحة ما قذفه به او بإقرار المقذوف نفسه به او بالعفو قبل المرافعة او
بالملاعنة بين الزوجين ولا تقبل دعوى القذف من فرع ضد أصل)، فهذا النص صريح بأن
الوقت الذي يجوز فيه للمقذوف ان يعفو عن القاذف هو الوقت السابق للمرافعة أي قبل أن يتم رفع القضية إلى القضاء للمرافعة والحكم
بشأنها، وبما أن النيابة العامة من ضمن أجهزة السلطة القضائية وتمثل المجتمع وتنوب
عنه في المطالبة بالحق العام، لذلك فإن المقصود بقبل المرافعة هو قبل بدء النيابة بإجراءات التحقيق في شكوى
المقذوف، وعلى هذا الأساس فإذا اراد المقذوف العفو عن القاذف فإن الوقت الجائز
لذلك هو قبل شروع النيابة بإجراء التحقيق في شكواه، وبالطبع
يجوز للمقذوف ان يعفو عن القاذف قبل ان تقوم جهة الضبط
القضائي كقسم الشرطة أو عاقل الحارة برفع الشكوى للنيابة العامة ومباشرة النيابة
العامة لإجراءات التحقيق، ( العفو عن العقوبة، د. ماهر عبد المجيد عبود،ص 21).
الوجه الثالث: إذا سقط حد القذف بالعفو فلا يعود:
أشار الحكم محل تعليقنا بأن القاعدة: أن الساقط
لا يعود فإذا سقط حد أو اي حق فأنه لا يعود، فإذا افصح المقذوف وعبر عن رغبته
بالعفو عن القاذف فقد سقط الحد عندئذ بمجرد تعبير المقذوف دون حاجة لأي إجراء آخر،
حسبما سبق بيانه، فإذا سقط الحد فأنه لا يعود حتى ولو لم يف القاذف بمقابل العفو
حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، ومعلوم ومؤكد ان قاعدة:
(الساقط لا يعود) قاعدة فقهية كلية، والمراد
بالساقط في هذه القاعدة عند الفقهاء هو الحق أو التصرف أو الحكم الذي تم فأنه يسقط بفعل المكلف أو بالإسقاط الشرعي.، والساقط صفة لموصوف
محذوف هو الحكم أو التصرف، ومعنى لا يعود الساقط : أي يصبح كالمعدوم لا سبيل
لإعادته إلا بسبب جديد يعيد مثله لا عينه، (الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، د، محمد صدقي ال برونو، ص 202).
الوجه الرابع: إقتضاء المقذوف لبدل العفو:
أشار الحكم محل تعليقنا بأن إقتضاء المقذوف لبدل
عفوه عن القاذف مسألة أخرى غير مرتبطة بالعفو الذي اسقط حد القذف، بمعنى أنه يحق للمقذوف
المطالبة بالبدل المتفق عليه وذلك بالطرق القانونية
المقررة لإلزام القاذف بتنفيذ وتسليم البدل المتفق عليه مقابل العفو، بيد أنه لايجوز
للمقذوف المطالبة بإقامة الحد على القاذف بعد إن عفى عن المقذوف وسقط الحد بمجرد عفوه،
حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم .