وجوب تقديم شكوى لتحريك الدعوى الجزائية بالنسبة لأموال الوقف
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
لا
ريب أن مالك رقبة مال الوقف هو لله سبحانه وتعالى فيظل مال الوقف محبوسا لله تعالى إلى أن يرث الله
الأرض وماعليها، في حين تنفق عائدات مال الوقف في الأغراض التي حددها الواقف في
وقفيته، ولذلك فان مال الوقف وعائداته تكون مستقلة عن الأموال العامة، ولذلك ينبغي
ان تتولى إدارتها والإشراف عليها هيئة مستقلة عن الحكومة ، وقد صرح الحكم محل
تعليقنا بأن هناك فرق بين أموال الوقف
والأموال العامة أو الأموال المملوكة للدولة، ومن هذا المنطلق فقد اشترط الحكم محل
تعليقنا أنه يجب على متولي الوقف تقديم شكوى إلى النيابة العامة أو مأمور الضبط
القضائي عند الإعتداء على أموال الوقف باي من الأفعال التي اشترط قانون الإجراءات تقديم
شكوى وفقا لما ورد في المادة( 27 ) إجراءات حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة
الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16-4-2013م في الطعن رقم
(48898)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد ظهر للدائرة أن ما أستند إليه الحكم المطعون
فيه وقضى به من لزوم تقديم الشكوى من الأوقاف حتى تقوم النيابة العامة بتحريك
الدعوى الجزائية ضد المعتدي على الوقف هو ما يتفق مع أحكام قانون الوقف، حيث أن
الوقف كما هو معلوم شرعاً وقانوناً هو حبس مال والتصدق بمنفعته أو ثمرته على سبيل
القربة تأبيداً، فالأوقاف بهذه الكيفية تتمتع بشخصية إعتبارية مستقلة لها حق
التصرف في أموال الوقف تأجيراً أو تسويغاً وفقاً لما ورد في نصوص قانون الوقف
الشرعي الذي تديره وزارة الأوقاف، وبذلك تكون أموال الأوقاف مخصصة لمنافع خاصة أو
عامة بحسب شرط الواقف، ولذلك لا يسري على أموال الوقف ما يسري على الأموال المخصصة
للمنفعة العامة والمملوكة للدولة، ولذلك يكون الحكم الاستئنافي موافقا للقانون
حينما قضى بوجوب تقديم شكوى من الأوقاف، فلا يصحح بطلان إجراءات النيابة في إجراء
التحقيق من غير تقديم شكوى ورفع الدعوى الجزائية لايصحح ذلك انضمام وزارة الأوقاف
إلى النيابة عقب ذلك أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية، إذ أن القيد الوارد في
المادة (27) إجراءات على حق النيابة العامة في تحريك الدعوى الجزائية في جرائم
الشكوى متعلق بالنظام العام، فيجوز لكل ذي مصلحة التمسك به في أي مرحلة من مراحل
التقاضي، ويجب على المحكمة ان تقضي به من تلقاء نفسها الأمر الموجب لرفض الطعنين
وإقرار الحكم المطعون فيه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في
الأوجه الأتية:
الوجه الأول: تعريف المال العام في القانون:
لم
يتعرض قانون الجرائم والعقوبات وقانون الإجراءات الجزائية لتعريف المال العام،
وربما انهما تركا التعريف بالمال العام للقوانين الخاصة بالأموال العامة، فقد حدد
قانون تحصيل الأموال العامة ماهية الأموال العامة في المادة (3) التي نصت على أنه
(مع مراعاة تحصيل كافة أنواع الواجبات الزكوية طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية
تحصل وفقاً لأحكام هذا القانون ما يلي ، وذلك في كل ما لم تنص القوانين الخاصة بها
على تحصيله بطريقة أخرى: -أ- كافة أنواع الضرائب والرسوم السيادية المباشرة وغير
المباشرة ، وكذلك كافة الغرامات والتعويضات والجزاءات المفروضة استناداً لأحكام قوانين
إنشائها -ب- جميع أنواع الرسوم الخدمية المقرة قانوناً -ج- جميع عائدات ومبيعات
أملاك الدولة الزراعية والعقارية والنفطية والثروات المعدنية ورؤوس الأموال
المستثمرة في الهيئات والمؤسسات العامة والمختلطة والمحاجر والمقالع والغرامات
والتعويضات والجزاءات المفروضة استناداً لأحكامها القانونية وغيرها من الأملاك
والأموال العامة الأخرى طبقاً لقوانين إنشائها -د- الأموال العامة المنصرفة بدون
وجه حق أو المختلسة والديون المستحقة -هـ- حصيلة ما يقدم للدولة ومؤسساتها من
القروض والمساعدات والهبات والتبرعات النقدية والعينية وما يتبعها ، وكذلك حصيلة
ما تصدره الدولة من أذونات الخزينة العامة وشهادات الاستثمار ، وكذلك ما تستعيده
الدولة أو مؤسساتها من القروض التي منحتها للعاملين بها أو للأفراد أو الجهات
الخاصة أو العامة -و- الأموال المستحقة الأداء لوزارة الأوقاف والمجالس المحلية
وللإدارات والهيئات أو المؤسسات التي تعمل كلياً أو جزئياً بأموال عامة أو بكفالة
الدولة أو بضمانتها ولا تدخل في ذلك المؤسسات التي تقضي القوانين العامة بتحصيل
أموالها وفقاً لقواعد تسديد الديون التجارية .. وفي جميع الأحوال يتم التحصيل
بناءً على طلب أصولي من الجهة ذات العلاقة ولحسابها -ز- سائر الأموال الأخرى التي
تنص القوانين الخاصة على وجوب تحصيلها وفقاً لأحكام هذا القانون، ومن خلال مطالعة ما ورد في المادة السابقة
وتحديداً الفقرة (و) يظهر أن المادة السابقة قد شملت أموال الأوقاف ضمن الأموال
العامة من حيث إجراءات تحصيلها بإعتبار القانون خاص بتحصيل الأموال العامة حسبما
هو ظاهر في اسمه (قانون تحصيل الأموال العامة) أي أن هذا القانون قد تضمن أموال
الأوقاف ضمن الأموال العامة ليس بقصد إعتبارها أموال عامة مخصصة للمنفعة العامة أي
الإنتفاع المشترك بها من عموم المواطنين ، وإنما بقصد إجراءات تحصيلها فقط، ولذلك
لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد أشار في أسبابه إلى أن أموال الوقف ليست أموالاً
عامة لأنها ليست مخصصة للمنفعة العامة وإنما مخصصة للأغراض التي يحددها الواقف في
وقفيته
الوجه الثاني: تعريف أموال الوقف في القانون:
أستند
الحكم محل تعليقنا في قضائه بأن أموال الوقف ليست من الأموال العامة فيما يتعلق
بتقديم الشكوى إلى النيابة أستند الحكم إلى تعريف الوقف الوارد في المادة (3) من
قانون الوقف الشرعي التي نصت على أن (الوقف هو حبس مال والتصدق بمنفعته أو ثمرته
على سبيل القربة)، فحبس أصل المال أو الرقبة يعني أن مالك الرقبة لمال الوقف هو
الله سبحانه وتعالى، ولذلك فان مفهوم الوقف يعني حبس أصل المال لله سبحانه وتعالى
فلا يجوز التصرف الناقل لملكية الوقف إلا في اضيق الحدود وفقاً للضوابط الشرعية،
لأن الوقف حبس المال لله، فلا يجوز تداوله عن طريق التصرفات الناقلة للملكية
كالبيع والهبة...إلخ، وعلى هذا الأساس فإن المالك للمال الموقوف هو الله سبحانه
وتعالى وليس الخزينة العامة للدولة، إضافة إلى أن عائدات مال الوقف لا تصرف في
المنفعة العامة بل تصرف في المصارف العامة للوقف أو وفقاً للمصارف التي يحددها
الواقفون في وقفياتهم التي لا ينبغي الخروج عليها، وفي هذا الأمر تختلف مصارف
عائدات الوقف عن مصارف الأموال العامة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، إضافة إلى
تعريف الوقف السابق شرحه فقد نصت المادة (91) مكرر من قانون الوقف على أن (يكون
للأوقاف نظام مالي ومحاسبي يقوم الأسس المالية والمحاسبية ويراعي خصوصية الأوقاف
ووظائفها المتعددة)، فما ورد في هذا النص يعني أن أموال الأوقاف لها نظمها
المحاسبية الخاصة التي تختلف عن النظام المحاسبي الموحد للدولة الذي ينظم الأموال
العامة.
الوجه الثالث: وجوب تقديم الأوقاف للشكوى الجزائية إلى النيابة العامة قبل رفع الدعوى الجزائية:
قضى
الحكم محل تعليقنا بوجوب قيام الأوقاف بتقديم الشكوى الجزائية إلى النيابة العامة
إذا تعرضت أموال الوقف لأي من الجرائم المذكورة في المادة (27) إجراءات التي نصت
على أنه (لا يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجزائية أمام المحكمة إلا بناء على
شكوى المجني عليه أومن يقوم مقامه قانونا في الأحوال الآتيـة: -1- في جرائم القذف
والسب وإفشاء الإسرار الخاصة والإهانة والتهديد بالقول أو بالفعل أو الإيذاء
الجسماني البسيط ما لم تكن الجرائم وقعت على مكلف بخدمة عامة أثناء قيامه بواجبه
أو بسببه. -2- في الجرائم التي تقع على الأموال فيما بين الأصول والفروع والزوجين
والأخوة والأخوات. -3- في جرائم الشيكات. -4- في جرائم التخريب والتعييب وإتلاف
الأموال الخاصة وقتل الحيوانات بدون مقتضى أو الحريق غير ا لعمدي وانتهاك حرمة ملك
الغير، وكذلك في الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون)، فالنص السابق آمر وساري
على أموال الوقف على إعتبار أن هذه الأموال خاصة بالوقف وليست أموالاً عامة،
ويترتب على مخالفة هذا النص بطلان الدعوى الجزائية إذا لم يسبقها تقديم شكوى
جزائية من قبل هيئة الأوقاف.
الوجه الرابع: انضمام هيئة الأوقاف إلى النيابة العامة في الدعوى الجزائية لا يصحح البطلان الناتج عن عدم سبق تقديم الشكوى:
قضى
الحكم محل تعليقنا بأن النص الوارد في المادة (27) إجراءات آمر واجب التطبيق على
كل الأموال التي لا تعد أموالاً عامة، وإن هذا النص يسري على أموال الوقف
بإعتبارها ليست من ضمن الأموال العامة، فإذا لم تقدم هيئة الأوقاف الشكوى فيترتب
على ذلك بطلان الدعوى الجزائية ولا يصحح هذا البطلان حضور ممثل هيئة الأوقاف أمام
المحكمة اثناء نظرها للدعوى الجزائية وإعلان انضمامه إلى النيابة العامة، لأن
الدعوى الجزائية مقيدة بالشكوى، فطالما ان الشكوى لم تسبق رفع الدعوى فإن الدعوى
الجزائية تكون باطلة بطلاناً متعلقاً بالنظام العامة لا يصححه حضور هيئة الأوقاف
بعد رفع الدعوى الجزائية أمام المحكمة وانضمامها إلى الدعوى الجزائية المرفوعة من النيابة
العامة، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا والله اعلم، اللهم اني اعوذ بعزتك وقدرتك وعظمتك
وجلالك وسلطانك من شر الحاسدين .