قتل أولياء الدم لقاتل مورثهم من غير حكم أو إذن من رئيس الدولة

 

قتل أولياء الدم لقاتل مورثهم من غير حكم أو إذن من رئيس الدولة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قتل أولياء الدم لقاتل مورثهم بدون حكم قضائي وبدون إذن ولي الأمر جريمة قتل عمد، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-5-2013م في الطعن رقم (51631) الذي ورد ضمت أسبابه: ((فقد تبين أن الطاعنين نعوا على الحكم الاستئنافي أنه اخطأ في الاستناد إلى المادتين (909 و910) مدني، وإن استيفاء القصاص لا يكون إلا بموجب حكم قضائي بات وإن عصمة المجني عليه متحققة عند مقتله...إلخ- وبرجوع هذه الدائرة إلى أوراق القضية وما اثاره الطاعنون فقد تبين أن تلك المناعي في محلها، فما توصل إليه الحكم المطعون فيه من تبريرات لإسقاط القصاص وتفسيره للمادتين (50 و51) عقوبات على النحو الوارد في الحكم المطعون فيه معيب لمخالفته صحيح القانون، فما لا خلاف فيه أن القصاص حق للمجني عليه ثم ورثته من بعده، ولكن هذا الحق مرتبط بالمطالبة أمام الجهات المختصة وليس بتنفيذه بطريقة الإفتيات من قبل الأفراد على سلطة الدولة وهيبتها، حتى أولئك الفقهاء الذين اجازوا استيفاء القصاص من قبل الورثة فقد اجازوه بعد صدور حكم القضاء بالقصاص وصدور إذن ولي الأمر، وهذا ما نص عليه في البحر الزخار الجزء السادس و وافقته المادتان (477 و479) عقوبات))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم، حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: قتل أولياء الدم لقاتل مورثهم وفقاً للمادتين (50 و51) عقوبات:

اشار الحكم محل تعليقنا في أسبابه إلى أن الحكم الاستئنافي قد اخطأ في استدلاله بالمادتين (50 و51) عقوبات لإسقاط القصاص عن أولياء الدم الذين قتلوا قاتل مورثهم، فالمادة (50) عقوبات نصت على أن (القصاص هو حق للمجني عليه في حياته ثم ورثته الشرعيين بعد وفاته ويكفي للحكم به طلبه من احد الورثة او من يقوم مقامه قانونا ومن النيابة العامة بمالها من الولاية العامة في رفع الدعوى الجزائية فإذا امتنع المجني عليه او ورثته لاي سبب اكتفي للحكم به بطلب النيابة العامة على ان تراعي الاحكام الخاصة بتنفيذ احكام القصاص الواردة في هذا القانون)، في حين نصت المادة (51) عقوبات على أنه (من يملك القصاص يملك العفو ويكون العفو بلا مقابل او مطلقا او بشرط الدية او الارش)، فقد توصل الحكم محل تعليقنا إلى أن النصين السابقين ليس فيهما ما يدل على جواز قيام أولياء الدم بقتل قاتل مورثهم، لأن المقصود بالقصاص المذكور في النصين هو: قيام أولياء الدم بالمطالبة بالقصاص من القضاء الذي يتولى التحقيق والبحث في موجبات القصاص فإذا توفرت موجباته حكم القضاء بالقصاص، فإذا أقرت المحكمة العليا الحكم يتم رفعه إلى رئيس الجمهورية بإعتباره ولي الأمر للمصادقة عليه، وبعد ذلك  يتم تنفيذ القصاص بنظر الدولة، وبناءً على ذلك لا يكون قتل أولياء الدم لقاتل مورثهم من غير حكم بالقصاص أو إذن من رئيس الدولة لا يكون من قبيل القصاص الشرعي أو القانوني.

الوجه الثاني: قتل أولياء الدم لقاتل مورثهم وفقاً للمادتين (909 و910) مدني:

كان الحكم الاستئنافي المنقوض قد استدل بالمادتين (909 و910) مدني على ان قيام أولياء الدم بقتل قاتل مورثهم يسقط القصاص عنهم، لان قاتل مورثهم لم يعد معصوم الدم وان الحكم بالقصاص من القاتل كاشف الإستحقاق القاتل للقتل، فقد نصت المادة (909) مدني على أنه (الاجازة اللاحقة لتصرف سابق في حكم الوكالة السابقة)، في حين نصت المادة (910) مدني على أنه (كل تصرف يجوز للموكل ان يعقده بنفسه يجوز له ان يوكل فيه غيره الا ما استثني ولا تجوز الوكالة في امر متعلق بشخص الموكل كاليمين واللعان ولا في محظور ولا في تادية الشهادة الا على وجه الارعاء ولا في الاحياء والتحجر الا في حدود ما يسد حاجته وحاجة من تلزمه نفقته)، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن الاستدلال بالمادتين المشار إليهما فاسد، لأن تلك المادتين تنظما المعاملات المدنية وليس القصاص والمسائل الجزائية، إضافة إلى أن القاتل قبل الحكم عليه بالقصاص من قبل القضاء يكون معصوم الدم فلا يهدر دمه إلا بموجب حكم  تقره المحكمة العليا وبعد صدور موافقة رئيس الجمهورية بإعتباره ولي أمر المسلمين حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثالث: حكم قيام أولياء الدم بقتل قاتل مورثهم:

اشار الحكم محل تعليقنا إلى أن الفقه الإسلامي هو المرجع في تفسير وتطبيق النصوص القانونية وصرح الحكم محل تعليقنا بأن الفقهاء الذين ذهبوا إلى جواز قتل أولياء الدم لقاتل مورثهم لم يجيزوا ذلك إلا بعد صدور حكم بات من القضاء بإجراء القصاص وصدور موافقة أو إذن رئيس الجمهورية.

وقد اختلف الفقهاء بشأن قيام أولياء الدم بقتل قاتل مورثهم قبل صدور حكم قضائي بإجراء القصاص وقبل صدور اذن من السلطان بإستيفاء القصاص، حيث ذهب جمهور الفقهاء إلى أن ذلك لايجوز لخطورة عقوبة القصاص وتعذر تدارك الخطأ فيها، لذلك يجب أن يتولى القضاء التحقق من نسبة القتل العمد للقاتل والتحقق من اركان وشروط وموجبات القصاص سيما الأدلة الموجبة للقصاص، في حين ذهب الحنفية وحدهم إلى جواز قيام أولياء الدم بقتل قاتل مورثهم استيفاء للقصاص، لأن القصاص حق أولياء الدم  وفقا لأحكام الشرع، والقول الراجح والمختار هو قول الجمهور الذي اخذ به الحكم محل تعليقنا، (البحر الزخار 6/145 البحر الرائق 3/ 76 المدونة 4/124 نهاية المحتاج 4/138)، والله اعلم.