التكييف القانوني للشعوذة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
عندما
تتقطع بالناس سبل المعالجة لمشاكلهم المتكالبهم عليهم يبحثوا عن حلول لها عن طريق
الشعوذة والسحر والتنجيم، وليس خافياً أن هذه الوسائل شائعة في اليمن، وفي التطبيق
العملي تتداخل مفاهيم الشعوذة والسحر والتنجيم والاحتيال، ولا ريب أن التجريم
والعقاب يحتاج إلى تحديد دقيق وضبط للمصطلح، وهذه هي أهم الغايات من التكييف القانوني للفعل الجرمي، حسبما قضى الحكم الصادر
عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-5-2013م في
الطعن رقم (48194)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((أن الطاعن نعى على الحكم أنه لم يبين
الأساس الذي أستند إليه في قضائه وإن نص المادة (310) عقوبات لاينطبق على الفعل المنسوب
للطاعن( الشعوذة )، وأن وصف النيابة لفعله بأنه من طرق الإحتيال لا ينطبق على
الفعل الذي قام به الطاعن ، والدائرة تجد أن نعي الطاعن في غير محله، لأن ما ورد
في الطعن عبارة عن جدل موضوعي ومناقشة في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع))،
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية الشعوذة:
الشعوذة:
هي إدعاء غير حقيقي بالقدرة على علم أشياء غيبية كالعلم بمكان المال المسروق أو
مكان وجود كنز، أو إدعاء غير حقيقي بالقدرة على علاج مريض أو الإدعاء غير
الحقيقي بالقدرة على بعث المحبة أو
الكراهية والنفور في نفوس الأشخاص أو الإدعاء غير الحقيقي بالقدرة على الإتصال
بأرواح الموتى وسؤالهم ومعرفة أحوالهم، وما شابه ذلك، وقد يتخذ الإدعاء في الأحوال
السابقة طرق إيجابية كالقيام بحركات غريبة أو تقديم وصفات غير حقيقية أو ترديد
عبارات وأقوال تتعلق بالأشياء التي يدعيها المشعوذ أو كتابة طلاسم وعبارات لايهام
الضحايا للإيقاع بهم (تفسير آيات الأحكام، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص 67).
الوجه الثاني: الشعوذة صورة من صور جريمة الإحتيال:
أعمال
الشعوذة حسبما سبق بيانه في الوجه الأول عبارة عن إدعاءات غير حقيقية تتخذ وسائل إيجابية للتاثير والايهام للأشخاص للايقاع
بهم والحصول على منافع مالية منهم حسبما سبق بيانه ، لذلك فقد كان تكييف الحكم محل
تعليقنا للشعوذة على أنها فعل من الأفعال التي تندرج ضمن أفعال الإحتيال حسبما ورد
في المادة (310) عقوبات التي نصت على أنه ( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات او بالغرامة
من توصل بغير حق الى الحصول على فائدة مادية لنفسه او لغيره وذلك بالاستعانة بطرق احتيالية
(نصب) او اتخذ اسم كاذب اوصفة غير صحيح ) لأن أعمال الشعوذة المشار إليها في الوجه
الأول عبارة عن طرق احتيالية ينطبق الوصف القانوني
الوارد في النص القانوني السابق ذكره، لأن المشعوذ يستعين بطرق إحتيالية أو يتخذ
أسم كاذب أو صفة غير صحيحة أو غير حقيقية.
الوجه الثالث: الفرق بين الشعوذة وخوارق العادة والسحر:
أعمال الشعوذة بحسب ما سبق بيانه في الوجه الأول عبارة عن إدعاءات غير صحيحة يدعيها المشعوذ، في حين أن خوارق العادة تكون الأفعال التي يقوم بها الشخص حقيقية وإن كانت خارقة للعادة، إذ يوجد أشخاص لها قدرات خارقة للعادة لا تتوفر لدى غالب الناس، يطلق عليها الفقه الإسلامي (الكرامات) أو (خوارق العادة)، ويطلق عليها المتخصصون في علم النفس (الباراسكولوجيا) أو (القدرة فوق الحسية ) أي أن هؤلاء الأشخاص لهم قدرات فوق القدرات الحسية المعتادة عند الناس ، أما الفرق بين الشعوذة والسحر، فيتحدد في الطرق التي يتبعها الساحر التي تختلف عن تلك التي يتبعها المشعوذ، فالساحر يستعين بالشياطين ويستعمل طرق مخالفة للشريعة الإسلامية، ولذلك يعاقب الفقه الإسلامي عدا الشافعي الساحر بعقوبة القتل حسبما هو مبسوط في كتب الفقه الإسلامي، أما قانون الجرائم والعقوبات اليمني فأنه يتعامل مع أفعال السحر على أساس أنها طرق إحتيالية ويعاقب على السحر على أساس أنه من أفعال الإحتياط.(تفسير آيات الأحكام، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص 69 )، والله اعلم . اللهم اني اعوذ بعزتك وقدرتك وجلالك من شر الحاسدين.