الاتفاق المسبق (التمالؤ) على إرتكاب جريمة القتل

الاتفاق المسبق (التمالؤ) على إرتكاب جريمة القتل

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

لا يتحقق التمالؤ إلا إذا كان هناك إتفاق سابق بين المتمالئين على تنفيذ الأفعال المكونة لجريمة القتل العمد، لان معنى التمالو  الإتفاق السابق على الفعل ، فلا يكفي مجرد حضور الأشخاص مسرح الجريمة عند وقوعها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4-11-2014م في الطعن رقم (55688)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فالدائرة تجد أن نعي الطاعن لم يؤسس على سند صحيح من القانون، فالتمالؤ وفقاً لنص المادة (21) عقوبات لا يكفي فيه مجرد التواجد على مسرح الجريمة لحظة وقوع جريمة القتل وإنما هو فعل مادي يسبقه إتفاق وتصميم سابق على مباشرة العمل التنفيذي المكون للجريمة بين المتمالئين جميعاً، وفي هذه القضية لم تجد الدائرة ما يدل على حصول الإتفاق المسبق بين المطعون ضدهم على قتل المجني عليه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا:

أستند الحكم محل تعليقنا إلى المادة (21) عقوبات التي نصت على أنه (يعد فاعلا من يحقق بسلوكه عناصر الجريمة ويشمل ذلك المتمالي الموجود على مسرح الجريمة وقت حدوثها ويعد فاعلا بالواسطة من يحمل على ارتكاب الجريمة منفذا غير مسئول هذا ولو تخلفت لدى الفاعل بالواسطة صفة يشترطها القانون في الفاعل ويعد فاعلين من يقومون معا بقصد او باهمال مشترك بالاعمال المنفذة للجريمة).

الوجه الثاني: تعريف التمالؤ على إرتكاب جريمة القتل وشروطه :

 التمالؤ في اللغة هو : الاجتماع والتعاون والإتفاق السابق على فعل من الأفعال أو أمر من الأمور  كاجتماع وتمالؤ عدد من الناس على قتل رجل، وشاهده قول عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْه - في القصاص ممن قتل رجلاً : "لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً ). (البيهقي : 15751، 15751 )،، والتمالؤ في إصطلاح  الفقهاء : هو توافق إرادات الجناة على الفعل، وكان مشروع القانون الشرعي للجرائم والعقوبات قد عرف المتمالئ تعريفا مفصلاً  تضمن شروط التمالؤ كافة ، فقد كانت المادة(21) من ذلك المشروع تنص على أن ( المتمالئ هو من يتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة ويتواجد في مكان حدوثها مستعداً لارتكابها بحيث إذا تركها أحد المتمالئين معه لم يتركها هو وإنما يكون تركه لها اكتفاء بمباشرة الأخر مادام معضوداً بوجوده ولو كان رقيبا بشرط ان يكون مستعداً لتنفيذ ما اتفق عليه)،  والتعريف الوارد في هذا النص جامع مانع تضمن الشروط المعتبرة في التمالؤ، وهي: الشرط الأول : الاتفاق على الاشتراك في ارتكاب الجريمة، الشرط الثاني : الوجود الفعلي للشخص المتمالئ في مسرح الجريمة وقت حدوثها، الشرط الثالث : استعداد الشخص المتمالئ لمباشرة العمل التنفيذي للجريمة.

اما القانون النافذ فلم يعرف التمالؤ حسبما هو ظاهر في المادة(21 ) من القانون النافذ السابق ذكرها في الوجه الأول ، بل ان تلك المادة لم تتضمن حتى مجرد الإشارة إلى شرط الإتفاق المسبق، بيد أنه يفهم شرط الإتفاق المسبق من معنى (التمالؤ )، لان التمالؤ يعني اجتماع أو إتفاق اثنين او اكثر على فعل الجريمة.

الوجه الثالث : معنى الإتفاق المسبق على ارتكاب الجريمة :

 سبق القول ان التمالؤ يعني إتفاق  اثنين او اكثر على تنفيذ الجريمة، ولذلك فإن شرط الإتفاق المسبق على تنفيذ الجريمة مرادف للتمالؤ، ولذلك فإن المادة(21) لم تتضمن شرط الإتفاق، ومن هذا المنطلق فقد قضي الحكم محل تعليقنا بأنه يشترط للتمالؤ الإتفاق المسبق.

فالاتفاق على القتل يعني ان تلتقي إرادات المتمالئين على ارتكاب هذه الجريمة، وأبرز صورة له أن يلتقي المتمالؤن فيعقدون العزم على التعاون فيما بينهم على ارتكاب الجريمة أي يتأمروا على ذلك العمل ويخططوا له ويحددوا دور كل واحد منهم قبل البد، فيه، وأدنى صور الاتفاق أن يكون كل واحد من هؤلاء المتمالئين عالماً بأنه ليس وحده معنيا بأمر ارتكاب تلك الجريمة أي يعلم بأنه يفعل الفعل مع غيره ولا يلزم بالضرورة أن يجلس المتمالئون في مجلس واحد يتأمرون أو يخططون لها، وإن كان ذلك هو الأصل وإنما يكفي أن يحس كل واحد بأنه لا يرتكب الجريمة بمفرده، فإذا انتفي العلم فلا يصح القول بوجود اتفاق حتى وأن المتمالئ نفسه يفعل الفعل مع غيره وإنما هو توافق، وليس من شروط العلم الذي يقوم به الاتفاق أن يكون المساهم محيطا بعدد الأشخاص الذين يشتركون معه أو نوع الدور الذي يقوم به كل واحد منهم، فالعلم حالة شخصية يجب توافرها لدى المتمالئ ذاته، ومن ثم فلا يغني عنها علم الآخرين بوجوده معهم إذا كان هو غير عالم بوجودهم معه، وهذا يعنى أنه يصح أن يشترك عدة أشخاص في ارتكاب الجريمة، فيتوافر شرط الاتفاق في حق بعضهم دون البعض الأخر، كأن يعلم بعض الأشخاص بعزم زيد على قتل عمر فيذهبون لمعاونته ومعاضدته وهو لا يعلم بوجودهم معه ولا يحس بمشاركتهم له.

والأصل في الاتفاق أن يكون سابقاً على ارتكاب الجريمة، ولكن لا يعني أنه لابد من أن يكون بينه وبين البدء زمن معين إذ يصح أن يكون قبل البدء مباشرة بل يصح أن يتوافر حال البدء في التنفيذ.

وصورته أن يعلم الجاني ساعة قيامه بارتكاب الجريمة أن هناك من يشاركه فيها فيستأنس به ويزداد عزيمة ومضاء أو على الأقل قبولا.(شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني “القسم الخاص” د/علي حسن الشرفي، صـ56..60 ). والله اعلم.