المستولي على أرض الدولة لا يستحق التعويض

 المستولي على أرض الدولة لا يستحق التعويض

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الإستيلاء على اي أرض عمل غير مشروع يخالف الشرع والدستور وقانون أراضي وعقارات الدولة بل أنه جريمة وفقاً للقانون، بيد أن ثقافة المغالطة  السائدة في اليمن التي تنظر إلى أن الإستيلاء على أموال الدولة وأموال الغير نوع من الشطارة والذكاء والدهاء، ولذلك نلاحظ قيام بعض الغاصبين  للأراضي بالمطالبة بالتعويض إذا طلبت الدولة  أو المالك من هؤلاء  الغاصبين والبساطين والمتهبشين إخلاء الأرض، وكذلك الحال حينما يطلب المالك الشرعي من الغاصب إخلاء أرضه المغصوبة، إذ تختلف مسميات مطالبات الغاصبين، فالبعض يطلقون عليها مسمى (حفاظة) واحيان أخرى يطلقون عليها مسمى (حق البسط أو حق اليد) وفي بعض الأحيان يطلقون عليها قيمة مواد البناء التي اعتدى بها المستولي على الأرض، وفي حالات اخرى يطلق عليها غرامة المستولي على الأرض .إلخ، غير أن الشريعة الإسلامية والدستور والقانون لا يجيز للغاصب أو المستولي على أرض الغير بما في ذلك ارض الدولة المطالبة بأي تعويض من الدولة أو المالك مهما كانت مسميات هذه المطالبات التي ما انزل الله بها من سلطان، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28-1-2014م في الطعن رقم (53734)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((لا يجوز الحكم بالتعويض إلا لمن حصل على أرض من الدولة وفقاً للقانون واللوائح المنظمة لذلك، اما إذا تم الحصول عليها بطريقة مخالفة للقانون واللوائح فإن ذلك عمل غير مشروع، لأن الفاعل لذلك في حكم الغاصب لأرض الغير فلا يستحق التعويض))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية: 

الوجه الأول: الصور المشروعة للحصول على أرض الدولة: 

قضى الحكم محل تعليقنا بأن التعويض لا يكون مستحقاً إلا لمن حصل على أرض الدولة بطريقة مشروعة ووفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في قانون أراضي وعقارات الدولة ولائحته التنفيذية، فقد اجاز قانون أراضي الدولة للأشخاص الحصول بالمجان على أرض من أرض الدولة بتوجيه من رئيس الجمهورية حسبما ورد في المادة (8) من القانون المشار التي نصت  على أنه (لا يجوز التصرف في اراضي وعقارات الدولة الخاصة إلى أي شخص طبيعي أو إعتباري بالمجان إلا بقصد تحقيق نفع عام أو بتوجيه من رئيس الجمهورية)، وكذا اجاز القانون ذاته للجهات الحكومية الحصول على أراضي بالمجان حسبما ورد في المادة (9) التي نصت على أنه (يجوز للجهات الحكومية الحصول مجاناً على ما تحتاجه من الأراضي أو العقارات الخاضعة لأحكام هذا القانون للإنتفاع بها لتنفيذ اغراضها المحددة في النظم الخاصة بها وذلك بقرار من مجلس الوزراء، وتؤول هذه الأراضي او العقارات بعد انتفاء الغرض المخصص لها الى المصلحة ولا يجوز التصرف فيها إلا وفقاً لأحكام هذا القانون)، في حين اشارت المادة (11) من القانون ذاته إلى التصرف بالبيع لأراضي الدولة فقد نصت المادة (11) على أن (تؤول ملكية أراضي وعقارات الدولة التي يتم التصرف فيها بالبيع وفقاً لأحكام هذا القانون إلى المتصرف إليهم بالحالة التي تكون عليها وقت البيع محملة بما عليها من حقوق الإرتفاق دون أن يترتب على ذلك أي حق للمتصرف اليهم في المطالبة بالتعويض مقابل هذه الحقوق)، اما المادة (12) فقد صرحت بأن: الدولة ملزمة برد ما تقاضته من ثمن إذا انتكلت الأرض التي تصرفت بها هيئة الأراضي للغير، فقد نصت المادة (12) على أنه (إذا استحق العقار أو الأرض المتصرف فيها بالبيع كلها أو بعضها بناءً على حكم قضائي بات فلا تلتزم الدولة إلا برد ما أداه المتصرف إليه من الثمن عن الجزء الذي قضى بإستحقاقه للغير مع حماية حقوق المتصرف إليه بحسن النية)، في حين تناولت المادة (13) حق الدولة في فسخ عقود البيع والإيجار للغير فقد نصت المادة (13) على أنه (إذا تم التصرف بالبيع أو الإيجار في أراضي وعقارات الدولة بشروط معينة أو لغرض مخصوص وجب أن يتضمن العقد ذلك، فإذا لم يقم المتصرف إليه بتنفيذ ما تم الإتفاق عليه أعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء ذاته دون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء قضائي ودون إخلال بحق الدولة في المطالبة بالتعويض أن كان له مقتضى)، وفي السياق ذاته نصت المادة (14) على أنه (يجوز للمصلحة بقرار من مجلس الوزراء بناءً على عرض الوزير إلغاء عقود إيجار أي من أراضي وعقارات الدولة عندما يكون إخلائها ضرورياً لإستغلال أو إقامة منشآت ذات نفع عام عليها بشرط دفع تعويض عادل للمستأجر مساوي لثمن المنشآت أو الغراس أو أي تحسينات أدخلت عليها بقيمتها الفعلية في تاريخ إستعادتها)، وقد بينت اللائحة التنفيذية لقانون أراضي وعقارات الدولة أسس ومعايير تقدير اثمان أراضي وعقارات الدولة وقيمتها الإيجارية واللجان المشكلة لهذا الغرض، وكذا شروط وإجراءات التصرف بالمجان أو بأقل من ثمن المثل أو التأجير بأجرة رمزية لأراضي وعقارات الدولة، وكذا تضمنت اللائحة التنفيذية قواعد وإجراءات التصرف في أراضي الدولة الزراعية والبور والأراضي الصحراوية المستصلحة وغير المستصلحة، بالإضافة إلى أن اللائحة قد تضمنت إجراءات وأحكام البيع لأراضي الدولة بالمزاد العلني والبيع بالتقسيط، كما تضمنت اللائحة المشار إليها إجراءات إلغاء عقود إيجار الأراضي والعقارات التي يكون اخلائها ضرورياً للإستغلال أو لإقامة منشآت ذات نفع عام عليها، واشتملت اللائحة أيضاً على أحكام التصرف في الأراضي التي تم وضع اليد عليها قبل صدور قانون أراضي وعقارات الدولة (1995م)، وبناءً على ما ورد في هذا الوجه فإن الدولة لا تكون ملزمة بالتعويض إلا إذا كان الشخص قد حصل على أرض الدولة وفقاً للإجراءات المحددة في قانون أراضي وعقارات الدولة ولائحته التنفيذية، على  ان يتم تعويضه بحسب ماهو مقرر في القانون واللائحة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا. 

الوجه الثاني: معالجة أراضي الدولة التي تم الإستيلاء عليها قبل صدور قانون أراضي وعقارات الدولة سنة (1995م):

بينت المواد من (147) وحتى نهاية المادة (158) من اللائحة التنفيذية لقانون أراضي وعقارات الدولة بينت المعالجات المناسبة لحالات الإستيلاء على أراضي وعقارات الدولة ووضع اليد عليها من قبل الغير السابقة لصدور قانون أراضي وعقارات الدولة الذي صدر عام (1995م)، وتعد هذه المعالجة وقتية لحالات الاستيلاء أو  وضع اليد على أراضي الدولة من اذن الهيئة العامة للأراضي،  وبيان نصوص القانون التي  تضمنت هذه المعالجات على النحو الآتي: 

مادة (147) يتم بيع أو تأجير أراضي الدولة التي تم وضع اليد عليها قبل صدور القانون رقم (21) لسنة 1995م بشأن أراضي وعقارات الدولة لواضعي اليد عليها بالشروط والإجراءات المنصوص عليها في المواد الآتية: 

مادة (148) يشترط لجواز التصرف بالأراضي التي تم بناء مساكن شخصية عليها إلى واضع اليد توافر ما يلي: 

1- أن يكون واضع اليد قد أقام على الأرض مسكنا شخصيا يترتب على إزالته اضرار لا يمكن تداركها. 

2- ان تكون الأرض التي أقيم عليها المسكن الشخصي ضمن كتلة سكانية او تجمع بشري مستقر. 

3- ان لا تزيد المساحة المتصرف بها إلى واضع اليد عن المساحة المقام عليها المسكن والمساحة التي قد تلحق به وتعد مرفقا له بحيث لا تزيد على مثلي المساحة المقام عليها المسكن وإذا كانت المساحة المتبقية من الأرض لا يمكن الاستفادة منها بذاتها نظرا لضيق مساحتها فيجوز تخصيصها للانتفاع بحقوق الارتفاق للمساكن المجاورة او التصرف بها إلى واضع اليد عليها.

مادة (149) يراعى عند بيع او تأجير الاراضي التي تم وضع اليد عليها لغرض اقامة مباني او منشآت اخرى غير السكن ما يلي: 

يراعى عند تحديد المساحات التي سيتم بيعها او تأجيرها طبيعة نشاط المنشآة. 

يراعى عند تقدير الثمن مدى استجابة و مبادرة واضع اليد بالإبلاغ عن المساحة التي تم وضع اليد عليها واستعداده لسداد القيمة.

الا تكون الدولة في حاجة إلى الأرض المقام عليها المنشأة.

ان تكون المنشآة غير مخالفة للمخططات المعدة من قبل الوزارة.

ان يتلاءم استخدام المنشآة مع طبيعة المنطقة من حيث نوع استخدام الأرض.

الا يترتب أي اثر بيئي مضر من استخدام المنشأة.

مادة (150) يشترط لبيع او تأجير الأراضي التي وضع اليد عليها قبل صدور القانون ولم يتم بناء او اقامة منشآت عليها ما يلي:

1- يجب ان يتقدم واضع اليد إلى المصلحة بطلب يبين فيه الغرض من استخدام الأرض والمساحات المطلوبة لهذا الاستخدام والمدة الزمنية اللازمة لتنفيذ مشروعه.

2- الا تكون الدولة في حاجة إلى الأرض التي قام بوضع اليد عليها.

3- تحدد المصلحة المساحات اللازمة للمشروع الذي تقدم به واضع اليد ومدى ملائمته لطبيعة استخدام الأرض والمخططات النافذة والمحافظة على البيئة.

4- استعداد واضع اليد لسداد قيمة الأرض او ايجاراتها خلال الفترة المحددة من قبل المصلحة.

مادة (151) تقوم المصلحة عبر وسائل الإعلام المختلفة بإعلان أصحاب الشأن من واضعي اليد ودعوتهم للتقدم بطلبات الشراء او الايجار للأراضي التي تحت ايديهم وذلك خلال مدة اقصاها ثلاثة اشهر من تاريخ نشر الاعلان.

مادة (152) تقدم طلبات الشراء او الاستئجار من واضعي اليد إلى ديوان عام المصلحة او مكتبها المختص على ان تتضمن تلك الطلبات ما يلي:

1- اسم واضع اليد وعنوانه.

2- بيان بموقع الأرض ومساحاتها وابعادها واطوالها.

3- بيان بما استحدثه مقدم الطلب على الأرض من منشآت وأي بيانات أخرى يحددها النموذج المعد لذلك من قبل المصلحة.

مادة (153) تقوم المصلحة او مكتبها المختص بقيد الطلبات فور ورودها في سجلات خاصة بأرقام متتابعة تقيد فيها البيانات المحددة في الطلب وتاريخ ايداعها وتسلم مقدم الطلب ايصالا خطيا بذلك موقعا من الموظف المختص يثبت فيها اسم الطالب وتاريخ ورود طلبه ورقم قيده وعدد مرفقاته.

مادة (154) تقوم لجان تقدير الثمن بمكتب المصلحة المختص المنصوص عليها في هذه اللائحة بمعاينة الأراضي محل الطلبات المقدمة وتقدير اثمانها طبقا للمعايير والأسس المنصوص عليها في المادة (2/ثانيا) من هذه اللائحة وتبلغ هذه الاثمان بشكل رسمي إلى اللجنة العليا خلال موعد أقصاه ثلاثين يوما من تاريخ إقرارها.

مادة (155) تقوم المصلحة او مكتبها المختص بإخطار الباسطين طالبتي الشراء او التأجير بالأثمان المقدرة عليهم بقيمة الأرض التي تحت أيديهم بالطريقة الإدارية وتحدد لهم طريقة سداد الثمن ومواعيده والجهة التي سيتم السداد اليها.

مادة (156) يؤدي المشتري للأرض وفقا للأحكام السابقة كامل الثمن او القيمة الايجارية السنوية خلال مدة ثلاثة اشهر من تاريخ إبلاغه باعتماد الثمن او القيمة الايجارية المقدرة عليه.

مادة (157) استثناء من احكام المادة السابقة إذا كان المشتري للأرض من أصحاب الدخل المحدود وكان قد أقام مسكن له على هذه الأرض ويشترط إلا تزيد هذه المساحة الكافية لبناء المسكن وملحقاته فتراعى حالاتهم في تسديد الثمن على النحو التالي:

1- يؤدي المشتري 25% من الثمن كمقدم للثمن في التاريخ المحدد للتسديد من قبل المصلحة.

2- يؤدي باقي الثمن على 20 قسطا سنويا يستحق أولها بعد مضي سنة من تاريخ التوقيع على عقد البيع وتسديد مقدم الثمن.

3- إذا أوفى المشتري بكامل الثمن مقدما خلال التاريخ المحدد للتسديد من قبل المصلحة فيخفض هذا الثمن بمقدار 10% وإذا أوفى المشتري بجزء من الثمن قبل موعد استحقاقه فيعفى بمقدار 5%من المبلغ المتبقي عليه من الثمن.

4- إذا تأخر المشتري في الوفاء بأي قسط او جزء من قسط من أقساط الثمن في موعده فيلتزم بأداء غرامة تأخير مقدارها 5%من المبلغ المتبقي من الثمن من تاريخ الوفاء وذلك دون الحاجة إلى تنبيه او إنذار او حكم قضائي.

مادة (158) إذا لم يتقدم شاغل الأرض خلال المدة المحددة في الإعلان المنصوص عليها في المادة (151) لتسديد الثمن او استئجار الأرض يجوز للمصلحة ان تبيع الأرض وما عليها من منشآت بالمزاد العلني وتسليم واضع اليد ما يقدره عدلان من ثمن المنشآت.

الوجه الثالث: الإستيلاء على أرض الدولة عمل غير مشروع لا يوجب تعويض المستولي: 

قضى الحكم محل تعليقنا بأن الإستيلاء على أرض الدولة عمل غير مشروع لا يجيز لمن قام به أن يطالب الدولة بتعويضه بأي مسمى، لأن الإستيلاء على مال الدولة أو مال الغير عمل غير مشرو،  فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ليس لعرق ظالم حق)، كما أن الدستور قد صرح على أن حماية أراضي الدولة مسئولية المجتمع بأسره إضافة إلى أن قانون أراضي وعقارات الدولة قد نص صراحة على بطلان أي تصرف مخالف للإجراءات المقررة في القانون واللائحة التنفيذية وأنه لا يترتب على الدولة أية مسئولية بما في ذلك التعويض وفقا للمادة (17) من قانون أراضي وعقارات الدولة التي نصت على أن (كل تصرف غير قانوني ينشأ أو يقر حقاً عينياً أصلياً أو تبعياً أو تأجيـراً أو تمكيناً بأي صورة من الصور على أراضي وعقارات الدولة يعتبر باطلاً ولكل ذي شأن التمسك بالبطلان أو طلب الحكم به ويتحمل المحكوم عليه تكاليف إزالة البناء أو المزروعات أو الغروس القائمة على الأرض وغيرها من الأعمال المخالفة بسبب هذا التصرف مع إلزامه بالتعويض إن كان له مقتضى).

الوجه الرابع: التعويض عن الضرر:

 سبق القول ان الاستيلاء على أرض الغير عمل غير مشروع يوجب على فاعله ان يقوم بتعويض مالك الأرض، فالمستولي على أرض غيره لايستحق اي تعويض وإنما يجب عليه ان يدفع التعويض المناسب لمالك الأرض ، فأحكام التعويض وموجباته وشروطه لاتنطبق على من يستولي على أرض غيره، فالتعويض لايكون مستحقا الا اذا توفرت موجباته أو عناصره وهي الخطأ أو الفعل الضار وعلاقة السببية والضرر الذي يلحق بالمضرور، وبتطبيق ذلك على المستولي على أرض غيره نجد أن هذه العناصر لاتتحق بشأن  المستولي على أرض غيره، فالفعل الضار صدر من المستولي وليس من مالك الأرض، كما ان الضرر قد وقع على مالك الأرض بسبب الفعل الضار الصادر من المستولي ، فشراح القانون يذهبوا  إلى أن التعويض عبارة مبلغ من النقود او ترضية من جنس الضرر بما يعادل ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب محقق جراء الفعل الضار، كما أنه وسيلة القضاء في جبر الضرر والتخفيف من وطأته باعتباره جزاءً عام يترتب على قيام المسئولية  التقصيرية .

وطالما كان الاصل من جزاء المسؤولية  هو إصلاح الضرر وإعادة وضع المضرور إلى ما كان عليه قبل وقوع الفعل الضار، فان التعويض يدور مع الضرر وجودًا وعدماً، وذلك دون الالتفات لجسامة الخطأ ولكن تلائماً مع نسبية الضرر دون أن يزيد عليه او ينقص منه.

ويُستحق المضرور تعويضاً عن كافة الأضرار التي سببها من وقع منه الفعل الضار ، مستوياً في ذلك كونها اضراراً مادية تصيب الذمة المالية أو أدبية تمس الجانب النفسي والمعنوي؛ وتتحقق موجِبات التعويض بتوافر المسئولية التقصيرية مكتملة بأركانها الثلاثة؛ على النحو التالي:

الخطأ الثابت؛ والمتمثل في ترك ما كان يجب فعله لإحداث الضرر.

الضرر المحقق؛ والمتمثل في الإخلال بحق من حقوق الإنسان أو بمصلحة مشروعة على نحو مباشر أو مستقبلي، متوقع وغير متوقع؛ فالعبرة بتحققه وليس باحتمالية تحققه.

علاقة السببية؛ المتمثلة في أن الضرر الناشئ هو نتيجة حتمية للخطأ المرتكب؛ إذ أنه لا يكفي مجرد وقوع الخطأ لاستحقاق التعويض وإنما لابد من حصول ضرر لاحقاَ على هذا الخطأ.

ولا يتحتم في التعويض ان يكون مقداره معلوماً باتفاق أو نص قانوني حتى يُستحق؛ ذلك لأن التعويض من مسائل الواقع التي ينفرد بها قاضى الموضوع بسلطة تقديرية لاستخلاص توافر الخطأ الموجب للمسئولية والضرر وعلاقة السببية بينهما بحسب ما يرتآه من كافة الظروف والملابسات في الدعوى دون رقابة عليه من محكمة النقض، ومناط ذلك أن يكون تقدير القاضي للتعويض قائما على أساس سائغ مردودًا إلى عناصره المثبتة وأسبابه التي يتوازن بها أساس التعويض مع علة فرضه( المسئولية التقصيرية، د. عمر صبار، ص135).

وتسمّى المسئولية التقصيرية أيضاً بالفعل الضار أو الضمان، فهي إخلال بالإلتزام القانوني العام المتمثل بعدم إلحاق الضرر بالغير خارج نطاق العقود ما يرتب على ارتكابه بضرر للغير جزاء يقع عليه، حيث أن كل إخلال بالالتزام العام ينشأ مسؤولية تقصيرية على المخلّ ليعوّض ما وقع على المضرور من أضرار، مثال على المسؤولية التقصيرية: مسؤولية سائق السيارة الذي يقودها دون حيطة وحذر فيتلف مالاً أو يصيب إنساناً، فالتعويض عن الضرر الذي أُلحِقَ بالغير يعتبر واجباً فرضه القانون على كافة الأفراد، فعند وقوع إخلال بهذا الواجب العام، وعند إلحاق الضرر بالغير وجب التعويض، فالشخص مسئول عن الضرر الذي يُلحقه بالآخرين ، إذ أن للمسؤولية التقصيرية ثلاثة أركان لا تقوم هذه المسؤولية إذا انتفى واحد من هذه الأركان، وهذه الأركان هي :

1- ركن الخطا : وهو اهم ركن من اركان المسئولية التقصيرية 

 ، وهو إخلال أو مخالفة لإلتزام قانوني سابق ناتج عن إدراك و تصور أو تمييز، فهو إلتزام يقضي بإحترام الحقوق للكافة، والحرص على عدم الإضرار بها بأي نوع كان من الأضرار.

٢- الضرر (الركن المعنوي) :

هو الركن الثاني من أركان المسؤولية التقصيرية، فهو عبارة عن الضرر الذي للفرد فيه حق له أو مصلحة مشروعة له، ويعتبر ركناً أساسياً في المسؤولية التقصيرية، فعند توافر ركن الضرر في المسؤولية يستلزم التعويض الذي يكون كمقدار الضرر، وعند انتفائه تنتفي المسؤولية التقصيرية وينتفي التعويض، ولا يكفي توافر ركن الخطأ لقيام المسؤولية التقصيرية، بل يجب أن يؤدي هذا الخطأ إلى إلحاق ضرر بالآخرين.

٣- العلاقة السببية بين ركني الخطأ والضرر:

هي الركن الثالث للمسؤولية التقصيرية، ولا تتحقق المسؤولية التقصيرية إلا بوجود العلاقة السببية أي الرابط بين الخطأ التقصيري والضرر، أي أن يكون الخطأ هو المسبب في وقوع الضرر، ويقضي القانون  على الشخص المتضرر إثبات وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر الذي لحق به لكي يتمكن من المطالبة بالتعويض، ولكن في كثير من الأحيان نظراً لإختلاط الظروف ببعضها البعض وتعددها يصبح من الصعب تحديد العلاقة السببية.) المسئولية التقصيرية، لين ياسر برهم ص٤). 

فقيام الشخص بفعل لا يبيحه القانون أو امتناعه عن فعل يلزم القيام به سواء بنفسه أو من طرف الأشخاص أو الأشياء التي له سلطة عليها يترتب عنه ضرر يصيب الغير، مما يكون معه ذلك الشخص مسؤولا عن التبعات. ويسمى ذلك في  القانون المدني بالمسؤولية المدنية، وهي تكون إما مسؤولية عقدية ناشئة بموجب علاقة تعاقدية بين طرفين أو أكثر، وإما مسؤولية تقصيرية ناتجة عن فعل ضار ليس الاتفاق العقدي مصدرا له.

 ومن هذا المنطلق يحق لكل من تضرر بسبب خطأ شخص آخر أن يقيم دعوى أمام المحكمة المختصة يطالب فيها المتسبب في ذلك بأن يؤدي له تعويضا يجبر الضرر الحاصل له والخسائر التي تكبدها والكسب الذي فاته، والمسؤولية المدنية سواء كان مصدرها الاتفاق أو الفعل غير المشروع أو غير ذلك تقوم على أركان ثلاثة مرتبطة بها وجودا وعدما، هي:

1/ الخطأ: وهو الإخلال بواجب قانوني أو تعاقدي أو طبيعي يرتكبه المسؤول عن الضرر مع إدراكه أن سلوكه ذلك يعد انحرافا عن التصرف العادي، كأن ينجز مقاول الأشغال المسندة إليه على وجه مخالف لما تم الاتفاق عليه، أو أن يمتنع رب العمل عن صرف أجور عماله، أو أن يترك شخص السيارة التي بعهدته في الطريق العام.

2/ الضرر: وهو الأذى الفعلي الذي يصيب الشخص في حق من حقوقه أو في مصلحة مشروعة له، ويكون إما ماديا ينال من مصلحة ملموسة للشخص مثل خسارة التاجر صفقة معينة بسبب عدم تسليم بائع الجملة للبضائع في الميعاد المتفق عليه، وإما معنويا أدبيا يتمثل في الاعتداء على جانب غير مادي لمصلحة المتضرر كأن يتم المساس بسمعة الشركة بسبب تقصير المورد في شحن البضائع خلال موعدها.

وقد استقرت أحكام المحكمة العليا في اليمن ومحاكم النقض والتعقيب والتمييز في الدول العربية  على أن الضرر الموجب للمسؤولية المدنية "يجب أن يكون ضررا محققا بمعنى أن يكون قد وقع أو أنه سيقع حتماً. أما الضرر الاحتمالي غير المحقق الوقوع فإن التعويض لا يستحق عنه إلا إذا وقع فعلا" (الطعن رقم 47 لسنة 2010 – تمييز مدني – جلسة 04/05/2010).

3/ علاقة السببية بين الخطأ والضرر: وهذا هو المعيار المحدد لقيام المسؤولية المدنية وانتفائها، بحيث لا تلقى المسؤولية على الشخص إلا إذا كان تصرفه الخاطئ هو المتسبب في الضرر الحاصل، كأن يقع شخص ضحية حادث سير بسبب رعونة وعدم تبصر سائق المركبة، أو أن يتكبد صاحب العمل خسائر مادية فادحة بسبب تقصير مباشر من أحد موظفيه.

فإذا اجتمعت عناصر المسؤولية المدنية الثلاثة جاز للمتضرر أن يلجأ إلى القضاء من أجل المطالبة بتعويض يعادل قيمة الضرر اللاحق به شريطة أن يقدم للمحكمة ما يثبت به ادعاءاته بشأن الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما، وإعمالا لما استقرت عليه  أحكام القضاء العربي  فأن: "عبء إثبات الضرر الموجب للتعويض يقع على عاتق المضرور" (الطعن رقم 210 لسنة 2013 – تمييز مدني – جلسة 10/12/2013).

ومن خلال ماسبق عرضه  من أحكام المسئولية التقصيرية نجد أن المستولي أو الغاصب لارض غيره سواء اكانت الأرض ملكا للدولة أو لغيرها لايستحق التعويض مهما كانت مسمياته، بل أنه يجب على المستولي أو الغاصب ان يعوض مالك الأرض، لان الاستيلاء فعل ضار وفقا لأحكام المسئولية السابق عرضها، والله اعلم.