عدول المحكمة عن قرارها فتح باب المرافعة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
حدد
القانون حالات فتح باب المرافعة وإجراءاته، وبناءً على ذلك فإذا قررت المحكمة فتح
باب المرافعة وسببت لقرار ها فتح باب المرافعة وذكرت الأسباب الجدية التي جعلتها
تقرر فتح باب المرافعة ثم عدلت المحكمة
بعد ذلك عن قرارها من غير ان تكون هناك أسباب جدية جعلتها تعدل عن قرارها فتح
المرافعة، فإن هذا العدول يعيب حكمها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-1-2013م في الطعن رقم (51189)، الذي
ورد ضمن أسبابه: ((إذا قررت المحكمة الاستئنافية المطعون في حكمها فتح باب المرافعة
بعد إغلاقها لذلك وسببت المحكمة لقرارها فتح المرافعة بأسباب جدية متعلقة بما
قررته، ثم بعد ذلك عدلت المحكمة عن قرارها المذكور دون أسباب جدية متعلقة بشأنه
فإن حكمها يكون بذلك قد شابه عيب جوهري مهدر لحق الدفاع مما يجعله باطلاً يتعين
نقضه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: فتح باب المرافعة في قانون الإجراءات الجزائية:
نصت
المادة (370) إجراءات في الفقرة الأخيرة منها على أنه (لا يجوز فتح باب المرافعة
بعد تحديد جلسة النطق بالحكم إلا بقرار تصرح به المحكمة في الجلسة ولأسباب جدية، ويثبت
القرار وأسبابه بمحضر الجلسة)، ومن خلال مطالعة أسباب الحكم محل تعليقنا نجد أنه
قد استند إلى هذا النص في قضائه بأن عدول المحكمة عن قرارها فتح باب المرافعة بدون
أسباب جدية يجعل حكمها معيباً بعيب جوهري مهدر لحق الدفاع مما يجعل حكمها باطلاً، حسبما
ورد في أسباب الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني: معنى قفل باب المرافعة والغاية منه:
لفهم
قضاء الحكم محل تعليقنا بأن عدول المحكمة عن قرارها فتح باب المرافعة من غير أسباب
جدية يخل بحق الدفاع ويبطل الحكم، لفهم ذلك فإن الأمر
يقتضي الإشارة إلى معنى قفل باب المرافعة والغاية من ذلك، إذ يطلق على قفل باب
المرافعة أيضا مصطلح حجز القضية للحكم، ويقصد بقفل باب المرافعة أو حجز القضية
للحكم هو تقرير المحكمة صلاحية القضية للفصل فيها بعد إحاطة القضاة بكل تفاصيل
القضية ومعالمها، وبعد أن قامت المحكمة بتمكين الخصوم من ممارسة حقهم في الدفاع
كاملاً، ويترتب على قرار المحكمة قفل باب المرافعة وحجز القضية للحكم إنقطاع صلة
الخصوم بالقضية إلا بالقدر الذي تصرح به المحكمة، إذ تصير القضية بيد المحكمة
لبحثها ودراستها والمداولة فيها، فلا يجوز للخصم تقديم أي دفاع، والغاية من قرار
قفل باب المرافعة هو تثبيت جميع عناصر القضية ليبدأ الفصل فيها، (نظرية الأحكام،
استاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء، ص62).
الوجه الثاني: حالات فتح باب المرافعة:
هناك حالات يجب فيها على المحكمة أن تقرر فتح باب
المرافعة وجوباً وهي: حالة تغير أحد قضاة المحكمة بعد قرار قفل باب المرافعة وكذا اذا
قبلت المحكمة دفوعاً جديدة من أحد الخصوم بعد قفل باب المرافعة، وكذا في كل حالة تريد
فيها المحكمة الإعتماد في حكمها على مسألة واقع أو مسألة قانون ترى أنها ضرورية
لحل النزاع ولم يتناقش الخصوم بشأنها، وكذا في حالة إذا طلب أحد القضاة ذلك أو كان
دفاع أحد الخصوم غامضاً ولا تستطيع المحكمة الفصل في القضية إلا بعد تحقيقه
(الموجز في أصول قانون القضاء المدني، د.سعيد الشرعبي، ص533). أما في غير الأحوال
السابقة فتكون للمحكمة السلطة التقديرية في إصدار قرارها فتح باب المرافعة.
الوجه الثالث: الأسباب الجدية لفتح باب المرافعة:
أوجبت المادة (370) إجراءات السابق ذكرها في
الوجه الأول اوجبت على محكمة الموضوع أن لا تقرر فتح باب المرافعة إلا إذا كانت
هناك أسباباً جدية تستدعي فتح باب المرافعة والزمت تلك المادة المحكمة بأن تذكر
تلك الأسباب الجدية في قرارها، ومؤدى ذلك ان المحكمة لا تصدر قرارها فتح باب
المرافعة إلا بعد ان تتحقق المحكمة من جدية أسباب فتح باب المرافعة، ومعنى الأسباب
الجدية أن طلب فتح باب المرافعة جاد وان هناك مستندات وأدلة تدل على جدية الطلب،
لأن بعض طلبات فتح باب المرافعة لا تكون جادة، إذ يكون الهدف منها إطالة إجراءات التقاضي، كما أن من مقتضيات جدية
أسباب فتح باب المرافعة أن يكون سبب الطلب مؤثراً في القضية يترتب عليه تغيير وجه
الحكم في القضية ، فعندما تقرر المحكمة فتح باب المرافعة فإن ذلك يعني أنها قد
تحققت من جدية الأسباب التي جعلتها تقرر ذلك، فإذا عدلت المحكمة بعد ذلك عن قرارها
فتح باب المرافعة فإنها تكون قد اخلت بحق الدفاع واهدرت أسباب فتح المرافعة الجدية
التي سبق لها ان قررت جديتها، بيد أنه يحق للمحكمة أن تعدل عن قرارها فتح باب
المرافعة إذا تأكد لها بعد ذلك عدم وجاهة أسباب قرارها فتح المرافعة أو طالب فتح
باب المرافعة لم يكن جادا في طلبه، كأن يحجم الخصم عن تقديم الأدلة أو الشهود
الذين استند إليهم في طلبه فتح باب المرافعة، بيد أنه يجب على المحكمة في هذه
الحالة ان تبين الأسباب الجدية التي جعلتها
تعدل عن قرارها السابق فتح باب المرافعة.
الوجه الرابع: إهدار حق الدفاع
في عدول المحكمة عن قرارها فتح باب المرافعة :
قضى الحكم محل تعليقنا بأن عدول المحكمة عن
قرارها فتح باب المرافعة بدون بيان الأسباب الجدية التي تبرر ذلك العدول يخل بحق
الدفاع، لأن فتح المرافعة يتعلق بحق
الدفاع، إذ أن الغرض من فتح باب المرافعة إستيفاء
بحث وقائع أو مسائل يترتب عليها تغيير وجه الرأي في القضية او الإستماع إلى
أدلة متبقية لم يتم تقديمها اثناء المرافعة ، فمن حق الخصوم على المحكمة ان تقوم
محكمة الموضوع ببحث المسائل أو الوقائع أو تستمع إلى أدلة متبقية سواء أكان طلب
فتح باب المرافعة يرجع إلى المحكمة أو الخصوم، والله اعلم .