عدم جواز الاستدلال بواقعة أخرى غير مشروعة وغير ثابتة

 

عدم جواز الاستدلال بواقعة أخرى غير مشروعة وغير ثابتة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قضى الحكم محل تعليقنا بعدم جواز إستدلال المتهم للتحلل من مسئوليته عن جريمة  بواقعة أخرى محرمة شرعا وغير ثابتة، كقول المتهم بأنه كان ساكرا عند التحقيق معه بشأن واقعة حيازة مواد مخدرة وان إقراره أمام مأمور الضبط القضائي بارتكابه جريمة حيازة مواد مخدرة كان تحت تأثير سكره، ففي هذه الحالة لايجوز للمتهم الاستدلال بواقعة سكره، لان هذه الواقعة الأخرى غير مشروعة فهي محرمة شرعا ولأنها غير ثابتة، فلاتصلح دليلاً للمتهم في الواقعة المحكوم عليه بسببها ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-1-2013م في الطعن رقم (43826)، الذي ورد ضمن أسبابه أنه ((اما قول الطاعن أنه كان سكراناً لا يعي ما يقول حين الادلاء بأقواله أمام مأمور الضبط القضائي وأنه أدلى بأقواله تحت طائلة الإكراه، وحيث أن ما ذكره الطاعن يفتقر إلى ما يؤيده، فلا يجوز الدفع بواقعة السكر لإسقاط حجية الإقرار الصادر منه لما هو مقرر من عدم جواز إستفادة المتهم من واقعة محرمة لنفي واقعة أخرى لإقراره بتناوله الخمرة عامداً وعالماً بتحريمها، ولان تلك الواقعة غير ثابتة وتناقض دفعه بالسكر مع واقعة الإكراه حيث أن دفعه بالإكراه يدل على أن الطاعن كان يعي ما يجري))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: المقصود بواقعة أخرى غير مشروعة وغير ثابتة:

المقصود بالواقعة غير المشروعة هو الفعل أو الواقعة التي تصرح نصوص الشريعة الإسلامية بصفة قطعية على أنها محرمة شرعاً كتحريم الخمر وسائر المسكرات والمخدرات وتحريم الزنا والسرقة والحرابة وغيرها من المحرمات، فالفعل المحرم شرعاً لا يصلح دليلاً للفاعل نفسه في قضية أخرى، لأن الدليل  الذي يستدل به الفاعل ينبغي أن يكون مشروعاً سيما إذا كان الفاعل قد تعمد إتيان الفعل غير المشروع، فلا يقبل من الفاعل أن يستند في قضية أخرى بأنه كان ساكراً بإختياره للتحلل والتنصل من إقراره في قضية أخرى، لأن شرب الخمر والمسكرات محرم شرعاً، بيد أنه إذا كانت الواقعة غير المشروعة لا تصلح دليلاً لفاعلها إلا أنها تصلح دليلاً عليه، فيحق لغير الفاعل أن يستدل بإقرار الفاعل على إتيانه الفعل الذي أقر به في معرض استدلاله بقصد التحلل من مسئوليته في قضية أخرى ، ويرجع سبب عدم قبول إستدلال المتهم بواقعة محرمة غير ثابتة لأمرين، الأول: أنها محرمة ، فإستدلال الشخص بواقعة محرمة يخالف الأحكام الشرعية، فالشخص في هذه الحالة لا يقصد من إستدلاله التطهر من وزر الفعل المحرم الذي أقر به وإنما مقصده  من استدلاله التحلل والإفلات من عقوبة جريمة أخرى أو من إلتزام اخر عليه ، فلو كان مقصد هذا الشخص  التطهر من وزر الجريمة التي اقترفها لتمسك أمام النيابة العامة واقر أمامها بذلك الفعل المحرم  وطلب منها تحريك الدعوى الجزائية ومحاكمته أمام المحكمة المختصة لتوقيع العقوبة الشرعية عليه، ولكن هذا الشخص أراد من إستدلاله بالواقعة السابقة غير المشروعة التحلل من مسئوليته الجنائية عن جريمة  أخرى غير مشروعة أيضا ، ولذلك  فإن الشريعة الإسلامية تمنع إعتراف المذنب في غير موضعه اي اذا لم يقصد من اعترافه إقامة الحد أو توقيع العقوبة علبه ، لان القصد من ذلك الاعتراف ليس التطهر من وزر الفعل المحرم الذي ارتكبه سابقا وإنما المجاهرة بالمعاصي التي سترها الله وإشاعة المنكر بين المسلمين.( التشريع الجنائي الإسلامي، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، ص153)، اما الأمر الثاني الذي يرجع إليه سبب عدم قبول إستدلال المتهم بواقعة سابقة غير مشروعة فهو: أن تلك الواقعة غير ثابتة، فبمجرد قول المتهم أنه كان ساكراً  عند الادلاء بأقواله تحتاج إلى تحري وتحقيق للتأكد من صحة واقعة تعاطيه الخمر وانه كان ساكرا  عند التحقيق معه وإعداد قرار الإتهام أو الدعوى الجزائية ورفعها أمام المحكمة المختصة للحكم بثبوت التهمة وإدانة المتهم ومعاقبته، فتكون الواقعة حينئذ ثابتة، اما مجرد قول المتهم بأنه كان ساكرا عند إقراره بحيازة المواد المخدرة فلا يصلح دليلا، لان هذا القول غير ثابت .

الوجه الثاني: عدم جواز الإستدلال بواقعة أخرى غير مشروعة وغير ثابتة:

تشترط الشريعة الإسلامية وقانون الإثبات وقانون الإجراءات الجزائية أن يكون الدليل مشروعاً وان يكون الدليل ثابتا، حتى يكون الدليل سليماً صالحا للإحتجاج به، ومن خلال إستعراضنا في الوجه الأول من هذا التعليق لمثالب الإستدلال بواقعة أخرى غيرمشروعة وغير ثابتة  يظهر عدم سلامة الإستدلال بواقعة أخرى غير مشروعة وغير ثابتة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا ، والله اعلم .