الصلح على تنفيذ الحكم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
يجوز
للخصوم التصالح في أية مرحلة من مراحل التقاضي بما في ذلك مرحلة تنفيذ الحكم ، ولاريب
أن الصلح عند تنفيذ الحكم يختلف باختلاف مايرد في بنوده، بيد ان الصلح في كل
الأحوال لاينسخ أو يلغي الحكم سند التنفيذ ويعيد اطراف
الحكم إلى مرحلة ماقبل تقديم الدعوى التي فصل فيها الحكم سند التنفيذ، حسبما قضى
الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
12-2-2013م في الطعن رقم (46671)، الذي ورد ضمن أسبابه ((فلا يصح قضاء الحكم
المطعون فيه بأن الصلح قد نسخ ما ورد في الحكم وعاد محل الخلاف إلى ما كان عليه
قبل صدور الحكم فمن يدعيه يلزمه تقديم دعوى مبتدأة، حسبما قضى الحكم المطعون فيه ،
فذلك القضاء غير صحيح حيث لا يجوز إعادة المتنازعين من جديد إلى بداية النزاع
مجدداً فيما سبق حسمه بالحكم سند التنفيذ، ففي ذلك مساس بحجية قضاء الأحكام، فما
لم يشمله الصلح فأنه يعتبر باقياً على أصله وحاله))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم
حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية الصلح ونطاقه عند تنفيذ الحكم:
عرفت المادة (668) مدني الصلح بأنه (الصلح عقد
يرفع النزاع ويقطع الخصومة يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً
محتملاً، وذلك بأن يتنازل كل منهما عن جزء من ادعائه)، وقد كان الحكم الاستئنافي قد
فهم ان عقد الصلح مهما كان نطاقه بعد صدور الحكم وعند تنفيذه ينسخ الحكم سند التنفيذ ويلغيه، لان الصلح في هذه
الحالة يعد تنازلاً من المحكوم له عن الحكم سند التنفيذ الصادر لصالحه مهما كان نطاق هذا الصلح اي سواء أكان الصلح على
كل أو بعض فقرات الحكم سند التنفيذ ، في حين قضى الحكم محل تعليقنا بأن الصلح عند تنفيذ الحكم لا ينسخ الحكم سند التنفيذ ، حيث
يقتصر تأثير الصلح على التنازل الجزئي أو الكلي عن الحق الذي قضى به الحكم المراد تنفيذه ، بمعنى أنه
طالما ان الصلح تنازل حسبما ورد في تعريفه فأنه ينبغي التقيد بحدود هذا التنازل،
فلا يعد التنازل عن بعض فقرات الحكم أو بعض الشئ المحكوم به تنازلاً عن فقرات
الحكم الأخرى، ولايعد ذلك نسخا ومحوا للحكم سند التنفيذ، وعودة الخصوم إلى المرحلة
السابقة لرفع الدعوى .
الوجه الثاني: جواز الصلح عند تنفيذ الحكم:
نصت المادة (214) مرافعات على أنه "يجوز
للخصوم التصالح في أية حالة تكون عليها الخصومة" ، إضافة إلى أنه ليس هناك
مانع شرعي أو قانوني يمنع تصالح الخصوم
عند تنفيذ الحكم، لأن الصلح في هذه المرحلة يرفع منازعات التنفيذ التي تحدث عند
تنفيذ الأحكام، وهي تلك المنازعات التي نظمها قانون المرافعات بمسمى منازعات
التنفيذ، فالصلح عند تنفيذ الحكم يرفع تلك المنازعات التي تتسبب في حالات كثيرة في تعطيل تنفيذ الأحكام وحدوث نزاعات ربما أكثر
من المنازعات الموضوعية التي فصل فيها الحكم سند التنفيذ، ولذلك يلجأ الكثيرون إلى
التصالح في مرحلة تنفيذ الحكم.
الوجه الثالث: تكييف الصلح عند تنفيذ الحكم:
الصلح عند تنفيذ الحكم عقد بين المنفذ والمنفذ
ضده على تنفيذ الحكم بحسب ما يرد في بنود عقد الصلح ، فعقد الصلح في هذه الحالة جائز يرفع منازعات التنفيذ
التي تثور عند تنفيذ الحكم هذا من جهة، ومن جهة ثانية فأن معنى الصلح يتضمن تنازل
الخصوم عن بعض حقوقهم المحكوم بها حسبما سبق بيانه في تعريف القانون لعقد الصلح، وليس
هناك مانع شرعي أو قانوني يمنع المحكوم عليه من التنازل عن كل أو بعض ما قضى له
الحكم سند التنفيذ ، لأن الصلح عقد رضائي مثل غيره من العقود.
الوجه الرابع: نطاق الصلح على تنفيذ الحكم وآثار هذا الصلح:
يتحدد نطاق الصلح بحدود البنود التي تم التصالح عليها الواردة في عقد الصلح،
فإذا تضمن عقد الصلح التزام المنفذ ضده بتنفيذ منطوق الحكم بكامل فقراته حسبما وردت
في منطوق الحكم، فان الصلح في هذه الحالة يكون بمثابة تنفيذ إختياري للحكم سند
التنفيذ من قبل المنفذ ضده، فلا تجوز له المنازعة بعدئذ في تنفيذ الحكم، وإذا تضمن
عقد الصلح تنازل المحكوم له عن كل ما قضى به الحكم فذلك جائز، ويترتب عليه انهاء
النزاع برمته واحقية المتنازل له بالشيء المحكوم به وتنتهي بذلك المنازعة
الموضوعية والتنفيذية، فلا يجوز للمتصالحين إثارة النزاع الذي تم حسمه ، بيد أنه لايترتب
على ذلك عودة الخصومة إلى حالتها قبل صدور الحكم سند التنفيذ حسبما قضى الحكم محل
تعليقنا، اما إذا تضمن عقد الصلح تنازل المحكوم له أو التصالح بشأن فقرة أو فقرات من منطوق الحكم سند التنفيذ،
فإن هذا الصلح جائز أيضاً ويتحدد بحدود الفقرة أو الفقرات التي تم التصالح بشأنها،
بيد أن أثر الصلح لا يمتد إلى الفقرات التي لم يشملها التصالح، فتظل تلك الفقرات نافذة
يجوز لطالب التنفيذ ان يطلب من القضاء مباشرة إجراءات التنفيذ الإختياري والإجباري
بالنسبة للفقرات التي لم يتم التصالح بشأنها، والله اعلم.
الوجه الخامس: الصلح لا ينسخ الحكم سند التنفيذ:
كان الحكم الاستئنافي قد قضى بان عقد الصلح عند
تنفيذ الحكم سند التنفيذ ينسخ الحكم سند التنفيذ، في حين قضى الحكم محل تعليقنا
بأن الصلح في هذه الحالة لا ينسخ الحكم سند التنفيذ ولا يعيد اطراف القضية إلى
الحالة السابقة لتقديم الدعوى التي فصل فيها الحكم سند التنفيذ، لأن الصلح في هذه
الحالة هو عبارة عن تسوية ودية بشأن تنفيذ الحكم سند التنفيذ وليست نسخاً أو محواً
للحكم سند التنفيذ ، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم .