عيب التسبيب المجمل للحكم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
التسبيب
المجمل هو الذي لا يعرض طلبات الخصوم وادلتهم كل طلب ودليل على حدة ويناقشه ويبين
ماله وما عليه، فالتسبيب المجمل يناقش طلبات الخصوم وأدلتهم بعبارات عامة مجملة، كالقول :بأن الطلب أو الدليل
غير مجد أو غير مؤثر أو غير وجيه أو غير وارد أو في غير محله أو لم تطمئن إليه نفس
المحكمة دون أن يبين لماذا لم ئطمئن اليه النفس؟ ولماذا ان الدليل غير مجد أو غير وارد...
إلخ، وقد يتخذ التسبيب المجمل صورة عكسية بأن ترد في الحكم عكس العبارات السابقة كالقول
: بأن نفس المحكمة تطمئن إلى الدليل او أن الدليل مؤثر أو النعي في محله، وقد اشار
الحكم محل تعليقنا إلى عيب التسبيب المجمل للحكم، حسبما ورد في الحكم الصادر عن
الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-2-2013م في الطعن
رقم (47951) الذي ورد ضمن أسبابه: ((حيث تبين للدائرة من خلال الأوراق أن الحكم
المطعون فيه قد شابه القصور بذلك التسبيب المجمل، وذلك لعدم مناقشة الحكم لمستندات
المستأنف بصورة تفصيلية كافية تتناول كل مستند على حدة، ومناقشة أوجه الدفاع
الجوهرية التي اثارها المستأنف أمام محكمتي أول درجة وثاني درجة، إذ لا يكفي في
هذا الصدد ان تكون أسباب الحكم مجملة بعبارة عامة بقول هيئة الشعبة مصدرة الحكم
المطعون فيه: بأن النفس لا تطمئن إلى تلك المستندات دون أن تناقش كل الأدلة مناقشة
كافية، ولا ريب أن عدم مناقشة وسائل الدفاع الجوهرية يعد قصوراً في التسبيب ومخلاً
بسلامة الحكم لإخلاله بمبدأ حق الإدعاء والدفاع المكفولين أمام القضاء المنصوص
عليه في المادة (17) مرافعات))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في
الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية التسبيب المجمل:
التسبيب
المجمل: هو الذي لا يستعرض طلبات الخصوم وأدلتهم ويناقشها مناقشة تفصيلية كلاً على
حدة، وبدلا من ذلك يتم تضمين أسباب الحكم
عبارات عامة مجملة كالقول: بأن الدعوى غير صحيحة من غير أن يعرض وقائع الدعوى وأوجه
عدم صحتها، أو القول أن الدليل غير صحيح أو غير مؤثر من غير أن يبين أوجه عدم
صحته، أو القول بأن الأدلة أو الدليل لم تطمئن إليها النفس دون أن يبين أسباب عدم
اطمئنان المحكمة لذلك الدليل مثلما أشار الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني: التسبيب المجمل قصور في التسبيب:
من
شروط أسباب الحكم أن تكون مفصلة وواضحة ومرتبة وسائغة وغير متناقضة مع بعضها أو مع
منطوق الحكم، ولذلك فإن التسبيب المجمل تتخلف فيه الشروط الواجب توفرها في التسبيب،
مما يجعل التسبيب المجمل مظهراً من أخطر مظاهر القصور في التسبيب حسبما قضى الحكم
محل تعليقنا، لأن التسبيب المجمل غير واضح وغير مقنع وغير مفصل .
الوجه
الثالث: التسبيب المجمل مخل بحق الإدعاء والدفاع معا :
صرح
الحكم محل تعليقنا بأن التسبيب المجمل يخل بحق الإدعاء والدفاع المكفول في الدستور
وقانون المرافعات، لان من مقتضيات حق
الإدعاء والدفاع ان تلتزم المحكمة بتمكين الخصوم من حقهم، فلا يكفي سماح المحكمة للخصوم بعرض طلباتهم وادلتهم أمام
المحكمة في جلسات علنية، بل يجب على المحكمة ان تمعن نظرها في طلبات الخصوم
وادلتهم وان تناقشها تفصيلا وتبين مالها وماعليها وأسباب الاخذ بها أو تركها وان
توازن بين أدلة الخصوم وترجح بينها، فالتسبيب
المجمل إعراض غير مباشر عن طلبات الخصوم وادلتهم. (تسبيب الأحكام واعمال القضاة،
د. عزمي عبد الفتاح. ص 187).
الوجه الرابع : جزاء التسبيب المجمل بطلان الحكم:
سبق
القول أن التسبيب المجمل يعد مظهراً من أخطر مظاهر القصور في التسبيب، بل أن كافة أوجه القصور في التسبيب تتجسد في التسبيب
المجمل، فضلا عن إخلاله بحقي الإدعاء والدفاع، وعلى هذا الأساس فإن الجزاء المناسب
للتسبيب المجمل هو بطلان الحكم الذي يتم تسبيبه بصفة مجملة، والله اعلم .