تطبيق أحكام قانون المرافعات عند النظر في الدعاوي العمالية

 

تطبيق أحكام قانون المرافعات عند النظر في الدعاوي العمالية

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قانون المرافعات وإن كان اسمه (قانون المرافعات المدنية والتجارية) لكنه القانون الإجرائي العام الذي ينظم إجراءات التقاضي في القضايا المدنية والتجارية والعمالية إذا لم يرد هناك نص خاص في قانون العمل، وكذا يعد قانون المرافعات هو المرجع في تنظيم إجراءات التقاضي في القضايا الجزائية إذا لم يرد نص في قانون الإجراءات، إضافة إلى أن قانون المرافعات هو القانون الواجب التطبيق في القضايا الشخصية لعدم وجود قانون ينظم إجراءات التقاضي في المسائل الشخصية على غرار بعض البلدان كمصر، علاوة على ان قانون المرافعات هو القانون الإجرائي الواجب التطبيق في القضايا الإدارية لعدم وجود قانون إجرائي ينظم إجراءات التقاضي في القضايا الإدارية، ولذلك فقد استحق قانون المرافعات ان تطلق بعض الدول كفرنسا( قانون القضاء المدني )، وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق فإن قانون المرافعات هو القانون الإجرائي الواجب التطبيق في الدعاوى العمالية عند عدم ورود نص في قانون العمل، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23-4-2013م في الطعن رقم( 48751)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((كما ان قانون العمل قد نص في المادة (136/ف3) بان يطبق في شأن رفع الدعوى العمالية وإجراءات المرافعة الأحكام الواردة في قانون المرافعات، وذلك فيما لم يرد بشأنه نص في قانون العمل)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: قانون العمل قانون موضوعي وليس إجرائي:

الأصل ان قانون العمل قانون موضوعي ينظم حقوق وواجبات العمال وأصحاب العمل وشروط العمل وعلاقات العمل، ولا يغير من الطبيعة الموضوعية لقانون العمل ورود نصوص إجرائية في قانون العمل تنظم بعض الإجراءات الخاصة بالقضايا العمالية كتسوية منازعات العمل ، وبما أن قانون العمل قانون موضوعي فأنه من اللازم البحث في قانون العمل ذاته عن القانون الإجرائي الواجب التطبيق على الدعاوى العمالية المرفوعة أمام القضاء، وفي هذا الشأن فقد نصت المادة (136) من قانون العمل على ان (-3- يطبق في شأن رفع الدعوى وإجراءات المرافعة الاحكام الواردة في قانون المرافعات وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذا القانون)، وهذا النص صريح في تحديد القانون الإجرائي الواجب التطبيق على الدعاوى العمالية المرفوعة أمام القضاء.

الوجه الثاني: تطبيق النصوص الإجرائية الواردة في قانون العمل:

لا شك ان للمنازعات العمالية خصوصيتها، ولذلك فقد افرد قانون العمل بعض الإجراءات الخاصة بتسوية منازعات العمل،حسبما ورد في الفصل الأول من الباب الثاني عشر من قانون العمل الذي تضمن اجراءات تسوية منازعات العمل، وذلك في المواد من (128 وحتى 130)، حيث تتضمن هذه المواد إجراءات تسوية الخلافات والمنازعات التي تقع فيما بين العامل وصاحب العمل، حيث تتولى الإدارة المختصة بمكاتب العمل التابعة لوزارة العمل تتولى التوسط  والتوفيق والإصلاح بين العمال وأصحاب الأعمال لتسوية تلك الخلافات وديا بما يكفل حقوق الطرفين، وتقوم بادارة عملية  التوفيق والتسوية إدارات وموظفين مختصين ذوي خبرة في هذا الشأن، وإجراءات التسوية الودية والتوفيق السابق ذكرها يصرح قانون العمل بأنها تكون في المرحلة السابقة لرفع الدعوى العمالية أمام اللجنة التحكيمية سابقاً وأمام المحكمة العمالية حالياً.

الوجه الثالث: الطبيعة القانونية لإجراءات تسوية خلافات ومنازعات العمل ومدى الزاميتها :

بيان طبيعة هذه الإجراءات المقررة في قانون العمل له أهميته البالغة في تقرير مدى إلزامية هذه الإجراءات إذا ما اراد العامل رفع الدعوى مباشرة أمام المحكمة مباشرةً من غير اللجوء إلى إجراءات تسوية الخلافات المقررة في قانون العمل، ومع إحترامنا وتقديرنا لوجهات النظر الأخرى فأننا نقول: ان الإجراءات المقررة في قانون العمل لتسوية منازعات العمل قبل رفع المنازعة أو الدعوى إلى القضاء هي عبارة عن مساعي تبذلها مكاتب العمل للإصلاح والتوفيق بين العمال وأصحاب العمل وليست من قبيل التحكيم الإجباري أو الإختياري الملزم، ولذلك يحق للعامل ان يرفع دعواه مباشرة أمام القضاء من غير ان يلزمه الانخراط في إجراءات تسوية منازعات العمل الودية، ولا يترتب على ذلك بطلان إجراءات رفع الدعوى أمام القضاء أو بطلان الحكم الصادر عن القضاء في المنازعة التي لم يتم خضوعها لإجراءات التسوية الودية قبل رفع الدعوى أمام المحكمة (نظرة فاعلة نحو تسوية منازعات العمل، د. علاء احمد صبح. 65).

الوجه الرابع: أهمية إجراءات التسوية الودية لمنازعات العمل قبل رفع الدعوى العمالية أمام القضاء:

لعلاقات العمل  تأثيرها بالنسبة لأطرافها "العامل وصاحب العمل" فضلاً عن تأثيرها على السلم الإجتماعي، ولذلك نظمها قانون العمل، فتسوية منازعات العمل بطريقة ودية له منافع شتى تعود على العامل وصاحب العمل وبيئة العمل بل على المجتمع بأسره، لان أحكام القضاء الجبرية يورث الضغائن والبغضاء، ومع ان للتسوية الودية هذه الميزة والأفضلية  الا ان ذلك لايغير من طبيعة تسوية المنازعات العمالية التي ترعاها مكاتب العمل والتي لاترقى إلى التحكيم الملزم للعامل وصاحب العمل، والله اعلم