الدعوى الشفهية في قانون المرافعات
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
الأصل
في المرافعة ان تكون شفاهة وعلنية، غير ان صحيفة الدعوى الأصلية يجب ان تكون
مكتوبة وفقا لقانون المرافعات النافذ، حتى تتحقق المحكمة من توفر بيانات الدعوى
وشروطها وترسيمها ، ومن ناحية أخرى حتى يستطيع المدعى عليه من دراسة وقائع الدعوى
واسانيد وادلتها وطلباتها وإعداد رده على الدعوى عن دراية وعلم بالدعوى، ومن ثم
يتحقق مبدأ المواجهة بمفهومه القانوني الواسع ، ولذلك يحق للمدعى عليه الدفع بعدم قبول الدعوى الشفهية
ويجب على محكمة الموضوع في هذه الحالة الفصل في هذا الدفع، حسبما قضى الحكم الصادر
عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-12-2022م في
الطعن رقم (46225) الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد تبين للدائرة ان نعي الطاعن على
الحكم الاستئنافي بقوله: ان محكمة الاستئناف قد وقعت في الخطأ الذي وقعت فيه محكمة
أول درجة، لأنها لم تفصل في دفعه المقدم أمامها المتعلق ببطلان الدعوى، لأنها لم
تقدم كتابةً بل قدمت شفاهة ولإفتقارها لصحة شروط قبولها الشكلية، والدائرة تجد ان
نعي الطاعن في محله، فقد تبين ان محكمة الاستئناف قد ضربت صفحاً عن الفصل في الدفع
المقدم أمامها بعدم قبول الدعوى ولم تفصل في الدفع سلباً أو إيجاباً رغم جدية
الدفع وإصرار الطاعن على ذلك، مما يتعين معه نقض الحكم))، وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: الدعوى الشفهية في قانون المرافعات اليمني :
كان
قانون المرافعات اليمني القديم يجيز رفع الدعوى شفاهة، حيث تأثر قانون المرافعات
في ذلك بالفقه الإسلامي الذي لم يكن يشترط ان تكون صحيفة الدعوى مكتوبة، فضلاً عن
ان قانون المرافعات القديم كان متأثراً بالواقع التعليمي والمعرفي والعرفي السائد
في اليمن الذي لم يكن يشترط الكتابة في
كثير من التصرفات، ولذلك فقد كانت المادة (63) من القانون رقم (42) لسنة 1981م
بشأن قانون المرافعات تنص على أن (ترفع
الدعوى شفاهة أو بإدعاء مكتوباً على عريضة من أصول بقدر عدد الخصوم...)، ويلاحظ ان
هذا النص قد جعل الدعوى الشفهية في اولا
في مقدمة النص ، وعند صدور القرار الجمهوري بالقانون رقم (28) لسنة 1992م نصت
المادة (78) منه على ان (ترفع الدعوى شفاهة أو إدعاء مكتوب على عريضة) وحينما صدر
القانون رقم (40) لسنة 2002م بشأن قانون المرافعات اتجه المقنن اليمني إلى التخلي
عن الدعوى الشفهية، وقد ظهر ذلك من خلال ماورد في المادة (103) من ذلك القانون
التي نصت على ان (ترفع الدعوى كتابية)، ومنذ ذلك الحين صارت الدعوى الكتابية هي
المقبولة، لأن القانون اشترط صراحة ان ترفع الدعوى كتابة، وما زال القانون النافذ
ينص صراحة على ان الدعوى تقدم كتابة حسبما ورد في المادة(١٠٣ ) من القانون النافذ ،
ونخلص من هذا الوجه إلى القول: ان قانون المرافعات النافذ قد هجر الدعوى الشفهية
الأصلية غير ان المادة (197) مرافعات نافذ قد اجازت ان تكون الطلبات العارضة
(الدعوى الفرعية والدعوى المقابلة) اجازت ان تكون شفاهة، فقد نصت هذه المادة على
ان (تقدم الطلبات العارضة من المدعي أو من المدعى عليه بالإجراءات المعتادة لرفع
الدعوى قبل يوم الجلسة وبطلب مكتوب أو يقدم شفاهة أو كتابة في الجلسة في حضور
الخصم ويثبت في محضر الجلسة)، وقد ورد في تقرير لجنة العدل والأوقاف بمجلس النواب
ان الطلبات العارضة قد سبقتها الدعوى الأصلية والرد عليها، ولذلك فإن بيانات
الدعوى والخصوم قد سبق تقديمها، فضلاً عن ان الطلبات العارضة هي عبارة عن طلبات
اجرائية تتضمن طلبات محددة وليست كالدعوى الأصلية، ومع ذلك فإن غالبية القضاة
يتشددوا في قبول الطلبات العارضة الشفوية، فإذا قبل القاضي الطلبات العارضة
الشفوية فإن القاضي يلزم الخصم الطالب ان يقوم بالتوقيع على محضر الجلسة المتضمن
الطلب العارض الذي ابداه الخصم شفاهة، وهؤلاء القضاة على حق
في ذلك( شرح قانون المرافعات اليمني، د. نبيل اسماعيل عمر، ص١٤٥).
الوجه الثاني: إشكاليات الدعوى أو الطلب الشفهي:
هناك إشكاليات عدة أهمها : ان هيئة المحكمة تقوم
بإفراغ الدعوى أو الطلب العارض الذي يبديه الخصم شفاهة في الجلسة، فتقوم المحكمة بتدوين الدعوى
الشفهية أو الطلبالشفهي في محضر الجلسة
بالألفاظ الأقرب إلى الألفاظ التي يتلفظ بها الخصم – أي أن هيئة الحكم هي التي
تتولى صياغة الدعوى التي يرتجلها الخصم شفاهة في اثناء جلسة المحاكمة، سيما إذا
قام القاضي بالإستماع إلى الطلب أو الدعوى الشفوية من المدعي أو الطالب ثم قام
القاضي بإملاء الدعوى أو الطلب على أمين سر المحكمة لتدوينها في محضر الجلسة ،
علاوة على ان الإدعاء الشفوي لا يمكن المدعي
أو الطالب من مراجعة الدعوى او الطلب قبل تقديمه، كما هو الحال بالنسبة للدعوى
المكتوبة، ولذلك تعتري غالبية الدعاوى والطلبات الشفهية أوجه نقص كثيرة حيث تحتاج
بعد تقديمها إلى الاستيفاء والتصحيح ، وعلى هذا الأساس فإن الدعاوى والطلبات
العارضة الشفهية سبب من ضمن أسباب ظاهرة بطء إجراءات التقاضي إضافة إلى انها تحد
من تحقيق مبدأ المواجهة بمفهومه الواسع .
الوجه الثالث: الشفهية شرط شكلي لقبول الدعوى:
قضى الحكم محل تعليقنا بأن النص القانوني الذي
اشترط ان تكون الدعوى كتابية هو نص آمر
يجب التقيد به، ولذلك لا تقبل الدعوى شكلاً إلا إذا كانت مكتوبة، كما قضى الحكم
محل تعليقنا بأنه يجب على محكمة الموضوع ان تفصل بالدفع بعدم قبول الدعوى إذا تم
تقديمها شفاهة، فإذا لم تفصل محكمة الموضوع في الدفع ولم تناقش ما ورد في الدفع
فإن حكم محكمة الموضوع يكون معيباً بعيب القصور في التسبيب فيكون باطلا، حسبما قضى
الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.