يبطل الحكم اذا تم تقديم الشكوى إلى النيابة من غير وكالة

 

 يبطل الحكم اذا تم تقديم الشكوى إلى النيابة من غير وكالة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

 وفقا لقانون الإجراءات الجزائية  لايجوز للنيابة العامة ان تباشر إجراءات التحقيق أو تحريك الدعوى الجزائية في بعض الجرائم الا اذا سبق  للمجني عليه  ان تقدم بشكوى  حتى تباشر النيابة إجراءات التحقيق فيما ورد في الشكوى وتتصرف بالتحقيق بحسب ماهو مقرر في قانون الإجراءات الجزائية، غير أن تقديم الشكوى يجب ان يتم من قبل المجني عليه نفسه أو وكيل عنه ثابتة وكالته، فإذا قام بتقديم الشكوى غير المجني عليه من غير وكالة فإن إجراءات التحقيق تقع باطلة ويبطل تبعا لها  قرار الإتهام، ويترتب على ذلك بطلان الحكم  ذاته مهما كانت صلة القرابة فيما بين المجني عليه والشخص الذي قام بتقديم الشكوى من غير توكيل حتى لو كان مقدم الشكوى زوجاً للمجني عليها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28-1-2013م في الطعن رقم (47394)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((حيث ان الثابت من قرار الإتهام المرفق في ملف القضية الذي نظرته محكمة أول درجة وادانت بموجبه المطعون ضده كان قد اعتبر الطاعن المالك للموضع محل النزاع والمجني عليه الأصيل ولم يشر إلى أنه كان وكيلاً عن زوجته المالكة للموضع بموجب وكالة صادرة منها له، كما ان جريمة الإعتداء بإزالة الأوثان أو العلامة الفاصلة بين الأملاك (الوثن) هي من جرائم الشكوى التي لا يجوز للنيابة العامة مباشرة التحقيق فيها إلا  إذا سبق تقديم شكوى من قبل المجني عليه إستناداً للمادتين (27 و30) إجراءات، وهو مالم يتم تقديمه من الطاعن بإعتباره وكيلاً عن المالك الأصيل زوجته أو يقدم وكالته للنيابة العامة في اثناء أخذ أقواله سواء أمام النيابة أو جهة البحث في مرحلة الإستدلال، فقد تم إغفال ذلك، وهذا ما أكده الحكم المطعون فيه من عدم وجود أية وكالة قانونية للطاعن عن المالكة زوجته للموضع محل النزاع في ملف القضية))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: السند القانوني للحكم بوجوب ان يقدم المجني عليه الشكوى بنفسه أو عن طريق وكيل عنه:

أستند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادتين ( 27 و30) إجراءات حسبما هو ظاهر في أسباب الحكم، حيث نصت المادة (27) إجراءات على أنه (لا يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى أمام المحكمة إلا بناءً على شكوى المجني عليه أو من يقوم مقامه قانوناً...إلخ)، فهذه المادة صرحت بعدم جواز قيام النيابة برفع الدعوى  الجزائية في جرائم الشكوى من غير ان يسبق ذلك قيام المجني عليه أو من يقوم مقام المجني عليه وهو الولي على القاصر بتقديم شكوى إلى النيابة العامة، فإذا قام شخص غير المجني عليه بتقديم الشكوى إلى النيابة من غير وكالة من المجني عليه فإن الشكوى تكون باطلة وتبعاً لذلك تكون إجراءات التحقيق باطلة ويترتب على ذلك بطلان قرار الإتهام وكذا حكم المحكمة الذي فصل في قرار الإتهام الباطل، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وإضافة إلى المادة (27) إجراءات السابق ذكرها فقد أستند الحكم محل تعليقنا إلى المادة (30) إجراءات التي نصت على أنه (في جميع الأحوال التي يشترط القانون فيها رفع الدعوى الجزائية تقديم الشكوى لا يجوز إتخاذ إجراءات التحقيق إلا بعد تقديم هذه الشكوى)، فهذا النص يفيد ان الشكوى قيد يغل يد النيابة فيمنعها من إجراءات التحقيق في القضية،  فإذا لم يقم المجني عليه بتقديم الشكوى فلا يجوز للنيابة العامة مباشرة إجراءات التحقيق في الواقعة، وهذا يعني بطلان إجراءات التحقيق الذي تباشره النيابة العامة إذا لم يقدم المجني عليه شكوى بالواقعة، وبطلان إجراءات التحقيق في هذه الحالة يؤدي إلى بطلان قرار الإتهام الذي أستند إلى إجراءات التحقيق الباطلة، وتبعاً لذلك يبطل حكم القاضي الجزائي إذا كان قد فصل في قرار الإتهام المبني على إجراءات التحقيق الباطلة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثاني: الطبيعة القانونية لشكوى المجني عليه في جرائم الشكوى:

عند النظر في جرائم الشكوى المحددة في المادة (27) إجراءات نجد أنها تمس المجني عليه أكثر من مساسها بالمجتمع كجرائم القذف والسب وافشاء الاسرار الخاصة والإهانة والتهديد بالقول أو بالفعل أو الإيذاء الجسماني البسيط أو الجرائم التي تقع على الأموال فيما بين الأصول والفروع والزوجين والاخوة والاخوات وكذا جرائم الشيكات وجرائم التخريب  وإتلاف الأموال الخاصة وقتل الحيوانات بدون مقتضى أو جرائم الحريق غير العمدي وإنتهاك حرمة ملك الغير، وعند إمعان  النظر في هذا النوع من الجرائم  يظهر انها تمس المجني عليه أو أمواله وحقوقه أكثر من مساسها بالمجتمع ككل ، إضافة إلى أن المجني عليه في هذه الجرائم قد يقرر عدم الإدعاء في هذه الجرائم نظراً للعلاقة التي تربطه الجاني ، ولذلك فقد اشترط القانون عدم مباشرة النيابة لإجراءات التحقيق والإدعاء فيها من غير ان يسبق ذلك تقديم شكوى من المجني عليه.

الوجه الثالث: وجوب تقديم الشكوى من المجني عليه نفسه أو القائم مقامه أو وكيله:

قضى الحكم محل تعليقنا بوجوب تقديم الشكوى من المجني عليه نفسه او من يقوم مقامه أو وكيله، فإذا كانت الشكوى مقدمة من وكيل المجني عليه فيجب على الوكيل أن يبرز وكالته وان  يدون اسمه بصفته وكيلا عن المجني عليه ،  فيجب على الوكيل ان يفصح عن صفته في الشكوى والمذكرات المقدمة منه إلى سلطة الضبط أو النيابة أو المحكمة التي تنظر القضية ، ويجب ان تتضمن أوراق القضية ما يفيد صفة مقدم الشكوى وأنه وكيل المجني عليه،  وفي هذه الحالة يجب على الوكيل ان يرفق بالشكوى ما يدل على صفته حسبما قضى الحكم محل تعليقنا الذي قضى أيضاً بأنه يترتب على مخالفة هذه الإجراءات بطلان إجراءات التحقيق وبطلان قرار الإتهام وبطلان الحكم الذي يفصل في قرار الإتهام، والله اعلم .