مفهوم التعرض لموضوع الدعوى عند العرض الوجوبي على المحكمة العليا

 

 مفهوم التعرض لموضوع الدعوى عند العرض الوجوبي على المحكمة العليا

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

لجسامة عقوبات الإعدام والقصاص والحدود، ولتعذر تلافي الخطأ فيها صرح قانون الإجراءات الجزائية بوجوب عرض الأحكام الاستئنافية  المتضمنة عقوبات الإعدام والحدود والقصاص على المحكمة العليا حتى ولو لم يطعن فيها المحكوم عليه، وقد اجاز قانون الإجراءات للمحكمة العليا التعرض لموضوع الدعوى عند عرضها الوجوبي على المحكمة، فمفهوم التعرض لموضوع الدعوى عند العرض الوجوبي  يعني ان  المحكمة العليا تقوم بتتبع الإجراءات التي تمت بشأن القضية المعروضة منذ حدوث الواقعة حتى عرضها الوجوبي على المحكمة العليا للوقوف على سلامة تلك الاجراءات ومطابقتها للواقع والقانون، فلا يعني تعرض المحكمة العليا للموضوع ان تقوم المحكمة العليا بعقد جلسات والإستماع إلى مرافعات اطراف القضية ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-5-2013م في الطعن رقم (46272)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث انتهت مذكرة النيابة بالعرض الوجوبي إلى أن الحكم الاستئنافي محل العرض الوجوبي قد صدر وفقاً للأوضاع القانونية التي ترجح سلامته – وأخذاً بالفقرة الأخيرة من المادة (434) إجراءات التي اجازت للمحكمة العليا في مثل هذا الحكم محل العرض الوجوبي – التعرض لموضوع الدعوى، فمفهوم التعرض لموضوع الدعوى لا يعني إحضار الخصوم والجلوس للسماع القضائي على نحو ماهو معمول به في محكمة الموضوع بدرجتيها وإنما المقصود به بذل أقصى الجهد في تتبع سير إجراءات القضية منذ حدوث الواقعة حتى دخولها حوزة المحكمة العليا، ووفقاً لهذا المفهوم فقد قامت الدائرة بتتبع سير إجراءات القضية منذ البداية حتى النهاية))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: مفهوم تعرض المحكمة العليا لموضوع الدعوى عند العرض الوجوبي على المحكمة:

نصت المادة (434) إجراءات على أنه (إذا كان الحكم صادرا بالإعدام أو بقصاص أو بحد يترتب عليه ذهاب النفس أو عضو من الجسم، وجب على النيابة العامة ولو لم يطعن أي من الخصوم ان تعرض القضية على المحكمة العليا مشفوعة بمذكرة برأيها، ويجوز للمحكمة في هذه الحالة التعرض لموضوع الدعوى)، ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أنه قد تضمن في نهايته عبارة (ويجوز للمحكمة العليا في هذه الحالة التعرض لموضوع الدعوى)، وهذه العبارة هي بيت القصيد في الحكم محل تعليقنا، فقد كان الطاعن يناقش أن مفهوم تعرض المحكمة العليا لموضوع القضية يعني سماح المحكمة العليا للطاعن بالترافع أمامها وإعادة المحكمة العليا للإجراءات التي تمت أمام محكمتي الموضوع،، لأن النص من وجهة نظر الطاعن صريح في (التعرض لموضوع الدعوى) الذي يعني بحث موضوع الدعوى ودراسته من قبل المحكمة العليا ذاتها واستيفاء الإجراءات الناقصة وتصحيح الإجراءات الباطلة والفصل في موضوع الدعوى من قبل المحكمة العليا حسبما ذكر الطاعن.

الوجه الثاني: مفهوم تعرض المحكمة العليا لموضوع الدعوى عند العرض الوجوبي عليها حسبما قضى الحكم محل تعليقنا:

قضى الحكم محل تعليقنا بأن (تعرض المحكمة العليا لموضوع الدعوى) لا يعني أن المحكمة العليا تقوم بالإستماع إلى أدلة الخصوم أو ترافعهم أمامها وحضورهم جلساتها، وإنما يعني قيام المحكمة العليا من تلقاء ذاتها بتتبع الإجراءات التي تمت أمام محكمتي الموضوع من بدايتها حتى نهايتها ودراستها والتأكد من صحتها وسلامتها، وكذا التحقق من صحة وسلامة الأدلة والأسباب التي اقامت عليها محكمتا الموضوع قضاؤه ما، للتحقق من سلامة وصحة وكفاية الأدلة والأسباب وصحة الإجراءات التي اتبعتها محكمتا الموضوع (العرض الوجوبي للأحكام الجزائية، صادق المغلس، ص236). 

الوجه الثالث : العرض الوجوبي في القانون والتمييز التلقائي في القوانين العربية:

قصر القانون اليمني العرض الوجوبي على الأحكام بعقوبات الإعدام والقصاص والحدود التي يترتب عليها ذهاب النفس والعضو حسبما تقدم بيانه ، في حين تاخذ غالبية القوانين  العربية   بنظام التمييز التلقائي لبعض الأحكام  لخطورة آثارها أو لرعاية مصالح الطرف الأولى بالرعاية كالنساء القاصرين، حيث تنص بعض قوانين الدول العربية على ان المحكمة التي تصدر حكما من النوع هذا ان ترفعه مباشرة إلى محكمة الطعن الاعلى منها لتمييزه  تلقائياً للتأكد من موافقته للقانون مثل الأحكام الصادرة في فسوخ عقد الزواج، حيث يتم تمييزها تلقائياً أمام محكمة التمييز أو التعقيب أو النقض حتى ولو لم يطعن فيها اطراف القضية، وذلك بالنظر لخطورة قضايا فسوخ عقد الزواج وتعلقها بالإبضاع. (فسخ الزواج، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، ص280)،والله اعلم.