مسؤولية ولي أمر الطفل عن أفعال الطفل

 

مسؤولية ولي أمر الطفل عن أفعال الطفل

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من المقرر في الشريعة الإسلامية والقانون ان الطفل غير مسئول جزائياً عن الأفعال  التي يرتكبها لعدم أو نقص إدراكه لماهية الأفعال التي يقوم بها، غير ان ولي أمر الطفل  يكون مسئولاً عن الاضرار التي تلحق بالغير  بسبب أفعال  الطفل، اما بالنسبة لدية وارش الجنايات التي يحدثها الطفل فهي عقوبات تتحملها عاقلة الطفل لان عمد الصبي خطأ حسبما هو مقرر في الشرع والقانون  إلا أنه من النادر أن يحكم القضاء في اليمن على العاقلة لسوء تنظيم العاقلة في قانون الإجراءات الجزائية وقد سبق لنا التعليق على هذا الموضوع بعنوان(إشكالية العاقلة في اليمن) ، ولذلك يحكم القضاء في كثير من القضايا على ولي الطفل  بالدية أو الأرش   حتى لايضيع حق المجني عليه في الدية أو الأرش بين افراد العاقلة التي لم يتم تحديدها تحديدا منضبطا، فضلا عن أن العاقلة لايتم تمثيلها أمام القضاء حتى يكون الحكم عليها بالدية أو الأرش حجة عليها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17-9-2013م في الطعن رقم (47852) ، وقد كانت محكمة الأحداث قد حكمت بتسليم الحدثين إلى ولي أمرهما وإلزام ولي أمرهما بدفع الأروش التي الحقها الحدثان في المجني عليه، وقد سببت محكمة الأحداث حكمها بأن الواقعة ثابتة وان الاصابات التي الحقها الحدثان بالمجني عليه ثابتة، وعملاً بالمادة (40) من قانون رعاية الأحداث التي جعلت محاكم الاحداث اصلاحية وليست عقابية،  وقد  قضت الشعبة الاستئنافية بتأييد الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي :وبما ان الواقعة ثابتة وان الاستئناف لم يأت بجديد فإن الشعبة تؤيد حكم محكمة الأحداث ، وقد أقرت الحكم الاستئنافي الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ((فإن ما اثاره الطاعن قد سبق له إثارته أمام محكمة الأحداث والشعبة الاستئنافية اللتين ناقشتا ما اثاره الطاعن، ومن خلال ذلك توصلت إلى الحكم على الطاعن، وحيث ان تلك المسائل موضوعية فلا تمتد إليها رقابة المحكمة العليا))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: مراحل مسئولية الطفل الجزائية:

حدد قانون الجرائم والعقوبات مراحل مسئولية الطفل في المادة (31) التي نصت على أنه (لا يسأل جزائيا من لم يكن قد بلغ السابعة من عمره وقت ارتكاب الفعل المكون للجريمة وإذا أرتكب الحدث الذي أتم السابعة ، ولم يبلغ الخامسة عشرة الفعل أمر القاضي بدلاً من العقوبة المقررة بتوقيع أحد التدابير المنصوص عليها في قانون الأحداث . فإذا كان مرتكب الجريمة قد أتم الخامسة عشرة و لم يبلغ الثامنة عشرة حكم عليه بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانوناً ، و إذا كانت هذه العقوبة هي الإعدام حكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن عشرة سنوات وفي جميع الأحوال ينفذ الحبس في أماكن خاصة يراعى فيها معاملة مناسبة للمحكوم عليهم ولا يعتبر الشخص حديث السن مسئولاً مسئولية جزائية تامة إذا لم يبلغ الثامنة عشر عند ارتكابه الفعل ، و إذا كانت سن المتهم غير محققة قدرها القاضي بالاستعانة بخبير .(

الوجه الثاني: جواز الحكم على الطفل بالدية أو الأرش الذي يدفع من  قبل عاقلة الطفل :

يصرح قانون الجرائم والعقوبات بأن الدية والأرش عقوبة، ومع ذلك فقد صرح أيضاً قانون الجرائم والعقوبات بجواز الحكم بالدية أو الأرش على عاقلة الطفل، فقد نصت المادة (32)  عقوبات على أنه ( لا تخل الأحكام المبينة في المادة السابقة بحق المجني عليه أو ورثته في الدية أو الأرش في جميع أحوالها ، وتكون الدية أو الأرش على العاقلة ، و إذا لم تف فمن مال الصغير)، وقد نص القانون على جواز الحكم على الطفل بالدية والأرش إذا تسببت افعاله في الجنايات تستوجب الحكم عليه بالدية أو الأرش ولم تف المبالغ المدفوعة من العاقلة ، فقد اجاز القانون ذلك لأن عقوبتي الدية والأرش عقوبات مالية لاتمس بدن الطفل  وان مست مال الطفل أو أموال عاقلته حسبما ورد في النص السابق، إلا أن هناك صعوبات عملية عند تطبيق هذا النص بسبب سوء تنظيم مسئولية العاقلة في قانون الإجراءات الجزائية فضلا عن عدم تحديد العاقلة تحديدا منضبطا،علاوة على  أن العاقلة لايتم تمثيلها أمام القضاء حتى يكون الحكم عليها بالدية أو الأرش حجة عليها، ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى على ولي الطفل( الاب ) بأن يدفع ارش الجنايات التي أحدثها ولداه في المجني عليه.

الوجه الثالث: مسئولية ولي أمر الطفل المدنية:

بما ان الطفل عديم أو ناقص الإدراك، وبما أن المسئولية الجنائية شخصية لايسال فيها الا الفاعل الجاني، لذلك فإن ولي أمر الطفل لايسال جنائيا عن أفعال الطفل، إلا إن ولي أمر الطفل يكون مسئولاً مدنيا عن تعويض المتضرر من أفعال الطفل لان ولي أمر الطفل هو المسئول عن حفظ الطفل ومنع الأفعال الضارة التي تقع منه على الغير أو تقع من الغير عليه، فإذا فرط ولي الطفل في حفظ الطفل والرقابة عليه فإنه يكون مسؤولاً مدنياً مسئولية تقصيرية، لأنه قصر في ذلك، وفي هذا المعنى نصت المادة (311) مدني على أنه (كل من تولى بنص او اتفاق رقابة شخص في حاجة الى رقابة بسبب قصر سنه او حالته العقلية او الجسمية يكون ملزما في ماله بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع، وإذ لم يكن له مال فيكون التعويض من مال الشخص الذي يتولى رقابته، ويعتبر القاصر في حاجة الى رقابة اذا لم يدرك سن البلوغ، ويستطيع المكلف بالرقابة ان يتخلص من المسئولية اذا اثبت انه قام بواجب الرعاية او اثبت ان الضرر كان لابد واقعا بأمر غالب، ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية)، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بأحقية المضرور من أفعال الطفلين ان يرفع دعواه المدنية أمام المحكمة المختصة، لأن قانون رعاية الأحداث يمنع رفع الدعوى المدنية التبعية أمام محاكم الأحداث، والله اعلم .