التزام محكمة الطعن ببيان مدى توفر الأساس الشرعي والقانوني للحكم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
أهم وظائف محكمة الطعن مباشرة الرقابة على الاحكام المطعون بها حتى لو
كانت محكمة الطعن هي محكمة الاستئناف، والغرض من هذه الرقابة التأكد من توفر
الأساس الشرعي والقانوني للحكم، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22-4-2013م في الطعن رقم (46958)، الذي
ورد ضمن أسبابه: ((حيث تبين ان الشعبة قد قضت بتأييد الحكم الابتدائي تلقائياً دون
ان تبين في أسباب حكمها رأيها في مدى توفر الأساس الشرعي والقانوني لما قضى به
الحكم الابتدائي من تعويض مدني للمطعون ضده))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما
هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: المقصود بالأساس الشرعي والقانوني للحكم:
يقوم الحكم القضائي ويستند إلى أساسين: هما
الأساس الشرعي والقانوني المتمثل في النصوص الشرعية والقانونية التي يجب على المحكمة
ان تذكرها في أسباب الحكم، ويطلق عليها الأساس الشرعي والقانوني أو الأسباب
القانونية للحكم، أما الأساس الثاني للحكم: فيتجسد في وقائع الخلاف وأدلة إثباتها اونفيها،
ونخلص من هذا الوجه إلى القول: ان المقصود بالأساس الشرعي والقانوني للحكم: هي
النصوص الشرعية والقانونية التي أستند إليها الحكم في قضائه، ويتم ذكر الأساس
الشرعي والقانوني ضمن أسباب الحكم بإعتبار ذلك الأسباب القانونية للحكم، حيث يتم عرض
الأسباب القانونية للحكم بعد عرض الأسباب الواقعية بإعتبار، لان الأسباب القانونية
بمثابة تطبيق للنصوص القانونية على الأسباب الواقعية، ولذا يأتي موقعها متأخراً عن
الأسباب الواقعية، وعلى أساس ما تقدم فإن الأسباب القانونية أو الأساس الشرعي
والقانوني يشكل الجزء الأهم من أسباب الحكم.
الوجه الثاني: الأساس القانوني للحكم وعيوب التسبيب:
بما أن الأساس القانوني للحكم أو الأسباب القانونية هي أهم أسباب الحكم حسبما سبق بيانه لذلك يعتني
بها القضاة عند تسبيبهم للأحكام لبيان سلامة تطبيق النصوص على وقائع النزاع وأدلة
الخصوم حتى تكون الأسباب القانونية واضحة
وظاهرة تنطبق على الوقائع والأدلة، ولهذه الغاية يستعين القضاة بالشروح الفقهية
والسوابق القضائية لبيان سلامة تطبيق النصوص القانونية على وقائع النزاع وادلته،
لان النصوص القانونية تكون عامة ومجردة ومجملة لاتظهر مطابقتها للوقائع الا بالشرح
التعليل، وعلى ذلك فإن عدم وجود الأسباب القانونية أو غموضها يقوض الحكم لإنعدام
أسبابه أو قصورها مثلما قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثالث: رقابة محكمة الطعن على الأسباب أو الأساس القانوني:
قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يجب على محكمة الطعن
ان تتحقق من سلامة الأساس الشرعي والقانوني للحكم بالتعويض المدني ومدى موافقتها للوقائع
والأدلة، لأن هناك نصوص شرعية وقانونية تنظم التعويض المدني المستحق للمصاب في
حوادث السير، فيجب على محكمة الطعن ان تتحقق من مدى توفر الأسباب القانونية وما
إذا كان الحكم المطعون فيه قد وافق النصوص الشرعية والقانونية أم لم يوافقها، ولذلك
نجد في نهاية الأحكام الصادرة عن محكمة الاستئناف أو المحكمة العليا عند تاييدها
أو اقرارها للأحكام المطعون بها نجد عبارة :(فقد جاء الحكم المطعون فيه موافقاً
للشرع والقانون لما علل به وأستند إليه)، والمحكمة العليا بإعتبارها محكمة قانون
تبسط رقابتها القانونية على أحكام محاكم الموضوع، ومن أهم مظاهر هذه الرقابة
التحقق من توفر الأسباب القانونية أو الأساس الشرعي والقانوني للحكم ، وكذلك الحال
بالنسبة لمحكمة الاستئناف بإعتبارها محكمة طعن فأنه يجب عليها التحقق من توفر
الأسباب القانونية وسلامة تطبيقها ، فمحكمة الاستئناف وإن كانت في الأصل محكمة
موضوع يعاد طرح النزاع أمامها إلا أنها تباشر الرقابة القانونية المتمثلة في
التثبت من توفر الأسباب القانونية وسلامة تطبيقها على وقائع النزاع وادلته، والله
اعلم.