التوقيع على المحرر إقرار بمضمونه
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
توقيع
الشخص على المحرر بخط غيره يكون حجة على صاحب التوقيع، إذ أن ذلك التوقيع يفيد
إقرار صاحبه بما ورد في ذلك المحرر، لان الشخص لايقوم بالتوقيع على المحرر الا بعد إن
يفهم مضمونه، وذلك يدل أيضا أنه قد قبل ووافق على ماورد في المحرر، حسبما قضى
الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
2-12-2012م في الطعن رقم (46227)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد خالف الحكم المطعون
فيه قواعد الإثبات المعتبرة، فالتوقيع على المحرر من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو
خلفه إلا أن ينكر ما نسب إليه من امضاء أو بصمة، في حين ان مدعي البطلان مقر بصحة
توقيعه، فلا يجدي قوله: أن توقيعه كان على تطبيق المراقيم لإهدار حجية المحرر الذي
وقع عليه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: المقصود بالمحرر الذي يقوم الشخص بالتوقيع عليه فيكون حجة عليه:
هو
المحرر المكتوب بخط الغير، فقد يتضمن هذا المحرر بيع أو صلح بين خصوم أو تصفية
شراكة أو تسوية حساب أو تنازل أو إقرار بحق أو إلتزام...إلخ، وقد يقوم الشخص
بالتوقيع على المحرر منفرداً أو مع آخرين ، وقد كان المحرر في القضية التي تناولها
الحكم محل تعليقنا عبارة عن بنود لتسوية خلاف بين الخصوم بشأن ممر مشترك بين
منزليهما، حيث كان الخلاف بين الخصمين بشأن طبيعة ذلك المحرر هل هو حكم تحكيم أم
عقد صلح أم منطوق حكم تحكيم، وقد توصل الحكم الاستئنافي إلى إبطال ذلك المحرر
لتعذر تكييفه ، غير أن الحكم محل تعليقنا نقض الحكم الاستئنافي وقضى بأنه:
مهما كان تكييف المحرر، فأنه ينبغي عدم إهدار حجية المحرر على الشخص الذي قام
بالتوقيع عليه، طالما أنه لم ينكر توقيعه وطالما ان مضمون المحرر واضح ومحدد.
الوجه الثاني: المقصود بالتوقيع على المحرر:
قضى
الحكم محل تعليقنا بأن التوقيع على المحرر يتم بالإمضاء أو البصمة، في حين نصت المادة
(103) إثبات على أن (يكون التوقيع على المحرر أما بالخط أو بالختم أو بصمة الاصبع)،
ومصطلح التوقيع مستفاد من الوقوعات أو الواقعات اي التصرفات التي يتضمنها المحرر،
كواقعة البيع أو الهبة أو الإقرار وغير ذلك من الوقوعات أو الواقعات أو التصرفات،
فالتوقيع يكون بكتابة الشخص صاحب التوقيع لاسمه الرباعي على المحرر المتضمن
الواقعة أو التصرف، كما قد يتم التوقيع بالإمضاء: وهو عبارة عن علامة يضعها الشخص
لنفسه بصفة مستديمة، فيداوم على وضعها في ذيل المحررات التي يكتبها أو تلك التي يكتبها
الغير، وهناك أشخاص يضعون لأنفسهم ختومات تتضمن توقيع الشخص أو امضائه، كما قد
يقوم الشخص بوضع بصمته على المحرر، وفي حالات كثيرة يتم الجمع بين كتابة الاسم
الرباعي والامضاء والبصمة، والمقصود من قيام الشخص بالتوقيع على المحرر أو البصمة
أو الإمضاء عليه هو قبوله بالواقعة الواردة في المحرر أو إقراره بوقوعها وصحة صدورها، لان الشخص لايقوم بالتوقيع على
المحرر الا بعد إن يفهم ويدرك مضمون المحرر، (الطعن في صحة أدلة الإثبات الكتابية،
د. علي بلحيرش، ص9).
الوجه الثالث: حجية المحرر بخط الغير الذي يقوم الشخص بالتوقيع عليه:
أستند
الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (104) إثبات التي نصت على أنه (يعتبر
المحرر العرفي الموقع من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو خلفه ما لم ينكر صراحة ما
هو منسوب إليه من خط أو أمضاء أو ختم أو بصمة، فإذا لم يقيم المدعي البرهان على
الخط حلف المدعى عليه البت والقطع أما الوارث أو خلفه فإنه يحلف على نفي العلم)،
فطالما أن الشخص قد قام بالتوقيع على المحرر ولم ينكر توقيعه، فإن المحرر يكون حجة
عليه وعلى خلفه من بعده، لأن التوقيع مقرر قانوناً وعرفاً للدلالة على موافقة صاحب
التوقيع ورضاه وقبوله بما ورد في المحرر، وللتدليل على أنه مدرك للآثار والتبعات
والمسئوليات المترتبة على ما تضمنه المحرر، وأنه قد فهم مضمون المحرر، فلاتنتفي حجية
المحرر بالنسبة لصاحب التوقيع الا اذا انكر توقيعه، وللغير ان يثبت صحة ذلك التوقيع،
(شرح قواعد الإثبات الموضوعية، د. خالد السيد محمد موسى، ص117)، والله اعلم .