معنى القول المرسل في المرافعات أمام القضاء؟

ما معنى القول المرسل في المرافعات أمام القضاء؟
في القضاء و القانون

ترد جملة (قول مرسل) في مرافعات الخصوم أمام القضاء وهيئات التحكيم، فيستعملها بعض الخصوم في غير معناها الحقيقي، وكذا يرد ذكر هذه الجملة في أسباب غالبية الأحكام، وقد اشار الحكم محل تعليقنا بأن معنى القول المرسل هو القول الذي لا دليل عليه أو القول غير المحدد أو المجمل أو القول لا ينسب لقائله ، ويضاف إلى المعاني التي اشار إليها الحكم معنى إرسال القول وهو الكلام غير المقسم في فقرات أو القول الإنشائي الذي لا يتضمن دلالة معينة على الوقائع والأدلة المقصودة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27-2-2013م في الطعن رقم (47921)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((أما قول الطاعن بأن المحكمة اهدرت شهادات الشهود الذين شهدوا بأن المطعون ضده هو المتسبب بوقوع الحادث المروري، فالدائرة تجد ان ذلك القول مرسل، لأن الطاعن لم يبين اسماء الشهود الذين قصدهم ولا مضمون شهاداتهم))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: القول المرسل وإرسال القول وأوجه الإتفاق والإختلاف بين الجملتين

في العلوم الأخرى غير العلوم القانونية هناك مصطلحات مقاربة لمصطلح (القول المرسل) في المرافعات القضائية مثل مصطلح (الحديث المرسل) في علم الحديث وهو الحديث الذي سقط بعض رواته، وهناك مصطلح (المجاز المرسل) الذي تكون تطبيقاته على خلاف حقيقة القول، وهناك مصطلح (الشعر المرسل) في علم الأدب الذي يعني خلو الشعر من الوزن والقافية أو السجع، وهذه المصطلحات وان كانت في علوم أخرى غير علوم القانون والقضاء الا انها مفيدة في تحديد مفهوم (القول المرسل) في المرافعات أمام القضاء (لغة الحكم القضائي، سعيد بيومي، صـ83)، ويذهب ابن منظور في لسان العرب إلى أن معنى الجملتين (القول المرسل وإرسال الكلام) واحد وإن اختلفتا من حيث تركيبهما اللفظي أو التقديم والتأخير في لفظي الجملتين، فخلاصة معنى القول المرسل أو إرسال القول: هو القول الذي لا شاهد ولا دليل عليه أو القول الذي لا يستفاد منه شيء أو القول غير المحدد أو القول الذي لا جامع له أو القول الذي لا مضمون له أو القول غير المنتظم،أو الذي لاينسب لقائله أو لا يذكر اسم القائل له، فإرسال الماء عند العرب إسالته إلى جهة غير معينة، وسوف نبين المعاني الواردة في هذا الوجه عند عرضنا للأوجه الأخرى في هذا التعليق.

الوجه الثاني: القول المرسل بمعنى القول من غير دليل

أشار الحكم محل تعليقنا إلى أن القول المرسل هو ان يذكر الخصم القول من غير ان يذكر القائل للقول أو يذكر القول مجملاً من غير بيان أو تفصيل بشأن مضمون القول ومكان صدور القول وزمانه والأدلة الشاهدة على صحة القول ونسبته لقائله ، فالقول أمام القضاء من غير بيان وتحديد أو من غير دليل غير مقبول، لأن الحكم لا يكون بموجب الدعوى وإنما بموجب الدليل على صحة الدعوى، وفي هذا المعنى جاء حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم {لو يُعْطَى الناسُ بدَعْوَاهُم لادَّعى رجالٌ أموالَ قومٍ ودِمَاءَهُم، لكنَّ البينة على المدعي واليمين على من انكر}.

الوجه الثالث: مكان عرض الدليل على القول في متن المرافعة ام حافظة المستندات؟

اشار الحكم محل تعليقنا بأن قول الطاعن كان قولاً مرسلاً، لأن الطاعن قال: ان الحكم المطعون فيه قد اهدر أقوال الشهود دون أن يذكر الطاعن الدليل على قوله، فضلا عن أن الطاعن لم يذكر اسماء الشهود أو مضمون شهاداتهم، وهذا يعني أن الخصم يجب عليه أن يذكر الأدلة على صحة أقواله في مرافعاته المقدمة أمام القضاء، وهناك طريقتان لعرض الأدلة : طريقة قديمة تكتفي بذكر أرقام المرفقات في العريضة أو ، وتحيل القاضي إلى حافظة المستندات المشفوعة بالمستندات، وهناك طريقة حديثة استفادت من معطيات التقدم في مجال تصوير ونسخ المستندات ففي هذه الطريقة الحديثة يتم تصوير ونسخ مستندات القضية في متن المرافعة الكتابية ذاتها حيث يتم نسخ المستندات الخاصة بكل فقرة من فقرات العريضة بعد كل فقرة ، حيث يتم نسخ المستندات في العريضة أو المذكرة ذاتها، فيشرح الخصم المستند الذي يستدل به ووجه الإستدلال به، وميزة هذه الطريقة ان الخصم يعرض القول والدليل عليه في موضع واحد، فيسهل للقاضي فهم القول ودليله معاً والاحاطة بالقضية.

اما الطريقة الثانية لعرض دليل القول: فهي طريقة حافظة المستندات التي يتم إرفاقها بالمذكرة، وعيبها أنها تشتت ذهن القاضي أو الخصم وتقطع إتصال مطالعة القول وربطه بالدليل، فالقول في موضع ودليله في موضع آخر، ويتم العمل بالطريقة العصرية الأولى في اغلب الدول العربية كالجزائر والاردن وتونس ولبنان وغيرها.

الوجه الرابع: القول المرسل بمعنى الذي لا يستفاد منه او لامعنى له

وهو القول غير المنتج، أو الكلام الإنشائي الذي لا علاقة له بمحل الخلاف أو أدلته، ويندرج ضمن ذلك تدبيج العريضة بالنصوص والنقول والشروح التي لا صلة لها بمحل النزاع أو أدلته، لأن هذه النصوص والقول والشروح غير مفيد بالنسبة لمحل النزاع أو أدلته في القضية، وإن كانت تلك النصوص والنقول مفيدة بالنسبة للقضايا الأخرى لإنطباقها عليها، وكذلك الحال بالنسبة للقول المرسل الذي لا معنى له فيما يتعلق بمحل النزاع وأدلته: وهو القول الذي لا معنى له بالنسبة لمحل النزاع وأدلته، كقول المدعى الدائن في دعواه المدنية بأن المدعى عليه يماطل الناس عند مطالبته بالسداد ، فقول المدعي بأن المدعى يماطل الناس في السداد قول مرسل لا معنى له ولا علاقة له بالنسبة لدعوى المدعي وأدلتها. (نظرية الدعوى في الفقه الإسلامي، د. نصر فريد محمد واصل، صـ152).

الوجه الخامس: القول المرسل بمعنى غير المنتظم أو المحدد

وهذا المعنى مستفاد من إرسال القول من غير تنظيم أو ترتيب أو من غير فصل الفقرات أو الجمل عن بعضها، فهناك مرافعات يسوق فيها الخصوم مرافعاتهم كما لو أنها جملة واحدة من غير ان يضع الخصم عناوين أو أرقام لفقرات المذكرة، مع أن مضمون هذه الفقرات يختلف عن بعضها، بل أن هناك أحكام تذكر فيها أسباب الحكم مرسلة، من غير فاصل بين السبب والذي يليه مع أنه كان من المألوف في الاحكام القديمة في اليمن ان يكتب القاضي جملة (السبب الأول) فإذا انتهى منه كتب جملة (السبب الثاني) حتى يفرغ من أسباب الحكم كاملة ، وبعض الأحكام القديمة كان القاضي عند كتابة أسبابها يقوم بتكبير الكلمات التي تفصل بين أسباب الحكم مثل تكبير خط كلمات (حيث) أو (لما) أو (كذا وكما) حتى يدرك المطالع الفواصل بين أسباب الحكم، وحتى لا تتداخل الأسباب مع بعضها، وحتى تتمكن محكمة الطعن من بسط رقابتها على سلامة تسبيب الخصوم وحتى تكون الأسباب مقنعة للخصوم (تطور وتطوير القضاء في اليمن، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، صـ26)، والله اعلم.