عدم تقديم الأدلة أمام محكمة الموضوع يمنع إثارتها أمام المحكمة العليا
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
إذا
امتنع الخصم عن تقديم أدلته أمام محكمتي الموضوع مع تمكينه له من ذلك، فإن هذا
الموقف السلبي يمنع الخصم عند الطعن
بالنقض من مطالبة المحكمة العليا بالتوجيه إلى محكمة الموضوع بإستيفاء القضية
وتمكين الخصم من تقديم أدلته، حسبما قضى
الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-4-2013م
في الطعن رقم (47923)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد تبين ان الطاعنين قد ذكروا
مراراً أمام محكمتي الموضوع أن لديهم من الأدلة ما يثبت أن الأرض المعتدى عليها هي
ملك جدتهم....، إلا أنهم لم يقدموا ما يثبت ذلك، مع أن محكمتا الموضوع قد مكنتهم
من ذلك، إلا أنهم لم يقدموا ما يثبت ملكية جدتهم للأرض التي أدعوا بأن المطعون ضده
قام بالإعتداء عليها))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه
الأتية:
الوجه الأول: واجب الخصوم في تحضير الأدلة وتقديمها أمام محكمة أول درجة :
محكمة
الموضوع من اسمها هي المحكمة المختصة بدراسة المسائل الموضوعية محل النزاع
ودراستها وبحثها في ضوء الأدلة التي يقدمها الخصوم للتدليل على صحة الطلبات أو
الوقائع الموضوعية محل الدعوى، وحتى تكون أدلة الخصوم محل بحث محكمة الموضوع، فالواجب
على الخصوم تقديم الأدلة أمام المحكمة الابتدائية حتى تتولى دراستها والموازنة
والترجيح بين الأدلة والوصول إلى الحكم العادل، فإذا تم إستئناف الحكم فإن محكمة
الاستئناف تقوم ببحث الأدلة ودراستها والتأكد من سلامة النتيجة التي توصلت إليها
محكمة أول درجة في حكمها المطعون فيه، فعندما تقوم محكمة الاستئناف بإعادة بحث
الأدلة ودراستها فإنها تستوفي الإجراءات التي اغفلتها محكمة أول درجة وتصحح
الإجراءات الباطلة التي شابت الحكم الابتدائي وتمكن الخصوم من تقديم الأدلة التي
لم تكن حاضرة عند التقاضي أمام المحكمة الابتدائية حسبما هو مقرر في المادة (288)
مرافعات، وبإعتبار الخصوم هم أصحاب الصفة والمصلحة فإنه يجب عليهم تحضير الأدلة
وتقديمها أمام محكمتي الموضوع في الأوقات التي تقررها محكمة الموضوع، ويجب على
محكمة الموضوع ان تثبت في مدونة حكمها
أنها مكنت الخصوم من تقديم أدلتهم.
الوجه الثاني: تقديم الخصوم للأدلة أمام محكمتي الموضوع وتحقيق مبدأ المواجهة:
من
مقتضيات تطبيق مبدأ المواجهة المقرر في المادة (19) مرافعات أن تتم مواجهة الخصوم
بالأدلة في متسع من الوقت حتى يستطيع الخصم
دراسة أدلة خصمه والرد عليها وبيان مدى صحتها في وقت مناسب، وحتى يستطيع
القاضي بعد ذلك من مناقشة الأدلة والموازنة
والترجيح بين الأدلة وبيان مالها وما عليها في ضوء مناقشة الخصوم لأدلة بعضهم
وردودهم عليها، ولذلك فإنه يجب على الخصوم تحضير أدلتهم وتقديمها أمام محكمة أول
درجة حتى يتحقق مبدأ المواجهة ويحقق الغايات المقصودة منه.
الوجه الثالث: واجب محكمة الموضوع في تنبيه الخصوم لتقديم أدلتهم:
ينص
قانون المرافعات صراحة على أنه يحظر على القاضي ان يلقن الخصوم، وفي الوقت ذاته
يصرح قانون المرافعات في المادة (19) على أنه يجب على القاضي المحافظة على مبدأ المواجهة اثناء التقاضي وأن يضمن إحترامه بين
الخصوم، وعلى هذا الأساس فإن تنبيه القاضي للخصوم بتقديم أدلتهم إن كانت لديهم
أدلة لا يعد تلقيناً للخصوم، وإنما ذلك من واجبات القاضي في إدارة الدعوى وتطبيق مبدأ المواجهة الذي صرح القانون
بأن القاضي هو الضامن لتحقيقه إضافة إلى أن ذلك من مقتضيات مراقبة القاضي للخصوم
عند مياشرتهم لإجراءات التقاضي
الوجه الرابع: تقديم الأدلة أمام محكمتي الموضوع وظاهرة بطء إجراءات التقاضي:
ليس
خافياً على أحد أن عدم قيام الخصوم بتقديم أدلتهم كاملة أمام محكمتي الموضوع من
أهم أسباب ومسببات ظاهرة بطء إجراءات التقاضي في اليمن، إذ أن بعض الأدلة التي لم
يتم تقديمها أمام محكمتي الموضوع قد تكون مؤثرة يترتب عليها تغيير وجهة الرأي في
الحكم في القضية، فعندما يقوم الخصم بإبراز الدليل أمام محكمة الطعن يظهر لها
وجاهة الدليل وقوته وتأثيره فتلغي الحكم المطعون فيه فتتعثر القضايا وتتعقد ، فلو
تم إبراز هذا الدليل أمام محكمة أول لما صدر الحكم الابتدائي على هذا النحو ولما قضت محكمة الاستئناف بإلغائه.
الوجه الخامس: التقاضي الكيدي وعدم تقديم الأدلة أمام محكمتي الموضوع:
من
الموروثات السلبية بين الخصوم في اليمن الخلط بين التذاكي والذكاء أو المغالطة
والذكاء، ومن مظاهر ذلك أن بعض الخصوم لايقوم بإرفاق الأدلة أو ذكرها في صحيفة افتتاح الدعوى حتى يحرم
خصمه من الرد عليها في الوقت المناسب، فلو قام الخصم بإرفاق الأدلة بمذكرته لتم
الرد على المذكرة وعلى الأدلة معاً، فنحسم القضية بإجراءات موجزة بحكم تصدره محكمة
أول درجة، ولكن بعض الخصوم يعمد إلى عدم تقديم الأدلة مع الدعوى أو مذكرة رده على
الدعوى حيث يؤجل نقديمها إلى ما قبل جلسة
حجز القضية للحكم حتى يحرم خصمه من دراستها والرد عليها في متسع من الوقت، علاوة
على ان بعض الخصوم يتعمد عدم تقديم بعض أدلته حتى مرحلة الاستئناف بل أن بعضهم
يتعمد عدم تقديم بعض الأدلة أمام مرحلة الاستئناف ويحتفظ ببعض الأدلة للتوسل بها لتقديمها عند إلتماس إعادة النظر في الحكم
الصادر من المحكمة العليا، على أساس عثر عليها بعد صدور الحكم
الوجه السادس: أهمية إثبات محكمة الموضوع إمتناع الخصم عن تقديم أدلته في مدونة الحكم :
ذكرنا
فيما سبق أنه ينبغي على محكمة الموضوع تنبيه الخصوم عن طريق سؤال المحكمة لهم عما
إذا كانت لديهم أدلة وإثبات ردهم على ذلك في مدونة الحكم ، لأن القانون قرر أن
القاضي ضامن لتحقيق مبدأ المواجهة بين
الخصوم، فضلاً عن ان ذلك من مقتضيات مراقبة القاضي للخصوم وإدارته الرشيدة لسير
إجراءات التقاضي ، وعلى ذلك ينبغي على محكمة الموضوع إثبات قيامها بهذا الواجب في
مدونة الحكم الذي تصدره مثلما حصل في الحكمين الابتدائي والاستئنافي اللذين اقرهما
حكم المحكمة العليا محل تعليقنا واستند إليهما في قضائه في عدم جواز مطالبة
المحكمة العليا بالتوجيه إلى محكمة الموضوع بإستيفاء أدلة الطاعن، طالما ان محكمة
الموضوع قد سبق لها ان اثبتت في مدونة حكمها انها نبهت الطاعن إلى تقديم أدلته
التي كان يردد أنه سوف يقدمها إلا أنه لم يقدمها رغم تنبيه محكمة الموضوع له.
الوجه السابع: يتحمل الخصم جزاء عدم تقديمه لأدلته أمام محكمة الموضوع:
من
خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا يلاحظ أن الطاعن كان يطلب في طعنه من المحكمة
العليا التوجيه إلى محكمة الموضوع بإستيفاء القضية والإستماع إلى أدلته التي اضربت
محكمة الموضوع عن الإستماع إليها، إلا أن الحكم محل تعليقنا لم يحكم للطاعن بذلك
وإنما قضى بأنه قد سبق لمحكمتي الموضوع أن مكنت الطاعن ونبهته إلى تقديم أدلته
الذي ظل يردد أن لديه أدلة قاطعة على ملكية جدته للأرض المعتدى عليها إلا أنه لم يقدمها،
وعلى هذا الأساس فإن الطاعن نفسه يكون قد اهدر حقه في الإستدلال بالأدلة التي لم
يقدمها إن كانت لديه أدلة بالفعل، فالطاعن يتحمل نتيجة إمتناعه عن تقديم الأدلة.
الوجه الثامن: توجيه المحكمة العليا لمحكمة الموضوع بإستيفاء الأدلة التي لم تمكن الخصم من تقديمها:
من
خلال المطالعة المستمرة لأحكام المحكمة العليا نجد أن بعض أحكام المحكمة العليا تتضمن
التوجيه إلى محكمة الموضوع بإستيفاء القضية وتمكين الخصم من تقديم أدلته إذا ثبت
للمحكمة العليا ان محكمة الموضوع قد تجاهلت طلبات الخصوم بتقديم أدلتهم أو لم تتيح
للخصوم الفرصة الكافية لتحضير أدلتهم وتقديمها إلى المحكمة، وهذا من المسالك
المحمودة للمحكمة العليا في اليمن، والله اعلم .