مدى التلازم بين الجانبين المدني والجنائي في الحكم الجزائي

 

مدى التلازم بين الجانبين المدني والجنائي في الحكم الجزائي

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

في بعض القضايا يقع التلازم فيما بين الجانب الجنائي والجانب المدني في الحكم الجزائي الفاصل في الدعويين الجزائية والمدنية، كإنتفاء الفعل الجرمي المسند للمتهم وإنتفاء الضرر من الفعل ، فعند إنتفاء الفعل الجنائي تنتفي الآثار المترتبة عليه كالأضرار المدعى بها في الدعوى المدنية التبعية، غير أنه في  بعض القضايا لا يكون هناك تلازم بين الجانبين مثل ان يقع الخطأ في تكييف الفعل الجرمي على أنه جريمة خيانة أمانة في حين أنه ليس كذلك ، فالفعل في هذه الحالة غير منتف، ففي هذه الحالة لا يكون هناك تلازم  بين الجنائي والمدني، فقد يقضي الحكم الجزائي ببراءة المتهم بالنسبة للجانب الجزائي وفي الوقت ذاته يقضي الحكم في الجانب المدني على المتهم بإعادة المال إلى المدعي المدني ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26-12-2012م في الطعن رقم (47922)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد سببت الشعبة حكمها التسبيب الصحيح فيما يتعلق بثبوت الحق المدني، فالطاعن لا ينكر ذلك، كما أنه لا تلازم في الحكم بين الجانب المدني والبراءة في الجانب الجزائي))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: العلاقة بين الدعويين الجزائية والمدنية:

اجاز قانون الإجراءات الجزائية للمضرور من الجريمة ان يرفع دعواه المدنية تبعاً للدعوى الجزائية أمام القاضي الجزائي حتى يفصل هذا القاضي في الدعويين معاً بحكم واحد، نظراً للعلاقة الوثيقة بين الدعويين وفقا لماهو مقرر في المادة ( 43) إجراءات ، غير أن قانون الإجراءات الجزائية ذاته قد اجاز للمضرور من الجريمة ان يرفع دعواه المدنية إستقلالاً عن الدعوى الجزائية حسبما ورد في المادة( 44) إجراءات ، ومؤدى ذلك أنه يجوز للمضرور من الجريمة ان يرفع دعواه المدنية بصفة مستقلة أمام القاضي المدني مطالباً فيها بتعويضه عن الضرر الذي لحقه بسبب الجريمة، ومن خلال ماتقدم يظهر عدم وجود التلازم بين الدعويين الجزائية والمدنية التبعية( شرح الإجراءات الجزائية في القانوني اليمني، لأستاذنا حسن صادق المرصفاوي، ص256).

الوجه الثاني: الفصل في الدعويين الجزائية والمدنية بحكم واحد صادر من القاضي الجزائي :

إذا قام المضرور من الجريمة برفع دعواه أمام القاضي الجزائي مطالباً بتعويضه أو إستعادة أمواله التي كانت محلاً للجريمة، فعندئذٍ يقوم القاضي الجزائي بالفصل في الدعويين معاً بحكم واحد، فإذا كانت الواقعة الجنائية ثابتة قبل المتهم فإن القاضي يحكم بإدانة المتهم وتوقيع العقوبة المقررة قانوناً على المتهم، وهذا هو الجانب الجنائي وفي الحكم ذاته إذا ثبتت الدعوى المدنية التبعية المرفوعة من المضرور من الجريمة  وتوفرت عناصر المسئولية التقصيرية وهي الفعل الضار الصادر من المتهم والضرر الذي لحق بالمضرور وعلاقة السببية بين الفعل الضار والضرر فعندئذٍ يحكم القاضي في الحكم ذاته بمسئولية المتهم عن الضرر الذي لحق المضرور من الجريمة وإستحقاقه للتعويض المناسب، ففي هذه الحالة يقع التلازم في الحكم الجزائي فيما بين الجانب الجنائي والجانب المدني، ولكن في حالات أخرى قد يقضي القاضي الجزائي ببراءة المتهم لعدم توفر أدلة الإدانة إلا أنه قد يثبت أمام القاضي مسئولية المتهم عن الضرر الذي لحق بالمضرور المدعي بالدعوى المدنية فيحكم له بالتعويض أو إعادة ماله الذي أخذه المتهم من المضرور، وعكس ذلك صحيح فقد يجد القاضي ان المسئولية الجزائية قائمة قبل المتهم فيقضي بإدانته ومعاقبته وفي الحكم ذاته يقضي القاضي الجزائي برفض الدعوى المدنية التبعية لعدم ثبوت المسئولية المدنية، فليس هناك تلازم في الحكم الجزائي بين الجانب الجنائي والمدني مثلما قضى الحكم محل تعليقنا(مفهوم المجني عليه في الدعوى الجنائية،د. محمد عبد اللطيف عبد العال : ص 185)، والله اعلم .