الفاعل والمحرض في جريمة الإعتداء على ملك الغير
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
الغالب
في جريمة الإعتداء على ملك الغير ان يقوم شخص بإستقدام عمال للحفر أو التهديم أو البناء
أو الغرس أو قلع الغرسات، وعندئذ تثار المسئولية الجزائية لاولئك العمال في هذه الجريمة، حسبما
قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
8-5-2013م في الطعن رقم (47194) ، الذي قضى: ((بأنه بالرجوع إلى الحكم الاستئنافي
تبين أنه نفى في أسبابه ان يكون المتهم قد اعترف بالتهمة المسندة إليه، وإن جريمة
الإضرار بالمال هي جريمة على ملك الغير من قبل الجاني نفسه، وهو مالم يثبت في
محاضر التحقيقات أو النيابة – مع ان الحكم ذاته قد ذكر ضمن أسبابه ان قيام العمال الذين
احضرهم المتهم قيامهم بإستخدام مواد
البناء التي وضعها المدعي الشخصي في الأرض
أو بجانبها واستخدام العمال لها في البناء التابع للمشكو به، فقد ذكر الحكم ان ذلك لا يعد
جريمة وان كان المدعي المدني يستحق تعويضاً مقابل ذلك – أي أن الحكم قد نفى وجود
أي إعتراف من المشكو به الطاعن حاليا في جريمة الإضرار بمال الغير ثم اثبت الحكم قيام
الفعل الجرمي عن طريق العمال وان الطاعن مسئول عن ذلك، وهذا التناقض يجعل الحكم
مشوباً بالبطلان))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية جريمة الإعتداء على ملك الغير:
بينت
جريمة الإعتداء على ملك الغير المادة (321) من قانون الجرائم والعقوبات التي نصت
على أنه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة او بالغرامة من هدم او خرب او اعدم او
اتلف عقارا او منقولا او نباتا غير مملوك له او جعله غير صالح للاستعمال او اضر به
او عطله بأية كيفية وتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات اذا اقترفت
الجريمة بالقوة او التهديد او ارتكبها عدد من الاشخاص او وقعت في وقت هياج او فتنة
او كارثة او نشا عنها تعطيل مرفق عام او اعمال مصلحة ذات منفعة عامة او ترتب عليه
جعل حياة الناس او امنهم او صحته عرضة للخطر، واذا ترتب على الجريمة موت شخص تكون
العقوبة الاعدام حدا ولا يخل ذلك بحق ولي الدم في الدية او الارش بحسب الاحوال)،
ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر ان جريمة الإعتداء على حرمة ملك الغير تتحقق
بأفعال الهدم أو التخريب أو إعدام وإتلاف العقارات والمنقولات والنباتات، وقد تقع
هذه الأفعال الجنائية من الشخص الذي يستقدم العمال أو من العمال الذي يجلبهم للقيام
بهذه الأعمال .
الوجه الثاني: المسئولية عن الإتلاف والهدم في جريمة الإعتداء على حرمة ملك الغير:
من
المعلوم ان المسئولية الجزائية مسئولية شخصية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية
لقوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر اخرى)، فلا يسأل في الشريعة الإسلامية إلا الفاعل
للجريمة، وكذا نص الدستور اليمني صراحة على أن المسئولية الجزائية شخصية، فلايسال عن الفعل الا الشخص الذي ارتكبه،
كما ان قانون الإجراءات الجزائية قد نص على ذلك، وعلى هذا الأساس فإن العمال الذين
يتم استقدامهم للهدم اوالإتلاف اوالتخريب يكونوا مسئولين شخصياً عن أفعال الهدم
والإتلاف التي يقوموا بها، ولو كانوا مجرد عمال استقدمهم شخص آخر للقيام بتلك
الأعمال .
الوجه الثالث: الفاعل في جريمة الإعتداء على ملك الغير:
الفاعل
في هذه الجريمة: هو الذي يباشر افعال الهدم والتخريب والإتلاف والإعدام لأموال
الغير، حيث ينطبق عليه مفهوم الفاعل المنصوص عليه في المادة (21) من قانون الجرائم
والعقوبات التي نصت على أن (يعد فاعلا من يحقق بسلوكه عناصر الجريمة ويشمل ذلك
المتمالي الموجود على مسرح الجريمة وقت حدوثها، ويعد فاعلا بالواسطة من يحمل على ارتكاب
الجريمة منفذا غير مسئول هذا ولو تخلفت لدى الفاعل بالواسطة صفة يشترطها القانون
في الفاعل، ويعد فاعلين من يقومون معا بقصد او بإهمال مشترك بالأعمال المنفذة
للجريمة)، وبناءً على ذلك فإذا قام العمال
بأفعال الهدم أو التخريب من غير تحريض من الغير فأنهم يسألون عن ذلك بإعتبارهم
فاعلين.
الوجه الرابع: المحرض في جريمة الإعتداء على ملك الغير:
في
غالب الحالات يكون موقع الشخص الذي يستقدم
العمال في جريمة الإعتداء على ملك الغير هو المحرض، فينطبق عليه مفهوم المحرض، لأن
الشخص الذي استقدم العمال هو الذي يطلب
منهم القيام بأعمال الهدم والتخريب أو يحرضهم على ذلك، وعلى هذا الأساس ينطبق على المستقدم للعمال مفهوم المحرض المنصوص عليه في
المادة (22) من قانون الجرائم والعقوبات التي نصت على أنه (يعد محرضا من يغري
الفاعل على ارتكاب جريمة، ويشترط لمعاقبته ان يبدا الفاعل في التنفيذ، ومع ذلك
تجوز المعاقبة على التحريض الذي لا يترتب عليه اثر في جرائم معينة).
الوجه الخامس: تناقض أسباب الحكم يبطله:
قضى الحكم محل تعليقنا ببطلان الحكم المطعون فيه،
لأن أسبابه متناقضة، فقد قضى على الطاعن بتعويض المطعون ضده عن إتلاف مواد المطعون
ضده، وفي الوقت الذي ورد ضمن أسباب الحكم المطعون فيه ان التهمة المسندة للطاعن لم
تثبت، لأن العمال هم الذين قاموا بإستعمال مواد البناء المملوكة للمطعون ضده، وهذا
تناقض في أسباب الحكم يجعل الحكم باطلا، والله اعلم .