حجية الحكم على بيت مال المسلمين
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
للأحكام
القضائية حجيتها المطلقة والدائمة بين أطرافها ومن بعدهم خلفهم العام والخاص،
فالأحكام القضائية لا تتقادم، ويسري هذا الأمر على الأحكام الصادرة على بيت مال
المسلمين الذي صارت تقوم بوظائفه في الوقت الحاضر جهات عدة منها: الهيئة العامة لأراضي
الدولة والبنك المركزي والخزينة العامة ووزارة المالية، فالحكم الصادر على بيت مال
يكون حجة على هذه الجهات، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25-2-2013م في الطعن رقم (45860)، الذي ورد ضمن
أسبابه: ((ومن حيث الموضوع فقد تبين ان طعن النيابة العامة ليس إلا جدلاً في صحة
الدليل، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع دون معقب عليها من المحكمة العليا، طالما
جاءت أسباب الحكم سائغة ولها أصل ثابت في الأوراق، وحيث ان البصائر المبرزة من
البائعين للمتهمين والتي تعود إلى سنة 1380هـ وقبل ذلك الحكم الصادر على بيت مال
المسلمين في عام 1354هـ من المحكمة الشرعية لقضاء.....، ومعاينة المحكمة
الابتدائية لمحل النزاع وما أكده العدلان بأن المستندات السابق ذكرها تحكي في
المتنازع عليه وأنه ملك البائعين للمتهمين، وإن الملك والثبوت في ذلك للبائعين
المتهمين، مما يتعين رفض الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في
الأوجه الأتية:
الوجه الأول: مفهوم بيت مال المسلمين:
بيت
مال المسلمين مصطلح فقهي إسلامي يقصد به: الأموال المنقولة والعقارية التي لا يختص
بها فرد من أفراد الأمة الإسلامية وإنما يكون مملوكاً لأفراد الأمة الإسلامية
ملكية عامة وشائعة يحق لأي فرد الإنتفاع المشترك من غير إختصاص ، وبعد ان تعددت
اقطار وامصار المسلمين تعددت معها بيوت مال المسلمين، فصار لكل قطر بيت مال مسلمين
يختص بالأفراد المسلمين في القطر دون غيرهم.
وضمن
مفهوم بيت مال المسلمين تندرج الأموال التي لابعرف ملاكها والتركات التي لا وارث
لها والجبال والهضاب والتلال والمنحدرات والغابات والصحاري والشواطئ والسواحل
والجزر غير المأهولة والأراضي البور التي لا يتعلق بها حق ثابت لفرد بعينه على وجه
الخصوص، ويدخل في مفهوم بيت مال المسلمين تلك الاموال التي يتنازل عنها ملاكها لصالح بيت
مال المسلمين (النظرية العامة للملكية العامة، ا. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص 141)، وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم الصادر عام 1354هـ من محكمة قضاء.... الشرعية(صار
ذلك القضاء في الوقت الحاضر محافظة) قضى ذلك الحكم بأن المنحدر الجبلي محل النزاع
فيما بين بيت مال المسلمين في ذلك الوقت وبين اجداد البائعين للمتهمين هو ملك خاص
للبائعين للمتهمين وليس من أملاك بيت مال المسلمين، وقد صدر هذا الحكم في مواجهة
بيت مال المسلمين حينئذ عند تنازعه مع المواطنين الذين باع خلفهم الأرض للمتهمين.
الوجه الثاني: الجهات التي حلت في العصر الراهن محل مصطلح (بيت مال المسلمين):
من
خلال التأمل في مفهوم بيت مال المسلمين المشار إليه سابقا يظهر ان الهيئة العامة
لأراضي الدولة تقوم في العصر الحاضر بوظيفة بيت مال المسلمين بالنسبة للأراضي
والعقارات، في حين تقوم وزارة المالية والبنك المركزي بوظيفة بيت مال المسلمين
فيما يتعلق بالأموال النقدية والمنقولة. (مؤسسة بيت مال المسلمين، د. منير عدوان،ص
170).
الوجه الثالث: الخلط بين أموال الدولة وأموال بيت مال المسلمين:
من
خلال ما تقدم يظهر ان مال بيت المسلمين يختلف عن أموال الدولة، فأموال الدولة: هي
تلك الأموال المخصصة للجهات الحكومية المختلفة للقيام بمهامها ووظائفها الدستورية
والقانونية، في حين ان أموال بيت مال المسلمين هي : الأموال المملوكة للمواطنين بصفة عامة فينتفع بها عموم المواطنين على سبيل الإنتفاع
المشترك، فمصطلح أموال بيت المسلمين يقابله في العصر الحاضر مصطلح (الملكية
العامة)، علما بأن قانون أراضي وعقارات الدولة النافذ يخلط بين الملكية العامة وملكية
الدولة حسبما هو ظاهر في المادة(6) من ذلك القانون، فقد اعتبر هذا القانون المراهق
العامة والصحاري والشواطي من أملاك الدولة.
الوجه الرابع: حجية الحكم على بيت مال المسلمين:
أستند
الحكم محل تعليقنا إلى الحكم الصادر عام 1354هـ على بيت مال المسلمين رغم مضي ما
يقارب تسعين سنة على صدور ذلك الحكم على بيت مال المسلمين، لأن حجية الأحكام لا
تتقادم كما هو معلوم، كما ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بأن الحكم على بيت مال
المسلمين حجة على الهيئة العامة لأراضي الدولة بإعتبارها الجهة التي حلت محل بيت
مال المسلمين في الإشراف والإدارة لأراضي وعقارات بيت مال المسلمين أو الأملاك
العامة، فالحكم يكون حجة على الخلف العام أو الخاص، والله اعلم .