القتل ثأراً
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
القتل
عمداً يوجب القصاص إذا توفر دليله الشرعي، فقصد القتل العمد ركن في جريمة القتل
العمد الموجب للقصاص، اما الباعث على القتل العمد فليس ركناً أو شرطا في جريمة
القتل العمد، وإن كان للباعث على الجريمة إعتبار عند تقدير العقوبة في غير القصاص،
وعلى هذا الأساس فاذا كان الثأر هو الباعث على إرتكاب جريمة القتل العمد فأنه لا
يكون عذراً معفياً أو مخففاً للعقوبة المقررة شرعا وقانوناً لمرتكب جريمة القتل العمد وهي القصاص الشرعي اذا
توفر الدليل الموجب له وهو إقرار الجاني أو شهادة شهود الروية العدول ، حسبما قضى
الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
15-1-2013م في الطعن رقم (45819) الذي ورد ضمن أسبابه: ((فالمتهم معترف بواقعة
القتل في محاضر الإستدلال والتحقيق وأمام محكمتي الموضوع، وإن كان قد ارجع الباعث
على القتل إلى الثأر لأخيه الذي أدعى الجاني ان المجني عليه كان قد قتل اخيه في
وقت سابق، فقد ورد في أسباب الحكم الاستئنافي: ان المتهم قد اعترف صراحة في جميع
مراحل التحقيق والمحاكمة الابتدائية والاستئنافية بأنه قتل المجني عليه، واما قوله
بأنه قتله ثاراً لأخيه فهي دعوى تفتقر إلى الدليل، فلا دليل لدى الجاني في دعواه
بأن المجني عليه كان قد سبق له ان قتل أخيه عمدا ، وحيث ان إجراءات المحاكمة قد
تمت وفقاً للإجراءات القانونية السليمة، فإن الدائرة ترفض الطعن))، وسيكون تعليقنا
على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: القتل ثاراً من منظور القانون.
حدد
قانون الجرائم والعقوبات أركان جريمة القتل العمد وحدد عقوبتها وهي القصاص، فيكون
القتل عمداً إذا إستعمل الجاني آلة قاتلة غالباً حسبما ورد في قانون الجرائم والعقوبات، فقد نصت المادة (234)
على أنه (من قتل نفسا معصومة عمدا يعاقب بالاعدام قصاصا الا ان يعفو ولي الدم فان
كان العفو مطلقا او بشرط الدية او مات الجاني قبل الحكم حكم بالدية ولا اعتبار
لرضاء المجني عليه قبل وقوع الفعل. ويشترط للحكم بالقصاص ان يطلبه ولي الدم وان
يتوافر دليله الشرعي فاذا تخلف احد الشرطين او كلاهما واقتنع القاضي من القرائن
بثبوت الجريمة في حق المتهم او اذا امتنع القصاص او سقط بغير العفو يعزر الجاني
بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات. ويجوز ان يصل التعزير
الى الحكم بالاعدام اذا كان الجاني معروفا بالشر او ارتكب القتل بوسيلة وحشية او
على شخصين فاكثر او من شخص سبق ان ارتكب قتلا عمدا او توطئه لارتكاب جريمة اخرى او
لاخفائها او على امراة حامل او على موظف او مكلف بخدمة عامة اثناء او بسبب او
بمناسبة تادية وظيفته او خدمته حتى لو سقط القصاص بالعفو)، وبتطبيق هذا المفهوم
على جريمة القتل ثاراً نجد أن النصوص العقابية التي جرمت فعل القتل العمد وحددت عقوبته تنطبق تماماً
على جريمة القتل ثأراً إذا تحققت فيه أركان القتل العمد السابق ذكرها، فلم يرد في
قانون الجرائم والعقوبات نص يقضي بإستثناء القتل ثاراً من عقوبة القصاص، كما لم
يرد في القانون نص يقرر ان الثأر اذا كان الباعث
على القتل يكون عذراً معفياً أو مخففاً
للعقوبة المقررة على القتل العمد وهي القصاص .
الوجه الثاني: الفرق بين القصد الجنائي في جريمة القتل العمد والباعث على القتل العمد :
بينت
المادة (9) من قانون الجرائم والعقوبات الفرق بين القصد الجنائي للجريمة وبين
الباعث على إرتكابها، فقد نصت المادة (9)
عقوبات على أنه (يتوفر القصد اذا ارتكب الجاني الفعل بارادته وعلمه وبنية احداث
النتيجة المعاقب عليها ولا عبرة في توافر القصد بالدافع الى ارتكاب الجريمة او
الغرض منها الا اذا نص القانون على خلاف ذلك، ويتحقق القصد كذلك اذا توقع الجاني
نتيجة اجرامية لفعله فاقدم عليه قابلا حدوث هذه النتيجة)، حيث يتحقق قصد القتل في
جريمة القتل العمد حينما تتجه إرادة الجاني إلى تحقيق النتيجة الإجرامية التي
يعاقب عليها القانون وهي ازهاق روح المجني عليه وان يكون الجاني عالماً بمحل
الحماية الجنائية وهي روح الإنسان الحي وان سلوكه الإجرامي سيؤدي لإحداث النتيجة
المعاقب عليها قانوناً وان الوسيلة التي يستعملها في القتل صالحة لإحداث الوفاة، فوفقاً
للنص القانوني السابق فلا تأثير للباعث على القتل أو الدافع للقتل، فقد يكون
الباعث على القتل هو الثأر من المجني عليه أو الشفقة على المجني عليه أو الحسد له،
فلا اعتبار للباعث على القتل طالما ان الجاني قد اتجهت إرادته إلى ازهاق روح إنسان
حي فتحققت النتيجة التي ارادها الجاني ،
(شرح قانون العقوبات، د.عمر الحسيني، ص16).
الوجه الثالث: قتل الشخص الذي ثبت قتله لغيره:
يثبت
القتل العمد الموجب للقصاص عن طريق إقرار القاتل أو شهادة شاهدين رؤية لواقعة القتل حسبما ورد في
المواد (45 و80 وما بعدها) من قانون الإثبات، فإذا ثبت القتل العمد بإقرار الجاني
أو شهادة الشاهدين، فقد توفر الدليل الموجب للقصاص، فإذا تم الحكم على الجاني بحكم
بات من المحكمة العليا، فأنه قد ثبت قيامه بالقتل العمد الموجب للقصاص الشرعي منه ،
وعندئذٍ صار الحكم قابلاً للتنفيذ اذا اصدر رئيس الجمهورية الإذن بذلك، وبناءً على
ذلك فإن قيام أولياء الدم بقتل المحكوم عليه بالإعدام قصاصاً داخل المحكمة أو داخل
السجن أو في السوق أو غيره فأنهم في هذا الفعل قد اعتدوا على سلطة ولي الأمر، لأنه
الذي يأذن بإجراء القصاص وتنفيذه عملاً بقاعدة (أربع للولاة : الحدود والقصاص
والفي والصدقات)، فلا بد لتنفيذ القصاص من
اذن يصدر عن ولي الأمر باستيفائه، ويجب يتولى ولي الأمر تنفيذ القصاص حتى يؤمن الإستيفاء، وقد اجمع الفقه الإسلامي
على ان تنفيذ القصاص منوط بولي الأمر الذي يقوم بتنفيذه، (التشريع الجنائي
الإسلامي. أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين. ص245)، ولم يقل بجواز قيام أولياء الدم
انفسهم بقتل القاتل لمؤرثهم إلا نفر قليل من الفقهاء منهم الأمام الطبطبائي من
الشيعة الجعفرية حسبما ورد في تفسير الميزان 3/334)، اما القتل ثأراً لمن لم يثبت عليه القتل بحكم قضائي بات فقد اجمع
الفقه الإسلامي على تجريمه وتحريمه مطلقاً، فلا يجوز قتل المسلم بشبهة، فقد لاحظنا
ان المتهم بالقتل ثأراً في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا قد عجز عن إثبات
ان المقتول ثأراً كان قد قتل مؤرثه، ولذلك فقد قضى عليه الحكم محل تعليقنا
بالإعدام قصاصاً، لأن القاتل ثأراً كان قد اعترف بقيامه بقتل المجني عليه ثأراً
ولم يقدم الجاني الدليل على ان الشخص الذي قتله كان قد سبق له ان قتل مؤرث الجاني،
والله اعلم .