لا تجوز الشفعة في مال الوقف

 

لا تجوز الشفعة في مال الوقف

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الشفعة تملك الشفيع مال الغير جبراً عنه، أي تمليك جبري للشفيع رغماً عن البائع والمشتري، حيث يتملك الشفيع المال أو الأرض جبرا عن البائع والمشتري ، ومن المعلوم ان مالك رقبة مال الوقف هو الله تبارك وتعالى، ولذلك لا تجوز الشفعة في مال الوقف أو تمليك الوقف جبراً عن مالك الوقف أو متولى إدارة الوقف، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-12-2006م في الطعن رقم(26065)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((اما الطاعن الثاني فقد نعى على الحكم المطعون فيه أنه لم يحكم له بثبوت الشفعة في محل النزاع مع انه ثبت لدى الشعبة إستحقاقه للشفعة، وقد تبين للدائرة  ان الأرض محل الشفعة وقف، ولذلك فإن الحكم المطعون فيه قد اصاب صحيح القانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: معنى الشفعة:

الشفعة: هي وسيلة تملك جبرية، إذ ان الشفيع يتملك العين جبراً عن مالكها البائع لها ومشتريها، وفي هذا المعنى نصت المادة (1255) مدني على أن (الشفعة هي حق تملك عين ولو جبراً ملكت لآخر بعقد صحيح بعوض مال معلوم على أية صفة كانت مثلية او قيمية منقولة او غير منقولة بما قام عليها العوض او المؤن).

الوجه الثاني: معنى الوقف:

الوقف: حبس المال، فتكون ملكية رقبة المال الموقوف لله سبحانه وتعالى خالدة تالدة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فلا يجوز بيع مال الوقف او شراؤه، ويتم صرف عائدات المال الموقوف في الاغراض التي حددها الواقف، ويتفق الوقف العام والوقف الخاص في ان مالك الرقبة فيهما هو الله تبارك وتعالى، ولذلك لا تجوز الشفعة في مال الوقف، لأن المالك للوقف هو الله تبارك وتعالى، فلا مجال لتملك مال الوقف بالشفعة .

الوجه الثالث: يقتصر حق الأدميين في الوقف على الإنتفاع بمال الوقف  ومع ذلك لاتجوز الشفعة في الإنتفاع بمال الوقف :

سبق القول ان ملكية الرقبة في مال الوقف بصفة عامة تكون لله تبارك وتعالى، ولذلك فإن حق الموقوف عليهم او المنتفعين بأعيان الوقف يقتصر على الإنتفاع بأموال الوقف او الصرف عليهم من عائداتها، والشرع والقانون لا يجيزا الشفعة في حق الإنتفاع بالوقف، وفي هذا المعنى نصت المادة (1260) مدني على أنه (يشترط لصحة الشفعة ما يأتي: -١- ان يكون المشفوع عيناً فلا تصح الشفعة في المنافع ولا فيما لا يباع من الحقوق)، وبناء على ذلك لاتجوز الشفعة في منفعة الوقف أو الإنتفاع بمال الوقف، (محاضرات في الوقف للشيخ محمد ابي زهره، ص١٤٢).

الوجه الرابع: الشفعة في مال الوقف وتعطيل صلاحيات متولي الوقف:

لكل وقف متولي يحدده الواقف في وقفيته، ووظيفة متولي الوقف المحافظة على أعيان الوقف وإدارتها وإستثمارها وتأجيرها للمنتفعين بها وتحصيل حقوق الوقف، فمن حق متولي الوقف ان يقرر ويختار الأجير المناسب للوقف بحسب مصلحة الوقف ، في حين ان الشفعة تصادر صلاحيات متولي الوقف في تحديد وإختيار الأجير المناسب لمال الوقف، فمال الوقف ينتقل بالشفعة إلى الشفيع جبراً عن متولي الوقف، ولأن الشفعة تمليك جبري فإن الشفعة تنقل مال الوقف إلى غير أجير الوقف من غير إذن متولي الوقف، وفي ذلك افتيات خطير على سلطات متولي الوقف واختصاصاته.

الوجه الخامس: تنافي الشفعة في الوقف مع غرض الواقف والقربة في الوقف:

من المقرر شرعا وقانوناً ان عبارة الواقف كنص الشارع من حيث تنفيذها والعمل بموجبها، فالواقف يحدد في وقفيته المنتفعين بأعيان الوقف والمنتفعين بعائدات الوقف والمتولين للوقف، وبما ان الشفعة تنقل مال الوقف جبراً من شخص إلى غيره، فأنها تتعارض مع إرادة الواقف وعبارته ، والله اعلم .