لا يجوز الحكم بإلزام المالك بترك مسافة بينه وبين جاره

 

لا يجوز الحكم بإلزام المالك بترك مسافة بينه وبين جاره

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تكفل وتحفظ الشريعة الإسلامية والدستور والقانون  الملكية الخاصة أو الفردية من المصادرة والاستيلاء عليها، وعلى هذا الأساس لا يجوز إلزام المالك على ترك مسافة من ملكه كفاصل بينه وبين جاره، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9-3-2013م في الطعن رقم (47930)،  فقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي: ((أنه لا يجوز الزام المستأنف بترك مسافة متر فيما بينه وبين جاره طالما وجاره له طريق اخرى يستعملها، وطالما ان المستأنف لم يفتح نوافذ إلى تلك الجهة، فلا يجوز إلزام المستأنف بترك مسافة إلا لمصلحة عامة ووفقاً لما هو مقرر في القانون))، وقد أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وحيث ان المحكمة الاستئنافية قد أسست حكمها على أحكام الشريعة الإسلامية الغراء وعلى أساس من القانون بقولها في أسباب حكمها: ولدى التأمل في أوراق القضية فقد وجدت الشعبة ان الاستئناف مؤثر من حيث الزام المستأنف بترك مسافة متر من أرضه لجاره كطريق مشتركة ولغرض التوسع والترميم  للمنزلين مستقبلاً، ولذلك فإن الحكم الاستئنافي قد جاء موافقاً لأحكام الشرع والقانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: متى يلزم المالك بترك مسافة فيما بينه وبين جاره:

الأصل في الشريعة والقانون ان للمالك ان يصنع في ملكه ما يشاء وان  يتصرف في ملكه كيفما يشاء ومتى يشاء، فالمالك لا يلزم بترك مسافة فيما بينه وبين جاره، ولكن هذا الأصل ترد عليه بعض الاستثناءات هي:

الاستثناء الأول: ترك مسافة للمصلحة العامة: فالمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، ولذلك فقد تستملك  إحدى جهات الدولة للضرورة مساحة معينة من الاملاك الخاصة للمصلحة العامة بحسب ماهو مقرر في قانون الاستملاك للمنفعة العامة وذلك مقابل تعويض عادل تدفعه الدولة لمالك الأرض، كما ان قانون التخطيط العمراني وقانون البناء يحددا شروط المباني والعمارات، ومن ذلك إلزام ملاك المباني والعمارات بترك مسافات ومساحات معينة للمصلحة العامة المتمثلة في  حسن التنظيم والتخطيط العمراني ، فإلزام المالك في هذه الحالات بترك مساحات إلى جوار المبنى جائز قانوناً.

الاستثناء الثاني: ترك المالك لمسافة متر عند فتح النوافذ: وقد اشترط ذلك القانون المدني حسبما هو مقرر في المادة( 1173 ) من القانون المدني.

الاستثناء الثالث:  السماح للجار بالمرور إذا لم يجد  الجار طريقاً إلى داره أو أرضه حسبما هو مقرر في القانون المدني.

الوجه الثاني: عدم جواز إلزام المالك بترك مسافة فاصلة فيما بينه وبين جاره:

تحمي وتكفل الشريعة الإسلامية الملكية الفردية أو الخاصة ، وكذلك يصرح الدستور بان الملكية الفردية أو الخاصة مصونة ولا يجوز الاستيلاء عليها إلا لمنفعة عامة وبتعويض عادل، وسبق أيضاً  القول بأن الحالات الاستثنائية  التي يجوز فيها إلزام المالك بترك مسافة فيما بينه وبين جاره، ولأن الاستثناء لا يتوسع فيه ولايقاس  عليه فلا يجوز إلزام المالك بترك مسافة فيما بينه وبين جاره، لأن ذلك افتئات على ملك المالك يخالف الشريعة الإسلامية والدستور والقانون حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.