أسباب بطلان حكم التحكيم إجرائية لا موضوعية
أ.د/
عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ
بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تخضع أحكام التحكيم لرقابة القضاء عن طريق دعوى
بطلان حكم التحكيم التي يتم رفعها أمام محكمة الاستئناف التي تكون محكمة قانون عند
نظرها لدعوى بطلان حكم التحكيم للتأكد من
موافقة حكم التحكيم لنصوص قانون التحكيم وقواعد النظام العام المقررة في قانون المرافعات،
ومؤدى ذلك أنه لا يجوز للخصوم إثارة المسائل الموضوعية أمام محكمة الاستئناف
بإعتبارها محكمة قانون بالنسبة لدعوى بطلان حكم التحكيم، ولهذا السبب لايجوز لمحكمة
الاستئناف أن تتعرض من ذاتها للمسأئل الموضوعية ، وهذا يعني ان محكمة الاستئناف عند
نظرها في دعوى بطلان التحكيم تتقيد بأسباب بطلان حكم التحكيم المحددة في المادة
(53) تحكيم للتحقق فقط من توفرها ، ولان هذه الأسباب ذات طابع إجرائي فأنه لا يجوز أمام محكمة الاستئناف إثارة
المسائل الموضوعية التي لا تتصل بأسباب بطلان حكم التحكيم المحددة في المادة (53)
تحكيم، ولا يجوز أيضا للخصوم أمام محكمة الاستئناف ان يتقدموا بأية طلبات لا تندرج
ضمن حالات أو أسباب بطلان حكم التحكيم، وكذا لايجوز لمحكمة الاستئناف أن تقضي
بتأييد حكم المحكم أو تقضي بتعديل منطوقه، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة
المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4-2-2013م في الطعن رقم
(50211)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (وحيث ان مناعي مدعي بطلان حكم التحكيم هي عبارة عن منازعة
موضوعية وليست إجرائية، ولذلك فإن تلك المناعي لا تتفق مع صحيح قانون التحكيم))،
وقد أقر حكم المحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة
العليا : ((وحيث ان الشعبة قد ناقشت أسباب دعوى البطلان وتأكدت من وجود وثيقة
التحكيم، لذلك فإن حكمها موافق من حيث النتيجة للقانون لما علل به وأستند إليه في
قضائه برفض دعوى البطلان موضوعاً))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين
في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: الطابع الإجرائي لأسباب بطلان حكم التحكيم:
حدد قانون التحكيم أسباب بطلان حكم التحكيم في
المادة (53) التي نصت على أنه (مع مراعاة أحكام هذا القانون لايجوز طلب إبطال حكم
التحكيم إلا في الاحوال التالية: -أ- إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو انتهت مدته أو
كان باطلا وفقا للقانون. -ب- إذا كان أحد أطراف التحكيم فاقد الأهلية. -ج- إذا
كانت الإجراءات غير صحيحة. -د- إذا تجاوزت لجنة التحكيم صلاحياتها. -هـ- إذا تم
تشكيل لجنة التحكيم بصورة مخالفة لاتفاق التحكيم. -و- إذا لم يكن حكم التحكيم
مسببا. -ز- إذا خالف حكم التحكيم أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام وفيما عدا
هذه الاحوال والأحوال المبينة في هذا القانون فان أحكام التحكيم التي تصدر وفقا
لهذا القانون لا يجوز الطعن فيها بأية طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون
المرافعات )، ومن خلال إستقراء حالات البطلان في النص السابق يظهر أنها ذات طابع
إجرائي وليس موضوعي، وقد تمت صياغة هذه الحالات على هذا النحو حتى تتمكن محكمة الاستئناف من بسط رقابتها على
أحكام التحكيم من غير ان تتعرض للمسأئل الموضوعية، وتبعاً لذلك يجب على الخصوم
التقيد بهذه الحالات وعدم إثارة المسائل أو الطلبات الموضوعية أمام محكمة
الاستئناف ، فلا يحق للخصوم ان يقدموا اويثيروا طلبات موضوعية لا تتصل بحالات
البطلان السابق ذكرها، كما لا يحق لمحكمة الاستئناف أن تتعرض للمسأئل الموضوعية .
الوجه الثاني: أسباب بطلان حكم التحكيم وعلاقتها بالرقابة القانونية لمحكمة الاستئناف على حكم التحكيم:
سبق القول بأن محكمة الاستئناف تباشر الرقابة
القضائية على أحكام التحكيم للتحقق من موافقتها للقانون بإعتبار حالات بطلان حكم
التحكيم الواردة في المادة (53) تحكيم تحتاج إلى رقابة القضاء للتحقق من تحققها أو
عدم تحققها لأهمية الجوانب التي تضمنتها حالات بطلان حكم التحكيم المذكورة في
المادة(53 ) تحكيم ، وعلى هذا الأساس فأنه يلزم المدعي بالبطلان ان يتقيد بهذه
الحالات عند رفعه لدعوى البطلان، كما ينبغي عليه ان يثبت وجود أو تحقق حالات
البطلان المدعى بها، ومن جانب آخر فإن دور محكمة الاستئناف في سبيل الرقابة
القانونية على حكم التحكيم ان تتحقق من مدى وجود حالات البطلان المدعى بها.
الوجه الثالث: الطابع الإجرائي لأسباب بطلان التحكيم وتأثيرها في سلطة محكمة الاستئناف عند نظرها لدعوى البطلان:
الطابع الإجرائي لأسباب بطلان حكم التحكيم يؤثر
على سلطة محكمة الاستئناف عند نظرها لدعوى بطلان حكم التحكيم، فمحكمة الاستئناف لا
تملك النظر في المسائل الموضوعية، لأن محكمة الاستئناف تكون بالنسبة لدعوى البطلان
محكمة قانون لا محكمة موضوع مثلها في ذلك مثل المحكمة العليا العليا عندنا تتحقق
من مدى توفر حالات النقض المنصوص عليها في المادة(292 ) مرافعات، اضافة إلى وجوب
تقيد محكمة الاستئناف بأسباب بطلان حكم التحكيم المحددة قانوناً، فضلاً عن أنه لا
يجوز لمحكمة الاستئناف إقرار حكم التحكيم حيث يقتصر قضائها على رفض دعوى بطلان حكم
التحكيم أو قبولها ، فلا يجوز لمحكمة الاستئناف ان تقضي بتأييد حكم التحكيم،
فمحكمة الاستئناف لا تملك إلا الحكم بقبول دعوى البطلان وعندئذٍ يبطل حكم التحكيم
أو ان تحكم برفض دعوى البطلان وعندئذ يصير حكم التحكيم نافذاً، كما لايحق لمحكمة
الاستئناف تعديل فقرات منطوق حكم التحكيم، والله اعلم .