تشخيص الجنايات لا يصح الا من طبيب مختص

 

تشخيص الجنايات لا يصح الا من طبيب مختص

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تشخيص الجنايات وتحديدها وبيان اوصافها ومسافاتها واعماقها وتأثيرها على المصاب عمل طبي يجب افراغه في تقرير طبي يصدره المستشفى الذي تولى معالجة المصاب بالجنايات ،  ولهذا فإن للتقرير الطبي اهميته البالغة، إذ يستعين القاضي بالبيانات الواردة في التقرير في وصف وتسمية الجنايات بالوصف القانوني  لها( دامية /هاشمة/ناقلة /باضعة )، وفي ضوء ذلك يحدد القاضي أرش تلك الجنايات بإعتبار الأرش هو العقوبة التي سيحكم بها القاضي ، وعلى هذا الأساس لايجوز ان يقوم الأمين الشرعي او غيره بتحديد الجنايات، لان ذلك إجراء طبي لايقوم به الا الطبيب المختص المعالج ، كما لايجوز للأمين أو غيره تقدير الأرش، لان ذلك  من إختصاص القاضي الذي يقوم بتقدير الأرش والحكم به بإعتبار الأرش عقوبة ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19-1-2013م في الطعن رقم (43930)، الذي ورد ضمن أسبابه (( وحيث ان الشعبة في حكمها المطعون فيه قد استندت الى تقرير تضمن الجنايات التي لحقت بالمطعون ضده دون ان تتحرى من صفة واختصاص  الشخص الذي قام  بإعداد التقرير، وكذا التأكد مما اذا كان التقرير تقريراً طبياً صادرا من طبيب مختص، وبما أن الشعبة  لم تبحث هذه المسألة فان حكمها معيب))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الاوجه الأتية:

الوجه الاول: المقصود بتشخيص الجنايات وتحديدها:

الجنايات  هي الإصابات أو الجراح التي تقع بالمصاب  جراء الحوادث المختلفة، كالإعتداءات التي تقع على جسم المصاب من الغير او تلحق به جراء الحوادث المختلفة، كحوادث السير واصابات العمل، وعلى هذا الاساس فإن المقصود بتشخيص الجنايات هو إجراء الفحوصات والكشوفات اللازمة  للإصابات التي لحقت بالمصاب ووصفها وبيان اماكنها  في جسد الضحية ومسافاتها من حيث العمق والطول والعرض وتأثيرها على الضحية ومدى قابليتها للعلاج والوقت اللازم لذلك، وسبب حدوث هذه الاصابات وتاريخ ووقت وصول المصاب الى المنشأة الطبية والتدابير والمعالجات التي قامت بها المنشاة الطبية، ولهذه البيانات الطبية أهمية بالغة، إذ يستعين القاضي بهذه البيانات في إطلاق التسمية الشرعية والقانونية لهذه الاصابات (كالجائفة/ والهاشمة/ والناقلة...إلخ)، وفي هذا المعنى نصت المادة (52) من لائحة المنشآت الطبية والصحية الخاصة على ان (تلتزم المنشآت الطبية الخاصة بعدم منح أي تقارير طبية لغير المرضى الذي تم رقودهم لديها وإجراء تدخل علاجي او جراحي لهم، ويجب الإلتزام بالأسلوب التفصيلي في سرد التاريخ المرضي والإجراءات التشخيصية والتداخلات العلاجية او الجراحية التي تمت للمريض).

الوجه الثاني: الطبيعة القانونية للتقرير الطبي بشان الجنايات:

عند  النظر في أحكام الخبرة المنصوص عليها في قانون الإثبات نجد ان غالبها لا تنطبق على التقرير الطبي الصادر عن المستشفى  الذي تم اسعاف المصاب إليه، فالخبير في قانون الإثبات يجب ان يتم تكليفه بداية من قبل المحكمة قبل قيامه بمهمته، إضافة إلى  أنه ينبغي ان يؤدي الخبير اليمين على ان يقوم بمهمته وفقا لأصول وقواعد المهنة  المرعية، كما يحق للخصوم ابداء ملاحظاتهم على تقارير الخبراء، حسبما هو مقرر في باب (الاستعانة بالخبراء العدول في قانون الاثبات المواد 165 الى 175) من قانون الإثبات، في حين نلاحظ ان التقارير الطبية الصادرة عن المستشفيات التي يتم إسعاف المصابين إليها لا تخضع لأحكام الخبرة المقررة في قانون الإثبات، حيث تستدعي ضرورة إسعاف المصابين إلى المستشفيات القريبة لتلقي العلاج اللازم، وبناء على ذلك تقوم هذه المستشفيات بإعداد تقارير طبية بشأن المصابين الذين تم اسعافهم إليها ، علاوة على ان التقرير  الطبي الذي يتضمن تحديد الجنايات والإصابات في الشخص الذي يتم اسعافه إلى المستشفى يكون عبارة عن شهادة خطية من الطبيب الذي تولى علاج المصاب، فالتقرير يتضمن مشاهدات الطبيب والفحص والكشف الذي قام به الطبيب للمصاب، غير ان الشهادة لها احكامها، ومن ذلك انه يجب ان تسبقها دعوى وان تقام الشهادة في مجلس القضاء، ونخلص من هذا الوجه إلى القول: ان التقرير الطبي المتضمن نتائج الكشف والفحص والتشخيص الطبي للإصابات الموجودة بجسم الشخص الذي يتم اسعافه له طبيعته الخاصة التي تميزه عن تقارير الخبراء العدول وعن اقوال الشهود.

الوجه الثالث: لا يجوز لغير الطبيب المعالج ان يقوم بتشخيص وتحديد الجنايات:

سبق القول ان الفحص والكشف على الجنايات التي لحقت بالمصاب هو عمل طبي صرف، ولذلك فإن قيام بعض الأشخاص كبعض الأمناء او غيرهم بإعداد تقارير عن أروش الجنايات لا يجوز، لأن هذه التقارير صادرة من غير اطباء مختصين.

الوجه الرابع: إطلاق الوصف الشرعي على الجنايات عمل قضائي صرف:

من المؤكد أنه إذا كانت القضية منظورة أمام القضاء فإن القاضي وحده هو المختص بالتكييف القانوني للوقائع والجنايات، فهو الذي يملك حق إطلاق الوصف او التسمية القانونية على الجنايات مسترشدا بما ورد في التقرير الطبي، حيث يقوم القاضي بإطلاق الوصف القانوني للجنايات (جائفة/ ٱمة/ دامغة/ دامية...الخ)، وفي ضوء ذلك يحدد القاضي الأرش الشرعي لهذه الجنايات بإعتبار هذا هو الحكم الذي سينطق به القاضي، لأن الأرش عقوبة وفقاً لقانون الجرائم والعقوبات، والله اعلم .