يخلى المدعي وسكوته

 

يخلى المدعي وسكوته

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من مظاهر حياد القاضي ان لا يحكم بما لم يطلبه الخصم، وان لا يحكم للساكت الذي لم يطلب الحكم له، وعلى هذا الأساس جاءت قاعدة (يخلى المدعي وسكوته) حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-4-2013م في الطعن رقم (47964)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث ان الطاعن قد نعى على الحكم الاستئنافي أنه قد الغى الغرامة التي قضى بها الحكم الابتدائي، ومن خلال رجوع الدائرة إلى أوراق القضية، فقد تبين لها ان الطاعن لم يتقدم أمام المحكمة الابتدائية بدعوى مدنية تبعاً للدعوى الجزائية، ومع ذلك فقد قضى الحكم الابتدائي للطاعن بمبلغ خمسين ألف ريالا، وحيث ان الطاعن لم يتقدم بدعوى يطلب فيها تعويضه عن الضرر الذي لحق به بسبب الجريمة، وحيث ان القاعدة الشرعية تقضي بان : المدعي يخلى وسكوته، ولذلك فإن الدائرة ترفض الطعن موضوعاً))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: معنى قاعدة يخلى المدعي وسكوته وأساسها:

مصدر هذه القاعدة: هو الفقه الإسلامي الذي يقرر ان المدعي  يخلى وسكوته، فلا يجوز حمل المدعي على الطلب، إذ ينبغي ان يخلى وسكوته، فلا يجبر على ذلك  اما المدعى عليه  فلايخلى وسكوته، إذ يعد منكرا للدعوى اذا سكت، (نظرية الدعوى في الفقه الإسلامي، استاذنا الدكتور نصر فريد واصل. ص 132)، وقد أخذ الفقه القانوني هذه القاعدة من معين الفقه الإسلامي، وتتأسس قاعدة: يخلى المدعي وسكوته على أساس ان الإدعاء حق وليس واجباً، فللمدعي ان يباشر حقه في الإدعاء  وله ان لا يباشر ذلك الحق ، فيترك المدعي إذا ما لم يباشر حقه في الدعوى والمطالبة، فلايجوز ان يحكم القاضي له اذا يطلب ذلك، ولا يجبر على المطالبة بحقه ، وتعني هذه القاعدة ان المدعي يترك وسكوته عن المطالبة والإدعاء، فلا يحكم له بشيء لم يدعيه أو يطلبه، فله ان يدعي أو يطلب، كما ان له ان يسكت عن الإدعاء والمطالبة، فإذا سكت المدعي عن المطالبة فلا يجوز للقاضي ان يحكم له وان ظهر للقاضي احقية المدعي في ان يحكم القاضي له، فلا يحكم القاضي للمدعي الساكت.

الوجه الثاني: تطبيق الحكم محل تعليقنا لقاعدة (يخلى المدعي وسكوته):

قضى الحكم محل تعليقنا بعدم جواز الحكم للمضرور من الجريمة حتى إذا ثبت لحوق الضرر به بسبب الجريمة وإستحقاقه التعويض طالما ان المدعي المضرور من الجريمة لم يتقدم أمام المحكمة بدعوى مدنية تبعاً للدعوى الجزائية، لأن المدعي يخلى وسكوته، فلا يجوز الحكم له بالتعويض حتى إذا أظهر للقاضي ان الضرر قد لحق بالمدعي وثبت إستحقاقه للتعويض، فلا يجوز للقاضي ان يحكم بما لم يطلبه المدعي الساكت، والله اعلم .