تقيد المحكمة بقرار الإتهام

 

تقيد المحكمة بقرار الإتهام

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

النيابة العامة هي السلطة المختصة بالتحقيق والإدعاء والترافع في القضايا الجزائية،، وهي صاحبة الولاية في رفع الدعوى الجزائية والترافع فيها نيابةً عن المجتمع، ولذلك فإن المحكمة تتقيد عند فصلها في الدعوى الجزائية بحدود  الوقائع والمتهمين المذكورين في الدعوى الجزائية العامة المرفوعة أمامها، فلايحق للمحكمة ان تحكم في واقعة أوعلى متهم لم يرد ذكره في  الدعوى الجزائية ، غير ان هذا التقييد  لايعني منع المحكمة من رفض الدعوى الجزائية بعضها أو كلها اي  الحكم بثبوت بعض الوقائع وعدم صحة بعضها  أو الحكم  أو الحكم بإدانة بعض المتهمين وتبرئة بعضهم كما يحق للمحكمة رفض الدعوى الجزائية كلها، لان الدعوى الجزائية مجرد دعوى قد تصح وقد لاتصح جزئيا اوكليا ،  إضافة إلى أنه  للمحكمة  حق التصدي إذا وجدت  ان الدعوى العامة الجزائية لم تتضمن وقائع أو  تشمل متهمين  اخرين   ضالعين في التهم الواردة في قرار الإتهام، فعندئذ يحق للمحكمة مباشرة سلطتها في التصدي وتكليف النيابة بإجراء التحقيق بشأن المتهمين الذين اغفلهم قرار الإتهام أو الدعوى الجزائية ،  فالمقصود بتقيد المحكمة بقرار الإتهام  أنه لايجوز لمحكمة الموضوع ان تحكم بشأن وقائع أو متهمين لم يرد ذكرهم في قرار الإتهام، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-12-2012م في الطعن رقم (47969) الذي ورد ضمن أسبابه: ((وما نعاه الطاعن في غير محله: فقوله غير سديد، لأن المحكمة مقيدة بقرار الإتهام، فمسألة قطع  المطعون ضده للشارع يختص بها مكتب الأشغال العامة ))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: ماهية قرار الإتهام:

قرار الإتهام حسب التعبير الوارد في الحكم محل تعليقنا: هو قرار النيابة العامة إحالة المتهمين والوقائع المسندة لهم إلى المحاكمة الجزائية اذا اسفر التحقيق عن توفر الأدلة على قيام التهم المسندة إلى  المتهمين ، ويطلق على قرار الإتهام أيضاً قرار الإحالة  اي إحالة الدعوى الجزائية العامة إلى  المحكمة الجزائية المختصة ، وتقوم النيابة بإصدار قرار الإحالة أو الإتهام كنوع من أنواع التصرف في التحقيق الذي اجرته النيابة إذا توصلت إلى توفر الأدلة على وقوع التهم ونسبتها إلى المتهمين ، وتتولى النيابة العامة رفع الدعوى الجزائية أو قرار الإتهام أمام المحكمة الجزائية المختصة بمقتضى الصلاحيات المقررة للنيابة العامة وفقاً لقانون الإجراءات الجزائية( الدعوى الجزائية وإجراءات المحاكمة، د. فواد عبد المنعم، ص265).

الوجه الثاني: معنى تقيد المحكمة بقرار الإتهام:

قضى الحكم محل تعليقنا بأن المحكمة تتقيد بحدود الوقائع المذكورة في قرار الإتهام أو الأشخاص المتهمين المشمولين بقرار الإتهام، فلا يجوز للمحكمة ان تفصل في واقعة لم يرد ذكرها في قرار الإتهام، كما لا يجوز للمحكمة ان تقضي بإدانة أو براءة شخص لم يشمله قرار الإتهام أو لم يرد ذكره ضمن المتهمين في قرار الإتهام، لأن القضايا الجزائية بطبيعتها والعقوبات المترتبة عليها ومساسها الشديد بحقوق الأفراد وحرياتهم يستدعي قيام الجهة المختصة بالتحقيق  بدراسة هذه القضايا ومباشرة التحقيق فيها للتحقق والتثبت من قيام الواقعة وتوفر أدلتها وصحة نسبتها إلى المتهم، وذلك يتطلب من النيابة العامة جهوداً مضنية، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قضى بأن المحكمة تتقيد بقرار الإتهام، فلا يحق لها ان تحكم بواقعة أو على متهم لم يشمله قرار الإتهام، وتطبيقاً لذلك لم يفصل الحكم محل تعليقنا بواقعة قيام المطعون ضده بقطع الشارع، لان هذه الواقعة لم يرد ذكرها في قرار الإتهام ألمرفوع من النيابة إلى المحكمة.

الوجه الثالث: لا تتقيد المحكمة بقرار النيابة عند رفعه إليها ولكنها تتقيد بقرار الإتهام عند فصلها فيه:

عندما ترفع النيابة العامة قرار الإتهام إلى المحكمة، فإن المحكمة لا تتقيد بقرار الإتهام، فقد تجد المحكمة من خلال التحقيق النهائي الذي تجريه  المحكمة ان هناك متهمين آخرين لم يشملهم قرار الإتهام أو وقائع أخرى لم يشملها قرار الإتهام، فعندئذٍ تباشر المحكمة حقها في التصدي، فتكلف المحكمة النيابة العامة بمباشرة  إجراءات التحقيق مع المتهمين والوقائع التي لم يشملها قرار الإتهام، ولكن المحكمة عند فصلها في قرار الإتهام تتقيد بحدود الوقائع والمتهمين المذكورين في قرار الإتهام، فلا يحق للمحكمة ان تقضي على أشخاص أو وقائع لم يرد ذكرها في قرار الإتهام، إضافة إلى أن تقيد المحكمة بقرار الإتهام لا يعني ان المحكمة لا تملك رفض كل ما ورد في قرار الإتهام أو بعضه، فللمحكمة ان  تقضي بادانة بعض المتهمين وتبرئة بعضهم أو الحكم بثبوت بعض الوقائع الواردة في قرار الإتهام وعدم صحة بعض الوقائع الواردة في قرار الإتهام، لأن قرار الإتهام عبارة عن دعوى قد يثبت للمحكمة عدم صحتها أو صحتها من خلال التحقيق النهائي الذي تجريه المحكمة الجزائية والقاضي الجزائي.

الوجه الرابع: توصية إلى الاخوة الأعزاء دعاة الإدعاء المباشر في القضايا الجزائية (جرائم الشكوى):

نظراً لتراكم جرائم الشكوى لدى النيابة وكثرتها وتأثيرها في  تأخير التحقيق والتصرف فيها من قبل النيابة العامة ، وتبعا لذلك تأخر إجراءات التقاضي في المسائل الجزائية وتعويقها، وحرصاً منالاخوة  المهتمين الخيرين الساعين في سبيل محاصرة ظاهرة بطء إجراءات التقاضي  فقد نادى بعض المهتمين بإستحداث نظام الإدعاء المباشر في جرائم الشكوى، حتى يتمكن المجني عليه من مباشرة دعواه مباشرة أمام القاضي الجزائي من غير تحقيق تجريه النيابة العامة، ومن غير دعوى جزائية ودعوى مدنية تابعة لها، ومع تقديرنا لإخلاص المنادين بنظام الإدعاء المباشر وسلامة مقصدهم، فإن هذا النظام سينقل تراكم القضايا وتكدسها من النيابات إلى القضاة والمحاكم الجزائية وسيكون تأثير ذلك أخطر واكبر وافضع على القضاء الجزائي، لأن جرائم الشكوى هي أكثر القضايا الجزائية، فالنيابة العامة عند تحقيقها في هذه الجرائم تتأكد من جدية ووجاهة هذه الشكاوى عن طريق التحقيق الابتدائي، فلم تكن النيابة تحيل إلى المحكمة الا الشكاوى التي تثبت جديتها وصحتها، فالنيابة العامة محطة للتثبت من جدية وصحة جرائم الشكوى ، فإذا كانت جرائم الشكاوى قد ارهقت النيابات العامة مع كثرة إمكانياتها واشرافها على مأموري الضبط القضائي، فإن إستحداث نظام الإدعاء المباشر في جرائم الشكوى سوف  يشل اعمال القضاة الجزائيين تماماً، ولذلك فإن الحل البديل لنظام الإدعاء المباشر هو رفد النيابات العامة بالكوادر البشرية، لأن الإشكالية الحقيقية تكمن في قلة اعضاء النيابة العامة وكثرة جرائم الشكوى (الإدعاء المباشر في الإجراءات الجزائية، د. فوزية عبد الستار، 185)، والله اعلم .