لزوم تحقق المحكمة من صحة المحرر العرفي عند إنكاره
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
ليس
خافياً ان غالبية المحررات والمستندات في
اليمن عرفية تم تحريرها وإنشاؤها من قبل كتبة ليسوا موظفين رسميين، كما ان أغلب
المحررات والمستندات لم يتم توثيقها في أقلام التوثيق، كما أنه لم يتم تسجيلها في
السجل العقاري، ولذلك يتمسك غالب الأشخاص بمحررات عرفية لم تصدر عن موظفين رسميين
مختصين بتحرير هذه المستندات، فيلزم المحكمة عند إنكار المحرر ان تلزم المتمسك به إثبات
صحة المحرر الذي يتمسك به، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19-1-2013م في الطعن رقم (47200)، الذي ورد ضمن
أسبابه: ((وبرجوع الدائرة إلى الحكم الاستئنافي المطعون فيه، فقد وجدت الدائرة ان
الطاعن ما زال منكراً للوثيقة المبرزة من المدعى عليه، لأن الطاعن حائز للأرض لمدة
طويلة، كما ان الطاعن لم يناقش الوثيقة المشار إليها حتى تصبح حجة عليه، كما ان
الشعبة لم تطبق الأحكام الخاصة بالمحرر العرفي في قانون الإثبات ببيان نوعه وإلزام
المتمسك به بإثباته وفقاً لحكم المادتين (104 و106) إثبات، فالشعبة قد اخطأت في
قضائها بثبوت ملكية ال... من غير ان تقطع
بصحة المحرر))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا:
أستند
الحكم محل تعليقنا إلى المادتين (104 و106) إثبات، فقد نصت المادة (104) إثبات على
أنه (يعتبر المحرر العرفي الموقع من الخصم حجة عليه وعلى وارثه أو خلفه ما لم ينكر
صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو أمضاء أو ختم أو بصمة، فإذا لم يقم المدعي
البرهان على الخط حلف المدعى عليه البت والقطع أما الوارث أو خلفه فإنه يحلف على
نفي العلم)، في حين نصت المادة (106) إثبات على أنه (إذا كان المحرر العرفي مكتوبا
بخط الغير وغير موقع من الخصم فيجب الأشهاد عليه للأخذ بما جاء فيه غير انه إذا
كان كاتب المحرر معروفا بالعدالة والأمانة وحسن السيرة وكان خطه معروفا للقاضي
لشهرته أو كان قد أقر أمامه أنه كاتب المحرر وشهد بصحة ما جاء فيه فإنه يجوز الأخذ
بما جاء منه في المحرر كشاهد بصحته مع التتميم).
الوجه الثاني: إثبات المحرر العرفي بالإقرار أو المناقشة له:
من
خلال إستقراء المادتين (104 و106) إثبات يظهر ان المحرر العرفي يثبت بإقرار الخصم
بصحته أو مناقشته لمحتوى المحرر، فعندئذٍ يكون المحرر العرفي ثابتا،فلا يلزم إثبات صحة
المحرر بالطرق المقررة في المادة (104) إثبات السابق ذكرها في الوجه الأول، إذ لا
يتم اللجوء إلى وسائل إثبات المحرر العرفي
إلا إذا لم يكن هناك إقرار بالمحرر العرفي .
الوجه الثالث: إثبات صحة المحرر العرفي عن طريق كاتب المحرر نفسه :
وفقاً
للمادة (104) إثبات، فيتم إثبات صحة المحرر العرفي عن طريق كاتب المحرر الذي تقوم
محكمة الموضوع بإستدعائه وسؤاله عن عما إذا كان المحرر صحيحاً، وعما إذا كان
المحرر بخطه، لأن الكاتب هو الأعرف بالمحرر وظروف تحريره ومدى صحته وتفاصيل إنشاء
المحرر والتفاهمات والمفاوضات التي تمت بين أطراف المحرر كالبائع والمشتري، فإذا
ذكر الكاتب ان المحرر بخطه وأنه نشاء صحيحاً فتقبل المحكمة إفادة الكاتب، وتتم هذه
الطريقة إذا كان كاتب المحرر على قيد الحياة.
الوجه الرابع: إثبات صحة المحرر عن طريق شهود المحرر ذاته:
المحرر
وسيلة إثبات، وكذلك الحال بالنسبة للشهود المذكورين في المحرر بأنهم كانوا شهوداً
عند تحرير المحرر، ولذلك فإن محكمة الموضوع تقوم بإستدعاء شهود المحرر لسؤالهم عما
إذا كان المحرر قد تم إنشاؤه بحضوره، وعما إذا كان المحرر صحيحاً، وتستند المحكمة
في حكمها إلى إفادات الشهود في هذا الشأن.
الوجه الخامس: إثبات المحرر العرفي عن طريق التعرف على خط كاتب المحرر :
وفقاً
للمادة (104) إثبات فأنه من الممكن إثبات صحة المحرر العرفي عن طريق التعرف على خط
كاتب المحرر، فقد يكون خط الكاتب مشهوراً ومعروفا في المنطقة، فيستطيع القاضي
عندئذ التعرف على خط الكاتب من تلقاء نفسه، ولذلك يجوز للقاضي التعرف على خط
الكاتب حسبما ورد في المادة (104) إثبات.
الوجه السادس: إثبات صحة المحرر العرفي عن طريق التعريف بخط كاتب المحرر :
التعرف
على خط الكاتب يتم من قبل المحكمة ذاتها حسبما سبق بيانه في الوجه السابق، اما
التعريف بخط كاتب المحرر فيتم عن طريق شهود يشهدوا بأن الخط المكتوب به المحرر هو خط كاتب المحرر وأنهم يعرفون خط الكاتب تمام
المعرفة ، وفي هذا الشأن يتم الإستشهاد في
غالب الأحيان بأقوال أبناء كاتب المحرر، لأنهم الأعرف بخط ابيهم، وقد يتم
الإستشهاد بالعدول من أهل المحلة التي كان يقيم أو يعمل فيها الكاتب، حيث يكون
أولاد الكاتب وأهل محلته الأعرف بخط كاتب المحرر.
الوجه السابع: إثبات صحة المحرر العرفي عن طريق مضاهاة الخط:
في
حالات كثيرة يتم إثبات صحة المحرر العرفي عن طريق المقارنة بين الخط المكتوب به
المحرر وبين محررات أخرى ثابتة صحتها
ونسبتها إلى كاتب المحرر المطلوب إثباته، فعن طريق المقارنة بين الخطوط يستطيع
القاضي ان يدرك بالعين المجردة الفروق بين الخطوط في المحررات أو التماثيل بينها ،
وفي بعض الحالات يجد القاضي أنه من المناسب إحالة المحررات إلى إدارة الأدلة
الجنائية للفحص الفني أو التقني المحررات والمضاهاة بينها، وبيان عمر الخط والورق المكتوب عليه المحرر المطلوب إثبات صحته.
الوجه
الثامن: إثبات صحة المحرر العرفي عن طريق إفادة قلم التوثيق:
وفقاً
لقانون التوثيق فإن قلم التوثيق يحتفظ بنسخ من المحررات المختلفة التي يقوم
بتوثيقها، وتكون هذه المحررات كثيرة جداً، لأن قلم التوثيق يتبعه كافة الأمناء
الشرعيين في نطاق إختصاص المحكمة، كما أن قلم التوثيق يقوم بإثبات المحررات
العرفية اللازم إثباتها قانونا، إضافة إلى أن قلم التوثيق يقوم بإنشاء المحررات
المختلفة، ولذلك تتوفر لديه المستندات والمحررات المختلفة المكتوبة بالخطوط
المعروفة ضمن اختصاص المحكمة، ومن خلال
ذلك يستطيع قلم التوثيق الإفادة عن مدى صحة
المحرر المطلوب إثباته أو تقديم المحررات اللازمة للمضاهاة ، ولذلك نلاحظ ان بعض
المحاكم تكلف قلم التوثيق بالتحقق والإفادة عن مدى صحة المحرر المطلوب إثباته.
الوجه
التاسع: وجوب تحقق محكمة الموضوع من مدى صحة المحرر العرفي عند إنكاره:
قضى
الحكم محل تعليقنا بأنه يجب على محكمة الموضوع عند إنكار المحرر العرفي ان تتحقق
من مدى صحة المحرر العرفي حتى تحسم هذه المسألة سيما إذا كان المحرر العرفي هو
الحاسم في النزاع، حتى تجزم المحكمة في القضية بعد ان تتحقق من صحة المحرر العرفي فتصدر
حكمها الحاسم وحتى لاتتسبب المحكمة في إطالة إجراءات التقاضي، لأن المحكمة اذا لم
تتحقق من صحة المحرر العرفي عند إنكاره سوف
تلغي أو تنقض حكمها محكمة الطعن وتكلفها بإعادة الفصل في القضية والتحقق من صحة
المحرر مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ، ولذلك يلزم
المحكمة ان تتحقق من صحة المحرر العرفي عن طريق وسائل الإثبات المشار إليها
في الأوجه السابقة، والله اعلم .