إشكالية مهر المثل في اليمن
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من الشائع في اليمن قديماً وحديثاً ان لا تتم
تسمية المهر في عقد الزواج بمقدار معين او مبلغ معين من المال، وبدلاً من ذلك تتم تسمية
المهر في عقد الزواج بعبارة (مهر المثل) أو مهر أمثالها أو مثيلاتها، وتثير تسمية المهر بعبارة مهر مثيلاتها أو مهر مثلها تثير هذه التسمية إشكاليات كثيرة في
التطبيق العملي، ولذلك من المناسب الإشارة إلى هذه الإشكاليات في سياق التعليق على
الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
26/2/2013م في الطعن رقم (47471)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (اما بالنسبة
لمهر الزوجة فقد ثبت انه باقٍ في ذمة الزوج بموجب عقد النكاح المؤرخ...، وهو مهر
المثل فلم يحدد في العقد مبلغ المهر، اما الاستدلال بعقد اخت المدعى عليه بأن مهرها
هو مائة الف ريال وأنه هو المثل لمهر الزوجة محل النزاع، فذلك إستدلال فاسد، فلا
يمكن القياس عليه، ولذلك ينبغي الرجوع إلى عقود النساء اللاتي تزوجن في تاريخ
معاصر لعقد زواج الزوجة الذي ذكر أن مهرها مهر المثل، حتى يتم الوقوف على مهر امثالها
في ذلك الحين)، وعند استئناف الحكم الابتدائي قضت الشعبة الاستئنافية بخلاف ما قضى
به الحكم الابتدائي، فقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (اما بالنسبة لمهر
الحرة... فالظاهر بقاؤه في ذمة زوجها المؤرث، ونظراً لعدم معرفة مقدار مهرها بسبب
ورود ان مهرها مهر أمثالها بحسب ماورد في عقد الزواج ، ولذلك فإن الشعبة تقرر ان
يكون مهرها هو مائة ألف ريالاً مهر امثالها من اقاربها في الوقت الحاضر، لان الحكم
بمهر امثالها في تاريخ عقد نكاحها (قبل
اربعين سنة) لا يتناسب مع الواقع حالياً)، وقد أقرت الدائرة الشخصية الحكم
الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((اما من حيث الموضوع فقد تبين
للدائرة ان أسباب الطعن متعلقة بوقائع النزاع، وقد تمت مناقشتها من قبل الشعبة في
حكمها المطعون فيه، حيث توصلت الشعبة الى نتيجة موافقة للشرع والقانون لما عللت به
واستندت إليه في حكمها ))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه
الأتية:
الوجه الأول: ماهية مهر المثل والصفات المعتبرة فيه واستعمالاته في الفقه الإسلامي :
اختلف الفقهاء بشأن تعريف مهر المثل إلى قولين،
الأول: هو المهر السابق دفعه لأمثال الزوجة وهن قريبات الزوجة من جهة ابيها،
والقول الثاني: مهر المثل هو المهر السابق دفعه لمثيلات الزوجة من حيث جمالها
ودينها ومالها وكمالها ولو كن غير قريباتها، اما الصفات المعتبرة في المماثلة عند تقدير
مهر المثل فهي عند جميع الفقهاء: التماثل في الجمال والشرف والنسب والمال والفصاحة
والسن والعلم والثيوبة والبكارة، ومن الصعب جدا ان يتحقق التماثل في هذه الصفات
حتى بين الأخوات، إذ انهن يتفاوتن في الجمال والسن والعلم والدين وغيرها من الصفات
– ولذلك فإن الفقه الإسلامي حينما قرر مهر المثل جعله معالجة لحالات معينة حصرية
وهي حالة عدم تسمية مهر الزوجة مطلقاً أو تسميته تسمية فاسدة كتسميته بخمر أو
خنزير أو الإتفاق بين ولي المرأة والزوج على نفي المهر أو عدم إستحقاق الزوجة له، وكذا
في حالة الوطء الفاسد أو وطء الشبهة، ولذلك فإن الفقه الإسلامي لم ينص على تسمية
المهر بمهر المثل في العقد بداية ، وإنما قرر الفقه الإسلامي مهر المثل لمعالجة
حالات عدم تسمية المهر في العقد أو في الحالات التي يتعذر فيها تسمية المهر في
العقد حسبما سبق بيانه في الحالات السابقة، (الوجيز في أحكام الأسرة،
أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، ص45).
الوجه الثاني: سوء تطبيق مفهوم مهر المثل في اليمن :
سبق القول ان الفقه الإسلامي قرر تطبيق مفهوم مهر
المثل في حالات عدم تسمية المهر في عقد الزواج مطلقاً أو الإتفاق على عدم إستحقاق
الزوجة للمهر أو تسمية المهر تسمية فاسدة أو الدخول بالمرأة في عقد فاسد أو شبهة،
لذلك فقد كان مهر المثل في هذه الحالات معالجة لحفظ حق الزوجة في المهر، لأن المهر
وإن لم يكن ركناً أو شرطاً في عقد الزواج إلا أنه حق للزوجة، ويتمثل سوء تطبيق
وإستعمال مهر المثل في اليمن في قيام بعض الكتبة والأمناء بتسمية المهر في عقد
الزواج ب(مهر مثيلاتها) بدلا من تسمية
المهر بمبلغ معين في عقد الزواج مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل
تعليقنا، حيث يتعامل البعض مع تسمية المهر في عقد الزواج بمهر المثل كما لو أن
المهر إجراء شكلي وليس حقاً للزوجة وديناً بذمة الزوج بخلاف ما اشترطه الفقهاء في
المهر وهو ان يكون معلوما علما نافيا للجهالة إن كان مؤجلاً، فتسمية المهر في عقد
الزواج بداية يجعل مهر الزوجة مجهولاً جهالة فاحشة، حيث يترتب على هذا الأمر إثارة
إشكاليات عدة عند تقدير مهر المثل بسبب التفاوت في الصفات المعتبرة في مهر المثل.
الوجه الثالث: تقدير مهر المثل في الفقه الإسلامي:
يذهب الفقه الإسلامي إلى أنه ينبغي عند تقدير مهر المثل، ان تقدم في ذلك المرأة الأقرب للزوجة فالاقرب، على أن ينبغي أن تتم مراعاة ان تكون القريبة مثل الزوجة في دينها وعقلها وجمالها وجميع صفاتها، فإذا لم يكن في عصبات الزوجة من تماثلها في الصفات المشار إليها فيعتبر حال نساء ارحامها، والمعمول به في المحاكم اليمنية أنه عند الإختلاف بشأن تقدير مهر المثل فإن محكمة الموضوع تخاطب الأمين الشرعي المختص حيث مقر إقامة الزوجة، وذلك للرجوع إلى دفتر عقود الزواج المحفوظ لدى الأمين لتحديد مهر مثيلات الزوجة في حين تلجأ بعض المحاكم إلى قلم التوثيق المختص الذي يحتفظ بنسخ من عقود، الزواج حيث ترجع إليه المحكمة في تقدير مهر المثل ، وقد أشار الحكم محل تعليقنا إلى الخلاف بين المحاكم في تقدير مهر المثل حيث ذهبت المحكمة الابتدائية إلى تقديره على أساس تاريخ عقد الزواج، في حين قدرته محكمة الاستئناف على أساس الوقت الحاضر اي وقت الخلاف، وقد أقرت المحكمة العليا اجتهاد الشعبة الاستئنافية، وهناك محاكم تقضي بتقدير مهر المثل للنساء عند الخلاف على اساس قاعدة الذهب والفضة فتقدره بخمسين ريالاً فضياً ( مارتريزا ) أو جنيهان ذهبيان، لأن سعر الذهب والفضة يظل ثابتاً إلى حد ما، والله اعلم.
![]() |
إشكالية مهر المثل في اليمن . |